مقدمة
الشخصيات
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مقدمة
الشخصيات
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
المهزلة الأرضية
المهزلة الأرضية
تأليف
يوسف إدريس
مقدمة
في مثل هذه الأيام أو قبلها بقليل منذ عامين، كتبت في مجلة «الكاتب» ثلاث مقالات أعطيتها اسما «نحو مسرح مصري»، كان الهدف منها زلزلة العقيدة التي كانت لدى نفر من مثقفينا زمنا، والتي لا تزال قائمة إلى الآن، وهي أن المسرح ظاهرة أوروبية محضة، كل ما علينا حياله أن نتلقاه عن الإغريق والأوروبيين المعاصرين، ونحاول أن ننسج على منواله، وكل ما نستطيع أن نفعل من أجل تمصيره أن نتناول داخل هذا «الشكل» المسرحي الأوروبي والعالمي موضوعات مصرية، باعتبار أن الشكل المسرحي الأوروبي هو الشكل العلمي الذي تواضعت وانتهت إليه البشرية، ولا سبيل إلى تغييره أو تبديله.
ولست أدري لماذا؟ ولكني منذ أول وهلة سمعت فيها هذا الافتراض وأنا بكل كياني أعارضه. ليس هناك مانع قطعا أن يستولي هذا الفرض على عقول بعض كتابنا ونقادنا، ولكن المشكلة الرئيسية أني أشك شكا كثيرا في صحته. إن هذا الإيمان الذي يعتقد باختلاف العقلية والوجدان البشري؛ حتى ليقول إن هناك عقليات بشرية درامية وعقليات غير درامية، إيمان قد ينتهي بنا إلى تصديق النظريات النازية عن تميز بعض العقول عن غيرها وتمتعها بسمو أكبر وذكاء أكبر. إني أومن، والعلم معي يؤكد وحدة العقل البشري وعالمية إمكانياته. قد تختلف القدرات الفردية، ولكن هذه القدرات إذا تجمعت على هيئة شعب؛ فإنها تتساوى بحيث لا نستطيع أن نقول إن بعض الشعوب أذكى من بعضها الآخر، أو أن عقليات بعض الشعوب أكثر قابلية للتعقيد من الشعوب الأخرى.
من أجل هذا لا أستطيع أن أصدق أن المسرح هبط على الشعب الإغريقي من قمة الأوليمب دون غيره من الشعوب، باعتبار أن السماء قد اختصته بهذه الميزة. إن المسرح خاصية من خصائص كل شعب، فكما أن لكل شعب لغته ولكل شعب رقصه ورسمه وموسيقاه وغناءه، فكل شعب لديه ميل غريزي إلى المحاكاة (أي التمثيل )، وكل شعب لديه تجمعاته الخاصة التي تتم فيها هذه المحاكاة، وتوجده في حالة «التمسرح» التي طالما أشرت إليها.
كل ما في الأمر أن العبادة الإغريقية اتخذت طقوسها من أفعال الجماعات البشرية، وبالذات من فن المحاكاة وحالات التمسرح، بمعنى آخر أباحت العبادة، بل وشجعت كافة فنون الإنسان المعروفة آنذاك، وأبرزها النحت والشعر وتلك الظواهر المسرحية التي كانت بدائية، ثم بالتطوير على أيدي شعراء عظام متخصصين اتخذت شكل الرواية المسرحية، وشكل حركة مسرحية نامية متطورة متجددة وصلت إلى الحد الذي وضعت فيه للمسرح تعريفات وقوانين على أيدي أرسطو وغيره، وتميز من بينها نوعان أساسيان: التراجيديا والكوميديا.
وقد ظل هذا يحدث إلى أن جاءت الديانة المسيحية، فأوقفت نمو هذه الأنواع من الفنون، بل حرمتها باعتبارها أشكالا من العبادة الوثنية، وكما حرمت الكنيسة رسم الجسم البشري عاريا فكذلك اختنق المسرح، إذ كيف في عالم مسيحي يصور الإنسان باعتباره ضحية للعنة الآلهة، أو وقد حدد مصيره ومنتهاه بأحكامها؟ ولم ينتعش المسرح إلا مع بدايات عصور النهضة حين خفت قبضة الكنيسة على الشعوب وعاداتها، وهكذا عاد المسرح من حيث انتهى عند الإغريق، وإن كان بمفهومات أخرى؛ ليكون المسرح الأوروبي الذي ظل يتطور إلى يومنا هذا.
في ذلك الوقت يقول القائلون: إن «الكوميديا ديللارتي» ظهرت في إيطاليا، والحقيقة أنها لم تنشأ وتظهر. الحقيقة أنها كانت طوال تلك العصور المسيحية قائمة وموجودة، ويزاولها الشعب في تجمعاته الصغيرة على أضيق حدود، يزاولها خلسة فهي إحدى ظواهر التمسرح الغريزية لدى كل شعب من الشعوب. كل ما في الأمر أنها أصبحت، مع بداية عصر النهضة، تؤدى في الأسواق العامة والتجمعات الكبيرة، وإن كان يقال إنها أيضا كانت تؤدى بشبه خلسة؛ إذ كان الممثلون يضعون الأقنعة على وجوههم حتى لا يتعرف عليهم أحد.
هذه التي يسمونها الكوميديا ديللارتي هي بنصها وفصها السامر الشعبي المصري. ذلك الشكل البدائي من حالات التمسرح الذي كان قائما وموجودا منذ عصور ضاربة في القدم، والذي لا يزال موجودا إلى يومنا هذا. كل ما في الأمر أن السامر لم يعن بدراسته أحد، ولم يجد له «خواجا» يعطيه اسما لاتينيا عويصا ويثبته في كتاب. أليس يضحك ما يذكره بعض من كبار الدارسين لشئون المسرح، من أن سامرنا الشعبي هذا ليس نابعا منا وإنما نحن قد اقتبسناه من إيطاليا من الكوميديا ديللارتي؟ أقول يضحك؛ لأنهم يفسرون هذا الانتقال الغريب بقولهم: إنه ربما حدث من خلال بعض الفنانين الفرنسيين الذين صاحبوا الحملة الفرنسية على مصر، الذين قلدهم بعد هذا الفنانون المصريون، وانتشر هذا الفن بعد ذلك في قرى مصر وأنحائها. إذا كان من الممكن أن تنقل الحملة الفرنسية مسرحا، فلماذا لم تنقل المسرح التقليدي؟ لماذا لم تنقل موليير وغيره، وتعمد إلى نقل هذه الكوميديا ديللارتي التي لا نصوص مكتوبة لها؛ إذ هي تعتمد على ارتجال الممثل لدوره؟ وكيف يمكن أن يحدث هذا كله في غيبة الجبرتي؛ ذلك الذي لم يفته ما جلبه الفرنسيون إلينا شيء؟ أليس الأسهل والأعقل والأكثر علمية أن نقول إن فن المحاكاة المرتجل (الكوميديا ديللارتي) ظاهرة مسرحية شعبية بدائية موجودة لدى كل شعب من الشعوب؟ كانت موجودة لدى الإغريق وظلوا يطورونها إلى أن أوصلوها للكوميديا والتراجيديا، وكانت موجودة لدى الإيطاليين ولم يكشف عنها الغطاء إلا بزوال تحريم المحاكاة، وكانت ولا تزال موجودة لدينا في مصر. كل ما في الأمر أن أحدا لم يهتم بالبحث عنها ورصدها وإعطائها اسما!
ولأني أومن بهذا؛ فإني أومن أيضا أن المسرح - مثله مثل الموسيقى وكل الفنون - لا يوجد شكل عالمي له، إنما لا بد أن يتخذ لدى كل شعب من الشعوب شكلا. كل ما في الأمر أن هذا الشكل «العالمي» - أو الذي نظنه عالميا - ليس إلا الشكل الأوروبي المتطور عن الشكل الإغريقي. ولا يمكن أن يصلح هذا الشكل لإيصالنا إلى حالات التمسرح التي نصل إليها في قمتها، لا بد لنا من البحث الشاق الدائب عن شكلنا المسرحي المستمد من بيئتنا وتاريخ وجداننا وظروفه. قال لي أحد كبار نقادنا مرة: إن هذا الشكل العالمي للمسرح هو التطور في تكنيكية المسرح، تطور علمي في الشكل لا علاقة له بمضمون العمل المسرحي. تطور في الشكل ممكن أن تضع له أنت ما شئت من مضمون ليصبح مصريا أو كينيا أو فيتناميا، بالضبط مثله مثل السيمفونية والأوبرا في الموسيقى.
