خلف من الولد ثلاثة ذكور، ولما ألزم التزويج على عادتهم الجارية في إلزام الأفاضل بالتزويج ليبقى نسله بينهم، طلب تزويج المرأة السفيهة التي لم يكن في بلده أسلط منها ليعتاد جهلها، والصبر على سوء خلقها؛ ليقدر أن يحتمل جهل العامة والخاصة. (د) ملخص تاريخه
قال القاضي صاعد في كتاب طبقات الأمم: إن سقراط كان من تلاميذ فيثاغورس، اقتصر من الفلسفة على العلوم الإلهية، وأعرض عن ملاذ الدنيا، ورفضها، وأعلن بمخالفة اليونانيين في عبادتهم الأصنام، وقابل رؤساءهم بالحجاج والأدلة فثوروا العامة عليه، واضطروا ملكهم إلى قتله، فأودعه الملك الحبس تحمدا إليهم، ثم سقاه السم تفاديا من شرهم، وله مناظرات جرت مع الملك محفوظة. (ه) طريقة تعليمه
بلغ سقراط من تعظيمه الحكمة مبلغا أضر بمن بعده من محبي الحكمة؛ لأنه كان من رأيه ألا يستودع الحكمة الصحف والقراطيس تنزيها لها عن ذلك، ويقول: إن الحكمة طاهرة مقدسة، غير فاسدة، ولا دنسة، فلا ينبغي لنا أن نستودعها إلا الأنفس الحية، وننزهها عن الجلود الميتة، ونصونها عن القلوب المتمردة. ولم يصنف كتابا ولا أملى على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس، وإنما كان يلقنهم علمه تلقينا لا غير، وتعلم ذلك عن أستاذه طيماتاوس؛ فإنه قال في صباه لم لا تدعني أدون ما أسمع منك من الحكمة؟ فقال له: ما أوثقك بجلود البهائم الميتة، وأزهدك في الخواطر الحية! هب أن إنسانا لقيك في طريق فسألك عن شيء من العلم، هل كان يحسن أن تحيله على الرجوع إلى منزلك، والنظر في كتبك؟! فإن كان لا يحسن فالزم الحفظ. فلزمه سقراط. (و) سبب محاكمته
ولما أكثر سقراط على أهل بلده الموعظة، وردهم إلى الالتزام بما تقضيه الحكمة السياسية، ونهاهم عن الخيالات الشعرية، وحثهم على الامتناع عن اتباع الشعراء، عز ذلك على أكابرهم، وذوي الرئاسة منهم، واجتمع على أذاه عند الملك والإغراء به أحد عشر من القضاة في ذلك الزمن، فتكلموا فيه بما أفسد عليه قلب الملك، وزينوا له قتله، والراحة منه، وخيلوا له أنه إن بقي في دولته أفسدها، وربما يخرج الملك بأقواله عن يده، فقال الملك: إن قتلته ظاهرا ساءت سمعتي، واستجهلني أهل مملكتي، والمجاورون لي؛ فإن قدر الرجل لديهم كبير، وذكره في الآفاق سائر. فقالوا نتحيل له في سم نسقيه، فاسجنه أياما. فأمر بسجنه. (ز) مدة حبسه
لما حبس الملك سقراط بقي في الحبس أشهرا بعد فتيا قضاة مدينة أثينا بقتله، وسبب ذلك أن المركب الذي كان يبعث به في كل سنة إلى الهيكل المرسوم بهيكل أبولون، وهو الذي تحمل فيه الهدايا في كل سنة إلى ذلك الهيكل لا تتلف نفس علانية بإراقة دم ولا غيره حتى يرجع إلى أثينا، وأنه عرض للمركب في البحر عارض منعه من المسير، فأبطئ قتله تلك الشهور، فلم يقتل حتى انصرف المركب. (ح) اجتماع أصحابه به في سجنه عن رواية خفراطيس «كنا جماعة من أصحابه نختلف إليه، نتوانى في كل يوم في الغلس، فإذا فتح باب السجن دخلنا إليه، فأقمنا عنده أكثر نهارنا؛ فلما أن كان قبل قدوم المركب بيوم أو يومين وافيت في الغلس فأصبت أقريطون، وقد سبقني، فلما فتح الباب دخلنا معا فصرنا إليه؛ فقال له أقريطون إن المركب داخل غدا أو بعد غد، وقد أزف الأمر، وقد سعينا في أن ندفع عنك مالا إلى هؤلاء القوم، وتخرج خفيا فتصير إلى رومية فتقيم بها حيث لا سبيل لهم عليك.» (ط) رفضه الفرار «فقال سقراط: يا قريطون، قد تعلم أنه لا يبلغ ملكي أربعمائة درهم، وأيضا فإنه يمنع من هذا الفعل ما لا يجوز أن يخرج عنه. فقال له أقريطون: لم أقل هذا القول على أنك تغرم شيئا، وإنا لنعلم أنه ليس لك ولا في وسعك ما سأل القوم، ولكن أموالنا متسعة لك بذلك، وبمثله أضعافا كثيرة، وأنفسنا طيبة بأدائه لنجاتك، وألا نفجع بك. فقال: يا قريطون، هذا البلد الذي فعل بي فيه ما فعل هو بلدي وبلد جنسي، وقد نالني فيه من حبسي ما قد رأيت، وأوجب علي فيه القتل، ولم يوجب علي لشيء أستحقه، بل لمخالفتي الجور، وطعني على الأفعال الجائرة وأهلها، والحال التي وجب علي بها عندهم القتل هي معي حيث توجهت، وإني لا أدع