ثم قال: ((أنا وعلي كهاتين)) ضمد عليه السلام المسبحتين، يريد بقوله: إن عليا عليه السلام يحكم فيكم بحكمي، ويسير فيكم بسيرتي كهاتين، وكذلك أراد بقوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، أي أن الولاء الذين كان لي عليكم فهو لعلي من بعدي، وكذلك أراد بقوله في المدينة: ((فليأتها من بابها))، إن الذي جاء به الرسول عليه السلام من معرفة الكتاب والسنة، فهو موجود عند باب المدينة ومعدوم عند غيره، وقال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، فبين عليه السلام، بقوله هذا أن سبطيه أولى بمقامه بعد أبيهما في أمته، لأن أهل الجنة قد وصفهم الله سبحانه بالخشية والعلم، فقال سبحانه: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28]،فليس يسودهم/43/ إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه، ثم قال النبي صلى الله عليه: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى))، فقرن عليه السلام، القائم من أهل بيته في أمته بعده بنوح عليه السلام، قال سبحانه تبارك وتعالى بأنه سفينة نوح عليه السلام على لسان رسوله محمد عليه السلام، التي جعلها آية للعالمين في ولد رسوله محمد صلى الله عليهم إلى آخر الدنيا، ثم أكد رسوله بقوله بأمر ربه حين قال لإمته: ((أيها الناس، إني مسائلكم غدا، فمجحف بكم في السوأل عن كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم به من بعدي لن تضلوا أبدا، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))، وأنتم تعلمون أنه كما لا يجوز ترك التمسك بالكتاب، فكذلك لا يجوز ترك التمسك بالعترة؛ لأن الكتاب يدل على العترة والعترة تدل على الكتاب، ولا يقوم واحد منهما إلا بصاحبه، لقول النبي صلى الله عليه: ((إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
ثم اعلموا أن الله عز وجل ختم أنبياؤه صلوات الله عليهم بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم أقام أولاده الطاهرين في أمة جدهم من بعده مقام رسله في الأمم الخالية، إذ كانت عبادته تبارك وتعالى على الأولين والآخرين/44/واحدة؛ لإنه سبحانه تعبد الخلق بمعقول ومسموع، فالمعقول: ما أدرك بالعقل. والمسموع ما أدرك بالسمع، ولايدرك المسموع إلا بمسمع، والمسمع فلا يكون إلا نبيا مرسلا أو ملكا مقربا، أو إماما مهديا، فالأئمة الهادون شهداء على أمة جدهم، وجدهم شهيد عليهم، كما قال الله سبحانه من قبل: {وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس...الآية} [الحج: 78]، وقال تعالى: {واعتصموابحبل الله جميعا ولاتفرقوا} [آل عمران: 103]، فحبل الأئمة الهادين موصول بحبل جدهم، وحبل جدهم موصول بحبل خالقه: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165]، {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم} [الأنفال: 42]، فالشيعه وصفوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه بأفعالهم. قال الله عز وجل: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجهم أمهاتهم} [الأحزاب: 6].
صفحہ 53