[المقدمة]
المناقب والمثالب
تأليف القاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمى المغربي المتوفى سنة 363 ه تحقيق حاجر بن أحمد العطية
صفحہ 3
الطبعة الأولى جميع الحقوق محفوظة للناشر 423 ه- 2002 ه-
صفحہ 4
مقدمة التحقيق:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير خلق الله من الأولين والآخرين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه وتابعيه بإحسان إلى قيام يوم الدين.
أما بعد، فقد برز عنوان (المثالب) والذي أثار حساسية في بعض النفوس، لأنه قد يفهم من هذا العنوان أنها محاولة لإثارة الفتنة والشقاق بين وحدة المسلمين، وإظهار أمور لا يجب أن تظهر لسبب أو لآخر.
والحق أن هذا النوع من الفهم خاطئ وغير صحيح، لأن هذا العنوان أو ما يشابهه قد استعمله المتقدمون بكثرة، وأرادوا به تثبيت حقائق وإظهار حوادث ووقائع، كانت ولا زالت على نحو كبير من الأهمية، وخافية على كثير من المسلمين.
ولذلك أشار المصنف رحمه الله في مقدمته لهذا المعنى بقوله: ولو وجدنا بدا من ذكرها لسترناها، فقد كان يقال: لا خير في ذكر العيوب إلا من ضرورة، وستر المساوئ في الواجب من الخيانة، وليس هذا مما يعارض بالحديث المرفوع: «لا تسبوا الأحياء بسب الأموات» إنما ذلك في الأموات الذين لا يجوز سبهم، فأما من كان سبهم فريضة، ونشر معايبه من أوجب الشريعة، فليس من معنى هذا الحديث.
وبعبارة أخرى، فإننا اليوم بحاجة ماسة لهذه المصادر القيمة المحققة، لمعرفة منبع العقيدة المأخوذة عن هذا أو ذاك.
والحق أن الذين كتبوا في هذا الميدان، قد أتحفوا المكتبة الإسلامية بتراث قيم كبير، فيه وقائع وحوادث وشواهد وأمور لم يذكرها غيرهم بشكل مبسط، وقد يكون ذكرها غيرهم على نحو الإشارة، أو حاولوا التستر عليها رغم اطلاعهم عليها.
صفحہ 5
وقد كتب المتقدمون ومن بعدهم كتب كثيرة في المثالب، نذكر منهم على سبيل المثال:
كتاب مثالب العرب، وكتاب مثالب ثقيف، وكتاب مثالب بني أمية، كلها لأبي المنذر هشام بن محمد الكلبي، وكتاب افتراق هاشم وعبد شمس، لابن أبي رؤبة الدباس، ونقل عنه ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، وكتاب فضل هاشم على عبد شمس، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المعتزلي البصري، ويسمى أيضا بمفاخرة هاشم على عبد شمس، ولعله غيره، وادرجه الشيخ الاربلي في مقدمة كتابه كشف الغمة، ونقله القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة حرفيا في الباب (52)، ونشرته مجلة لغة العرب 9/ 414- 420 بعنوان تفضيل بني هاشم على من سواهم. وكتاب المفاخرات للزبير بن بكار، وكتاب المعرفة في المناقب والمثالب لإبراهيم بن محمد الثقفي، وكتاب مثالب النواصب لأبي عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني، وغيرهم كثير أمثال: عبد الرحمن بن صالح الأزدي أحد المقربين لأحمد بن حنبل، ومحمد بن الحسن بن زبالة الذي كتب في مثالب الأنساب، ومعمر بن المثنى التيمي، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ، وابن الرومي الذي كتب قصيدة في مثالب بني العباس.
أما الكتاب الماثل بين يديك أخي المسلم الكريم، فهو لا يختلف في جوهره عما ذكرنا من المصادر، ولكنه يختلف في مضمونه وتفصيله واسلوبه لسرد الوقائع والأحداث، وقال المؤلف في كتابه (شرح الأخبار: 2/ 98) واصفا هذا الكتاب:
(وقد ألفت كتابا سميته كتاب (المناقب والمثالب)، ذكرت فيه فضل هاشم وولده، وما له ولهم من المناقب في الجاهلية والإسلام، وفضلهم في ذلك على عبد شمس وولده، ومثالب عبد شمس وولده في الجاهلية والإسلام، على الموازنة رجلا برجل).