ولكن المشكلة أني أرى أيضا أن السيمفونية والأوبرا ليست أشكالا عالمية، وإنما هي أشكال خاصة بالموسيقى الأوروبية، ولا يمكن أن تصلح للتعبير عن مضمون مصري. ففي الفن لا يوجد شكل ومضمون، إن الشكل مضمون فني والمضمون شكل فني، وإذا تطورت موسيقانا فإنها ستصل إلى أشكال أخرى غير السيمفونية والكونسيرت؛ إذ هذه الأشكال إنما خلقها المضمون الموسيقى الأوروبي، أشكال خلقها الوجدان الأوروبي؛ ليخاطب بها نفسه مثلما خلق اللغات الأوروبية لتتفاهم بها عقوله.
ألا ترون معي أن الموضوع جد خطير، وأننا بنقاشه إنما نضع «ألف باء» مفهومنا ليس فقط لمسرحنا، وإنما لفنوننا عامة؟
فالفنون تختلف اختلافا جذريا عن العلوم، باعتبار أن العلم عالمي في شكله ومضمونه، في حين أن الفن على الدوام محلي الموضوع والمضمون، ومن هنا تنشأ عالميته.
إني أومن إذن أن هناك ظواهر بدائية للمسرح موجودة في بلادنا أسميها ظواهر بدائية لحالات التمسرح، تلك التي ينسى فيها كل فرد قائم ذاته ويندمج في الذات الجمالية الأكبر، باعتبار أن الخاصية الأولى لأي فن هي جماعيته، مثل السامر وحفلات الذكر والاحتفالات بالموتى والأراجوز وخيال الظل، وحتى الجلوس على المقاهي، إنه حالة بليدة من حالات التمسرح. وإنه بالبدء من هنا، وبأخذ هذه الظواهر وتطويرها للوصول بها إلى المستوى الفني والموضوعي الذي وصل إليه المسرح الأوروبي، ممكن ليس فقط أن ننشئ مسرحا يقف إلى جوار المسرح الأوروبي، وإنما من الممكن أن نضيف ونسهم به في إثراء الظاهرة المسرحية في العالم كله.
يوسف إدريس
الشخصيات
حكيم:
طبيب مفتش الصحة (45-50 سنة).
أولاد المرحوم الطيب قارون: (أ) محمد الأول: (38 سنة). (ب) محمد الثاني: (30 سنة). (ج) محمد الثالث: (29 سنة).
صفر:
التومرجي والساعي (45 سنة).
شخصية واحدة تقوم بدور: (أ) نونو:
زوجة محمد الثالث المزعومة (30 سنة). (ب) نوال:
زوجة محمد الأول (30 سنة). (ج) الأم:
حرم الطيب قارون (55 سنة). (د ) زهرة:
طالبة جامعة وطليقة محمد الثالث (20 سنة).
حنيفة:
زوجة الدكتور حكيم (40 سنة).
محمد الطيب محمد قارون:
الأب (60 سنة).
محمد قارون:
الجد، على هيئة صبي (16 سنة).
كومبارس.
الفصل الأول
من المسلم به قطعا أن لأي مخرج الحق في تفهم نص هذه المسرحية بالطريقة التي يراها أفضل، ولكني أوثر شخصيا - ولجو المسرحية العام وللطريقة التي كتبت بها - أن تقدم على هيئة حلم لا واقعي، بحيث تتحرك الشخصيات حركة غير واقعية، وتتحدث بطريقة أيضا لا تمت إلى الواقع.
وأقترح أن تكون الموسيقى المستعملة في هذه المسرحية عبارة عن أصوات من الطبيعة، وتذاع في الوقت المناسب؛ موسيقى الافتتاح شريط مسجل للأصوات الكثيرة المتنافرة والمنسجمة المتصاعدة من فناء محطة مصر الداخلي. حين تفتح الستار الأولى نجد ستارة أخرى بيضاء مكتوبا عليها بالخط الكبير: «الدنيا مافيهاش فقر، إنما فيها قلة رأي»، والإمضاء: «فلاح مصري عجوز». ممكن أن يظهر إمضاؤه، أو تحتها صورة له كموتيف.
المنظر بعد ارتفاع الستارة الثانية، حجرة كبيرة في نسبها شذوذ، يتصدرها مكتب ضخم جدا قديم موجود بالناحية اليسرى، كرسيه عالي المسند مثل كراسي المقرئين في المآتم، الحجرة لها بابان أحدهما الرئيسي في الوسط، نصفه الأعلى من الزجاج المصنفر، مكتوب عليه كلمة مفتش الصحة بالمقلوب، والآخر إلى اليمين، اللوحة التقليدية لفحص النظر تحتل ركنا بارزا من الحجرة، حروفها مكرر كل حرف منها كظل ثلاث أو أربع مرات. الحائط الأيسر المجاور لمكتب المفتش تحتله كله لوحة ضخمة على نسق لوحات الدعاية الصحية، وفيها رجل يمسك بالجوزة يشربها ويحلم حلم المخدرات الذي لا نهاية له، والمجسد بطريقة تدل على بدائية الفنان الذي رسم الصورة، الحلم عبارة عن أن المدمن يتصور نفسه هارون الرشيد جالسا في ساعة لهو وحوله الجواري والراقصات والمغنيات، وبدلا من صواني الطعام والشراب هناك صينية عليها عدة الكيف، وجوزة تقوم بإمساكها جارية تسقي منها هارون الرشيد. أولاد الحشاش وزوجته عرايا مهلهلين متناثرين حوله، وزوجته على صدرها طفل رضيع تمد يدها إليه وكأنها تستحلفه، وهو يضرب يدها مشمئزا. هناك عسكري ضخم جدا هائل يمد يده، ويمسك الحشاش من ياقة جلبابه استعدادا لأخذه للسجن. في مكان واسع مناسب من الصورة جملة تقول: «احذروا المخدرات؛ فهي تخرب البيوت.»
بجوار المكتب هناك فتحة في الحائط فيها تليفون، بحيث يمكن استعماله للحجرتين معا. بقية أثاث الحجرة لا تتعدى كنبة إسطانبولي وكرسيين أسيوطي في حالة يرثى لها.
عند فتح الستار نجد جميع الأشخاص الموجودين بالمنظر ثابتين بلا حركة، وكأن المنظر صورة، وليس مشهدا حيا.
إلى المكتب يجلس المفتش وهو رجل صغير دقيق بالقياس إلى حجم المكتب، لا تستطيع أن تحدد له عمرا، من ملامحه تشع نظرة محبوبة ساحرة كتلك التي صنعت من جحا جحا، ومن أبي نواس أبا نواس.
على الناحية اليسرى منحنيا، مندفعا ناحية الدكتور وكأنما يهم بمحادثته، رجل طويل رفيع ذو قتب، يلبس بدلة السعادة وفوقها فوطة التمورجي.
أمام المكتب - وتكاد تملأ الحجرة - مجموعة من الأشخاص من مختلف الأعمار والمهن؛ بعضهم سيدات على درجات متفاوتة من الأناقة، وهم موجودون بشكل مستمر لا ينقطع إلا في المواقف الحادة، بحيث يخلو المسرح منهم، ويعودون إليه حين تنتهي حدة الموقف. وبالذات هناك أقرب ما يكون إلى المكتب؛ أفندي في الثانية والأربعين من عمره بادي الأناقة، وإن كنت تحس أن ملابسه الداخلية مثلا ليست في نظافة بدلته، صلعه خفيف وشاربه دوجلاس شديد السواد مصبوغ، هادئ، ناعم مقنع، بجواره أفندي آخر نامي الشعر مهوشه، لم يحلق منذ شهرين على الأقل، أو هكذا يدل منظر قفاه، رفيع الوجه مستطيله، حليق اللحية والشارب، على عينه اليمنى آثار كدمة سوداء، مكتف بقميص الكتاف، وحين يفك عنه يظل طول الوقت يعبث بحب شباب موهوم في وجهه، ويفتشه وكأنه يتخلص منه بعصبية.
سيدة رغم كل محاولاتها لإضفاء الاحترام والتقدير على نفسها وزينتها وتواليتها؛ إلا أنها لا تستطيع أن تخفي «المعلمة» الكامنة فيها، وكأنها عملت لفترة من حياتها صاحبة صالة أو ربما ناظرة مدرسة باليه أهلي، حواجبها وعيناها بالذات تنطق بهذا.
