وقلت له: «نعم! صحيح!» وكنت أعني ما أقول وأشعر به.
وتركني أقوم بالتجديف، وبين لي كيف أجدف بأسلوبه، وأنا واقف وقدماي منفرجتان ثابتتان. لم يكن الأمر بالسهولة التي صورها لي. كان من الواضح أنه يثق في قدرتي على التجديف حتى يعود بنا القارب إلى الشاطئ، إذ اضطجع في جلسته في مقدم الزورق ذي المسندين، حتى يستريح واستغرق في النوم حالما جلس تقريبا، فاتحا فاه، وخداه غائران. كان دائما يبدو في سباته أكثر هرما مما هو عليه. وأثناء تطلعي إليه حاولت أن أرسم في خيالي صورة لوجهه في الماضي، ما لا بد أنه كان عليه حين قدم أول مرة إلى هذه الجزيرة، منذ هذه السنين الكثيرة البعيدة، منذ أربعين عاما. كنت مدينا له بدين كبير، كبير جدا، فقد أنقذ حياتي مرتين وأطعمني وصادقني. كان على صواب. كنا سعيدين، وكنت أنا «أسرته».
لكنه كانت لي أسرة أخرى. وتذكرت آخر مرة ركبت فيها سفينة، وفكرت في أمي وأبي، وكيف أنهما لا شك يحزنان لفقدي كل يوم وكل ليلة، وبعد هذا الوقت الطويل لا بد أنهما يعتقدان أنني غرقت، قطعا، وأن احتمال وجودي على قيد الحياة معدوم، لكنني لم أغرق، بل أنا حي لا بد أن أجعلهما يعرفان ذلك بوسيلة ما، وبينما كنت أكافح عصر ذلك اليوم للعودة بالزورق ذي المساند إلى الجزيرة غمرني إحساس مفاجئ قوي بالشوق إلى رؤيتهما من جديد، إلى صحبتهما، وخطر لي أن أسرق القارب. من الممكن أن أجدف به حتى أبتعد، ومن الممكن أن أشعل النار مرة أخرى، لكنني كنت أعرف حتى أثناء هذه الخواطر أنني لن أستطيع تنفيذها. كيف يمكنني الآن أن أتخلى عن كنسوكي بعد كل ما فعله من أجلي؟ كيف أخون ثقته؟ وحاولت إبعاد الفكرة برمتها عن ذهني، وكنت أعتقد حقا أنني نجحت في استبعادها، لولا أنني - في الصباح التالي مباشرة - رأيت زجاجة الكوكاكولا البلاستيك على الشاطئ بعد أن جرفتها الأمواج، فعادت فكرة الهروب من جديد، وتملكتني من جديد ليلا ونهارا، ولم تكن تتركني إطلاقا.
وقمت بدفن زجاجة الكوكاكولا في الرمل عدة أيام كنت أثناءها أصارع ضميري، أو بالأحرى أبرر لنفسي ما أريد أن أفعله، وقلت لنفسي إنها لن تكون خيانة حقيقية، أعني ليست خيانة بالمعنى المفهوم، وحتى لو وجد أحدهم الزجاجة فلن يعرف أحد المكان الذي يأتي إليه، ولن يعرف إلا أنني على قيد الحياة، وعقدت العزم على تنفيذ خطتي، وأن يكون ذلك في أقرب الآجال.
كان كنسوكي قد ذهب إلى البحر لصيد الأخطبوط، وكنت قد لزمت الكهف لأنتهي من الرسم على صدفة ، أو ذلك ما قلت له. وجدت ملاءة قديمة في قاع صندوق من صناديقه، فقطعت ركنا صغيرا من أركانها، ثم انحنيت على المنضدة، وبسطتها أمامي وكتبت رسالتي عليها بحبر الأخطبوط، وهي:
إلى السفينة بيجي سو، فيرهام، إنجلترا
عزيزي أمي وأبي،
أنا حي في صحة جيدة. وأعيش في جزيرة لا أعرف مكانها. تعاليا وخذاني.
مع حبي
مايكل
نامعلوم صفحہ