صفحہ 6
المؤلف والكتاب:
هو القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون.
وقد اتفقت آراء المؤالف والمخالف في فضله وعمله ونبله وكثرة مؤلفاته وتوليه القضاء، وقد ذكره أصحاب التراجم هو وأولاده الذين تولوا القضاء أيضا.
ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان: 5/ 415 قائلا: أحد الأئمة الفضلاء المشار إليهم ... كان مالكي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الإمامية.
وقال: قال ابن زولاق: كان النعمان في غاية الفضل، من أهل القرآن والعلم بمعانيه، عالما بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقاء، واللغة والشعر، والمعرفة بأيام الناس من عقل وانصاف، وألف لأهل البيت من الكتب آلاف الأوراق، بأحسن تأليف وأفصح سجع، وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا.
وذكره اليافعي في مرآة الجنان: 2/ 278 قائلا: كان من أوعية العلم والفقه والدين.
وقال الطهراني في الذريعة 9/ 748 عند ذكر ديوان علي بن النعمان المغربي:
وهو القاضي أبو الحسن علي ابن القاضي أبي حنيفة نعمان بن محمد بن منصور المغربي المصري، كان والده مؤلف (دعائم الإسلام) قاضي مصر من قبل المعز الفاطمي إلى أن توفى 363 فأقيم مقامه ولده أبو الحسن علي إلى أن توفى 364 فأقيم مقامه أخوه محمد بن النعمان إلى أن توفى هو أيضا 389، وبالجملة كان القضاء يدور في بيت النعمان إلى سنة 401 هجرية.
وقال أيضا في 22/ 336:
(المناقب) هذا موجود وقد رآه سيدنا أبي محمد الحسن صدر الدين كما حكاه لي شفاها وقال: إنه يزيد على عشرين كراسا، ونسخة عند الميرزا محمد الطهراني ناقص الآخر، ونسخة عتيقة تامة عند عيسى أفندي جميل زاده، ونسخة ناقصة عند شاكر أفندي الآلوسي، وأخرى عند الشيخ علي كاشف الغطاء. وذكر نسخة في مكتبة
صفحہ 7
الإمام الحكيم رحمه الله في النجف، ونسخة في المكتبة الوطنية في لندن.
ووصفه الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء 16/ 150 ترجمة 106:
بأنه مارق، وأنه نبذ الدين وراء ظهره، وأنه ألف في المناقب والمثالب، ورد على أئمة الدين- يقصد بهم أئمته معاويه وحزبه- وانسلخ من الإسلام.
ثم قال: وله يد طولى في فنون العلوم والفقه والاختلاف، ونفس طويل في البحث. ثم ذكر مجموعة من مؤلفاته وقال: وكان وافر الحشمة وعظيم الحرمة، في أولاده قضاة كبار ثم ولي ابنه علي قضاء الممالك، وكان والده يعد من الأذكياء.
وكلمات الذم التي تفوه بها الذهبي نقلها الزركلي في الأعلام متجاهلا المدح؟
وذكر كتابه المناقب والمثالب.
وأنصف كحالة في ترجمته في معجم المؤلفين 13/ 106 حيث قال:
النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون المصري القيرواني الشيعي (أبو حنيفة)، فقيه، أديب، مؤرخ، ولد بالقيروان ونشأ بها، وكان مالكيا ثم تحول إلى مذهب الإمامية ... ثم ذكر مصنفاته.
وترجم له ابن خلدون في تاريخه 4/ 56.
وترجم له السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية.
وقال العلامة المجلسي في بحاره عند ذكر الكتاب: كتاب لطيف مشتمل على فوائد جليلة.
واتفق المؤرخون على أن وفاته كانت سنة 363 هجرية.
وذكر الأستاذ المحقق السيد السيد الجلالي- في مقدمة تحقيق كتاب شرح الأخبار- الكتب الثابتة للمصنف 50 كتابا مع ذكر أماكن نسخ كل كتاب.
