وما سارت بهما العربة بعض خطوات، وإذا بعربة مقفلة كانت واقفة على بعد قليل من باب الفندق سارت في أثر عربتهما وصائحا يقول للسائق: اتبع العربة التي أمامك، وقف حيث تقف، وكان المتكلم خليلا.
فلما وصل همام وغانم إلى منزل سيدة استقبلتهما بغاية الإكرام والترحيب، وكان همام قد تخلف إلى الوراء يغامز أخته على غانم، كأنه يقول لها: قد أحضرته فتممي الأمر، ثم تقدم فقال لها بصوت عال: أسعدني الحظ في هذا اليوم بمقابلة صديقي وعزيزي غانم، فقد جمعتني وإياه الصدفة، وهو خارج من فندقه فأحضرته إليك، ولولا هذه المقابلة التي أتاحها الله لسافر من العاصمة قبل أن نراه؛ لاضطراب باله وانشغال فكره بدعوى له في المحاكم سوف يخبرك عنها بنفسه.
قالت: إن كان الأمر إلي، فإني أبذل كل خدمة مستطاعة، ثم التفتت إلى غانم تسأله عن صحة ابنته سعدى وهل حضرت معه؟
قال غانم: أحضرتها معي، وهي بحمد الله بخير تدعو لك.
قالت: ولماذا لم تحضرها إلي فإني متشوقة لرؤياها، ويعلم الله أني أحبها حبا شديدا، وهي عندي بمنزلة ولدي فؤاد، أين هي الآن؟
قال: في الدير عند معلماتها.
فانقبض وجه سيدة عند سماع هذا القول لعلمها أن المعلمات يسعين في أمور الزواج، فخشيت أن يسعين في تزويجها بغير فؤاد إن طال مكوثها في الدير، فقالت لغانم: قد أخطأت في جعلك سعدى في الدير كأنك تبغي سجنها والتضييق عليها، وكان الحري بك أن تفرجها على القاهرة، فتقضي مدة إقامتها حبورا وانشراحا ولك الأصحاب الكثيرون، فلو خرجت في كل يوم إلى منزل واحد منهم وجدت في معرفة الناس أنسا، وتجعلني ممنونة لو تحضرها إلي فإني مشتاقة إليها أرغب في مقابلتها والأنس بمجلسها.
قال: أود أن أجعلها نزيلة عندك ما أقمت في القاهرة، ولكن الظروف لا تسمح بذلك، فحضرتك تذكرين أنه حصل حديث بشأن زواج سعدى بفؤاد ولم يتم الأمر، فلو أحضرتها إليك خرجت عن حدود اللياقة، وخالفت الأصول المتبعة.
فنظرت سيدة إلى همام كأنما تقول له: هذا صاحبك افتتح الحديث، فعليك بالجواب.
قال همام: لا يستدل من عدم إتمام الأمر العدول عنه.
نامعلوم صفحہ