كتاب الإيمان
سند الكتاب
قال الشيخ الفاضل أحمد بن الحسن الرصاص قدس الله روحه: روينا من طريق الفقيه العالم بهاء الدين علي بن أحمد بن الحسين المعروف ب (الأكوع) رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا السيد الشريف العالم علي بن مهذب العلوي، قال: أخبرنا الشيخ العالم أبو العباس أحمد بن يحيى بن نافة المقري، قال: أخبرنا محمد بن علي بن ميمون النرسي إجازة، أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي رضي الله تعالى عنه، قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن أبي داره الضبي إجازة، وحدثني والدي عنه، قال: حدثنا أبو العباس إسحاق بن محمد بن مروان بن زياد الغزال، وحدثنا أبي محمد بن مروان، قال: حدثنا إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن الإمام أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين هذه الرسالة التي رد بها على أهل الإرجاء والحشو.
صفحہ 2
مقدمة في الدعوة إلى الاسترشاد بالقرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
من رجل من المسلمين، إلى من قرأ هذا الكتاب من المؤمنين المسلمين، سلام الله تعالى عليكم، فإني أحمد الله تعالى إليكم الذي لا إله إلاهو وإليه المصير.
وأوصيكم بتقوى الله تعالى وطاعته، فإن تقوى الله رأس كل حكمة وجماعه، ف?اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون?[آل عمران: 102].
وأوصيكم أن تتخذوا كتاب الله قائدا وإماما، وأن تكونوا له تبعا فيما أحببتم وكرهتم، وأن تتهموا أنفسكم ورأيكم فيما لا يوافق القرآن، فإن القرآن شفاء لمن استشفى به، ونور لمن اهتدى به، ونجاة لمن تبعه، من عمل به رشد، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فلج، ومن خالفه كفر، فيه نبأ من قبلكم، وخبر معادكم، وإليه منتهى أمركم، وإياكم ومشتبهات الأمور وبدعها، فإن كل بدعة ضلالة.
أما بعد..
فإن ناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم، وإن الله عز وجل قال في كتابه: ?هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب?[آل عمران: 7]، فالمتشابهات هن المنسوخات، والمحكمات هن الناسخات.
صفحہ 3
استحقاق الإيمان بالخروج من الشرك وتصديق الأنبياء
وإن الله تبارك وتعالى بعث نوحا إلى قومه ?أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون?[نوح: 3]، ودعاهم إلى الله وحده لا شريك له، ?وإبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب?[الشورى: 13].
ثم بعث الأنبياء عليهم السلام، إلى قومهم على شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله؛ فمن كان منهم مخلصا، ومات على ذلك أدخله الله الجنة بذلك، وإن الله ليس بظلام للعبيد، ولم يكن الله تعالى ليعذب عبدا حتى يكتب عليه العمل، وينهاه عن المعاصي التي أوجب لمن عمل بها النار.
فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين، جعل لكل نبي شرعة ومنهاجا. والشرعة: السنة. فقال تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ?إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا دواد زبورا?[النساء: 163]، فأمر كل نبي أن يأخذ بالسنة والسبيل.
وكان من السنة والسبيل التي أمر الله سبحانه وتعالى بها قوم موسى، أن جعل عليهم السبت، فكان من عظم السبت ولم يستحله - يفعل ذلك من خشية الله - أدخله الله الجنة بذلك، ومن استخف بحقه، واستحل فيه ما حرم الله سبحانه وتعالى من العمل الذي نهاه عنه؛ أدخله الله النار، حتى ابتلاهم الله بالحيتان التي كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعا .
صفحہ 4
فلما اصطادوا الحيتان يوم السبت واستحلوا أكلها غضب الله سبحانه عليهم بذلك، من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن، ولا شكوا في شيء مما أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: ?ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين?[البقرة: 65].
وبعث الله سبحانه عيسى عليه السلام بشهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء به من عند الله، وجعل له شرعة ومنهاجا، فهدم السبت - الذي كان بنو إسرائيل يعظمونه قبل ذلك - وعامة ما كانوا عليه من السنة والسبيل، وأمروا أن يتبعوا سنة عيسى عليه السلام وسبيله، فمن اتبع سنة عيسى عليه السلام وسبيله أدخله الله الجنة، ومن ثبت على السبيل الذي جاء به موسى ولم يتبع عيسى عليه السلام أدخله الله النار؛ وإن كان مؤمنا بما جاء به الأنبياء عليهم السلام لا يشرك بالله شيئا. فلم يزل من اتبع عيسى عليه السلام مهتديا ما عمل بسنة عيسى عليه السلام وسبيله من بعده.