نسخ الكتاب:
وذكر أيضا السيد الجلالي حفظه الله في مقدمة تحقيق كتاب (شرح الأخبار) نسخ كتاب المناقب والمثالب قائلا:
صفحہ 8
وقد رأيت نسخة كاملة من هذا الكتاب في مكتبة الشيخ شير محمد الهمداني الجورقاني، وقد انتهى من نسخه في شوال 1370 هجرية عن نسخة وصفها بأنها جيدة عتيقة إلا أوراقا من أوائلها.
ومن نسخ الكتاب: نسخة مؤرخة سنة 852 في مكتبة طلعت بدار الكتب رقم 2068/ تاريخ، وهي في 124 ورقة، ومؤرخة 1128 في مكتبة فيض برقم 36 في 274 ورقة، ومؤرخة 1244 برقم 37 في 117 ورقة (كما في سزكين)، ومؤرخة 1256 في مكتبة كيخا، ومؤرخة 1332 في مكتبة قيوم، ومؤرخة 1266 و1314 في مكتبة الوكيلي (كما في فهرس پونا) ومؤرخة 1232 في مكتبة المعهد الإسماعيلي بلندن برقم 543، وأيضا مؤرخة 1300 برقم 545، وأيضا مؤرخة 1348 برقم 544 (كما في فهرس المعهد) وعدة نسخ غير مؤرخة في مكتبة السماوي بالنجف.
ونسخة مصورة في معهد المخطوطات العربية بالقاهرة برقم 11548 (كما في سزكين).
والنسخة التي اعتمدناها في التحقيق، نسخة مصورة من مكتبة السيد الطباطبائي اليزدي رحمه الله، وهي نسخة جيدة وتقع في 372 صفحة، إلا أن الصفحات الأربعة الأولى ساقطة، وأتممناها من نسخة السيد المرعشي رحمه الله بمدينة قم في ايران، وجاء في آخر النسخة:
تم كتاب المناقب لأهل بيت رسول الله النجباء والمثالب لبني أمية اللعناء بعون الله الملك العلام ومادة وليه في أرضه عليه السلام في يوم الأحد في اليوم الحادي والعشرين من شهر صفر المظفر سنة 1348 ثمان وأربعين وثلاثمائة من الألف من هجرة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار ما أظلم الليل وأشرق النهار بخط أقل الأقلين محمد علي بن ملا سلطان علي ...
أما النسخة الثانية، وهي الموجودة في خزانة مكتبة السيد المرعشي بمدينة قم في ايران برقم 653، وهي مصورة عن نسخة في مكتبة أنستيتوي إسماعيليان/ لندن
صفحہ 9
وتاريخ نسخها في القرن الثالث عشر الهجري، وتقع في 397 ورقة، وذات سطور مختلفة وعليها بعض الحواشي والتصحيحات، وعلى الصفحة الأولى مكتوب: منه نسخة في دار الكتب المصرية كتبت سنة 852 طلعت 2068 تاريخ، ومنه نسختان في مركز الإسماعيلية في كراتشي.
وبعد اطلاعنا عليها وجدناها لا تختلف كثيرا عن النسخة الأولى إلا في بعض الموارد.
وقمنا بضبط النص وتقطيعه، وخرجنا الآيات والأحاديث والأشعار والأقوال والأحداث المهمة قدر الإمكان، وحصرنا الألفاظ المضافة أو المعدلة أو المبدلة بلفظ آخر بين عضادتين مع الإشارة في الهامش إلى ما كان في الأصل، ترجمنا لما احتاج إلى ترجمة رجالية، ووضحنا الغريب في اللغة، وتوسعنا بعض الشيء للموارد التي رأينا ذلك مناسبا لها، وغير ذلك من قواعد وأصول التحقيق، وما التوفيق إلا من عند الله.
والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد الهادي الأمين وعلى آله وصحبه الموالين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ماجد بن أحمد العطية
صفحہ 10
نموذج من النسخة الخطية
صفحہ 11
نموذج من النسخة الخطية
صفحہ 12
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الأول الأزلي بغير غاية، والآخر الأبدي الذي عنت الوجوه لعظيم قدرته، وخضعت له الرقاب لجلال هيبته وانحسرت الأبصار دون (...) (1)، ووجلت القلوب من خشيته، وارتعدت الفرائص من فرقه، فالخلائق معا له عباد داخرون، والملائكة المقربون، فلديه من مخافته [لا] يجادلون، وله آناء الليل والنهار يسبحون ويقدسون، ويخافون عذابه وما يذنبون، ويسبح كل شيء بحمده (ويستغفرون) (2).
