وبحثنا في الجزيرة عن كيكانبو، وغنينا له، وناديناه، لكننا لم نلمح له أثرا، واستولى على كنسوكي يأس عميق. لم يكن يعزيه شيء. فانطلق وحده فتركته يذهب. وبعد قليل مررت به وقد انحنى على جثتين من جثث قرود الجيبون، وكانتا من الأمهات. لم يكن يبكي آنذاك، لكنه كان قد بكى قبل أن أصل. كانت عيناه يغمرهما الإحساس بالأذى والحيرة. وحفرنا حفرة في الأرض الرخوة على حافة الغابة ودفناهما. لم تبق لدي كلمات أقولها، ولم تبق لدى كنسوكي أغان يغنيها.
كنا نسير في طريق العودة الحزين على الشاطئ حين فوجئنا بالصغير كيكانبو خارجا من مكمنه: أقبل في شبه هجوم علينا، وهو ينثر الرمل علينا ثم قفز فوق ركبة كنسوكي والتف برقبته. كانت لحظة سعيدة، لحظة رائعة.
وفي تلك الليلة غنى كنسوكي معي أغنية «عشر زجاجات خضراء» المرة تلو المرة، بصوت بالغ الارتفاع، ونحن نتناول حساء السمك. ولا بد أن ذلك كان يمثل رثاء من نوع ما لقردتي الجيبون القتيلتين، وأنشودة فرح في نفس الوقت بالعثور على كيكانبو. وبدا أن الغابة خارج الكهف ترجع أصداء غنائنا.
لكنه اتضح لي في الأسابيع التالية أن كنسوكي كان مستغرقا في تأمل الأحداث الرهيبة التي وقعت في ذلك اليوم. وانطلق يصنع قفصا من الخيزران المتين في آخر الكهف كيما يدخل فيه السعالي فتكون أكثر أمنا إذا حدث وعاد القتلة يوما ما. وظل يتحدث في الموضوع مرارا وتكرارا، فكان يقول إنه كان ينبغي أن يصنع القفص من قبل، ويقول إنه لم يكن ليصفح عن نفسه لو كان الرجال قد أسروا كيكانبو، وكم يتمنى لو كانت قرود الجيبون تستجيب لغنائه وتأتي حتى يستطيع إنقاذها كذلك. وقطعنا بعض فروع الأشجار وبعض النباتات من الغابة ووضعناها خارج مدخل الكهف، حتى نستطيع إقامتها ستارا يخفيه عن العيون.
وأصبح بالغ القلق، بالغ الاضطراب، وكان كثيرا ما يرسلني إلى قمة التل ومعي المنظار المقرب حتى أرى إن كانت السفينة الينك قد عادت. لكنه مع مرور الوقت، ومع انحسار التهديد بخطر وشيك، عاد له طبعه الأول. ومع ذلك، كنت أحس أنه دائما على حذر، دائما متوتر قليلا.
ولما كان يحتفظ الآن بعدد كبير من لوحاتي، فقد اكتشفنا أن ما لدينا من صدفات تصلح للرسم عليها يوشك أن ينفد. وهكذا انطلقنا مبكرا ذات صباح في رحلة للبحث عن المزيد منها. وفحصنا الشاطئ كله بدقة، وقد انحنى رأسانا، ونحن نسير بجوار بعضنا البعض، لا تفصلنا إلا مسافة قصيرة. وكان العمل بجمع الصدفات دائما ما يتضمن عنصر المنافسة: من أول من يعثر على صدفة صالحة، ومن يعثر على أكبر صدفة، وأكثر الصدفات كمالا. لم نكن قد قضينا وقتا طويلا في البحث، ولم يكن أي منا قد عثر على صدفة واحدة، عندما أدركت فجأة أنه توقف عن المسير.
وهمس قائلا: «ميكاسان»؛ مشيرا إلى البحر بعصاه. كان في البحر شيء ما، شيء أبيض، لكنه كان محدد الملامح، محدد الشكل إلى الدرجة التي يستحيل معها أن يكون سحابة.
كنت قد تركت المنظار المقرب في الكهف. فانطلقت أعدو، وستلا تنبحني طول الطريق، عائدا إلى منزل الكهف، فالتقطت المنظار المقرب واندفعت حتى وصلت إلى قمة التل. شراع! بل شراعان! شراعان أبيضان. ونزلت التل قفزا، فدخلت الكهف والتقطت عصا مشتعلة من النار، وعندما وصلت إلى قمة التل كان كنسوكي قد سبقني إليه. وأخذ المنظار المقرب من يدي ونظر بنفسه.
وسألته: «هل أشعل النار؟ هل أشعلها؟»
وقال: «لا بأس يا ميكاسان. وهو كذلك.»
نامعلوم صفحہ