أفندي ثالث في الباكجراوند وإن كان سيظهر بعد وقت، هليهلي، مذعور في حالة «روشة» مستمرة، عسكري رفيع ذو كرش كالبطيخة، بندقيته رفيعة أيضا وطويلة ويستعملها كمسند لذراعه الذي يستعمله كمسند لرأسه، يقف أقرب ما يكون بجوار العسكري الذي في الصورة.
التومرجي (منحنيا ناحيته بلهجة لا دهشة فيها، ولا لهفة) :
سعادة البيه، سعادة البيه.
الدكتور (منهمكا في إمضاء كومة عالية من شهادات الميلاد) :
أيوه يا صفر؟
صفر :
مجنون يا سعادة البيه.
الدكتور (وهو لا يزال منكبا وبنفس الروتين) :
هاته خلينا نخلص.
صفر (معتدلا فقط ومبتعدا قليلا) :
أهو يا سعادة البيه.
الدكتور :
معاه عسكري؟
العسكري (منتفضا، وكأنما يفيق من حلم وليس تحية، منزلا يده، ضاما البندقية إليه) :
أيوه يا افندم.
الدكتور :
م القسم؟
العسكري :
م القسم يا افندم.
الدكتور (مستمرا أيضا في التوقيع دون أن يرفع بصره) :
فين الجواب؟ (العسكري يخرج الخطاب من حزامه العريض، صفر يتناوله ويضعه تحت عين الدكتور، الدكتور يضع الخطاب أمامه، وبجانب من عينيه يقرؤه بينما بالجانب الآخر لا يزال منهمكا في عملية التوقيع.)
الدكتور :
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام، طيب يا سيدي (يتوقف عن التوقيع، ويفتش بعينيه فوق المكتب، ويفتح الأدراج ويقلب في أوراقها)
فانهي داهية استمارات الأمراض العقلية؟ مزاجك إيه يا صفر إنك تخبيها؟ بتعمل بيها إيه بس؟ كل ما جيب شوية تلهفهم، هما ليهم سوق سودا رخرين؟
صفر (مقدما الاستمارات التي كانت أمام المفتش تماما) :
أهم يا سعادة البيه أهم.
الدكتور :
بقى دي يا مجنون استمارات الأمراض العقلية دي؟ دي بتاعة المراقبة يا جدع.
صفر :
أمراض عقلية يا سعادة البيه.
الدكتور :
دي؟ (ينظر فيها مليا)
أيوه يا واد صحيح باينها هي، إنما إنت برضه مزاجك إنك تخبيها (يضع الاستمارات أمامه، دون أن يرفع بصره أيضا)
الاسم (يقرأ من خطاب القسم)
التفضل بتوقيع الكشف الطبي على ... إيه ... محمد الثالث محمد الطيب محمد قارون، ده مظبوط الاسم ده؟
صفر (مرددا) :
ده مظبوط الاسم ده؟
محمد الأول (وهو الأفندي الوجيه الناعم ذو الصلعة والشارب) :
أيوه مظبوط يا افندم.
الدكتور :
محمد الثالث، محمد الطيب، محمد قارون، ده اسم ده؟ ده ولا حسبة برما؟ دا الواحد كده من غير صدمة ولا أزمة يجنن، إنما آه، دي حرية، آدي نتيجة إنك تخلي الناس حرة في تسمية نفسها، لازم يطلعوا للمسألة دي قانون، ما ينفعش كده، دي فوضى، عايزين حرية آل! وآدي نتيجة الحرية، اسم العيان لواحده إيه؟
صفر (مرددا كالمبلغ في صلاة الجمعة) :
اسم العيان لواحده إيه؟
محمد الأول :
محمد الثالث.
الدكتور :
واسم أبوه إيه؟
صفر :
واسم أبوه إيه؟
محمد الأول :
محمد الطيب.
الدكتور :
واسم جده إيه؟ اسكت انت يا جدع انت.
محمد الأول :
محمد قارون.
الدكتور :
نهايته، سكنه فين؟
صفر :
سكنه فين؟
الدكتور :
قلنا تسكت.
صفر :
حاضر يا سعادة البيه.
الدكتور :
سكنه فين؟
محمد الأول :
11 شارع طلعت حرب بالسيدة زينب.
الدكتور :
هو فيه طلعت حرب في السيدة؟
محمد الأول :
أيوه يا بيه فيه، كان الأول اسمه شارع طشتمر وبعدين سموه شوية أيام كده شارع علي فهمي، وبقاله كام سنة اسمه طلعت حرب، ويقولوا إنهم لسه حيغيروه.
الدكتور :
بيشتغل إيه؟
محمد الأول :
مدرس في كلية الزراعة.
الدكتور :
مدرس بوزارة الزراعة، حتى وزارة الزراعة رخرة عملوا لها مدارس!
محمد الأول :
كلية الزراعة يا افندم، كلية الزراعة.
الدكتور :
يادي المصيبة! مش تقول كده؟ إنت مش عارف إني باكتب الاستمارة من صورتين؟ اتفضل ... (ويصحح الاستمارة الأولى)
كلية، والصورة الثانية. إيه الأعراض اللي عنده؟
م. الأول :
أعراض جنون خطرة يا بيه.
الدكتور (رافعا بصره إلى المجموعة لأول مرة) :
ماهي أعراض الجنون كتير. بيعمل إيه يعني؟ بيتهيج.
محمد الأول :
أيوه بيتهيج.
الدكتور :
بيحاول الاعتداء على الغير؟
م. الأول :
كتير قوي يا بيه، مبهدلنا خالص.
الدكتور :
هو فين ده؟ فين يا عسكري المجنون اللي انت جايبه؟
العسكري (بثقة لا حد لها) :
دا هو يا افندم (مشيرا إلى م. الأول) .
م. الأول (ناظرا إلى العسكري بضيق وتأنيب) :
أهو يا افندم (منتحيا جانبا؛ كي يبدو محمد الثالث للطبيب في قميص كتافه) .
الدكتور :
إنت المجنون؟ (م. الأول ينظر إلى السقف، وينتف ذقنه ولا يجيب.)
الدكتور :
هيه، وغيره، (قارئا من الاستمارة)
هل حاول الانتحار؟
م. الأول :
كتير يا افندم.
الدكتور :
وكيف؟ هل حاول إلقاء نفسه من الشرفة، أو إشعال النار في ملابسه؟ وهل ترتبط محاولاته بالرغبة في الاعتداء على الغير؟
م. الأول :
مظبوط يا افندم.
الدكتور :
هو إيه اللي مظبوط؟
م. الأول :
كل اللي بتقوله سيادتك، كله حصل.
الدكتور (مسجلا) :
نعم! متى بدأت الأعراض؟ من إمته بيحصل له كده؟
م. الأول :
من حوالي خمس ست اشهر.
الدكتور :
وساكتين من ساعتها ليه؟
م. الأول :
فاكرينها حاجة حاتزول، إنما كل ماده كل ما كانت بتكتر وتزيد لغاية أول امبارح.
الدكتور :
حصل إيه؟
م. الأول :
اتهيج قوي وضربني وضرب كل اللي في البيت، وجبنا بوليس النجدة، وبقت فضيحة.
الدكتور :
فضيحة إزاي؟
م. الأول :
نزل فينا ضرب وحاول يدبح مراته بالسكينة واتلمت الجيران، وعملنا مذكرة في القسم (مخرجا ورقة من جيبه)
رقم: 421 أحوال، سنة 1965م. تحب سيادتك تطلع عليها؟
الدكتور :
ما فيش لزوم، دانا قدامي لسه خمسين حالة، حد في العيلة مريض بمرض عقلي؟
م. الأول (مفكرا) :
في العيلة؟ آه، عمته قبل ما تموت بسنة جالها حالة دروشة وسابت البيت، وراحت قعدت جنب الحسين، وكنا نجيبها تهرب تاني وتروح هناك، وتقول: أنا جاني الأمر إني ما اتحركش من جنبه.
الدكتور (قارئا بلهجة روتينية) :
هل سبق للمريض أن أصيب بمرض عقلي؟ هل تم حجزه بإحدى المصحات؟
م. الأول :
دي أول مرة يا افندم.
الدكتور (ملقيا نظرة على الاستمارة) :
آه لا مؤاخذة، نسينا السن؛ سنه كام سنة؟
م. الأول :
هو من مواليد 1937 يعني 29 سنة.
الدكتور :
الحمد لله، أبوخ حاجة حكاية الصورتين دي، آخر بند بقى، اسم قريب المريض الذي أدلى بالمعلومات عنه ونوع قرابته، إنت قريبه؟
م. الأول :
أيوه يا افندم.
