وطال بينهم الحديث في مواضع شتى دائرة على قطب المحبة والوداد، فابتهج قلب فؤاد، وطاب المقام لعفيفة، وانجبر خاطرها بمواساة آل ذلك البيت، فصارت تعتبر نفسها واحدة منهم.
الفصل التاسع عشر
في الساعة الواحدة بعد نصف الليل نهض همام لينصرف، فاصطحب معه فؤادا إجابة لطلب أخته سيدة، فإنها لم تسمح لفؤاد بالمبيت في المنزل في تلك الليلة فخرجا، على أن فؤادا يعود في الصباح، وبينما كانا سائرين قال همام لابن أخته: أتأسف على هذه الفتاة، فإنها لا تملك شيئا غير الجمال وهو لا يكفي في الوقت الحاضر، فالمال في عصرنا مقدم على الجمال فليتها كانت ولو على ثروة قليلة فتناسبك للزواج.
قال فؤاد: فتحت الحديث يا خالي فأجاوبك أن المال وجد لخدمة الإنسان لا ليكنز ويحرز، ويكفي المرء من دنياه تحصيل الضروري للقيام بمعيشته، وما زاد على القدر الكافي فالناس في غنى عنه، وليس أضل رأيا ممن زعم أن المال أصل السعادة والراحة، فإننا نرى الأمر بالعكس في بلادنا، فالمال موجب للهموم جالب للتعب، والسعيد من يقنع في دنياه، فهو الغني حقيقة، وتمام سعادته أن يتزوج بابنة مهذبة، فيصفو له الزمن ويعيش الرغد، وأنت تعلم أن عفيفة متحلية بهذه الصفات، فالزواج بها يجلب الراحة والاطمئنان، وقد أجرى الله في قلبي حبها، وهواها كل يوم في ازدياد عندي.
قال: لم أنكر جمال غادتك وكمالها، فهي بدر ساطع وغصن يانع بهية الأوصاف كثيرة الأدب، على أنني أسألك مستخبرا عن الغاية في حبها وعن مرادك.
قال فؤاد: سؤالك في غاية الغرابة، تسمعني أقول إني أحبها وإني كلف بها، ثم تسألني عن غاية مرادي، فغايتي ومرادي - صح - أتزوج بها.
قال همام: أتتزوج بها على غير رضاء والدتك؟
قال فؤاد: لا أظن أن والدتي تمتنع، وهي قد أحسنت وفادتها، وقد شهدت الأمر بعينيك الآن.
قال همام: لي العلم بأخلاق والدتك فوق ما تعلم، فهي من النساء الحاذقات، يكتمن الأسرار، ويمكرن في الناس دهاء، فلا يظهرن النوايا فينخذع لهن الغر القليل الخبرة، والظاهر أنك تجهل طباع والدتك ومرادها، فهي لا تسمح لك بالزواج إلا بامرأة غنية.
قال فؤاد: لن أتزوج إلا بعفيفة، ولن أقبل سواها، وأنا الذي أتزوج لا والدتي، فأرجوك يا خالي إن جرى الحديث بينك وبينها في هذا الموضوع أن تساعدني لإقناعها واسترضائها.
نامعلوم صفحہ