وَمن قصد ترك أَمْوَالهم من الجوائز والعطيات والهدايا والصلات وَالسُّؤَال لَهُم فقد أَتَى فضلا وقربة تُؤَدِّيه بُلُوغ تِلْكَ الْمرتبَة إِلَى أعظم منَازِل الْخَواص من الْمُسلمين وَالدُّخُول فِي مرتبَة أهل الصفوة من الْعمَّال
لأَنا قد رَأينَا كثيرا من الْعلمَاء لَيْسَ مَعَهم السعَة فِي الْعلم وَمَعَهُمْ ضيق فِي التفقه فِي الدّين وَقلة رِوَايَة فِي الحَدِيث إِلَّا أَن الْمرتبَة فِي التّرْك جعلت لَهُم ذكرا عِنْد الْخَاصَّة والعامة على فَضلهمْ وأورثتهم هَذِه الْمنزلَة شدَّة المباينة وعظيم الحذر من مواقعة الشُّبُهَات لما ركب فِي الْقُلُوب الخشية وَخَوف السُّؤَال عِنْد الْعرض على الْجَبَّار ﵎ وَحَملهمْ الحذر على خوف معالجة الْمَوْت لِأَن أول مَا يَأْكُل التُّرَاب من ابْن آدم لَحْمه فَلَا يكون ذَلِك فِي نَبَاته إِلَّا من طيب فَإِن الله ﷿ لَا يقبل إِلَّا طيبا
وَقد روى عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (ترَاهُ أَشْعَث أغبر مطعمه من حرَام ومشربه من حرَام وملبسه من حرَام فَأنى يُسْتَجَاب لَهُ)
وَقَالَ لسعد (أطب مطعمك تستجب دعوتك)
وَقيل لسعد بِمَ تستجاب دعوتك قَالَ بِأَنِّي لَا أَدخل بَطْني إِلَّا شَيْئا أعرفهُ
وَقَالَ ابْن عَبَّاس ﵁ لَو صلى وَفِي ثَوْبه سلك حرَام فِيهَا دِرْهَم حرَام لم يقبل مِنْهُ
وَرَأى مثله كَذَلِك عَن ابْن عمر وَمن اشْترى ثوبا بِعشْرَة دَرَاهِم وفيهَا دِرْهَم حرَام لم تقبل لَهُ فِيهَا صَلَاة
وَالله أعلم مَا أَرَادَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس إِلَّا أَن الحَدِيث عَن ابْن
1 / 91