الدكتور :
تقرب له إيه؟
م. الأول :
أخوه يا افندم.
الدكتور :
اسمك إيه؟
م. الأول :
محمد الأول محمد الطيب محمد قارون يا افندم.
الدكتور (واضعا القلم) :
استنى بقى استنى، إيه حكاية أساميكو دي؟ يعني لازم تقول لغاية جدك الخامس؟
م. الأول :
أبدا يا افندم ده كله اسمي لغاية الجد الأول بس. إحنا تلات اخوات ، والتلاتة اسمنا محمد، أنا الكبير اسمي محمد الأول، والوسطاني اسمه محمد التاني، وده الصغير اسمه محمد التالت.
الدكتور :
طب وإيه حكاية محمد الطيب محمد قارون؟
م. الأول :
برضه نفس الحكاية مع أبويا وجدي، أبويا اسمه «محمد الطيب»، وأخوه الثاني كان اسمه «محمد الطاهر»، والثالث «محمد الطالب»، والرابع «محمد الطانب»، ولينا جدين أخين محمد قارون اللي عمل فرع عيلتنا، ومحمد هارون اللي عمل الفرع بتاع اسكندرية.
الدكتور :
إزاي علي مبارك باشا فاتته الحكاية دي، ماسبتهاش ليه في كتابة الخطط والآثار؟ ملوش حق صحيح، وحضرتك بتشتغل إيه بقى يا أستاذ أول؟
م. الأول :
المدير العام المساعد لشركة مظبوتكس للساعات.
الدكتور :
شركة إيه لإيه؟
م. الأول :
مظبوتكس للساعات والمنبهات والآلات الدقيقة، دي شركة كبيرة قوي يا افندم، أول شركة عربية تعمل ساعات مصرية مية في المية.
الدكتور :
بتعملوها هنا؟ مش معقول.
م. الأول :
أمال يا افندم.
الدكتور :
يعني كله بتعملوه هنا؟ التروس، العقارب، والزمبلك وكله.
م. الأول :
لا يا افندم، احنا بنعمل زي مصانع سويسرا بالظبط، هناك المصانع بتاع الماركات الكبيرة زي زينيت وجوفيال وأرداث ما بتصنعش الحاجات دي، الحاجات دي بتعملها العيلات السويسرية كل عيلة متخصصة في ترس والا مسمار، وبتوارث الصنعة أبا عن جد، فالشركات بتشتري منهم الحاجات دي وبعدين بتركبها على بعض، وتديلها اسم وتعمل لها المينا - وتبقى من بره تل والا تفانوس، ومن جوه كل الساعات واحدة، احنا برضه عملنا كده، بنجيبها قطع غيار من برة وعندنا ساعاتية بيشتغلوا عمال في المصنع بيجمعوها، واتفضل سيادتك (يخرج من جيبه ساعة جيب جديدة في علبة)
ما شفتش أول ساعة مصرية مية في المية؟ (ويناولها للدكتور) .
الدكتور (متفحصا الساعة) :
ماركة مينا، أظن عمر ما الملك مينا تصور النهاية دي، وازاي بتقولوا عليها امال مصرية مية في المية؟
م. الأول :
ما هو مصنع الساعات بيعمل المينا بس، فاحنا بنعمل المينا هنا فتبقى مية المية مصرية، شايف سيادتك المينا أول مينا في التاريخ حروفها بالعربي، مينة ساعة مينا (الدكتور يحاول أن يعيد له الساعة )
والله لو تتكرم علينا يا افندم وتقبلها سيادتك هدية م الشركة، إحنا بنوزع هدايا عشان البروباجندا، أنا دايما شايل في جيبي ساعتين تلاتة احتياطي، عشان الناس الطيبين اللي زي سيادتك كده.
الدكتور :
لالالالا، أنا ما اقبلش حاجات زي دي، ما دام لك شغلة هنا ما يصحش أبدا أقبل منك حاجة.
م. الأول :
دي خدمة للشركة يا افندم، دا سيادتك تبقى بتخدمنا لو تقبلها عشان تجربها وتدينا رأيك فيها، دا الشركة تبقى مدينة لسيادتك مش لا سمح الله بنديك حاجة، دي سياسة ثابتة للشركة يا افندم.
الدكتور (مادا يده بالساعة) :
لالالا، معلهش! أصلها محرجة شوية، اتفضل (حين لا يأخذها م. الأول، يضعها الطبيب على المكتب قريبا منه) . قلنا إيه يا سيدي؟ (مراجعة الاستمارة)
لاه، دا احنا خلصنا خلاص، ناقص الإمضاء، وادي إمضاء هنا، وإمضاء ع النسخة التانية والتاريخ، خد يا عسكري الورق ده وديه القسم.
م. الأول :
حانرجع القسم تاني يا بيه؟
الدكتور :
أيوه عشان من هناك حايستدعوا العربية تاخده.
م. الأول :
متشكرين قوي يا افندم، متشكرين.
الدكتور :
واللا استنى ثانية، ثانية واحدة بس، هات الورق (يتناول الورق من العسكري)،
نكتب كلمة واللاحاجة في خانة الملحوظات.
م. الأول :
يا افندم أنا سايب شغلي والله، والنهارده أول يوم لتشغيل قسم الساعات الحريمي.
الدكتور :
معلهش، كلها ثانية، أنا مستعجل أكتر منك، وانت ممكن تاخده على طول وتوديه المستشفى، الورق جاهز وممضي وكل حاجة، بس برضه انت عارف، استكمالا للشكليات، كلها وحياتك شكليات.
م. الأول :
فيه أسئلة تانية؟
الدكتور :
مش لك ما تخافش. له هو، نوع م الكشف (متجها لمحمد الثالث)
ما لك يا بني؟ (م. الثالث لا يرد.)
الدكتور :
طبعا لك حق ما تردش، إيه دا يا صفر الزفت؟ أنا مش منبه عليك مليون مرة العيان ما يدخلش عندي بقميص الكتاف ده أبدا، ده زي الكلبشات وعمر ما المتهم يروح قدام القاضي وفي إيديه الحديد، فكه حالا.
صفر :
على عيني حاضر يا سعادة البيه.
م. الثالث (وصفر يمد يده لفك القميص) :
بتفكه ليه ؟ عشان إيه بتفكه؟ دا أنا مستريح قوي فيه.
الدكتور :
مستريح فيه ازاي؟
م. الثالث :
مريح إيدي قوي، ده الإيدين دي مشكلة كبيرة، لما الواحد يقف يعمل بهم إيه؟ أحطهم في جيبي؟ أتضايق، في وسطي كده؟ (يضع يديه في وسطه) ، أتعب. أعلقهم كده؟ (يضع يديه فوق رقبته)
درعاتي تخدل، القميص ده حل لي المشكلة بطريقة جميلة جدا، ده انت لو تجربه مرة ما تسلهش، دا لازم كل الناس تلبسه، حيريحك من إيديك ويريح الناس منهم، وانت راخر تستريح من إيدين الناس، لا خناق ولا ضرب ولا قرص في الأتوبيس، ولا احط صوابعي في عنيك، ولا كلام من ده، يعلم الناس الأدب، يخليهم كلهم بني آدميين راقيين ما يستعملوش إلا لسانهم بس، وحتى اللسان مالوش داعي، يا ريت يعملولو قميص، يستعملوا مخهم بس، وبيتهيألي برضه إن المخ مالوش داعي، لو راخر يلقوله قميص.
الدكتور :
يا أهلا وسهلا، والله زمان، بقى لنا مدة ما فيش عيانين، كله كلام عادي كده يزهق، أيوه يا سيدي أيوه، هيه؟ إيه بقى حكايتك يا سيدي؟
م. الثالث :
مظبوط مظبوط.
الدكتور :
مظبوتكس.
م. الثالث :
مظبوط.
الدكتور :
هو إيه اللي مظبوط؟
م. الثالث :
كل اللي قالوه مظبوط، أنا مجنون، تمام (يضحك ضحكة، وكأنه يمثل بها أنه مجنون فتخرج عصبية مفتعلة)
ها ها ها ها ... مجنون، مظبوط.
الدكتور :
لا؛ دا انت باينك عاقل قوي، هو فيه مجنون بيقول على نفسه مجنون؟ دا بيفتكر كل الناس مجانين إلا هو.
م. الثالث :
مظبوط، مظبوط. كلكم مجانين، بجد والله العظيم كلكم مجانين، كلكم كده. ده (لمحمد الأول)
مجنون. وده (لصفر)
مجنون.
