حدثني محمد بن خلف بن حيّان قال: حدثنا أبوحُذافة السهمي قال: سمعت مالك بن أنس يقول: قال عمرو بن العاص إنّي لَفي شَرْب من قريش في الجاهلية إذ رأيتُ في دار الخطاب بن نُفيل نارًا، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: ولِدَ له مولود، فقلت ما سمّاه؟ قالوا: عُمَر، فإذا كان هذا على ما قاله مالك، فليس يكون في الشرب إلاّ رجل له عشرون سنة أو أكثر منها، وتوفي عُمَر ﵀ عليه في سنة ثلاث وعشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ذلك أكثر القول فيه، عليه معاوية والشعبي وغيرهما، وولُدُهُ يصفون أنّه توفي لسبع وخمسين سنة. وبقي عمرو بن العاص بعده تسع عشرة سنة لأنّه هَلَك في سنة اثنتين وأربعين، ولا يُشَّك في أنّه تجاوز المائة سنة ولم يُقصِّرعنها، وكان بعد صرف عمر ﵀ إياه عن مصر، قد لزم ضيعته بفلسطين متنحيًّا عن أمر الطاعنين على عثمان، ثم غمس يده من أمر صفّين والحكومة بين المسلمين فيما فعله، وجعل له معاوية ولاية مصر ومالها فلم يتقلّدها إلاّ سنتين وأشهرًا، حتى توفي.
وكان وردان مولاه لمّا عقد له مولاه ما عنده بينه وبينه من أمر مصر، أقبل يحكُّ عَقِبَهُ وعمرو غافلُّ عنه، فلمّا خرج قال له: إنما أذكرتك أن تشترط مصر لعَقِبكَ من بعدك، قال: ما شعرتُ.
وأخبرني عمر بن شبّة: أن وردان كان فوق عمرو بن العاص في المكر والدهاء والحيلة.
وأخبرني أبو زيد عمر بن شبة: أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى رجلًا يتلجلج في كلامه ويشكّ في رأيه، قال: إن الذي خلقك وخلق عمرو بن العاص واحد.
وحدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال: قال عمرو بن العاص: ما رأيتُ رجلًا يكلّم عمر بن الخطاب إلاّ رحمتُهُ، لأنه كان أعقلّ من أن يخدعه أحد، وأَتقى لله من أن يخدع أحدًا.
وأنشدنا ابو بكر أحمد بن أبي خيثمة عن دعبل، لعمرو:
مُعاويَ لا أُعطيكَ ديني ولم أُصِبْ ... به منكَ دُنيا فانظرنْ كيفَ تصنعْ
فإنْ تعطيني مصرًا فأَرْبِحْ بصفقةٍ ... أخذتَ بها شيخًا يَضُرّ وينفَعُ
أخبرني أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر العنبري قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الملك بن قُدامة، قال: أخبرنا عمرو بن شُعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال عمرو بن العاص يوم صِفّين:
مَرِجَ الدينُ فأعددتُ له ... مُقرَع الحاركِ مروي الثَبَجْ
جَرْشُعًا أعظمه جُفْرتَهُ ... فاذا ابتلّ من الماءِ حدَجْ
١٢٤ - عمرو بن عبد الله، أبو عَزَّة الجُمحي، كان أحد شعراء قريش، وحضر يوم بدر معها، فأسره المسلمون فمَنَّ عليه رسول الله ﷺ لمكان فقره وبناته وعاهده إلا يظاهر عليه بقولٍ ولا فعل، فلمّا اجتمعت قريش فترافدت على غزوة أحد، قال له صفوان بن أميّة في الخروج، فقال: كيف بما أعطيتُ محمدًا، فقال: لك الله إنّي أنقل بناتك إلى بناتي فيصيبهنّ ما أصابهنّ من خير وشرّ. فخرج إلى بطونِ كِنانة يُحرضهم على مظاهرة قريش على غزو رسول الله ﷺ، يقول:
أَيهًا بني عبد مناة الرُّزَّامْ ... أنتم حُماةٌ وأبوكم حامْ
لا تَعدونّي نصرَكم بعد العامْ ... لا تسلموني لا يحلُّ اسلامْ
فاستجلب قبائل كنانة وحضر الوقعة يوم أحُد، فأظفر الله رسوله ﷺ، به أسيرًا فذكر له عياله وبناته ويدَه عنده، فأمر ﵇ بضرب عنقه، وقال: لا تمسح عارضيك وتقول خدعتُ محمدًا مرتين.
وقال ﷺ: لا يُلْدَغ المؤمنُ من جُحْرٍ مرَّتين. حدّثنا ذلك علي بن الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن أيوب عن إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحق.
١٢٥ - عمرو بن ظالم بن سفيان، أبو الأسود الدِّيلي، من كنانة، أدرك حياة رسول الله ﷺ، وهاجر إلى البصرة على عهد عمر ﵁، واستعمله علي بن أبي طالب ﵇، على البصرة خلافة عبد الله بن العباس، وكان شيعةً له، يميل إليه، ويقول بفضله حتى توفي. ومن شعره أنشده عمر بن شبّة:
أَمنتُ على السرَّ امرءًا غيرَ حازمِ ... ولكنّه في الودِّ غيرُ مُريبِ
أذاعَ به في الناسِ حتى كأنّما ... بعلياء، نارٌ أُوقِدتْ بثُقوبِ
وما كلُّ ذي لُبٍّ بمؤتّيك نُصحَه ... ولا كلُّ مُؤتٍ نصحه بلبيبِ
1 / 16