وعندما كان يمر جدي بدراجته دون قصد فوق مسمار انفصل عن حدوة حصان فيحدث ثقبا في إطار الدراجة، كان يترك الدراجة أمام البيت حتى يقوم أحد الأولاد بإصلاحها، وغالبا ما كان أوجوست يقوم بذلك. وكنت أنا في طفولتي أترك الدراجة أمام البيت أيضا ليقوم أبي بإصلاحها. وكما كان مطلوبا من أبي أن يطيع والديه، أصبح مطلوبا منه بعد ذلك أن يطيع أولاده. كان أولاده أبناء عالم مختلف عن عالمه، وكانوا يعتقدون أنهم على دراية بما يجب عمله، وبكيفية عمله بطريقة صحيحة.
يقال إن جدي كانت له قدرة عالية على الحساب، عدا ذلك كانت مواهبه متوسطة، ولم يكن رجلا قوي البنيان. كان يفضل إعطاء الأوامر على القيام بالعمل؛ لأن الجميع في الأسرة كان أكثر مهارة منه، وأصبحوا جميعا أقوى منه بنية، ولم يكن يرغب في إحراج نفسه أمام زوجته وأولاده؛ لذلك لم يكن جدي يقول كيف يجب أن يتم عمل شيء ما، بل كان يكتفي بإصدار أمر بعمله، وكان بذلك يتجنب أن يسأله أحدهم عن كيفية القيام بالأمر بصورة أفضل.
كانت كل حركات جدي تعبر عن محاولة فرض السلطة، وكانت يده تمتد بالضرب بسرعة؛ لذا لم تكن مناورات أولاده لتجنب أوامره تنجح كثيرا. وعندما كان العبث الذي يقوله جدي يتخطى حدود الاحتمال، كانوا يعارضونه (هذا ما قالته لنا ميلي وباول).
كان الأولاد الكبار يعتبرون أباهم عامل إزعاج، وكانوا يحاولون تجنبه، فكانوا مثلا يذهبون إلى الكنيسة يوم الأحد قبله أو بعده بثلاث دقائق، ولكنهم لم يكونوا يذهبون معه أبدا. ولأنه كان على هامش العائلة فقد كان يبذل جهودا كي يجعل علاقته بالإخوة الأصغر أفضل؛ ولذلك كان يعاملهم بطريقة أعقل، وكان يلعب معهم لعبة «الثعلب والدجاج»، كما كان يأخذهم معه في نزهات طويلة. وفي تلك الفترة كان قد كبر، ولكن صدى صوت صفعاته ظل مسموعا في حكاياتهم.
في إحدى المرات جعل جدي ابنه إميل يحمله على ظهره عبر شفارتساخ، مع أنه كان في الرابعة عشرة من عمره. كان ذلك عام 1937، عندما رأى أن خلع الحذاء عملية مرهقة جدا بالنسبة إليه.
وكان أيضا يقرأ كثيرا، وإن كانت عادة القراءة أو عادة توزيع الصفعات لم تكن أي منهما من العادات التي ورثها لأبنائه؛ فقد كانت صفات الأم هي الأكثر تأثيرا وانتشارا بينهم.
كانت جدتي أكثر ذكاء من جدي؛ هذا ما حكاه لنا أبي عندما كانت خيوط الذاكرة ما زالت تربطه بتلك الفترة من عمره. كانت الجدة طيبة وودودة، وكانت نحيفة وقوية البنيان، وكانت عضلات ذراعها الأمامية بارزة ومقسمة بوضوح. كان أبوها يعمل حدادا في فولفورت، وقبل أن تذهب للعمل في ورشة تريكو كانت تساعده في العمل في ورشته؛ لأنه لم يكن لها إخوة ذكور، ولأن أباها لاحظ أنها ماهرة في العمل.
ما زالت ورشة الحدادة قائمة هناك عند حافة الغابة خلف القصر ولها ساقية كبيرة. قبل الحرب العالمية الأولى وفي أثنائها، كانت عربة النقل تحضر الخامات المطلوبة من دورنبيرن وتضعها عند بداية جادة «القصر»، وبعد المدرسة كانت بنات الحداد الخمس يحملن القضبان الحديدية الطويلة ويصعدن بها الشارع المرتفع وصولا إلى الورشة.
كانت الجدة سيدة هادئة وخجولة تتحاشى الظهور، وكانت ترى أن الحياة لا تعدو أن تكون مرحلة استعداد للآخرة. وأولادها لا يتحدثون عنها إلا بكل احترام وتقدير، وربما كان هذا هو السبب في قلة حكاياتهم عنها. كانت تشعر كثيرا أنها أشبه ما تكون بخادمة رخيصة الأجر، وكان الناس في القرية يقولون إن تريزيا جايجر واحدة من أكثر ثلاث نساء عملا في القرية، وأنها كانت قوية وتقدر على المكوث في ورشة الحدادة تطرق الحديد حتى يتوهج. والعمل في الزراعة ووجود أطفال صغار يحتاجون دائما إلى اللفافات القماشية النظيفة، كانا يجعلانها كل مساء متعبة ومبتلة الثياب بسبب نفض اللفافات المغسولة لتجفيفها. وأحيانا كانت تستلقي في أثناء النهار على الأريكة، وكانت تطلب من أحد الأطفال أن يوقظها بعد خمس دقائق، ولكن الأطفال كانوا يتركون أمهم تنام.
وعندما كانوا يذهبون لقطف الفاكهة كانت تقول دائما قبل بدء العمل: «اللهم بارك في عملنا.»
نامعلوم صفحہ