مجالس السلطان الغوري
مجالس السلطان الغوري: صفحات من تاريخ مصر في القرن العاشر الهجري
اصناف
قال مولانا السلطان: قصد السلطان محمود بقاء اسمه إلى يوم القيامة، قيل له: ابن العمارات العالية. فقال: تخرب بعد ثلاثمائة أو أربعمائة سنة. فاتفق رأيهم على تصنيفات الكتب باسم السلطان محمود، فأمروا بنظم كتاب شاه نامه وواعدوا الفردوسي بإزاء كل بيت مثقالا من الذهب؛ فلما كمل قال وزيره: يكفي لشاعر في كل بيت مثقال من الفضة، وكان عدد أبياته ستين ألفا، فبعث السلطان ستين ألف مثقال فضة إلى الفردوسي، وكان في الحمام فأعطى عشرين ألفا أجرة الحمامي، وبعشرين ألفا شرب فقاعا، وعشرين ألفا أعطى لمن جاء بها، فلما سمع السلطان غضب عليه وأمر بقتله بعذاب أليم، واختفى الفردوسي؛ فأنشد هجو السلطان وراح نصف الليل عند خزين دار،
16
وكان صاحبه وطلب كتاب الشاهنامة ليطالعه، فأخذ الكتاب وكتب فيه هجو السلطان محمود، وهرب منه، وكان السلطان في الصيد يوما من الأيام فطلب كتاب شاهنامة، فلما فتح رأى هجوه فيه فانغاظ غيظا عظيما وأمر بقتل الوزير، وبعث ستين ألف مثقال ذهبا إلى مدينة الفردوسي؛ لما وصلت هذه الفلوس إلى باب مدينة طوس خرج تابوت الفردوسي من باب آخر، فعرضوا هذا الذهب على بنته ما قبلته؛ فأمر السلطان بصرف الفلوس على العمارة لأجل روح الفردوسي فعملوا قنطرة عظيمة وهي الآن موجودة.
17
حكاية
قال مولانا السلطان: اشتكوا عند السلطان محمود أن إياسا يروح كل يوم إلى بيت خلوة وفي هذا البيت جوار بيض، فجاء السلطان إلى بيت إياس ودار جميع بيوته ثم قصد الدخول في البيت المعهد، فامتنع إياس فبالغ السلطان فقال: أنا أستحي أن تدخلوا إلى هذا البيت. قال السلطان: لا بد أن أدخل. قال إياس: إذا كان كذلك فادخل أنت وحدك؛ ففتح باب المخزن ودخل مع السلطان فرأى خرقة مقطعة في البيت، قال السلطان: ما هذا؟ فقال: هذه الخرقة كانت لباسي قبل خدمتكم آجي كل يوم وأنظر إليها حتى لا أنسى فقري أولا، وأعرف قدر خدمتك ونعمتك ثانيا.
حكاية
قال مولانا السلطان: طلب السلطان محمود المماليك فجابوهم فقال إياس الخاص: يا سلطان، اشترني لله تعالى، وعندي معرفة بالأحجار والدواب والإنسان، فاشتراه وخلاه في الطبقة، فوقع عند السلطان لؤلؤ كبير كثير الثمن فوقع الاختلاف في ثمنه، فقال السلطان: هاتوا إياسا؛ فلما نظر إياس إلى اللؤلؤ قال: في جوفه دود. فأمر السلطان بكسر اللؤلؤ، الأمراء امتنعوا، وأمر إياسا فأخذه وكسره فخرج الدود من جوفه، ثم قال الأمراء حسدا عليه: يا قليل العقل، بأي سبب كسرت هذا الجوهر؟ فقال: أنا ما كسرت الجوهر؛ بل كسرت الحجر، وأنتم كسرتم الجوهر الحقيقي؛ وهو كلام الملك. فتعجب محمود من قوله وزاد في رزقه كل يوم رغيفين، ثم جاء فرس هدية، قال السلطان: هاتوا إياسا لينظر الفرس أيضا. لما نظر إليه قال: هذا الفرس شرب لبن البقر، فسألوا صاحبه قال: نعم، ماتت أمه وهو صغير، فربيناه بلبن البقر. قال الملك: يا إياس، بأي شيء عرفته؟! قال: بأن رواحه مثل رواح البقر. فزاد في رزقه كل يوم رغيفين، ثم طلبه بعد هذا وقال: يا إياس أنت قلت: أنا أعرف الإنسان، فاكشف حالي. قال: أخاف أن أقول. قال: لا تخف. قال: العفو يا مولانا السلطان، ما أنت إلا ابن الخباز لا ابن سبكتكين! فانغاظ السلطان، فراح عند أمه وسألها: ابن من؟ وقال: إن صدقت خلصت من يدي وإلا أقتلك في الساعة. قالت: أنا كنت زوجة بسبكتكين وكان عقيما، وكان يريد ألا يرث ملكه أحد من غير بيته، وعملت حيلة وقلت: أنا حامل. بعد تسعة أشهر أخذت ابنا من خباز وقلت: ولدته. ثم قال الملك لإياس: بأي شيء عرفت أني ابن خباز؟! قال بزيادة الخبز في وظيفتي. فرباه تربية عظيمة فوق الحد والوصف.
المناسب لهذا المجلس
قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : شرف الشخص بالعلم والأدب ، لا بالأصل والنسب.
نامعلوم صفحہ