--- ما أشبه ما نرى منكم بما حكى الله سبحانه عن نبيه محمد صلى الله عليه وآله وقوم يهودا حين كانوا يخوفون الأوس والخزرج بنيء قد أظلهم زمانه, ودنا أوانه، قال تعالى: { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يفتستحون على الذي كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكفرين بئس ما اشتروا أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكفرين عذاب مهين وإذا قبل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ... } إلى آخرها.
فإن كان ما أظهروه من القول بالإمامة من قبل صحيحا، فقد صار ما قالوه من إنكارها كذبا، وإن كان ما أظهروه آخرا من إنكارها صحيحا، فقد بان أن الذي كانوا عليه منها أولا نفاقا.
فإن قالوا: دخلنا بدلالة وخرجنا بدلالة.
قلنا: غرقتم في بحار الجهالة, وتهتم في أودية الضلالة، كيف تكون المتنافيات أدلة توجب علما؟! أو تورث فهما؟!
فإن قلتم: كانا شبهتين جميعا في دخولنا وخروجنا.
قلنا: فقد أخطأتم في الدخول من غير يقين، وأخطأتم في الخروج من غير يقين, وأصبحتم بين الفريقين مذبذبين, وأنتم إلى الآن تجرون في ميدان الاشتباه. أفما لهذه النومة من انتباه؟! وإن كان الدخول شبهة والخروج يقينا.
قلنا: فشرائط الإمامة يفضى فيها إلى الاضطرار, ويستوي العلماء فيها والأغمار، فالمدعي لخلافها بعد الإقرار بصحتها يشهد على نفسه بالكذب, ويحجب من باطله مالا يحتجب, على أنه قد جعل على نفسه سلطانا، ومكن منها زماما وعنانا.
فإن أوضح على الإمام فسقا بينا, وضلالا قادحا متعينا، وإلا دخل فيما خرج عنه، فإن الإمامة لا تبطل بعد ثبوتها إلا بفسق ظاهر يقع عليه الإصرار, ويلازمه المتابعة والاستمرار، لأن الإمام لو أخطأ خطأ وتاب عادت له الإمامة, واستقرت أحكام الرياسة والزعامة.
صفحہ 5