وعندما استطعت أخيرا أن أدير رأسي، كنت أشاهده وهو يدخل ويخرج، وهو يقوم بالعمل في أرجاء الكهف، وكانت ستلا كثيرا ما تأتي وترقد إلى جواري، وعيناها تتابعان ما يفعله أيضا.
وفي كل يوم كان إدراكي يزداد للمكان الذي أرقد فيه. كان مكانا شاسعا بالمقارنة بكهفي على شاطئ البحر. ولولا سقفه الصخري المرتفع ما أدركت تقريبا أنه كهف. ولم يكن فيه ما يدل إطلاقا على أنه كهف بدائي. كان أشبه بمنزل أزيلت الجدران بين غرفه منه إلى الكهف. فكان به مطبخ، وغرفة جلوس، وغرفة مكتب، وغرفة نوم، وكأنما جمعت جميعا في مكان واحد.
كان يقوم بطهو الطعام على موقد صغير يتصاعد منه الدخان دائما في آخر الكهف، وكان الدخان يتصاعد ويخرج من فتحة صغيرة في الصخر فوق رءوسنا، وقلت في نفسي إن ذلك قد يكون سبب عدم وجود بعوض يضايقني . وكان يبدو لي دائما وجود شيء معلق في حامل خشبي له ثلاث أرجل فوق الموقد، إما أنه قدر سوده السناج، وإما ما يبدو في شكله ورائحته مثل شرائح طويلة من السمك المدخن.
كنت أستطيع رؤية البريق المعتم لأواني الطهو المعدنية المصفوفة على رف خشبي قريب. وكانت هناك أرفف أخرى اصطفت عليها العلب الصفيح والقدور الفخارية، من عشرات الأشكال والأحجام المختلفة، وتتدلى تحتها حزم لا تحصى من الأعشاب والأزهار المجففة. وكثيرا ما كان يقوم بخلط هذه أو طحنها، لكنني لم أكن واثقا من غرضه. وأحيانا كان يقوم بإحضارها لي حتى أشمها.
لم يكن في بيت الكهف أثاث كثير. كانت في أحد جوانب الكهف منضدة خشبية غير عالية، لا تكاد ترتفع عن الأرض بما يزيد على ثلاثين سنتيمترا أو نحو ذلك. وكان يضع عليها الفرشات التي يستخدمها في الرسم، وكانت دائما مصفوفة بعناية، والمزيد من القدور الفخارية والزجاجات والأطباق الصغيرة.
وكان كنسوكي يقوم بعمله دائما تقريبا بالقرب من مدخل الكهف حيث ضوء النهار. وكان في الليل يبسط الحصير الذي ينام عليه في المكان المواجه لمرقدي في الكهف، في ظل الجدار. وأحيانا ما كنت أصحو في الصباح مبكرا وأظل أرقبه وهو نائم. وكان دائما ما ينام على ظهره، وقد لف ملاءته حول جسمه، دون أن تصدر عنه أية حركة.
وكان من عادة كنسوكي أن يقضي ساعات طويلة كل يوم منحنيا فوق المنضدة مستغرقا في الرسم. كان يرسم ما يرسمه على أصداف بحرية ضخمة، لكنه لم يطلعني يوما ما على ما رسمه، وهو ما كان يصيبني بالإحباط. والواقع أنه نادرا ما كان يبدو راضيا عن عمله، إذ كان عادة عندما ينتهي منه يمسح الرسم ويبدأ العمل من جديد.
وكان في الجانب الأقصى من باب الكهف نضد طويل مخصص للعمل، وتتدلى عاليا فوقه صفوف منتظمة من الأدوات: مناشير ومطارق وأزاميل، وغيرها. وكانت خلف نضد العمل ثلاثة صناديق خشبية ضخمة، كان كثيرا ما يبحث فيها عن قوقعة أو صدفة - ربما - أو ملاءة نظيفة. كنا نستعمل ملاءات نظيفة كل ليلة .
وكان يرتدي داخل الكهف رداء طويلا يلف به جسده (عرفت فيما بعد أنه يسمى «كيمونو»). وكان يحافظ على النظافة المطلقة لبيت الكهف، فيقوم بكنسه مرة كل يوم على الأقل. وكان يضع إناء كبيرا مليئا بالماء في داخل باب الكهف، وكان كلما عاد يغسل قدميه ويجففهما قبل الولوج إلى داخل الكهف.
وكانت أرضية الكهف مغطاة تماما بحصر منسوجة من الأسل المضفر، مثل الحصر التي ننام عليها. وكانت جدران الكهف كلها مبطنة بالخيزران، من الأرض وحتى مسافة تعادل أو تزيد على طول القامة. كان المنزل بسيطا، لكنه كان منزلا. كان لكل شيء مكانه وغرض يؤديه.
نامعلوم صفحہ