صفر (بذعر) :
أنا؟
م. الثالث :
وده (للعسكري)
مجنون. دوه (للحشاش في الصورة)
مجنون، ودول (مشيرا إلى الكومبارس)
مجانين، وانت (مشيرا للدكتور)
انت نفسك مجنون، دي أوضة دي؟! دي أوضة مجانين، دي صورة دي؟ حد يحطها في أوضته ويبص لها كل يوم؟ ده فن ده؟ دا عالم ده؟ دي دنيا دي؟ كلكم مجانين.
الدكتور (متنبها للوقت) :
لاه، دا لو استمرينا كده مش حنخلص . (ثم لميم الثالث)
أنا قصدي أسألك، إنت تعبان من حاجة؟ حاسس بحاجة؟
م. الثالث :
أنا تعبان قوي، أنا تعبان جدا (والتأثر يصل به إلى حد البكاء)
أنا أتعب واحد في الدنيا.
الدكتور :
تعبان من إيه؟ بيجي لك تهيؤات؟
م. الثالث :
آه.
الدكتور :
بتسمع أصوات؟
م. الثالث :
آه.
الدكتور :
أصوات بتكلمك يعني؟
م. الثالث :
يا ريتها بتكلمني دي بتشتمني، طول النهار واحد بصوت رفيع كده يقول لي: يا تافه يا محمد يا تالت، يا خايب يا محمد يا تالت، يا فاشل، يا مثقف، يا بتاع الدكتوراه، يابو رسالة، يابو رياله، طظ فيك، وست كده صوتها اخنف قاعدة تقول لي يا ضعيف، يا جبان يا خواف، يا انتهازي، يابو عين في الجنة وعين في النار، يا عديم الاشتراكية، يا خاين المسىئولية. حنزمر لك كدهه (ويزمر)
ونطبلك كدهه (ويطبل) .
الدكتور :
مش قصدي كده. قصدي أصوات بتحرضك على حد؟ على حاجة؟
م. الثالث :
بالظبط كده، بتحرضني، طول النهار بتحرضني، دلوقتي حالا بتحرضني.
الدكتور (بشغف وكأنه بسبيله إلى اكتشاف شيء مهم) :
بتحرضك على إيه؟
م. الثالث :
بتحرضني على الناس وعلى نفسي، بتحرضني أحتقر الناس وأحتقر نفسي، أتف عليهم، أقرف منهم، بتحرضني إن ما فيش فايدة، إني لازم استسلم، إن المقاومة جنان، بتحرضني إني أتلهي واعيش زي التنبل آكل وأشرب وأنام، بتسدها خالص في وشي، وافضل ماشي ماشي لآخر الدنيا، إني أنجذب زي بتوع الحسين وامسك لي سبحة ومبخرة، أحيانا بتحرضني إني ارتكب جريمة أخطر.
الدكتور (بشغف أزيد) :
زي إيه؟
م. الثالث :
إني أتجوز.
الدكتور :
إنما انت واعي بحالتك دي؟ يعني حاسس بعياك؟ شايف نفسك؟
م. الثالث :
ما هي المصيبة إني شايف نفسي، المصيبة إني واعي، المصيبة إني مفتح. لو اغمض، لو انام، لو اتخدر، لو اعمى، لو اتنيل واعيش زي الناس ما هي عايشة، لو اموت واخلص!
الدكتور :
هيه! ومن إمتى بقى وانت بالحالة دي؟
م. الثالث :
من زمان قوي.
الدكتور :
سنة سنتين؟
م. الثالث :
لالا؛ سنة إيه؟ أنا بيتهيألي إني من ساعة ما وعيت وانا كده، أنا مش فاكر نفسي أبدا إلا كده، يمكن من يوم ما اتولدت وانا كده.
الدكتور :
أرجوك، ساعدني شوية، خليك دقيق في إجابتك بلاش الحاجات المطاطة دي، فيه إيه تاني تاعبك؟
م. الثالث :
حاجات كتير تعباني.
الدكتور :
زي إيه؟
م. الثالث :
الشمس.
الدكتور :
قصدك الحر يعني؟ فعلا الأيام دي الحر فظيع.
م. الثالث :
قصدي الشمس، الشمس نفسها.
الدكتور :
والشمس نفسها تعباك في إيه؟
م. الثالث :
عشان بتطلع كل يوم.
الدكتور :
وده يضايقك في إيه؟
م. الثالث :
دي مضيقاني قوي، دانا متغاظ لما حاطق، دي جننتني، دي هي السبب أكيد.
الدكتور :
ليه؟
م. الثالث :
علشان بتطلع كل يوم، كل يوم الصبح بالضبط تطلع، الدنيا تبقى ساكتة وجميلة وأقول يا رب بلاش النهارده، يا رب أجلها يوم، يا رب عشان خاطري، وأبص ألاقيها في الميعاد بالضبط راحت طالعة، وهي تطلع من هنا وخد عندك بقى، الناس تصحى والدوشة تبتدي، والخلافات والخناقات، والكذب يشتغل والسرقة والظلم والبوليس والنيابة والمحاكم. وتتفتح السجون، والشوارع تتملي، والجري، جري، كله يجري ورا بعض، يجري قدام بعض، يجروا واللي ما يطلشي يشنكل، والجايزة إيه؟ لقمة، وعشانها يتخربش ويتجرح وهدومه تتقطع، ومن كتر الغيظ تحمر الدنيا، وفي أكتر حتة سال الدم فيها الشمس تغيب، وتاني يوم تطلع، ليه؟ ما تعرفش. النهارده بالذات تقدر تقول لي الشمس طلعت ليه؟ أرجوك أنا باتكلم جد، جاوبني، طلعت ليه النهارده؟
الدكتور (لمحمد الأول) :
لاه؛ دا تعبان قوي (ثم لمحمد الثالث)
هيه؟ يمكن طلعت عشان حضرتك تشرفنا، وإيه تاني يا سيدي اللي تاعبك؟
م. الثالث :
النمل.
الدكتور :
مضايقك؟
م. الثالث :
ده مجنني، البتاع الأسود الصغير ده اللي دايما ماشي ماشي عمره ما يقف، عمرك شفت نملة واقفة أبدا، حتى في المية بتمشي، وانت ماسكها بتمشي، بتنزل م البيضة ماشية وعمرها ما بتموت، أنا عمري ما شفت نملة ميتة موتة ربها أبدا.
الدكتور :
وإيه اللي مضايقك في كده؟
م. الثالث :
بقول لك مجنني، باخاف منه؛ كل اما بشوف شوية نمل ماشيين كده أموت م الرعب .
الدكتور :
أما مالكش حق، الواحد جايز يخاف من الكلب، م الأسد، م التعبان، إنما النمل اللي قد كده اللي الواحد برجله يموت ألف، حد يخاف منه؟
م. الثالث :
أنا.
الدكتور :
ليه؟ حيعضك؟
م. الثالث :
لا.
الدكتور :
أمال بتخاف منه ليه؟
م. الثالث :
بخاف اتقلب نملة. كل أما أشوف نمل وابص له شوية ألاقي شعري وقف من الخوف، ويتهيأ لي إني لو بصيت له كمان شوية حاتقلب نملة، تصور بقى المصيبة لما الواحد مخه ده يطير، وإحساسه ينتهي، وعواطفه تنمحي، وما يبقاش فيه إلا إيدين ورجلين، ويبقى كل شغلته إنه يمشي ويفضل ماشي، طول الصيف يخزن أكل للشتا، وطول الشتا يفحر ويخزن أكل و يفحر، ويخزن ويفحر ويخزن ويفحر.
الدكتور (لمحمد الأول) :
لاه؛ دانا كنت فاكرها سهلة (ثم لمحمد الثالث) ، بس خوفك ده في غير محله، إنت عمرك سمعت عن حد اتقلب نملة؟ عمرها حصلت دي؟
م. الثالث :
حصلت وحصلت وحصلت، أمال أنا مرعوب ليه؟ ما بتقراش جرايد سيادتك؟ دا كل يوم أخبار عن ناس اتقلبوا نمل، امبارح واحد صاحبي اتقلب نملة.
الدكتور :
اتقلب نملة؟
م. الثالث :
الحقيقة نملة كبيرة، حرامي نمل؛ أصله تخين شوية.
الدكتور :
وإيه غير الشمس والنمل؟ مراتك مضايقاك؟
م. الثالث :
لحسن الحظ أنا مش متجوز.
