Majalis Ramadan - Ahmed Fareed
مجالس رمضان - أحمد فريد
اصناف
خصوصية شهر رمضان بالقرآن
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
ثم أما بعد: فشهر رمضان ليس شهر الصيام والقيام فحسب، ولكنه كذلك شهر القرآن، فله خصوصية بالقرآن، قال الله ﷿: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:١٨٥]، فأنزل القرآن الكريم جملة في هذا الشهر المبارك، وفي ليلة مباركة وهي ليلة القدر، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ [القدر:١ - ٤].
فالله ﷿ أنزل هذا القرآن قيل: جملة واحدة، في مكان يسمى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك منجمًا على قلب رسول الله ﷺ.
وقيل: ابتدأ نزول القرآن في ليلة القدر من رمضان، والقرآن كله يسمى قرآنًا، والآية الواحدة تسمى قرآنًا.
وقيل: ابتدأ نزول القرآن في هذا الشهر المبارك، وفي الليلة المباركة ليلة القدر، فالشهر له خصوصية بالقرآن.
وروى الشيخان من حديث ابن عباس: (كان النبي ﷺ يعارض جبريل القرآن كل ليلة في رمضان).
فكان يعرض القرآن على جبريل ﵇، وعارضه القرآن مرتين في السنة الأخيرة من عمره ﷺ، وأسر إلى فاطمة الزهراء بحديث فبكت ﵂، ثم أسر إليها بحديث آخر فضحكت، فلما سألت عائشة ﵂ فاطمة الزهراء عما أسر به رسول الله ﷺ إليها قالت: (ما كنت لأفشي سر رسول الله ﷺ، فلما لحق النبي ﷺ بالرفيق الأعلى، أخبرت بأن النبي ﷺ أخبرها بأن جبريل كان يعارضه القرآن مرة واحدة، وأنه في هذه السنة عارضه القرآن مرتين، وقال: ما أرى ذلك إلا لقرب أجلي، فبكت فاطمة ﵂، ثم أسر إليها بأنها أول أهله لحوقًا به فضحكت ﵂، وتوفيت فاطمة الزهراء بعد رسول الله ﷺ بستة أشهر، فكانت أول أهله لحوقًا به).
فهذا الشهر له خصوصية بالقرآن.
كان الإمام مالك إذا دخل الشهر الكريم يترك الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على قراءة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري يقول: إنما هو إطعام الطعام وقراءة القرآن، فينبغي على المسلم أن يتأسى برسول الله ﷺ، وأن يدارس القرآن من هو أحفظ له منه في هذا الشهر المبارك.
وكان من السلف من يختم القرآن كل عشرة أيام، ومنهم من يختم كل سبعة أيام، ومنهم من يختم في ثلاثة أيام، ورخص بعض العلماء في أن يختم القرآن في أقل من ثلاث في رمضان، لخصوصية يعني هذا الشهر الكريم بالقرآن.
والقرآن جعله الله ﷿ هدى للمتقين كما أخبر الله ﷿.
والمؤمنون يزدادون إيمانًا بسماع القرآن، ولا يزداد الذين في قلوبهم مرض إلا شكًا واضطرابًا، كما قال الله ﷿: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال:٢].
فمقياس الإيمان الصحيح والصدق في الإيمان أن المسلم عندما يسمع القرآن يزداد إيمانًا.
وكما قال الله ﷿: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة:١٢٤ - ١٢٥].
فأهل الإيمان الذين في قلوبهم صدق وإيمان ومحبة وإخلاص لله ﷿ عندما يستمعون للقرآن يزدادون إيمانًا، والذين في قلوبهم ريب وشكوك ونفاق لا يزدادون إلا شكًا واضطرابًا، فهذا القرآن هدى للمتقين، والله ﷿ جعله شفاء لما في الصدور.
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء:٨٢].
فهو شفاء لما في الصدور.
9 / 2