وصلى الله على نبيه محمد وعبده وصفيه من البرية، ورسوله إلى جميع الأمم الملية والأمية، الصادع بما أرسل، والناهض بأعباء ما جاء، وعلى علي وليه وأبي عترته، ووصيه وخليفته في أمته، وعلى الأئمة البررة الطاهرين من ذريته.
والحمد لله خالق الخلق لما أراد، ومستعمل العباد ليجزيهم يوم المعاد، الذي جعل بعضهم لبعض فتنة كما في كتابه ذكره، وفضل بعضهم على بعض كما فيه قد أخبره، وتعبد بعضهم لبعض بالطاعات ورفع بعضهم كما قال عز وجل: فوق بعض درجات* (3) واصطفى عليهم منهم صفوة مرضيين فقال وهو أصدق القائلين: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله
صفحہ 13
سميع عليم (1).
ولم يشمل بالصفوة ذراري النبيين على الكلية، ولا جعل الذرية كلها معا بالسوية، بل انتجب منها الواحد بعد الواحد بالرسالة والإمامة، فأوجب لمن سلم لأمره وأطاعه الفضيلة والكرامة، وأبعد من عند عنه ونفاه كما قد نفى عن نوح من ولده من عصاه، وشرف الله بقرب الفاضل منها من قرب منها، ممن أطاعه ولم يكن عند عنه ونفعه بقربه إليه وجعل له بذلك فضلا لديه، فقال وهو أصدق القائلين في كتابه المنزل المبين: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين (2).
قال أهل التفسير في ذلك: هذا في المؤمن تكون له الدرجة يبلغها بعمله في الجنة، وتكون درجته لا تبلغ بأعمالها درجته تلك، فيرفعها الله عز وجل إليها ليقر بها عينه، فيكون الله عز وجل قد زادها في الفضل لمكانه ولم يلبث هو [مكانه] إذ ساوى بينها وبينه، لكنه زاده بذلك فضلا وشرفا (3).
قال بعضهم: وإذا كان ذلك للمؤمن فهو أحرى وأوجب أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، فيكون للمؤمنين منهم المتبعون لأمره المسلمون للفاضل منهم في كل عصر من بعده، درجة في الجنة في درجته.
وذرية النبي صلى الله عليه وآله هم ولد علي وفاطمة صلوات الله عليهما ما تناسلوا لا ذرية غيرهم، وقد دفع بعض جهال الناس ذلك وقالوا: ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله ذرية، كقول الناصبين له بالعداوة من أهل الجاهلية الذين قالوا: إنه أبتر، أي لا ذرية له، فأنزل الله
صفحہ 14
عز وجل تكذيبهم والرد عليهم في كتابه حيث يقول: إنا أعطيناك الكوثر إلى قوله: إن شانئك هو الأبتر (1)، وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله.
وقال الذين نفوا أن تكون لرسول الله صلى الله عليه وآله ذرية، وقد علموا مكان فاطمة وأنه لا عقب له من ولد غيرها، ولا ذرية له إلا منها: ليس من ولد فاطمة بذرية لرسول الله، وإنما تكون ذرية الرجل من ولده الذكور لصلبه، فأما ولد بناته وهم ذرية آبائهم لا ذراري أجدادهم لأمهاتهم (2).
وكتاب الله عز وجل يؤيد ما قلناه ويبطل قول هؤلاء الجاهلين، لأنه يقول وهو أصدق القائلين: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين (3).
فأدخل الله عز وجل عيسى عليه السلام في جملة ذرية نوح وإبراهيم صلى الله عليهم وعلى محمد نبيه وعلى آله بنسب أمه، فمن دفع أن يكون ولد فاطمة ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله أكذب كتاب الله عز وجل.