صفحہ 5
إستحقاق أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان بالخروج من
الشرك أولا
ثم بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره أن يدعو الناس إلى الله وحده، وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا - وهو بمكة عشر سنين، - فمن اتبع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ودينه أدخله الله سبحانه الجنة، ولم يكن كتب عليهم القتال، ولا الصلاة، ولا حج البيت، ولا صيام شهر رمضان، فلم يكن أحد يموت ممن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم مخلصا لا يشرك بالله شيئا إلا أدخله الله سبحانه الجنة، ولا يعذب الله تعالى أحدا - ممن اتبع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة - إلا من يشرك بالرحمن.
وتصديق ذلك - أنه لم يكن ليدخل الله تعالى النار من اتبع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة، ممن يقول: لا إله إلا الله مخلصا لا يشرك بالله شيئا - أن الله تعالى أنزل عليه وهو بمكة في سورة بني إسرائيل: ?وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا? إلى قوله: ?ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا?[الإسراء: 23 - 29].
ففي هؤلاء الآيات وأشباههن مما أنزل بمكة لم يعد الله النار في شيء مما نهى عنه من هذه الذنوب، حتى بلغ: ?ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا?[الإسراء: 39].
صفحہ 6
ثم أنزل جل وعلا في سورة (المدثر): ?كل نفس بما كسبت ر هينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين?[المدثر: 38- 48]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل تبارك وتعالى في (تبارك): ?كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير?[الملك: 8 - 10]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل تبارك وتعالى أيضا في (الصآفات): ?فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا إذا قيل لهم لاإله إلا الله يستكبر ون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون?[الصافات: 33 - 36]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل جل وعلا في (الليل إذا يغشى): ?فأنذر تكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى?[الليل: 14 - 16]، فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
صفحہ 7
وأنزل تبارك وتعالى في (إذا السماء انشقت): ?وأما من أوتي كتابه وراء ظهر ه فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا?[الانشقاق: 10 - 15]، [فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة].
وقال تعالى في(الواقعة): ?وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم?[الواقعة: 92 - 96]، فليس في هؤلاء أحد من أهل القبلة.
وقال تعالى: ?وأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه ياليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون?[الحاقة: 25 - 37]، فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
صفحہ 8
وأنزل تعالى في (طسم الشعراء): ?وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين?[الشعراء: 91 - 102]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وهي خاصة بقوم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المشركين، ليس منها اليهود ولا النصارى.
وقول الله تبارك وتعالى: فكبكبوا فيها هم والغاوون. فالذين كبكبوا هم: الآلهة، والغاوون: هم المشركون. وجنود إبليس أجمعون: ذريته من الشياطين. وما أضلنا إلا المجرمون هم: المشركون الذين ضلوا قبلهم فاقتدوا بسنتهم. وتصديق ذلك في قوم محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة.
وأنزل تعالى: ?كذبت قوم نوح المرسلين?، ?كذب أصحاب الأيكة المرسلين?[الشعراء: 176]، فليس في هؤلاء اليهود الذين قالوا: ?عزير ابن الله?[التوبة: 30]، ولا النصارى الذين قالوا: ?المسيح ابن الله?[التوبة: 30]، تبارك الله وتعالى عما يقولون علوا كبيرا، وسيدخل الله تعالى اليهود والنصارى النار، ولكن يذكر كل قوم بأعمالهم.
صفحہ 9
وتصديق قولهم: ?وما أضلنا إلا المجرمون?[الشعراء: 99]، قول الله تبارك وتعالى: ?كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون?[الأعراف: 38].
ففي هؤلاء الآيات [و] في أشباههن مما نزل بمكة أنه تعالى لم يدخل النار إلا مشركا.
صفحہ 10
توارد التكاليف وتزايد موجبات الإيمان
حتى إذا أمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالخروج من مكة والهجرة إلى المدينة، كتب عليهم القتال.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان.
وأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في الزاني: ?الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة?[النور: 2].
وقال تعالى: ?والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا?[الفرقان: 68 - 69].
وقال تعالى: في قتل النفس التي حرم الله: ?ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما?[النساء: 93]، ولا يلعن الله مؤمنا .
وأنزل تبارك وتعالى في مال اليتيم - فيمن يأكله ظلما-:?إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا?[النساء: 10]، ويبعث يوم القيامة ملتهبة بطنه حتى تخرج اللهب من فيه، يعرفه المسلمون بأكله مال اليتيم.
وأنزل تبارك وتعالى: ?ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون?[المطففين: 1 - 3]، ولم يجعل لأحد الويل حتى يوجب له النار.
وقال تعالى: ?فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم?[مريم: 37].
صفحہ 11
وقال تعالى:?الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب?[الرعد: 29].
وأنزل تبارك وتعالى في نقض العهد: ?إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم?[آل عمران: 77]. الخلاق: النصيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فكيف يكون مسلما؟!
فقل لأهل البدع والباطل: أرأيتم لو أن رجلا دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم كانت ليتيم في حجره، فسأله أن يردها إليه، فجحده فيها ولم تكن له عليه بينة، فاستحلفه فحلف له بالله يمين صبر، ما دفع إليه شيئا، وماله عليه حق قليل ولا كثير، أكان ممن اشترى بعهد الله وأيمانه ثمنا قليلا؟ وإن الله تعالى قال: ?متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا?[النساء: 77]، فلو أنه كان ممن اتقى الله تعالى ولم يشتر بعهد الله وأيمانه ثمنا قليلا لم يخن أمانته، فإن الله قال: ?إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا?[الأحزاب: 72]. فمن لم يؤد أمانته فيها كان منافقا وكان كافرا، قال تعالى: ?وإن الله لايحب من كان خوانا أثيما?[النساء: 107].وقال تعالى: ?إن الله لا يهدي كيد الخائنين?[يوسف: 52].
صفحہ 12
ولا يتوب الله إلا على من تاب إليه، ولا يرضى عمن اتبع سخطه، إنما يرضى الله تعالى عمن أرضاه واتبع رضوانه، ومن استغنى عن الله ولم يتب إليه استغنى الله عنه، ولو قال بلسانه: تبت إلى الله، وخان أمانته، وأكل مال اليتيم، ولم يرده إلى أهله كان منافقا، يخدع نفسه.
وأنزل الله تبارك وتعالى في المدينة: ?سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين?[النور: 1 - 2].
وقال تعالى: ?لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم?[التوبة: 128]، فلو كان الزاني مؤمنا لكان النبي بالمؤمنين رؤوفا رحيما، وقال تعالى: ?الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين?[النور:3] فلم يسم الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، فإن تاب يتوب الله عليه)).
صفحہ 13
وأنزل تعالى في القذف : ?والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم?[النور: 5 - 6] ، فبرأه الله تعالى - مادام مقيما على الفرية - من اسم الإيمان.
وقال تعالى:?أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون?[السجدة: 18]، فصار منافقا؛ لأن الله تعالى قال: ?إن المنافقين هم الفاسقون?[التوبة: 67]، فصار من أولياء إبليس، قال الله تعالى: ?إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه?[الكهف: 50].
وأنزل الله تعالى: ?إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون? [النور: 23 - 24].
وأنزل الله تعالى في المرح: ?ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور?[لقمان: 18]، والمختال: المتجبر، والفخور في كفره.
فسل أهل البدع والباطل كيف يكون رجل لعنه الله في الدنيا ويلقى الله ملعونا في الآخرة، يرجون أن يكون له عند الله نصيب، ويشكون فيه أنه ليس من أهل النار؟ وسلهم هل يشهد اللسان واليد والرجل على مؤمن؟ إنما يشهدن على من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فهو يعطي كتابه بيمينه، قال تبارك وتعالى: ?فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلا?[الإسراء: 71].
صفحہ 14
وسورة (النور) أنزلت بعد سورة (النساء) ، وتصديق ذلك في سورة النساء:?واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا?[النساء: 5].
والسبيل الذي قال الله تعالى [هو]: ?سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين?[النور:1 - 2].
وأنزل الله تعالى:?إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء?[النساء:48].
