[مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله]
المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420ه)
أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر
عدد الأجزاء: 30 جزءا
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
نامعلوم صفحہ
صفحة فارغة
صفحہ 1
صفحة فارغة
صفحہ 2
صفحة فارغة
صفحہ 3
صفحة فارغة
صفحہ 4
المدخل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن سار على دربهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
فلقد كانت موافقة سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز على تجميع فتاواه ورسائله ومحاضراته في سفر واحد يضم أجزاء مختلفة، تلبية لرغبات كثيرة، ومحققة لفائدة علمية- نفع الله بها، وجعلها سبحانه في موازين حسناته من العلم النافع- ومزيلا للظنون فيما حاول بعض الإخوان في داخل المملكة وخارجها جمعه وتداوله من أعمال سماحته بدافع محبتهم له، واطمئنانهم بما يصدر عنه.
وقد سعدت بما أسند إلي سماحته من الإشراف على تجميع وطبع ما تبعثر من إنتاجه الغزير، فقد كان حفظه الله، وأمد في عمره على خير عمل، باسطا نفسه، وناشرا علمه لطلبة العلم وللسائلين، حريصا على المساهمة في كل ميدان للدعوة والتعليم، منذ أن تولى القضاء في الخرج عام 1357 ه وحتى الآن، ولم يحفظ في مكتب سماحته من أعماله التي صدرت، إلا في أثناء عمله في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم بعد الانتقال لعمله الأخير بالرياض.
ومع هذا بقيت أعمال أخرى كثيرة لم تحفظ: كالمحاضرات، ودروس جامع الرياض، وغيره من المساجد، والفتاوى والأحاديث في الصحف والإذاعة.. وهذه أعمال كثيرة جدا.. فكان لا بد من تجميع ما تيسر من ذلك، ثم عرضه على سماحته قبل تدوينه، وتخصيص مكانه من الكتاب، إذ كان رأيه حفظه الله عدم نشر أي شيء إلا بعد قراءته وإقراره، ورعا منه في الفتوى، وتوثقا عن التصحيف والأخطاء.
صفحہ 5
وقد رأى- غفر الله له ولوالديه- البدء في العقيدة، وتخصيص الموضوعات التي تدخل ضمنها، إلا أنه قد يمر بما أودع أجزاء العقيدة، ما يدخل في أبواب الفقه، حيث أمر بالإشارة إليها في موطنها، أو نقل ما يتعلق بالفقه في موضعه؛ لأنه جاء ضمن أسئلة صحفية أو غيرها فلم يستحسن تجزئتها.
وإن سماحته ليرجو من كل من توجد لديه فتاوى أو مقالات أو أحاديث مسجلة من القديم أو الحديث أن يمدنا به ليأخذ دوره من النشر بعد عرضه على سماحته..
وصلى الله وسلم على الهادي البشير، وآله وصحبه أجمعين.
محمد بن سعد الشويعر
صفحہ 6
مقدمة الطبعة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه فتاوى ومقالات صدرت مني في أوقات متعددة ولما فيها من الفائدة رأيت أن أجمعها وأطبعها في غلاف واحد لأستفيد منها، ويستفيد منها من شاء الله من العباد، وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني بها حيا وميتا، وأن ينفع بها عباده إنه سميع قريب، ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو حسبي ونعم الوكيل، وقد رأيت ترتيبها على ترتيب الفقهاء بادئا بما يتعلق بالعقيدة؛ لكونها أهم الأمور، وقد روعي في هذه الطبعة تلافي الأخطاء المطبعية في الطبعة السابقة، والله المستعان وعليه التكلان وهو ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
المؤلف
عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن باز
مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء
ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء
صفحہ 7
صفحة فارغة
صفحہ 8
نبذة عن حياة المؤلف (1)
أنا عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز.
ولدت بمدينة الرياض في ذي الحجة سنة 1330 ه. وكنت بصيرا في أول الدراسة ثم أصابني المرض في عيني عام 1346 ه. فضعف بصري بسبب ذلك.. ثم ذهب بالكلية في مستهل محرم من عام 1350 ه والحمد لله على ذلك، وأسأل الله جل وعلا أن يعوضني عنه بالبصيرة في الدنيا والجزاء الحسن في الآخرة، كما وعد بذلك سبحانه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما أسأله سبحانه أن يجعل العاقبة حميدة في الدنيا والآخرة.
وقد بدأت الدراسة منذ الصغر وحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ ثم بدأت في تلقي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض من أعلامهم:
1 -
الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله.
2 -
الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. قاضي الرياض رحمهم الله.
3 -
الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (قاضي الرياض) رحمه الله.
4 -
الشيخ حمد بن فارس (وكيل بيت المال بالرياض) رحمه الله.
