7 فبراير
كنا قطعنا مئات الكيلو مترات في المحيط الهندي، وإذا بهذا يحدث! فالواقع أن ستلا نادرا ما تصعد إلى سطح السفينة إلا إذا كان البحر ساجيا كالحصير. لا أعرف سبب صعودها ولا أعرف لماذا أتت، ربما كنا جميعا مشغولين وحسب. فوالدي كان يعد الشاي في الطابق السفلي، ووالدتي تدير عجلة القيادة، وكنت أنا أمارس تدريبا عمليا في الملاحة بتحديد موقعنا بجهاز السدسية؛ آلة المساحة، وكانت السفينة بيجي سو ترتفع وتنخفض وتتأرجح قليلا، وكان علي أن أثبت في مكاني. ورفعت بصري فشاهدت ستلا واقفة في مقدم السفينة. كانت واقفة وفجأة اختفت.
كنا تدربنا عشرات المرات على عملية إنقاذ من يسقط في الماء من السفينة، في مضيق سولنت. مع بارناكل بيل. لا بد من الصياح وتحديد مكان السقوط، وتكرار الصياح، وتكرار الإشارة إلى المكان. ثم نلتفت إلى مهب الريح، ونقوم بخفض الأشرعة بسرعة، وندير محرك السفينة. وهكذا، فعندما انتهى والدي من إنزال الشراع الرئيسي والشراع المثلث الصغير في مقدم السفينة، كنا قد بدأنا التحرك إلى الخلف ناحية ستلا. كنت أنا أتولى الإشارة إلى المكان الذي سقطت فيه، والصياح المستمر أيضا. كانت تضرب الماء بقوائمها حتى تنجو من موجة خضراء مقبلة عليها، وكان والدي قد انحنى على جانب السفينة، وأخذ يمد يده حتى يصل إليها، لكنه لم يكن يرتدي سترة الأمان، وكانت والدتي في شبه جنون. كانت تحاول أن تجعل السفينة تقترب إلى أقصى حد ممكن وبأبطأ سرعة من ستلا، ولكن موجة عارمة أبعدتها عنا في آخر لحظة وكان علينا أن نستدير ثم نعود من جديد. وكنت أنا أصيح وأشير بيدي إلى ستلا طول الوقت.
اقتربنا منها ثلاث مرات، ولكننا كنا نتخطاها في كل مرة. أحيانا كنا نسير بسرعة أكبر مما ينبغي وأحيانا لم نكن نقترب منها إلى الحد الكافي. كانت بدأت تفقد قوتها، ولا تكاد تضرب الماء بقوائمها، وبدأت تغوص. كانت أمامنا فرصة أخيرة. اقتربنا منها من جديد، على النحو الصحيح هذه المرة، واقتربنا منها اقترابا يمكن والدي أن يمد يده ويمسك بها. وتعاون ثلاثتنا في إخراج ستلا من الماء، قابضين على طوقها الجلدي حول رقبتها وعلى ذيلها. وقال لي والدي: «أحسنت أيها القرد!» وجعلت والدتي تسخر وتضحك من والدي لعدم ارتدائه سترة الأمان. ولم يفعل والدي سوى أن احتضنها فاندفعت تبكي. ونفضت ستلا عن نفسها ماء البحر ثم هبطت إلى أسفل السفينة كأنما لم يحدث شيء على الإطلاق.
ووضعت والدتي قاعدة صارمة، وهي عدم السماح مطلقا للكلبة ستلا أرتوا بالصعود إلى ظهر السفينة، مهما تكن الأحوال الجوية، دون أن نلبسها سترة الأمان، مثلي ومثل والدي ووالدتي. وبدأ والدي يصنع لها سترة أمان خاصة.
ما زلت أحلم بالفيلة في جنوب أفريقيا. أحببت مشيها في تمهل وتأمل، وعيونها الدامعة الحكيمة. وما زلت أذكر تلك الزرافات المتعالية التي تطل من عليائها علي، وشبل الأسد الذي يرقد وقد وضع ذيل أمه في فمه. ورسمت صورا كثيرة ولا أزال أنظر إليها حتى تذكرني بما شاهدت. والشمس في أفريقيا كبيرة جدا، حمراء قانية.
أستراليا هي المحطة التالية، بحيواناتها ذات الجراب مثل الكنغر والبوسوم والومبات. وسوف يستقبلنا العم جون في ميناء بيرث. سبق أن شاهدته في الصور لكنني لم أقابله حتى الآن. وقال والدي هذا المساء إننا لا نرتبط إلا بنسب بعيد، وقالت والدتي: «وهو بعيد جدا»، وضحك الاثنان. ولم أدرك الفكاهة المقصودة حتى عدت للتفكير في الأمر عندما حلت نوبة مراقبتي.
تبدو النجوم أشد لمعانا، ونجت ستلا من الغرق. أعتقد أنني أسعد مما كنت عليه في أي يوم من قبل.
3 إبريل
اقتربنا من بيرث، في أستراليا، لم أكن أرى حتى اليوم إلا المحيط الخالي الخاوي منذ أن غادرنا أفريقيا. يزيد استمتاعي حين تقتصر صحبتنا علينا وعلى السفينة بيجي سو والبحر. وأظن أننا نحس جميعا هذا الإحساس، ومع ذلك فحين نلمح اليابسة دائما ما نحس بالفرحة الغامرة. وعندما لمحنا أستراليا للمرة الأولى تبادلنا الأحضان وجعلنا نتواثب، فكأننا كنا أول ملاحين يكتشفون قارة أستراليا في التاريخ. وأخذت ستلا أرتوا تنبحنا كأنما جن جنوننا! وربما كنا كذلك، لكننا نجحنا! لقد قطعنا مسافة شاسعة من إنجلترا إلى أستراليا بحرا! أي نصف الطريق حول العالم! وفعلنا ذلك وحدنا.
نامعلوم صفحہ