فلهم عليهم السلام فضل ذرية النبوة الذي لا يدفعه إلا من كابر الحق وعانده، وقد أمر الله جل ذكره نبيه صلى الله عليه وآله بانذار الناس كافة في آي من كتابه وبإفراد عشيرته بالإنذار خاصة، اختصاصا لهم بالفضل والكرامة فقال وهو أصدق القائلين: وأنذر عشيرتك
صفحہ 15
الأقربين (1)، وسنذكر كيف أنذرهم صلى الله عليه وآله لما أمره الله عز وجل بإنذارهم، وما دعاهم عند ذلك إليه، ومن استحق الكرامة والفضل منهم يومئذ له في موضعه لك إن شاء الله، فهو اختصاص لله عز وجل لعشيرته بهذه الفضيلة وخوفه عليها من الاعجاب بأنفسهم، والاتكال على قرابتهم منه وانتسابهم [إليه].
قال صلى الله عليه وآله: «يا بني عبد المطلب لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم» (2).
وأبان الله عز وجل الصفوة منهم الأدنين بافتراض المودة على كافة المؤمنين، دلالة على تصيير الإمامة فيهم، فقال وهو أصدق القائلين لكافة المؤمنين: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (3) فجعل عز وجل مودتهم فرضا على جميع المسلمين، لمكانتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وليدل بذلك على طاعتهم، واعتقاد إمامة الأئمة منهم صلى الله عليهم أجمعين، وإكراما من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله وإبانة لفضله على من سواه من رسله، إذ قد ذكر غيره من النبيين بمثل هذا في كتابه بقوله: قل لا أسئلكم عليه أجرا* و لا أسئلكم عليه مالا إن أجري إلا على الله (4) وقد تأول هذا جماعة ممن ادعى علم التأويل من العامة، واختلفوا فيه اختلافا كثيرا.
فقال بعضهم: قوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى معناه:
ولا المودة في القربى.
وهذا من الإغراق في الجهل، والغلو في العداوة لآل الرسول صلى الله عليه وآله، ولو جاز هذا
صفحہ 16
لجاز أن يكون ذلك في مثله مما استثناه الله عز وجل في كتابه وأوجبه في إيجابه، وهو أكثر من أن يذكر هاهنا أو يرى مما إذا وجه على هذا الوجه الذي وجهه هؤلاء، عاد الحلال به حراما والحرام حلالا والعذاب رحمة والرحمة عذابا والصواب خطأ والخطأ صوابا.
ويقال لهذا القائل: أفترى أن الله عز وجل رخص بهذا القول في عداوة القربى وبغضهم؟
فإن قال: لا، نقض قوله، وإن قال: نعم، سئل عما أوجب ذلك لهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله ووجبت بغضهم وعداوتهم، ولا أحسب أحدا يقول ذلك، وهذا من أبعد تأويل وأضعف قول قيل.
وقال آخرون قوله: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا: كانت للنبي صلى الله عليه وآله قرابة في كل العرب فسألهم أن يودوه لقرابته منهم (1).
وهذا قول من لم يتدبر قول الله جل ذكره كما أمره به، فلم يقتصر الله عز وجل في هذا القول على العرب خاصة فيكون ما قاله هذا القائل، بل عم بذلك جميع المؤمنين من الناس كافة، لأنه إنما قال عز وجل: ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فدخل في هذه المخاطبة من المؤمنين جميع العرب وغيرهم، فدل ذلك على إبطال تأويل من تأول هذا التأويل الذي ذكرناه.
وقال آخرون: نسخ هذه الآية قوله: قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله (2).
صفحہ 17
فحكموا بنسخ ما جعله الله عز وجل فضلا لرسوله، وأوجبه من مودة أولي القربى منه، وهذا تجاسر على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى آله، وليست من هاتين الآيتين بحمد الله ناسخة ولا منسوخة، بل كلاهما من المحكم والله أعلم، وليس ينبغي أن يقطع بالقول على إبطال شيء من القرآن بتوهم متوهم ولا برأي ذي رأي، وإثبات ذلك يوجد السبيل إليه.
وقوله عز وجل: قل ما سألتكم من أجر يعني في مودة القربى فهو لكم، أي تؤجرون فيه وتثابون عليه، لا أنه لي، وأجري أنا على الله، هذا إن كانت هذه الآية نزلت بعدها.
وإن كانت قبلها، فالأول لا ينسخ الآخر مع أن الله عز وجل قد بين هذا الذي اختلفوا فيه من هذا التأويل، على لسان الرسول الذي تعبده ببيان ما أنزل الله عليه، وذلك ما يبطل قول كل متأول خالفه بلا اختلاف بين المسلمين فيه.