الدكتور :
مش متجوز؟ أمال يا أستاذ بتقول إنه رفع السكينة على مراته ازاي، وحاول يقتلها؟
م. الأول :
زي ما بقول لسيادتكم تمام (ثم لمحمد الثالث)
هي حصلت إنك تنسى إنك متجوز يا محمد.
م. الثالث :
متجوز؟ آه؛ لا مؤاخذة، معلش، بردون، أيوه صحيح أنا متجوز، أصلها حاجة يستحسن إن الواحد ينساها.
الدكتور (بشك خفيف) :
هو متجوز والا مش متجوز؟
م. الأول :
متجوز يا افندم، ورحمة أبويا متجوز، يا نهار أبيض!
الدكتور :
إنت متجوز يا محمد؟
م. الثالث :
متجوز متجوز، كل اللي بيقوله الأول مظبوط، هو ما يكدبش أبدا.
الدكتور :
أمال فين مراته؟ إزاي ما تجيش معاه وهو في حالة زي كده؟ تيجي إمتى امال؟
م. الأول :
موجودة يا افندم، موجودة. يا نونو ، دي كانت هنا دلوقت وراحت فين، يا نونو.
صوت (صاحبته مختفية بين الكورس) :
أيوه يا أول، أنا اهه (تتحرك لتصبح بجوارهما)
أنا أهو.
الدكتور :
إنتي مراته؟
نونو :
أيوه يا دكتور.
الدكتور :
دي مراتك يا ثالث؟
م. الأول :
أيوه يا افندم.
الدكتور :
من فضلك ما دام بسأله هوه، يبقى هو اللي يجاوب، مراتك دي يا ثالث.
م. الثالث (وهو يعاينها) :
مظبوط، هي تمام مظبوط.
الدكتور (لميم الثالث) :
اسمها إيه؟
م. الثالث :
زي ما قال، نونو.
الدكتور :
نونو ده اسم الدلع. اسمها الحقيقي إيه؟
م. الثالث :
برضه نونو.
الدكتور :
اللي في شهادة الميلاد؟
م. الثالث :
نونو.
الدكتور (لمحمد الأول) :
صحيح؟
م. الأول :
إي، أيوه، أيوه صحيح يا افندم.
الدكتور :
تقرب لك إيه بقى؟ (لميم الثالث) .
م. الثالث :
هي الحقيقة ما تقربليش أنا، هي تقرب له هوه، (مشيرا للأول) .
نونو :
أقرب له هو ازاي؟ أنا مش مراتك إنت يا حبيبي؟
م. الثالث :
وفيها إيه؟ ما انتي مراتي وتقربيله.
الدكتور (لنونو) :
إنتي مراته؟
نونو :
مراته طبعا يا دكتور، آدي اللي كان ناقص.
الدكتور :
وانتي برضه رأيك إنه مجنون؟ (نونو تنخرط فجأة في البكاء.)
الدكتور :
أرجوكي، جاوبيني الأول.
نونو :
مش قادرة يا دكتور؛ دي مش عشرة يوم وللا اتنين، دانا باحبه.
الدكتور :
برضه ما جاوبتيش، إنتي رأيك إنه مجنون؟
نونو :
ورأيي قيمته إيه؟
الدكتور :
رأيك أهم من تشخيصي.
نونو :
أنا رأيي إنه اتغير خالص يا دكتور، مش هو ده اللي اتجوزته.
الدكتور :
كان إيه وبقى إيه؟
نونو :
كان ذوق وحنين، وبيحبني.
الدكتور :
ودلوقتي؟
نونو :
ما بيطقنيش.
الدكتور :
بس كده؟
نونو :
ودي شوية؟
الدكتور :
شوية قوي، هو لو كل واحد ماطاقشي امرأته نوديه الخانكة كنا زمانا كلنا بقينا هناك. اتغير ازاي؟
نونو :
بقى يضربني ويهيني، وكلمة والتانية ويعملها حريقة ويخش الحمام، ويقفل على روحه يقعد يكلم نفسه.
الدكتور (لمحمد الثالث) :
بتكلم نفسك؟
م. الثالث :
أعمل إيه؟ ما بلاقيش حد يفهمني اضطر اركب الصعب بقى، واكلم نفسي.
الدكتور (لنونو) :
وكان صحيح عايز يدبحك؟ (نونو تنخرط باكية .)
الدكتور :
حصل؟
نونو :
حصل يا دكتور.
الدكتور :
حصل يا تالت؟
م. الثالث :
حصل.
الدكتور :
وحد يدبح مراته يا تالت؟
م. الثالث :
أعمل إيه؟ بيحرضوني.
الدكتور :
الأصوات؟
م. الثالث :
الأفلام يا دكتور، ماسمعتش على فيلم كيف تقتل زوجتك؟
الدكتور :
لالالا، إنت راجل مثقف ومتعلم وذكي، فازاي ده يحصل؟
م. الثالث :
عشان ذكي ومثقف ومتعلم.
الدكتور :
عشان كده تدبحها؟
م. الثالث :
لا، عشان كده أنا حساس وبالتالي معقد.
الدكتور :
وإيه علاقة عقدك بالدبح.
م. الثالث :
مانا مصاب بعقدة الفرخة.
الدكتور :
عقدة الفرخة؟
م. الثالث :
أيوه؛ كنت وانا صغير أحب دايما أشوف ماما، وهي بتدبح الفرخة.
الدكتور :
وده يعقدك في إيه؟
م. الثالث :
كان بيبان عليها السعادة بشكل! يا سلام وهي مكتفة الفرخة الغلبانة، ومحمد الأول ده ماسك لها راسها وهي بتحز بالسكينة على رقبتها، والدم بيتفجر ويضرب في الحيطان ويحصل السقف ويغرق إيديها وهدومها، سعادة حقيقية لدرجة إنها كل اما كانت تتضايق - إنشا الله يكون في نص الليل - تقوم على السطح تجيب فرخة وتدبحها، وترجع المطبخ مبسوطة انبساط ولا اللي خدله اتنين وسكي.
الدكتور :
بس دي مش فرخة، دي مراتك.
م. الثالث :
سوء حظ بقى، الفراخ غالية دلوقتي وفيهم أزمة.
الدكتور :
بتهزر يا أستاذ تالت؟ مش مكسوف من نفسك، واحد زيك عنده ماجستير.
م. الثالث :
دكتوراه، وحياتك مع مرتبة الشرف الأولى.
الدكتور :
يا دكتور محمد الثالث، إيه بقى هدفك من ادعاء الجنون ده؟ إنت متهم في حاجة وعايز تتنصل منها؟
م. الثالث :
أنا ما بدعيش يا دكتور، أنا أفهم مرض أسافر به بره زي اللي بيسافروا، إنما حد يدعي مرض يوديه مستشفى أمراض عقلية في مصر هنا؟
الدكتور :
ما هو دا اللي محيرني، نهايته، أهو هناك حيحطوك تحت الملاحظة، وخلال تلات تشهر أكيد كل شيء حيبان. سؤال أخير بقى، النهارده إيه يا دكتور محمد؟
م. الثالث :
أهي دي اللي ما اعرفهاش، أنا عمري ما عرفت النهارده إيه إلا من النتيجة.
الدكتور :
النهارده السبت.
صفر (منحنيا على الدكتور هامسا) :
لا مؤاخذة يا سعادة البيه ، السبت كان امبارح.
الدكتور :
إنت مش شايف النتيجة يا صفر؟
صفر :
دي ورقة امبارح يا سعادة البيه (يذهب إلى النتيجة المعلقة في الحائط، وينتزع الورقة ويكورها في يده) .
الدكتور (بارتباك) :
قصدي امبارح إذا كان امبارح السبت، يبقى النهارده إيه يا سيد ثالث؟
م. الثالث :
مش للدرجة يا دكتور، أنا عيان صحيح، إنما مش قوي كده.
الدكتور :
معلش دا روتين كده، قلنا إذا كان امبارح السبت يبقى النهارده إيه؟
م. الثالث :
السبت.
الدكتور (بزفرة) :
هيه، طب وبكرة؟
م. الثالث :
السبت برضه.
الدكتور :
أنا بسألك جد، امبارح كان السبت، النهارده يبقى إيه؟
م. الثالث :
وانا بجاوبك جد يا دكتور، أنا رأيي كده، الرأي العلمي حتى، الأصل في الزمن مش إنه مقياس للتغير، البعد الرابع بتاع أنشتاين، طول ما مفيش تغير يبقى مفيش زمن، فتقدر تقوللي سيادتك إيه اللي اتغير في الدنيا من امبارح للنهارده؟
الدكتور :
على الأقل إنت، امبارح كنت عاقل، النهارده محل شك.