نصرة الحق، والطعن على أهل الباطل والمبطلين، وأهل رومية أبعد مني رحما من أهل مدينتي؛ فهذا الأمر إذا كان باعثه نصرة الحق، فهي حيث توجهت واجبة علي؛ فغير مأمون هناك علي مثل ما أنا فيه، ثم لا يعطف واحد منهم على رحم يفديني بها. فقال له أقريطون: فتذكر ولدك وعيالك، وما تخاف عليهم من الضيعة، وارحمهم إن لم تشفق على نفسك. فقال: الذي يلحقهم من الضيعة برومية كذلك، ولكنهم ها هنا أحرى بألا يضيعوا معكم. خبرني يا أقريطون: لو أن الناموس مثل رجلا، فقال لي يا سقراط، أليس بي اجتمع أبواك وبي كان تأديبك، وبي تدبير حياتك؛ أكنت أقول لا، أم أقول الحق الذي هو الإقرار بذلك؟ فقال له: بل الحق. قال سقراط: أفرأيت إن قال لي أفي العدل أن يظلمك ظالم فتظلم آخر؛ أفكان يجوز لي أن أقول نعم؟ قال له أقريطون: لا يجوز ذلك. قال له سقراط: فإن قال أفخروجك من الصبر على ما حكم به الحاكم خروج عن الناموس ونقص له أم لا؛ أيجوز أن أقول ليس بنقص وخروج عن الناموس؟ فقال له أقريطون: لا يجوز ذلك. فقال له سقراط: فإذا لا يجب إن ظلمني هؤلاء القضاة أن أظلم الناموس.» (ي) اعتقاده في الأحلام
ودار بينهما في ذلك كلام كثير، فقال له أقريطون: إن كنت تريد أن تأمر بشيء فتقدم فيه؛ فإن الأمر قد أزف. فقال: يشبه أن يكون كذلك؛ لأني قد رأيت في منامي قبل أن تدخل علي ما يدل على ذلك. (ك) يوم إعدامه
فلما كان ذلك اليوم الذي عزموا فيه على قتله بكرنا كالعادة، فلما جاء قيم السجن فرآنا فتح الباب، وجاء القضاة الأحد عشر، فدخلوا ونحن مقيمون على الباب، فلبثوا مليا فخرجوا من عنده، وقد قطعوا حديده ، ثم جاءنا السجان، فقال: ادخلوا، فدخلنا وهو على سرير كان يكون عليه، فسلمنا وقعدنا، فلما استقر بنا المجلس نزل عن السرير، ونزل معنا أسفل منه، وكشف عن ساقيه فمسحهما وحكهما. (ل) أقواله قبل موته
ثم قال ما أعجب فعل السياسة الإلهية! كيف قرنت الأضداد بعضها ببعض؟! فإنه لا يكون لذة إلا وتبعها ألم، ولا ألم إلا وتبعته لذة؛ فإنه قد عرض لنا بعد الألم الذي كنا نجده من ثقل الحديد في موضعه لذة. وكان هذا القول سببا للقول في الأفعال النفسانية. ثم اطرد القول بينهم في النفس حتى أتى على جميع ما سئل عنه من أمرها بالقول المتقن المستقصي، ووافى ذلك منه على مثل الحال التي كان يعهد عليها في حال سروره من البهج والمزح في بعض المواضع، وكلنا نتعجب منه أشد التعجب من صرامة نفسه، وشدة استهانته بالنازلة التي قد نهكتنا له لفراقه، وبلغت منا، وشغلتنا كل الشغل، ولم يشغله عن تقصي الحق في موضعه، ولم يزل شيء من أخلاقه وأحوال نفسه التي كان عليها في زمن أمنه الموت، وقال له سيماس في بعض ما يقول له، وأمسك بعض الإمساك عن السؤال، إن التقصي في السؤال عليك مع هذه الحال لثقل علينا شديد، وسماجة فاحشة، وإن الإمساك عن التقصي في البحث لحسرة علينا غدا عظيمة لما نعدم في الأرض من وجود الفاتح لما نريد. فقال له: يا سيماس، لا تدعن التقصي لشيء أردته؛ فإن تقصيك لذلك هو الذي أسر به، وليس بين هذه الحال عندي وبين الحال الأخرى فرق في الحرص على تقصي الحق. (م) أقواله قبل موته
ثم قال: إنا وإن كنا نعدم أصحابا ورفقاء أشرافا محمودين فاضلين، فإنا أيضا إذ كنا معتقدين متيقنين بالأقاويل التي لم تزل تسمع منا، فإنا نصير إلى إخوان أخر فاضلين، أشراف محمودين، منهم أسلاؤس وأيارس وأرقيليس وجميع من سلف من ذوي الفضائل النفسانية. وعدد أقواما غير من ذكرنا. فلما تصرم القول في النفس، وبلغوا من سؤالهم الغرض الذي أرادوا سألوه عن هيئة العالم، وما عنده من الخبر في ذلك. (ن) رأيه في الأرض
فقال: أما ما اعتقدناه وبيناه فهو أن الأرض كرية، وأن الأفلاك محيطة بها، ومحيط بعضها ببعض، الأعظم بالذي يليه في العظم، وأن لها من الحركات ما قد جرت العادة بالقول به، وسمعتموه منا كثيرا، فأما ما وصف أناس آخرون فإنهم وصفوا شيئا كثيرا. ثم قص قصصا طويلة في ذلك مما ذكره الشعراء اليونانيون القائلون في الأشياء الإلهية كهوميروس وأرفاؤس وأسيدوس وأبيدقليس. (س) خطبة الموت
نامعلوم صفحہ