ويؤيد ما قدمنا ذكره وذهبنا إليه، قول من جامعنا من العامة عليه، فقد قال قوم من العامة كقولنا: هي فريضة من الله عز وجل، يعنون مودة قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله. وقالوا:
إن الآية محكمة، ورووا عن عبد الله بن عباس، وذكروه في التفسير عنه أن قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت هذه الآية: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى .
صفحہ 18
فقال الناس: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أمرنا بمودتهم؟
فقال صلى الله عليه وآله: «علي وفاطمة وولدهما» (1).
وهذا التوقيف والبيان من رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لا يجب لأحد أن يتأول عليه ولا يعدوه إلى غيره.
وهذه رواية ابن عباس وشهادته على نفسه بالخروج من هذه الفضيلة، وإن كانت له من رسول الله صلى الله عليه وآله قرابة قريبة.
وفي هذا دليل على الإمامة، فجعل الله عز وجل قرابة النبوة فضيلة لا تدفع وحقا لا ينكر، لمن حافظ على ما قدمناه وعرف للأئمة ما قدمنا ذكره ووصفناه.
وجعل الله عز وجل شرف الأبوة للأبناء الحافظين لشرف آبائهم السالكين سبيلهم وحفظهم لهم من بعدهم، فقال عز وجل: وكان أبوهما صالحا (2) فحفظ الغلامين لأبيهما وحائطهما بعد موته.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن الله ليحفظ العبد المؤمن في ولده- يعني الصالح- سبعين خريفا من بعده» (3) وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله على ما أعطاه الله عز وجل من الفضل العظيم، ومنحه من الفخر الجسيم يقول: «أنا دعوة أبي إبراهيم» (4) يفخر به صلى الله عليه وآله ويعترف ببركة دعوته ويذكر مع ذلك كرم آبائه وطهارت أمهاته فيقول: «نقلت من كرام الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح،
صفحہ 19
وما مسني عرق سفاح قط، وما زلت أنقل من الأصلاب السليمة من الوصوم البرية من العيوب» (1).
ففي كل هذا ما دل على ما قصدنا إليه وبدأنا بذكره من تفضيل عترة الرسول صلى الله عليه وآله واستحقاقهم الفضل به، ووجوب الإمامة لهم بقربه.
ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله: «الأئمة من قريش» (2) وبذلك احتج المهاجرون على الأنصار لما سموا إليها وأرادوا أن يتناولوها، وإذا كان ذلك كذلك وكان سبب الاقتصار بها على قريش بقربها من رسول الله صلى الله عليه وآله فهي لأقربها منه بلا شك، وإنما أكثر من هلك من الأولين والآخرين بإنكار المفضولين فضل الفاضلين، ودفعهم حقهم الذي افترض الله عز وجل لهم على العالمين، وتلك أول خطيئة كانت في السماء والأرض من الإنس والجن، خلد الله عز وجل اللعنة على من أتاها، ومعصية أوجب الخلود في النار لمن قد عصاها، ولم ينفعه معها ما سبق له من الفضل الكريم والشرف العظيم، لأن منازعة الفضل أهله يسقط كل شرف سابق ويبطله، وذلك أنه لما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام فاستكبر عليه إبليس اللعين وقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين* (3).
ولما قبل الله قربان ابن آدم دون أخيه فنافسه الفضل وحسده عليه، فلم يغن عن إبليس اللعين حسده، إن كان من الملائكة الكرام، ولا عن ابن آدم أبوه آدم عليه السلام بل باءا بغضب من الله ولعنة، إذ نازعا الفضل من تعبدا بطاعته.