5 -
الشيخ سعد وقاص البخاري (من علماء مكة المكرمة) رحمه الله أخذت عنه علم التجويد في عام 1355 ه.
6 -
سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله وقد لازمت حلقاته نحوا من عشر سنوات وتلقيت عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347 ه. إلى سنة 1357 ه حيث رشحت للقضاء من قبل سماحته.
صفحہ 9
جزى الله الجميع أفضل الجزاء، وأحسنه وتغمدهم جميعا برحمته ورضوانه.
وقد توليت عدة أعمال هي:
1 -
القضاء في منطقة الخرج مدة طويلة استمرت أربعة عشر عاما وأشهرا وامتدت بين سنتي 1357 ه. إلى عام 1371 ه.. وقد كان التعيين في جمادى الآخرة من عام 1357 ه. وبقيت إلى نهاية عام 1371 ه.
2 -
التدريس في المعهد العلمي بالرياض سنة 1372 ه. وكلية الشريعة بالرياض بعد إنشائها سنة 1373 ه. في علوم الفقه والتوحيد والحديث واستمر عملي على ذلك تسع سنوات انتهت في عام 1380 ه.
3 -
عينت في عام 1381 ه. نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وبقيت في هذا المنصب إلى عام 1390 ه.
4 -
توليت رئاسة الجامعة الإسلامية في سنة 1390 ه. بعد وفاة رئيسها شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في رمضان عام 1389 ه. وبقيت في هذا المنصب إلى سنة 1395 ه.
5 -
وفي 14 \10 \ 1395 ه. صدر الأمر الملكي بتعييني في منصب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وبقيت في هذا المنصب إلى سنة 1414 ه.
6 -
وفي 20 \ 1 \ 1414 ه. صدر الأمر الملكي بتعييني في منصب المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ولا أزال إلى هذا الوقت في هذا العمل.
أسأل الله العون والتوفيق والسداد.
ولي إلى جانب هذا العمل في الوقت الحاضر عضوية في كثير من المجالس العلمية والإسلامية من ذلك:
صفحہ 10
1 -
رئاسة هيئة كبار العلماء بالمملكة.
2 -
رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الهيئة المذكورة.
3 -
عضوية ورئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
4 -
رئاسة المجلس الأعلى العالمي للمساجد.
5 -
رئاسة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
6 -
عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
7 -
عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية في المملكة.
أما مؤلفاتي فمنها:
1 -
الفوائد الجلية في المباحث الفرضية
2 -
التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (توضيح المناسك) .
3 -
التحذير من البدع، ويشتمل على أربع مقالات مفيدة (حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد) .
4 -
رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
5 -
العقيدة الصحيية وما يضادها.
6 -
وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها.
7 -
الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة.
8 -
وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.
9 -
حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار.
10 -
نقد القومية العربية.
11 -
الجواب المفيد في حكم التصوير.
صفحہ 11
12 -
الشيخ محمد بن عبد الوهاب (دعوته وسيرته) .
13 -
ثلاث رسائل في الصلاة: (1- كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، 2- وجوب أداء الصلاة في جماعة، 3- أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع؟) .
14 -
حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
15 -
حاشية مفيدة على فتح الباري وصلت فيها إلى كتاب الحج.
16 -
رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب.
17 -
إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.
18 -
الجهاد في سبيل الله.
19 -
الدروس المهمة لعامة الأمة.
20 -
فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
21 -
وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة.
صفحہ 12
العقيدة الصحيحة وما يضادها
(1)
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فلما كانت العقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام , وأساس الملة, رأيت أن تكون هي موضوع المحاضرة, ومعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة , فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال, كما قال تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} (2) وقال تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (3)
والآيات في هذا المعنى كثيرة, وقد دل كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم, على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في: الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره, فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز, وبعث الله بها رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام, ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الايمان به من أمور الغيب, وجميع ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرة جدا, فمن ذلك قول الله سبحانه {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} (4)
صفحہ 13
وقوله سبحانه: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} (1) الآية, وقوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا} (2) وقوله سبحانه: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير} (3)
أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرة جدا, منها الحديث الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان, فقال له: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره (4) » الحديث, وأخرجه الشيخان مع اختلاف يسير من حديث أبي هريرة , وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه, وفي أمر المعاد وغير ذلك من أمور الغيب.