م. الثالث :
يبقى زمني أنا هو اللي اتغير، إنما زمن الواقع ماجرلوش حاجة، يبقى النهارده السبت برضه.
الدكتور :
أمال الحد بيجي إمتى؟
م. الثالث :
لما نحس بإن النهارده اختلف عن امبارح، لما نحس إن الحياة اتحركت بينا خطوة، لما نشوف إن ظلم النهارده أقل من ظلم امبارح، وعدالة النهارده أكتر من عدالة امبارح، لما نحس إننا طلعنا درجة أو عقلنا همسة أو اترقينا سنتي، ييجي الحد.
الدكتور :
لا برافو فلسفة مش بطالة، بس نفسي أعرف حكايتك إيه؟
م. الثالث :
أنا مستني الحد، ياللا بينا يا أول يا أخويا.
الدكتور :
استنى بس استنى، هي إيه؟ أنا اللي بقرر هنا.
م. الثالث :
حاضر استنيت.
الدكتور (يحدجه مليا وطويلا دون أن ينطق، فيبدأ محمد الثالث يضطرب ويأخذ اضطرابه شكل تحركات عصبية، وجذب لشعرات ذقنه، والدكتور يبدو كما لو أنه يتخذ القرار الفاصل) :
على العموم (ثم وكأنه يؤكد لنفسه مرة أخرى)
الفرصة هناك أكثر. وده مش حكم بالإعدام. (فجأة نغمة موسيقية مرحة «تويست» ورقص وغناء أمريكي متشنج)
فين العسكري؟
العسكري :
أفندم .
الدكتور :
خد الورق وعلى القسم.
م. الأول :
ألف ألف شكر يا افندم، آسفين للإزعاج، ألف ألف شكر.
الدكتور :
استنى من فضلك. خد دي معاك (مادا يده بالساعة) .
م. الأول :
يا افندم أنا قلت لسيادتك.
الدكتور :
هي كلمة، خدها معاك يعني خدها معاك.
م. الأول :
أمرك يا افندم، أمرك (يتناول الساعة ويمسكها، وباليد الأخرى يتأبط ذراع محمد الثالث)
ياللا بينا (يبدأ الموكب يتجه إلى الباب) . (من الخارج يأتي صراخ رجل ذي صوت رفيع مرتعش.)
الصوت :
استنى عندك يا محمد يا أول، أوعى تتحرك. (ارتباك عام، الدكتور يرفع وجهه متسائلا، الجميع تنتابهم حركة تحفز ودهشة، يندفع إلى الداخل أو من بين الواقفين أفندي رغم شبابه وملامحه الحسنة إلا أنه مبهدل في لبسه العسكري المحمل بالكوردونات، ذقنه غير محلوقة، شعره ليس مسرحا كما يجب.)
م. الثاني (بعد أن يكون قد أصبح داخل دائرة الاهتمام الكائنة أمام مكتب الدكتور) :
استنى عندك إوعى تتحرك، ولا خطوة.
الدكتور :
إيه ده؟ مالك يا أخينا؟ فيه إيه؟
م. الثاني :
فيه جريمة يا دكتور. فيه جناية، الحمد لله ياما انت كريم يا رب على آخر لحظة ربنا باعتني عشان أوقفها، لو اتأخرت دقيقة كان زمان السهم نفد وكل شيء انتهى وراح، والترتيب اللي عمله المجرم ده (مشيرا لميم الأول)
نجح.
م. الأول :
الله يسامحك، روح يا شيخ الله يسامحك، ياللا بينا (متأبطا مرة أخرى ذراع م. ثالث ودافعا العسكري ليمرق أمامه) .
م. الثاني :
يا دكتور أنا في عرضك وقفه، دي جناية كبيرة يا دكتور، أنا حاقول لسيادتك على كل حاجة دلوقتي، دي مؤامرة ما يدبرهاش إلا إبليس، أرجوك توقفه. (م. الأول يتحرك غير ملق بالا، ومعه م. الثالث والعسكري.)
الدكتور (لميم الثاني) :
سيبهم هما يروحوا يشوفوا شغلهم، وقول لي انت مؤامرة إيه؟
م. الثاني :
يروحوا ازاي يا دكتور؟ اقف عندك يا محمد يا أول، وقفه يا دكتور، اقف يا محمد، إنتو حرين بقى (باضطراب شديد يمد يده المرتجفة داخل صدره ويخرج طبنجة ضخمة في حجم نصف البندقية من نوع قديم بطل استعماله، ويصوبها ناحية م. الأول وهو يرتعش ارتعاشا شديدا والعرق الغزير يتصبب منه)
والله والله لو اتحركت خطوة واحدة لمفرغ فيك الست طلقات وزي ما تيجي، وديني أقتلك وبدال ما اتحاسب على الواحد بتاع زمان حاتحاسب بالمرة على اتنين. (لدى إخراجه الطبنجة تحدث حركة هرج ومرج هائلة في الحجرة، الكل يتسابق ليغادرها عن طريق الباب الأوسط فيشلون بعضهم بعضا، نونو تصرخ وتختفي وسط الكورس. العسكري يلتصق بشدة في الحائط بحيث ينطبق على العسكري المرسوم في اللوحة تمام الانطباق وكأنما يخفي وجوده، الدكتور يتخلى فجأة عن جلسة القاضي الوقورة وينزل أسفل المكتب، ووراءه يرقد صفر مخفيا رأسه.)
م. الثاني (باضطراب وارتعاش) :
مش عايز حد يتحرك حركة واحدة، حاضرب بالنار على طول اللي خايف على نفسه يقف ساكت.
الدكتور (من مخبئه) :
يا أستاذ أرجوك؛ هدي نفسك، وانا حعمل لك كل حاجة، إنت عايز إيه؟ إذا ماعملتلكش ابقى اعمل زي ما انت عايز، إنما ده مكتب حكومة، وما يصحش تعمل فيه كده.
م. الثاني :
مين اللي بيتكلم ده؟ وريني وشك ياللي بتتكلم، إنت مين؟
الدكتور :
أرجوك هدي نفسك بس.
م. الثاني :
إنت مين؟
الدكتور :
أنا الدكتور (ثم في همس)
ده خطر قوي الجدع ده، لازم حد يطلب لنا بوليس النجدة، يا صفر؛ إنت فين يا وله؟
صفر :
أنا هنا ورا سعادتك على طول.
الدكتور :
اطلب بوليس النجدة يا وله.
صفر :
يا سعادة البيه مش شايف بيقول إيه؟ أنا صاحب كوم عيال إعمل معروف.
م. الثاني :
أنا سامع كلام، فين الدكتور ده اللي بيتكلم؟ من فضلك وريني نفسك.
الدكتور :
دخل المسدس في جيبك أولا، إنت في حالة هياج وجايز تضغط ع الزناد من غير ما تحس، إنت جاي عايز تمنع جريمة وللا ترتكب جريمة؟ دخل مسدسك وانا أعمل لك كل اللي انت عايزه.
م. الأول :
اختشي يا محمد يا تاني عيب، إنت اتجننت؟ إيه اللي بتعمله ده؟ إنت مش عارف إنك بتتهجم دلوقتي على موظف عام أثناء تأدية وظيفته؟ دا انت تروح في داهية بالشكل ده، ياللا بينا يا شاويش.
العسكري :
اتفضل سيادتك روح انت، وانا خمسة ووراك على طول.
م. الثاني (لميم الأول) :
لا والله عارف الأصول حضرتك، أمال لما إنت قانونجي بالشكل ده عامل العملة دي ليه يا مجرم يا سفاح، يا قليل الذمة والدين.
م. الأول :
الله يسامحك، ياللا بينا يا محمد. (م. الثالث يتردد برهه، ولكن م. الأول يجذبه ويتحركان.)
م. الثاني :
والله العظيم حضرب! (المسدس يرتجف بشدة في يده فيحاول أن يسندها باليد الأخرى فيرتعش جسده كله)
أنا استغنيت عن عمري خلاص وكفاية إني أخلص العالم منه. ورحمة أبونا محمد الطيب في نومته ما تتحرك خطوة واحدة لمفرغه في قلبك.
الدكتور (لميم الأول) :
اسمع يا أستاذ ده باين عليه بارانويد شيزوفرينيا مفيش كلام، اسمع كلامه وما تتحركش، ده عنده أتاك ودي أخطر حاجة؛ لأنه يقتل على طول وماعلهش عقاب كمان، اقف زي ما قال لك وما تتحركش.
م. الأول :
الصنف دا أنا أعرفه كويس يا دكتور.
