قالوا:كان الطبري رحمه الله،قد اجتمع له بصنعاء عيال من ولد وأهل وأصحاب فقراء من آل رسول الله صلى الله عليه، وغيرهم وكان ذا جاه يوصل ويرفد، فكان يعينهم ممايرزق ويواسيهم، ويؤثر على نفسه في كثيرمن الأمور، وكان له إخوان باليمن وأصدقاء يرون له حقا عليهم، فخرج زائرا لهم ملتمسا من فضل الله ما يعين به من خلفه، فلبث في سفره حتىأصاب خيراكثيرا، وراح/60/بشئ ينفعهم به ويفرحهم من كسوة وغيرهامن نقد وعرض، فلما صارعند طرف الحمراء وهو الجبل الذي يتصل بجبل نقم المطل على صنعاء مما يلي علب من أرض الأبناء ، فخرج عليه لصوص فأخذوا ما معه فلما حازوه. قال: يا إخوة العرب، هل لكم في شئ من المرؤة والكرم؟ قالوا: وما هو؟ قال: قد صرت في أيديكم وليس لي عليكم يد ، فيقال: خفتموني، وقد جئت بما ترون من بعد، أهوي به إلى فقراء ومساكين خلفي، أعينهم إليه ممدودة، فهل لكم في خير؟ قالوا: وما هو؟ قال: تفوزون بشرف الذكر وبالشكر مني ما بقيت، وتقسمون لي معكم نصيبا من هذا، آتي به من خلفي، فلعل الله يثيبكم على ذلك، وتأخذون نصيبكم حلالا ويشكركم الناس. فرقوا لكلامه وأجابوه إلى ما طلب، فقسموا له نصف المتاع، وكانوا قد أبقوا عليه ثيابه إما حياء وتكرما من أهل ذلك الزمان، أو لما رأوا عليه من سيما الدين والحياء ونحو ذلك، فلما فعلوا أخرج إليهم ما كان معه من دنانير، وقال: قد بقي نصيبكم من هذه الدنانير فأعجبهم ذلك، ثم بايعهم بنصيبه منها في نصيبهم من الثياب وتلك العروض التي ينتفع بها أولئك الذين يقول أكثر من نفع الدنانير، فبقي عليه منها ثلاثون دينارا. فقال: لو تبعني/61/ لها أحدكم إلى صنعاء ما كان عليه بأس ولشكر صحابتي، فقد لزمني لكم ولزمكم لي حق الصحابه، في نحو هذا من الكلام.
فقال أحدهم: ليس ما يأتيني من هذا الشيخ بعد هذا سوء فسار معه، وخلوه يتبعه فأتيا صنعاء فتلقاه إخوانه فسلموا عليه وأخبر بعض بعضا حتى اجتمع منهم من أغنيائهم، فسألهم تلك الدنانير الثلاثين ففعلوا، وعمد إلى كبش فأمر به فذبح وعمل طعاما ودفع إلى الرجل الدنانير والطعام. وقال: أحمل هذا لأصحابك، فلا أشك أن عهدهم بالطعام بعيد في ذلك الجبل، فلما أتاهم الطعام والدنانير وأثنى الرجل على أبي الحسين خيرا رقت قلوبهم، وخشعوا، وعلموا أنه الأيمان والصدق لله وفي الله، فأناب إلى الله تعالى منهم من أناب، وصار أولئك من أصحاب الطبري.
هذا من أخباره رضي الله عنه، وله أخبار غير ذلك. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
صفحہ 72