كان البرلمان لما يزل باقيًا ولقد قال بيرك أن البرلمان ثلاثة أركان ولكن بمجلس مخبري الجرائد ركنًا رابعًا أهم من تلك الأركان الثلاثة ولم تك كلمته هذه بالمجاز والاستعارة ولكنها عين الحقيقة. وقد أصبحت خطارتها اليوم أجسم منها يوم قالها بيرك. فالأدب هو برلماننا أيضًا. والديمرقراطية أيدكم الله رهن الطباعة التي هي من نتائج الكتابة. وما هو إلا أن تخترع الكتابة حتى تتبع الديموقراطية فالكتابة تنتج الطباعة الطباعة العامة اليومية كما نرى اليوم فيصبح كل ذي لسان بوقًا يسمع الشعب وقوة وفرعًا من أفرع الحكومة راجح الميزان عند وضع الشرائع والقوانين. وجميع تصاريف السلطة. ولا ينظر إليه من أي طبقة هو وماذا يملك وماذا يلبس. وإنما الأمر الجوهري هو أصاحب لسان. وأخو بيان. فيصغي إليه ويقبل عليه. هذا لا غيره الأمر الأساسي فالأمة محكومة بكل ذي لسان من أبنائها. وهناك الديموقراطية ولا مشاحة. ضف إلى ذلك أنه ما من قوة موجودة في الكون إلا وسيريكها الدهر يومًا ما فعالة معترفًا بسلطانها. فهي لا تزال تعمل في خفاء وتكد تحت غطاء تدافع العوائق والعوائق تدافعها وتصارع الموانع والموانع تصارعها. حتى يجلوها صبح اليقين من غياهب الشبهات. وتطلقها يد النصر من سلاسل العقبات. فتذهب في شعاب الحق كل مذهب. وتضرب في مناصي الاصلاح كل مضرب. ولا تستريح الديموقراطية حتى تبرز للعيان. ويصطلي شمسها كل إنسان.
أو ما يزال في كل شيء دليل على أن خير ما في طاقة امرئ أن يصنع وأعجب الأشياء طرا وأثقلها في النفوس وزنًا. وأخفها على الأسماع حسنًا. وألطفها في النفوس مكانًا. وأقلها في العقول رجحانًا هو كتاب لله تلك الرقع الواهية المرقشة المتون بلمع المداد الأسود أي جليل من الأمر لم تأت وأي شيء لم تصنع ولن تصنع! ولا غرو فهل كانت تلك الرقع مهما حقر ظاهرها إلا أشرف نتائج الذهن البشري؟ هي فكر الإنسان - الفضيلة الحرة التي بها يصنع كل شيء. وجميع ما يفعل الإنسان ويحدث إنما هو ثوب فكرة. وجسم روحه رأي من آرائه فمدينة لندن هذه بجميع ما بها من منازل ودور. وحلل وقصور وعدد وآلات وكنائس وبيعات وحركة وصخب. وجلبة ولجب - ما كل هذه إلا فكرة أو مليون فكرة ألف شملها نظام فصارت واحدة. ما هي الأروح فكرة جسيمة قد تجسدت في الطوب والحديد والخشب والتراب والدخان والقصور والبرلمانات والمركبات والمصانع وسائر ما تنظر من
3 / 15