وبلاؤه من منطق، صدق الذي ... قال: البلاء موكل بالمنطق ولما ذكر الإمام الجليل الزاهد أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم ابن الخطاب الخطابي البستي الشافعي في كتابه ((الغنية عن الكلام)) ظهور ما ظهر من مقالات أهل الكلام وخوض الخائضين فيها قال: ثم إني تدبرت هذا الشأن فوجدت عظم السبب فيه أن الشيطان صار اليوم بلطيف حيلته يسول لكل من أحس من نفسه بزيادة فهم وفضل ذكاء وذهن، ويوهمه: أنه إن رضي من علمه ومذهبه بظاهر من السنة، واقتصر على واضح بيان منها، كان أسوة العامة، وعد واحدا من عدد الجمهور والكافة، وأنه قد ضل فهمه واضمحل لطفه وذهنه، فحركهم بذلك على التنطع في النظر، والتبدع لمخالفة السنة والأثر، ليبينوا بذلك عن طبقة الدهماء، ويتميزوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء، فاختدعهم بهذه المقدمة، حتى استزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها، وتاهوا عن حقائقها، ولم يخلصوا منها إلى شفاء نفس، ولا قبلوها بيقين علم به.
ولما رأوا كتاب الله تعالى ينطق بخلاف ما انتحلوه، وشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه ضربوا بعض آياته ببعض: وتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم، واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته المأثورة عنه، وردوها على وجوهها وأساؤا في نقلتها القالة، ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزيد، ونسبوهم إلى ضعف المنة وسوء المعرفة بمعاني ما يروونه من الحديث والجهل بتأويله، ولو سلكوا سبيل القصد، ووقفوا عند ما انتهى بهم التوقيف، لوجدوا برد اليقين وروح القلوب، ولكثرت البركة وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور، ولأضاءت فيها مصابيح النور، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
صفحہ 84