فمن الإيمان بالله سبحانه , الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم والعالم بسرهم وعلانيتهم, والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم, ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم بها, كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (5) {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} (6) {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (7) وقال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} (8) {الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} (9)
صفحہ 14
وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لبيان هذا الحق والدعوة إليه, والتحذير مما يضاده, كما قال سبحانه: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (1) وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (2) وقال عز وجل: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} (3) {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} (4) وحقيقة هذه العبادة: هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبد العباد به من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة, على وجه الخضوع له والرغبة والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته, وغالب القرآن الكريم نزل في هذا الأصل العظيم, كقوله سبحانه: {فاعبد الله مخلصا له الدين} (5) {ألا لله الدين الخالص} (6) وقوله سبحانه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} (7) وقوله عز وجل: {فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون} (8) وفي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (9) » .
ومن الإيمان بالله أيضا الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده وفرضه عليهم من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا, وغير ذلك من
صفحہ 15
الفرائض التي جاء بها الشرع المطهر, وأهم هذه الأركان وأعظمها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي: إخلاص العبادة لله وحده ونفيها عما سواه, وهذا هو معنى لا إله إلا الله , فإن معناها: لا معبود حق إلا الله, فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غير ذلك فكله معبود بالباطل, والمعبود بالحق هو الله وحده, كما قال سبحانه: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} (1) وقد سبق بيان أن الله سبحانه خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به, وأرسل به رسله وأنزل به كتبه, فتأمل ذلك جيدا وتدبره كثيرا ليتضح لك ما وقع فيه أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل الأصيل حتى عبدوا مع الله غيره, وصرفوا خالص حقه لسواه, فالله المستعان.
ومن الإيمان بالله سبحانه: الإيمان بأنه خالق العالم ومدبر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه وأنه مالك الدنيا والآخرة ورب العالمين جميعا لا خالق غيره, ولا رب سواه, وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم في العاجل والآجل, وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك, وقال تعالى: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} (2) وقال تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (3)
صفحہ 16
ومن الإيمان بالله أيضا: الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في كتابه العزيز, والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل, بل يجب أن تمر كما جاءت بلا كيف, مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف لله عز وجل يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته, كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (1) وقال عز وجل: {فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} (2) وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان, وهي التي نقلها الإمام: أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتابه: (المقالات) عن أصحاب الحديث وأهل السنة, ونقله غيره من أهل العلم والإيمان.
قال الأوزاعي رحمه الله: سئل الزهري ومكحول عن آيات الصفات, فقالا: أمروها كما جاءت , وقال الوليد بن مسلم رحمه الله: سئل مالك والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان الثوري رحمهم الله عن الأخبار الواردة في الصفات, فقالوا جميعا: أمروها كما جاءت بلا كيف , وقال الأوزاعي رحمه الله: كنا -والتابعون متوافرون- نقول إن الله سبحانه على عرشه, ونؤمن بما ورد في السنة من الصفات , ولما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمة الله عليهما عن الاستواء قال: (الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق) , ولما سئل الإمام مالك رحمه الله عن ذلك, قال: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة) , ثم قال للسائل: ما أراك إلا رجل سوء, وأمر به فأخرج , وروي هذا المعنى عن أم المؤمنين أم
صفحہ 17
سلمة رضي الله عنها, وقال الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه: (نعرف ربنا سبحانه بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه) , وكلام الأئمة في هذا الباب كثير جدا لا يمكن نقله في هذه المحاضرة, ومن أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب مثل كتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد , و (التوحيد) للإمام الجليل محمد بن خزيمة , وكتاب (السنة) لأبي القاسم اللالكائي الطبري , وكتاب (السنة) لأبي بكر بن أبي عاصم , وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة , وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمه الله عقيدة أهل السنة, ونقل فيه الكثير من كلامهم والأدلة الشرعية والعقلية على صحة ما قاله أهل السنة, وبطلان ما قاله خصومهم, وهكذا رسالته الموسومة ب (التدمرية) قد بسط فيها المقام وبين فيها عقيدة أهل السنة بأدلتها النقلية والعقلية, والرد على المخالفين بما يظهر الحق, ويدفع الباطل لكل من نظر في ذلك من أهل العلم, بقصد صالح ورغبة في معرفة الحق, وكل من خالف أهل السنة فيما اعتقدوا في باب الأسماء والصفات فإنه يقع ولا بد في مخالفة الأدلة النقلية والعقلية مع التناقض الواضح في كل ما يثبته وينفيه.
صفحہ 18
أما أهل السنة والجماعة فأثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه الكريم، أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، إثباتا بلا تمثيل، ونزهوه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيها بريئا من التعطيل ففازوا بالسلامة من التناقض، وعملوا بالأدلة كلها، وهذه سنة الله سبحانه فيمن تمسك بالحق الذي بعث به رسله، وبذل وسعه في ذلك وأخلص لله في طلبه، أن يوفقه للحق ويظهر حجته، كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} (1) وقال تعالى: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} (2)
صفحہ 18