وعلى سبيل ذلك من أمر شرار السلف جري من بعدهم من سوء الخلق حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وإنما ذكرنا من هذا ما ذكرناه وبسطنا في صدر كتابنا هذا
صفحہ 20
منه ما بسطناه، لما نادى إلينا وسمعنا من دعوى بني أمية الفضل مع العترة الطاهرة آل الرسول، وعيوب بني أمية مع ذلك بادية مكشوفة، وفضائل آل الرسول ظاهرة معروفة، وطاعة الأئمة منهم عليهم السلام لازمة لهم وحقوقهم عليهم واجبة، فاستكبروا كاستكبار إبليس، وعندوا عنوده، وادعوا كما ادعى الفضل على من فضله الله عز وجل عليه، فرأينا وبالله التوفيق وبه نستعين بسط كتابنا هذا في إبطال دعواهم وذكر أسباب عداوتهم وما جرى عليه منها من تقدم من أسلافهم من قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد مبعثه ووفاته، ومن نصب له منهم العداوة في حياته تكذيبا لنبوته، وما نال وصيه وذريته منهم من بعد موته، ونذكر مثالبهم ومناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله، لنوضح الحق لمن أبصره من أولياءه، ويهدي الله بذلك إليه إن شاء من يحب أن يهديه ويمن بالتوفيق عليه، ولو لا أن ذكر المثالب والمساوئ هاهنا من الضرورة لما ذكرناها، ولو وجدنا بدا من ذكرها لسترناها، فقد كان يقال: لا خير في ذكر العيوب إلا من ضرورة، وستر المساوئ في الواجب من الخيانة، وليس هذا مما يعارض بالحديث المرفوع: «لا تسبوا الأحياء بسب الأموات» (1) إنما ذلك في الأموات الذين لا يجوز سبهم، فأما من كان سبهم فريضة، ونشر معايبه من أوجب الشريعة، فليس من معنى هذا الحديث.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «من كتم علما يعلمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار» (2) فهذا والله ورسوله أعلم في العلم الذي يجب في الحق إظهاره ونشره، ولا يسع كتمانه كائنا ما كان، نحو هذا الذي قدمنا ذكره وما هو في معناه، فكالشهادة وأشباه ذلك، فليس ذلك على العموم، فيكون على كل من علم شيئا أن يتكلم به
صفحہ 21
ويذكره، بل ثم أشياء من الفرض يجب كتمانها وسترها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه- يعني فيما يقطعها من الحق- فإن لم يفعل فعليه لعنة الله» (1).
ولا نعلم بدعة هي أضر بالمسلمين والملة الحنيفية والدين من بدعة تعاطى بها المفضول منزلة الفاضل، وجلس بها إمام البغي منزلة مجلس الإمام العادل، ولا ثواب إن شاء الله أجزل من ثواب قائل أبان الحق في ذلك، ونفى الشبهة عنه، ودمغ بقوله الباطل وأظهر عوار مدعيه،
نسأل الله بلوغ ذلك والعون عليه.
ولما نظرنا في عداوة بني أمية للعترة الطاهرة الزكية، رأيناها عداوة أصلية قديمة، ووجدنا أحقادهم عليهم أحقادا جاهلية وإسلامية، وذحولهم ذحول قتلى منهم بدرية وأحدية، فاعتقدوا لهم الحمية، فأردنا كشف الأمر في ذلك لمن عسى أنه غاب عنه، وإيضاحه لمن لعله علم شيئا منه، فإنه بلغ من إيهامهم الأمة لما تغلبوا وتشبيههم عليها، إذ تمكنوا ما ادعوا عندها قرابة رسول الله ليشرفوا بنسبه، وزعموا أنه لا قرابة له غيرهم ولا أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله سواهم، وقبل ذلك من كان قد تولاهم من طغام الشام، حتى لقد حلف جماعة من شيوخهم لبني العباس عند ظهورهم أنهم ما كانوا علموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قرابة غير بني أمية، بما أوهموهم من ذلك، فما الظن بقوم غلب باطلهم هذه الغلبة وأدخلوا على الأمة مثل هذه الشبهة.
ورأينا وبالله التوفيق أن نبتدئ بذكر هذه العداوة من حيث ابتدأت، وبذكر أصلها ومن أين تأصلت، وتشعبها بعد وكيف تشعبت، إلى أن بلغت ما بلغت وانتهت حيث انتهت، ونذكر من شرف آباء رسول الله صلى الله عليه وآله الذين قد ذكرنا من فضلهم ما قد علمناه، ومن ضعة من عاداهم من بني أمية وأسلافها ما نادى إلينا وما رويناه، ونجمع من ذكر
صفحہ 22