وقد ذكر علي - رضوان الله عليه - العنكبوت في كلام له، روى أن رجلًا أتى عليًا - رضوان الله عليه - فقال: يا أمير المؤمنين إنه قضيت علي قضية ذهب فيها مالي وأهلين فخرج إلى الرحبة، فاجتمع عليه الناس، فقال - رضوان الله عليه -: ذمتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم، إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزه التقوى عن تقحم الشبهات، وإن أشقى الناس رجل قمش علمًا في أوباش الناس بغير علم ولا دليل، فاستكثر مما قل منه خير، فأكثر، حتى إذا ارتوى من آجن آسن غير طائل جلس للناس مفتيًا؛ ليخلص ما التبس على غيره، فهو في قطع من الشبهات، في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، خباط عشوات، ركاب جهالات، لم يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم، ولم يسكت فيسلم، تصرخ منه الدماء، وتبكي منه المواريث، وتستحل بقضائه الفرج الحرام، أولئك الذين حلت عليهم النياحة في أيام حياتهم. -أوجب إيراد هذا الحديث ما فيه من ذكر العنكبوت) .
عن أنس بن مالك ﵀ قال: قال النبي ﷺ: ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه في كل يوم خمس مرات، فإذا وجد إنسانًا قد نفذ أجله، وانقطع عمله، ألقى عليه غم الموت، فغشيته كرباته، وغمرته غمراته، وجهرت الباكية بشجوها، والصارخة بويلها، فيقول ملك الموت ﵇: ويلكم، وفيم الفزع؟ وفيم الجزع؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقًا، ولا قربت له أجلًا، ولا أتيته حتى أمرت، ولا قبضت روحه حتى استأمرت، وغن لي فيكم عودة، ثم عودة، ثم عودة، حتى لا أبقى منكم أحدًا. قال النبي ﷺ: فوالذي نفسي بيده، لو يرون مكانه، أو يسمعون كلامه، لذهلوا عن ميتهم، ولبكوا على أنفسهم، حتى إذا حمل الميت على نعشه، رفرفت الروح فوق النعش، فهو ينادي: يا أهلي، ويا ولدي. لا تلعبن بكم الدنيا، كما لعبت بي، جمعت المال من حله ومن غير حله، ثم خلفته لغيري، فالهناءة له، والتبعة علي، فاحذروا ما حل بي.
عن أبي موسى الأشعري ﵀ قال: قال رسول الله ﷺ: "مثل بيت يذكر الله تعلى فيه، وبيت لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت".
وقال ﷺ: "نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن يفر منها الشيطان".
وقال ﷺ: "نزول الضيف في البيت بركة".
وقال ﷺ: "لا تدخل الخيانة بيتًا إلا خرب".
وقال ﷺ: "لا تدخل السرقة بيتًا إلا أورثتهم الذل".
وقال ﷺ: "ما من أحد يخرج من بيته يطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضى بما يصنع".
وقال ﷺ: "ما من أحد يخرج من بيته مجاهدًا في سبيل الله تعالى إلا لم تزل الملائكة تستغفر له حتى يرجع".
وقال الوزير الكامل أبو القاسم بن المغربي، وقد حج:
أستار بيتك أمن الخوف منك وقد ... علقتها مستجيرًا منك يا باري
وما أظنك لما أن علقت بها ... خوفًا من النار تدنيني من النار
وها أنا جار بيت أنت قلت لنا: حجوا إليه، وقد أوصيت بالجار
قرئ على حائط قصر بأعلى الحجاز، قد خرب، وباد أهله:
بالله ربك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللذات والطرب
طارت عقاب المنايا في سقائفه ... فصار من بعدهم للويل والحرب
(هذان البيتان لإبراهيم بن المهدي) .
وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري:
كل بيت للهدم، ما تبتنى الور ... قاء، والسيد الرفيع العماد
واللبيب اللبيب من ليس يغت ... ر بكون مصيره لفساد
وقال أبو العتاهية:
عش ما بدا لك قصرك الموت ... لا معقل منه ولا فوت
بينا غنى بيت وساكنه ... زال الغنى، وتقوض البيت
وقال آخر أظنه أبا العتاهية:
قد آن أن يسمعك الصوت ... أنائم قلبك أم ميت؟!
يا باني البيت على غرة ... أمامك المنزل والبيت
وإنما الدنيا على طولها ... ثنية مطلعها الموت
وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان من قصيدة يرثي بها والده:
هنيئًا لك البيت الجديد موسدا ... يمينك فيه بالسعادة واليمن
مجاور سكن من ديار بعيدة ... من الحي سقيًا للديار وللسكن
1 / 90