قال: أظننت أن غانما يحاسبها على الذمة، ويؤدي إليها حقوقها تماما مع «الفوائد»؟ فهو إن أوصل إليها رأس المال فتلك منة عظيمة منه.
قالت: لئن لم يفعل ذلك باختياره ورضاه، فهو ليفعله برغم إرادته ويكلف بمحاسبة بنته على آخر مليم.
قال: إنه يحاولها، وأبواب الشرع واسعة، والدعاوى تستغرق الزمن المديد، وتستهلك شيئا كثيرا للمصروف والتكاليف، ولقد عرفت أشخاصا كثيرين ظهرت عليه الاستقامة والعفة فأقيموا أوصياء على تركات القاصرين، فغرهم الطمع فاتجروا بأموال التركة، فأصابوا المكاسب العميمة والأرباح الجسيمة، فلم يحاسبوا الوارثين إلا على رأس المال بعد خصم رسوم أتعابهم، ولم يتحرجوا من شيء، ولم يستطع أحد خطابهم أو الانتقاد عليهم، وعلى سائر الأحوال فأولئك قوم أقرب من غيرهم، وأقرب ذمة ممن يهضمون أموال التركة من أصلها، ويدعون الإفلاس أو يتخذون الحيل والأساليب لأكل الأموال حراما.
قالت: تظن غانما يقدم على أفعال كهذه؟
قال: لا يبعد ذلك عليه، إنما المناسب أن لا نخوض في هذا الموضوع لئلا يعدل الرجل عن مصاهرتنا، فإن من كان على شاكلته بخيلا لجدير بأن يأبى زواج ابنته فرارا من محاسبتها، فمال سعدى كله في حوزته يتصرف فيه كيف يشاء، فلو تنبه لزواجها، وأنه يلتزم بدفع ميراثها إليها ومحاسبتها على الأرباح لتعلل وامتنع بالضرورة عن تزويجها، ولو كان خطيبها من أعظم الناس فضلا وعلما وجاها.
قالت: وحقك إني أكره هذا الرجل، وأرى أخلاقه ذميمة، ولكن مصلحة فؤاد تجبرني على رعاية خاطره.
قال: وأنا كذلك، لو أن فؤادا يحفظ لنا هذا الجميل، ويقدر أتعابنا قدرها.
قالت: يأتي يوم يذكر فيه جميل صنعي واهتمامي بشأنه، ولكن ما العمل في طمع غانم الأشعبي ودناءة أخلاقه؟
قال: ليس في ذلك ما يوجب الاهتمام الزائد، فقد يشره في مال ابنته لطبيعة البخل التي فيه والطمع الزائد، ولكن ميراثه سيفضي بالضرورة إليها عاجلا كان أو آجلا مضافا إليه الأرباح والفوائد، فلا خوف على الدرهم يضيع في كفه، فهو لا يخرج منها ولو ثقبناها بمسمار.
قالت: إن البخلاء يعمرون مديدا، فأخشى أن يعيش غانم ثلاثين سنة أيضا، فلا يموت إلا بعد موت البنين والأحفاد، وعلى كل حال فالصواب برأيك عدم التكلم في هذا الموضوع حتى يكون قد تم الأمر، فإن فؤادا هو الغانم في هذا الزواج، ولا بأس من تساهله في الطلب. ثم إن سيدة قربت كرسيها من أخيها وقالت له بطلاقة وجه وتجمل: خضنا في سيرة فؤاد، وقدحنا فيه وما قصرنا، وربما كان بريئا، وهو الآن سيحضر لقرب أوان الغداء، فنسأله عما جرى في الأمس ونأكل الطعام سوية.
نامعلوم صفحہ