كل تلك الذكريات محيت تماما من ذاكرة أبي، بينما ما زالت نبتة النسيان تنمو لدي ببطء. عايشت بعض الأمور مع والدي في أثناء فترة دراستي؛ فقد كانت أمي تعاني بصورة متزايدة من الضغوط التي تحاصرها، وعندما أفكر في الماضي لا أعجب من سوء حالتها المزاجية معظم الوقت. ففي الحفلة الخاصة باجتيازي للمرحلة الثانوية كان والداي متعاركين، وضايق أمي أني كنت الوحيد من بين أقراني الذي لا يرتدي قميصا. أخذني أبي بعيدا وشرح لي الموضوع بطريقته الهادئة، وسألني عن رأيي في أن يشتري من أحد الندل قميصه. ولكي يبرهن على جدية موقفه أخرج حافظة نقوده (وكانت الصورة لا تزال فيها) من جيب سترته الداخلي، وأخبرني أن معه ما يكفي من المال، وأن كل نادل يكون لديه قميص احتياطي في خزانته تحسبا للظروف، كأن ينسكب على ملابسه شيء وهو يقدمه للناس. وطلب مني أن أفكر، فالأمر ليس صعبا؛ فنظرت إلى أبي وكأنه مخلوق فضائي قادم من القمر، وأخبرته رفضي الفكرة؛ لأني لا أرغب في الوقوف هناك مرتديا قميص النادل. واليوم يجب أن أقول إن العرض الذي قدمه أبي كان عرضا جيدا وسعيا طيبا منه لإيجاد حل للمشكلة. •••
بعد أسابيع غادرت فولفورت للدراسة.
ما أهم شيء في الحياة يا أبي؟
لا أعرف، لقد عشت أشياء كثيرة. ولكن المهم ...
هل تذكرت شيئا يا أبي؟
المهم أن يكون حديث الناس عنك طيبا؛ فهذا يجعل كل شيء أسهل.
وماذا تكره؟
عندما أضطر إلى اتباع الآخرين؛ فلا أحب أن يسوقني الآخرون على غير هدى.
ومن يسوقك على غير هدى؟
في هذه اللحظة تحديدا لا أحد.
نامعلوم صفحہ