أنا اليوم في فيض من النور، وقد كنت في لجج من الظلمة. وإني أكتب إليك لأقول إنك تضيع أيامك وشبابك في تحصيل العلوم اللاهوتية لتصير مثل أبيك، وتسلك مسلكه الكهنوتي. اسمع، يا ابني، كلامي، وانتصح بنصيحتي؛ فإذا كنت ترغب في خدمة السيد المسيح، له المجد، فاخدمه كما خدمه الرسل الأبرار. واستمع، يا ابني، أقواله قبل أن تستمع شروح أساتذة اللاهوت وتفاسيرهم. افتح العهد الجديد (متى 6: 5، 6، 7). واسمع إلهنا يقول:
صل في مخدعك، وليس كالمرائين في المعابد، وعلى زوايا الشوارع. واقرأ 7، 8، 9 من سفر 23 يتضح لك، يا ابني العزيز، إن رتبة الكاهن غير محللة في كتاب الله، فلا يحق لك أن تكون أبا روحيا للناس؛ بل أنت أخ للناس أجمعين. كما أن الناس كلهم إخوان لنا. ما أراد السيد المسيح أن يؤسس كنيسة على الأرض، فهو يكره المظاهرات، ويأمرنا بأن نصلي سرا. قد لا تتوفق في حياتك إلى من ينقذك مما تكون فيه من المآثم والمفاسد الكهنوتية. كن من الناس، يا ابني، واخدم الناس كما خدم بولس سيده المسيح. كن محبا للخير، عاملا في سبيله، شفيقا سموحا على الدوام. وبعد ذلك، يا ابني، لك أن تكون ملفانا. اسلك مسلك الحق، والورع، والصلاح، والصدق. وإياك والخداع، وإياك والتمويه. لا تعلم ما لا تعتقده صحيحا. لا تبشر بما لا تتيقن فيه الخير كل الخير للناس. لا تخن ضميرك. ولا تجحد الرب إلهك. واعلم، يا ابني، أنك لا تستطيع أن تسلك هذا المسلك الشريف إذا كنت كاهنا. فانتصح بنصيحة أبيك، وعد إلى بيتك، تجد فيه من أسباب العمل ما يكفيك.
بعد أن أرسل الخوري يوسف هذا الكتاب إلى ابنه بروما، خرج من بيته وقد عزم عزما صادقا أن يقتدي بنسيبه القسيس، وأن يشارك أخاه المكاري.
وبعد أسبوع شاهده أحد أبناء القرية في الطريق يمشي ورفيقا له وراء قافلة من البغال.
كان الخوري يوسف يشتري الدقيق، ويدفع ثمنه من ماله، وكان المكاري أبو طنوس شريكا له في العمل؛ فكان المكاريان الصالحان المحسنان يوزعان الدقيق مجانا على الفقراء والمعوزين .
واستمرا في هذا الإحسان أسبوعين لا غير؛ ذلك لأن «جحود» الخوري يوسف أحدث ضجة في الجبل، وخصوصا في الدوائر الإكليريكية، فاستدعاه البطريرك كما قيل، وأبقاه في المقر القدسي.
وبعد المحاكمة اختفى الخوري يوسف، وانطفأ ذكره. وقد راجت بعد أشهر إشاعة في الشمال أنه موجود في دير قزحيا. إشاعة أثبتها واحد من أولئك المساكين الذين يحملهم أهلهم إلى ذلك الدير؛ ليشفوهم من «الجنون»، فقد فر ذلك «المجنون» هاربا، ثم أفشى خبر رفيقه هناك، الخوري الجاحد، الخوري يوسف يواكيم.
نامعلوم صفحہ