مخطوطات مسرحيات عباس حافظ: دراسة ونصوص
مخطوطات مسرحيات عباس حافظ: دراسة ونصوص
اصناف
وهذا التقرير يعتبر وثيقة مهمة بالنسبة لنظم الرقابة المسرحية، لما احتوى عليه من روح نقدية، وبنود رقابية تقدمية. فلأول مرة نجد الرقيب - بروح نقدية - يبحث عن المغزى والمضمون ... إلخ، قبل أن يبحث عن الموانع الرقابية. هذا فضلا عن بحثه في المصطلحات المسرحية، مثل العقدة والحبكة والتصوير ... إلخ. وأهم ما يميز هذا الرقيب الناقد، تفهمه الواعي لدور الرقابة. فهو لا يطبق نصوص القانون بصورة عمياء - كما يفعل معظم الرقباء - بل نجده يطبق روح القانون. وتبلغ الجرأة برقيبنا الناقد أن يوجه أنظار المسئولين على رقابة الروايات، إلى أن الهدف من الرقابة ليس المحافظة على الأمن العام والمجتمع - كما هو معروف ومتبع من قبل جميع الرقباء - بقدر المحافظة على سلامة الذوق الفني عند الجمهور فيما يتلقاه من فنون مسرحية. وأمام إيمانه بهذه الحقيقة يرفض الترخيص بتمثيل المسرحية، ويصدق على هذا الرفض رئيسه في العمل!
وبهذا الحماس النقدي، وجدنا عباس حافظ يكتب تقريرا برفض مسرحية الزعيم
36
لأحمد يوسف
37
عام 1936؛ لأنه يصور زعيم الأكثرية بصورة غير لائقة، ويلصق به علاقات مشينة مع إحدى الراقصات، كما يصور حياته بصورة لاهية. كما أن المؤلف خلع عليه لقب «الرئيس الجليل»، وهو لقب بعض الزعماء بالفعل. ويختتم الرقيب عباس حافظ تقريره بقوله: «هذا كلام فارغ، وموضوعات لا يليق عرضها على الجمهور في المسارح ... ولا يمكن السماح برواية كهذه مطلقا.» وربما كان الرقيب الناقد محقا في رأيه هذا؛ لأنه في ذلك الوقت كان الأقدر على معرفة الزعامة وقدرها عند الناس ؛ لأنه ألف في هذه الفترة كتابين عن زعيمين جليلين هما سعد زغلول ومصطفى النحاس، كما مر بنا. وربما كانت آراء عباس حافظ، من الآراء التي تستلفت نظر رؤسائه في العمل، بدليل أن مديره الأعلى صدق على رفض المسرحية.
صورة تقرير عباس حافظ لمسرحية الزعيم تأليف أحمد يوسف عام 1936.
ومن الجدير بالذكر، أن عباس حافظ لم يكتف بنقد المسرح التطبيقي - الممثل - باعتباره ناقدا صحفيا، أو بالنقد الرقابي باعتباره رقيبا مسرحيا، بل أيضا وجدنا له أعمالا نقدية نظرية ذات منهج علمي في الترجمة؛ فعندما طبعت مسرحية «سيرانو دي برجراك» لأدمون روستان وترجمة عباس حافظ، وجدنا المترجم لم يلتزم الترجمة فحسب، بل تعداها إلى وضع بعض الحواشي التي تدل على سعة اطلاعه وثقافته المتنوعة وعلمه الغزير؛ فعلى سبيل المثال، يأتي في ثنايا حوار المسرحية ذكر الرسامين دي شامبان وجاك كالو، دون أي تعريف لهما، فيقوم المترجم عباس حافظ بكتابة هامش، عرف فيه هذين العلمين للقارئ، مع ذكر لأهم أعمالهما الفنية؛ كذلك وجدناه يشرح في هوامشه معنى رياح المسترال، وشخصية سكاراموش، واسم ميرميدون ... إلخ.
وكفى بنا أن نذكر هنا رأي عبد الرحمن صدقي في ترجمة عباس حافظ لهذه المسرحية، عندما قال: «إني اليوم على يقين من أن هذا الشعر الذي يحرص أهله هذا الحرص على نصه الفاخر في أصله الفرنسي، قد لقي في ترجمته هذه إلى اللسان العربي صورته المطابقة ... ويحملنا على هذا اليقين ما يعرف به الناقل الفاضل من التمكن في صناعته، والتجلية في حلبته، والانطباع على قوة البيان، والبصر بمذاهب الكلام، وفنون الأدب. والحق أن هذه المسرحية في حلتها العربية من أنفس ما يهدى إلى القراء، شبابهم وشيوخهم على السواء، ولا نخص عشاق المسرح منهم، بل قراء الأدب كلهم، في الوطن العربي كله.»
38
نامعلوم صفحہ