ثم أنزل تعالى بعدها: ?ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما?[النساء: 93].
ثم أنزل تعالى بعدها: ?والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا?[النساء: 122].
ثم أنزل تعالى بعدها: ?ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا?[النساء: 124]. ثم أنزل تبارك وتعالى: ?ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن?[النساء: 125].
صفحہ 15
فأبى الله أن يقبل العمل الصالح إلا بالإيمان، ولا يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح، فقال تعالى: ?إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه?[فاطر: 10]، وأبى الله أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان، ولا يقبل الإحسان إلا بالإسلام.
ثم أنزل تبارك وتعالى: ?إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما?[النساء: 31]. فكل كبيرة ما وعد الله تعالى عليها النار.
ثم أنزل تعالى بعد ذلك: ?ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما?[النساء: 93].
وقال الله عز وجل: ?فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم?[محمد: 22 - 23]. وحين تولى الذين أفسدوا في الأرض تولوا عن طاعة الله وقطعوا الرحم، فإن لقي أخاه من المسلمين ضرب عنقه وأخذ ماله. والله تعالى يقول: ?إنما المؤمنون إخوة?[الحجرات: 10]، فإذا قتله برىء من أخوته وصار خصمه وعدوه يوم القيامة.
وتصديق ذلك: لو أن أخوين لأب وأم قتل أحدهما صاحبه لم يرث الذي بينهما من الميراث.
وقال الله تبارك وتعالى: ?يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض بينكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا?[النساء: 29 - 30].
صفحہ 16
فسلهم حين أصلاه الله تعالى النار أخرجه من رحمته إلى غضبه؟ فإنهم سيقولون: نعم . فقل: هل أخرجه الله وهو في عداوته، أو في ولايته؟ فإن قالوا: هو في عداوته فقد صدقوا. وإن قالوا : يعذبه الله وهو في ولايته فقد كذبوا وافتروا على الله الكذب؛ لأن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه ولي كل مؤمن؛ وأن إبليس قال لربه: ?رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين?[ص: 79 - 83]، فهل من ذرية آدم أحد لم يغوه إبليس إلا عباد الله المخلصين؟
قل: فمن أي الفريقين هذا الذي أكل المال وسفك الدم الحرام؟ ممن أغواه إبليس؟ أو من عباد الله المخلصين؟ فإنه لا بد له أن يكون من أحد الفريقين، فإن قالوا: لا ندري من أي الفريقين. لبس عليهم دينهم وشكوا في أمر ربهم، وعمي عليهم أمرهم الذي ينتحلون؛ لأنه إنما سفك الدم وقطع الرحم وأكل المال بطاعته إبليس وغوايته.
وقال الله عز وجل:?وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور?[لقمان: 32]، والختار: الغدار. ومن غدر بميثاقه كفر، قال الله تعالى: ?والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار?[الرعد: 25]، وقال تعالى: ?يآأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون?[الأنفال: 27]، فمن خان أمانته خان الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
صفحہ 17
وتصديق ذلك أن الله تعالى قال: ?وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة?[آل عمران: 161]، أفيأتي بالغل يوم القيامة، فيلقيه في النار، ويدخل الجنة؟ فما أرى إذا الغل الذي جاء به - يحمله يوم القيامة - ضره شيئا إن كان كما يقولون: ((إذا قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)). أليس القول حقيقة من العمل.
وقال الله تعالى: ?إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه?[فاطر:10]. فأصل القول العمل.
وقال الله تعالى: لمحمد صلى الله عليه وآله سلم: ?ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما?[النساء: 107]. إنما أنزلت هذه الآية في أهل القبلة الذين خاصموا عن الرجل الذي خان الدرع من اليهودي، وهو الذي أنزلت فيه: ?إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء?[النساء: 48] ولو مات خائنا قبل أن يشرك بالله شيئا أدخله الله تعالى النار، إن الله تعالى لا يدخل الجنة إلا من يحب.
وموجبات العذاب نزلن بعد الآيات التي نزلت في (سورة بني إسرائيل) التي ذكر فيهن: القتل والعهد والزناء وأكل مال اليتيم، وأشباه ذلك من الكبائر التي لم يكن الله وعد عليها النار، حتى بلغ: ?ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا?[الإسراء: 39]، فأوجب تعالى لمن عمل بهؤلاء الآيات النار، الذين لم يكن أوجب عليهم النار في سورة بني إسرائيل بمكة.
صفحہ 18
فإن الله لايقبل العمل إلا من المتقين، وكيف يكون من المتقين من أقام على الزناء والقتل وأكل مال اليتيم ونقض العهد والميثاق والفساد في الأرض والإقامة على المعاصي؟ والتقوى ليست قولا بغير عمل، إنما التقوى: الإيمان والعمل بحقيقة الإيمان، قال الله تعالى: ?يآأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون?[آل عمران: 102]، وقد سماهم الله تبارك وتعالى مؤمنين حين أسلموا وأخبتوا وصدقوا بما جاء به نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، من أمرهم بالتقوى والعمل، فقال تعالى: ?يآأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم?[محمد: 33] وقال تعالى للمؤمنين: ?لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون?[الأنبياء: 103].
وقال تعالى: ?الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون?[البقرة: 275]. فإن زعموا أن هذا مشرك فقد كذبوا، لأن الله تعالى يقول: ?ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله?[البقرة: 279]، فصار حرب الله حين أقام على الربا من غير شرك بالرحمن، ولا شك فيما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
صفحہ 19
إن الله تبارك وتعالى أمر الناس بالتقوى فمن اتقى مات مسلما ومن لم يتق مات وهو كافر وإن كان يدعي الإسلام.
تصديق ذلك قوله تعالى في (المائدة) - وهي آخر القرآن هي و(براءة) وهي ناسخة-: ?واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت يدك إلي لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو إفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون?[المائدة: 27 - 32]، فإذا قتل قتيلا بغير نفس أو فساد في الأرض كان مسرفا، قال الله تعالى:?وأن المسرفين هم أصحاب النار?[غافر: 43] .
صفحہ 20
فسلهم كيف يغفر الله تعالى لعبد لقي الله وفي عنقه مثل دماء المسلمين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وجميع بني آدم كل بر منهم وفاجر؟ [و]لم يتب إلى الله تعالى، ولم يزدد إلا فسادا في الأرض وسفكا للدم، فكيف يرضى الله تعالى عمن أسخطه واستغنى عنه، فإن الله الغني عن العباد وهم الفقراء وهو الغني الحميد.
فسل أهل البدع والباطل عن ابني آدم: من أهل الدعوة كانا أو مشركين؟ فإن زعموا أنهما من أهل الدعوة فقد صدقوا. وإن زعموا أنهما مشركان فقد كذبوا. وتصديق ذلك أنهما قربا قربانا لله فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، ولم يكن آدم صلى الله عليه ليأمر ابنيه الذين خرجا من صلبه أن يكونا على غير ملته، ولم يكن إبليس نصب وثنا يومئذ دون الرحمن، إنما نصب إبليس الأوثان للناس بعد ما كثر الناس ومات العلماء منهم، فخدعهم إبليس لعنه الله عن أنفسهم، ولم يجعل سبحانه ابن آدم - حين قتل أخاه - من أهل النار بالشرك، ولكنه أضله بقتله أخاه ليكون للسعيد موعظة.
وسلهم هل يشهدون أن ابن آدم الذي قتل أخاه من أهل النار؟ فإن قالوا: نعم. فقد صدقوا. وإن قالوا: لا ندري. شكوا في قول الله تعالى. لا يدرون هل ينجز الله وعده أم لا؟ فأي أرض أو سماء تسع رجلا يشهد على ابن آدم الذي اصطفاه الله على خلقه، وسجدت له الملائكة كلهم أجمعون، أنه من أهل النار، ولا يشهدون على أخوين يدعيان الإسلام من أهل زمانهم هذا، لعل أبويهما كانا يدعيان الإسلام، أو كانا يهوديين أو نصرانيين أو مجوسيين، قتل أحدهما أخاه؟! فسلهم عنهما ألا يشهدون أن القاتل في النار؟
وقضاء الله جل وعلا في العباد واحد، ما نهى من قبلنا عن ذنب - أوجب لمن عمل به النار؛ فعملوا به فأدخلهم به النار - إلا عذب من عمل منا بذنب قد نهى الله عنه، فأوجب الله لمن عمل به النار.
صفحہ 21