الدكتور :
إنت تعرفه؟
م. الأول :
ده أخونا الثاني يا دكتور.
الدكتور :
يعني إنتو التلاتة أخوات؟
م. الأول :
أيوه.
الدكتور :
شققا؟
م. الأول :
أيوه يا دكتور.
الدكتور :
ويعني مالقيتوش حتة تحلوا فيها مشاكلكوا العائلية إلا هنا؟
م. الأول :
اطمن قوي يا دكتور، ما يغركشي إنه ماسك المسدس، ده بتاع ضرب نار ده؟ ده جبان، ده كان كونستابل يا دكتور، وبعدين جه يهوش واحد حرامي وضرب فيه فجت في المليان ومات، فحصل له انهيار عصبي من كتر الرعب، وبقى له تلات سنين بيتعالج من الخضة.
م. التاني :
كده؟ طيب إذا كنت شجاع وشارب من لبن أمك صحيح اجدعن كده، وخطي خطوة واحدة وشوف إيه اللي حيحصل لك؟
الدكتور :
يا اخوانا ده مكتب صحة مش فيلم كاوبويز. يا أستاذ تاني عاجبك يعني المولد اللي إنت عامله ده؟ أنا بقول لك حأعمل لك اللي انت عايزه، إنت عايز إيه؟
م. الثاني :
الجدع ده ضحك عليك يا دكتور وأخويا ده مش مجنون ولا حاجة، ده عايز يدخله المستشفى بالزور عشان يعمل وصي عليه ويأخذ أرضه.
الدكتور :
والمطلوب إيه؟
م. الثاني :
تسحب سيادتك الورق منه وتبلغ فيه البوليس وتمنعه إنه يخرج؛ لأنه لو خرج يبقى علينا العوض في محمد الثالث وأرضه.
الدكتور :
حاضر؛ كل اللي انت عاوزه حيحصل (ثم يهمس لصفر)
بص شوفه نزل المسدس كده يا صفر.
صفر :
يا بيه أنا صاحب كوم.
الدكتور :
داهية فيك وفي كومك، من صدق جبان، رجالة إيه دي مش فاهم؟ أشوف أنا. (يرفع رأسه شيئا فشيئا، وما تكاد عيناه تصلان إلى حافة المكتب حتى يدوي طلق ناري، فينبطح الدكتور على الأرض ملتصقا بها لا حراك به، وبجواره يتمدد التمورجي بينما العسكري اعتقد أنه هو الذي أصيب فوضع يده على قلبه، وتهاوى على الأرض.)
م. الثاني :
حركة واحدة والتانية في قلبك يا مجرم على طول. (م. الأول يلتصق بالحائط معطيا ظهره لميم الثاني، ورافعا يديه في الهواء، عكسه تماما يقف م. الثالث ملصقا ظهره بالحائط حائرا ماذا يفعل بيديه.)
الدكتور :
يا صفر! إنت يا صفر!
صفر :
ما تعقل بقى يا سعادة البيه، وتبطل كلام.
الدكتور :
إحنا ما متناش يا وله، أنا افتكرت الطلقة جت في على طول.
صفر :
ما متناش أيوه، إنما بالطريقة دي حنموت، ما تقول يا صبح بقى أنا صاحب كوم.
م. الثاني :
عرفت بقى الجبان مين يا محمد يا أول؟ عرفت مين فينا اللي ميت م الخوف على عمره؟ مين اللي مستعد يقول أنا مرة عشان ساعة زيادة يعيشها، وللا قرش زيادة يدخل جيبه؟
م. الثالث :
برافو عليك! الحمد لله، العقدة انفكت، عملتها، برافو عليك!
م. الثاني (مكملا كلامه) :
اتفضل يا دكتور، خلاص اطلع ما تخافش؛ اطلع عشان تتفرج على البني آدم لما ينسعر زي الكلب يا دكتور.
الدكتور (وهو على نفس وضعه) :
أيوه، يلزم خدمة؟
م. الثاني :
اقعد بقى على مكتبك، خلاص.
الدكتور :
وأضمن منين؟
م. الثاني :
يوهوه! ما هو ما تجننوش الواحد أكتر ما هو مجنون (بلهجة فيها أمر)
ما تصلب حيلك بقى وتوريني وشك.
الدكتور (معتدلا في قفزة جالسا القرفصاء) :
كويس كده؟
م. الثاني :
على مكتبك بقول لك.
الدكتور (في قفزة يكون قد جلس إلى كرسي المكتب) :
تحت أمرك.
م. الثاني :
إنت كتبت إن محمد التالت مجنون؟
الدكتور :
أنا ما ليش دعوة، اسأل الناس الموجودة دي كلها، أخوك اللي مبلغ عنه وهو نفسه اللي عايز يخش المستشفى، وانا يدوبك سجلت أقوالهم، أنا ماليش أي ذنب.
م. الثاني :
وإنت رأيك برضه إنه مجنون؟
الدكتور :
أبدا أبدا أبدا؛ أنا حتى في الورق كاتب إنه يتحط تحت الملاحظة.
م. الثاني :
ولو كان كل الكلام اللي قاله عنه محمد الأول ده كدب وادعاء، يبقى الوضع إيه؟
الدكتور :
يبقى لازم الورق ده يتقطع ويتكتب تقرير تاني إن قواه العقلية سليمة، ويتبلغ في أخوك ده للنيابة.
م. الأول :
عشان (محمد الثاني يرمقه بحدة)
عشان آخد.
م. الثاني :
خلاص! ابتدي اعمل إجراءاتك.
الدكتور :
بس يعني لا مؤاخذة.
م. الثاني :
ولا يعني ولا مؤاخذة عايز دليل الإثبات، اتفضل! اللي مبلغ نفسه حيتولى تكذيب نفسه، قول له بقى يا أخ ازاي إن دي لعبة عاملها حضرتك عشان تاخد أرض أخوك.
م. الأول (ببراءة) :
لعبة ليه يا محمد يا حبيبي؟
م. الثاني :
اسمع، ملاوعة مش عايز (يضغط على زناد المسدس)
حتقول ولا مش حتقول؟
م. الأول :
بس ما تزعلش نفسك، حأقول، أيوه يا دكتور، كل اللي قلتهولك ما حصلش، كله كدب.
م. الثاني :
محمد التالت مجنون؟
م. الأول :
أبدا، أبدا مش مجنون ولا حاجة.
الدكتور :
أمال عملت كده ليه؟
م. الأول :
عشان تحقق معاه وينال جزاءه.
الدكتور :
حتة الأرض بتاعته.
م. الثاني :
بقى له سنتين يا دكتور قاعد يتحايل عليه يبيع له ميراثه من أبوه تلات فدادين وتلت، هم عشر فدادين كل واحد منا ناله تلاتة وتلت، ده بقى حلمه ونومه وصحيانه وأمله إيه يبقى صاحب العشر فدادين، أنا بيعني نايبي وخده لما كنت عيان، الاسم بيع وشرا والحقيقة سرقة ونهب، بشلنات وحياتك وجنيهات ورباع جنيهات ويقيد، وانا تايه بتعالج بالكهربا مش عارف ولا داري ، خفيت من هنا لقيته خد الأرض ومسجل وماليش عنده ولا مليم. أدور على محمد التالت، رفض يحايله، يرفض يهدده، يرفض بلغ عنه مرة إنه شيوعي وقبضوا عليه وقعد شهر وخرج، أجر عليه ناس في البلد يقتلوه، حط له مرة ديناميت في المعمل عشان ينسفه، وأخيرا مالقاش فايدة غير إنه يدخله مستشفى الأمراض العقلية ويعمل وصي عليه ويشفط منه الأرض، دا مجرم يا دكتور إجرام ما شفتلوش مثيل.
الدكتور :
مظبوط الكلام ده يا أول؟
م. الأول :
ما قلت لسيادتك كل اللي قلناه كدب.
الدكتور (لمحمد الثاني) :
بس ده مرات محمد التالت موافقة رخرة، وشهدت إنه بتجيله نوبات، وإنه حاول مرة يدبحها.
م. الثاني :
مراته مين؟
الدكتور :
اسمها نونو دي.
م. الثاني :
هي فين نونو دي؟
الدكتور :
فين الست اللي كانت هنا؟
صفر :
فين الست اللي كانت هنا؟ (ثم مكتشفا وجودها أمامه مباشرة)
أهي يا سعادة البيه.
م. الثاني :
دي؟ دي مرات الأول. (يقهقه كالمجنون)
دا الدنيا خربت، القيامة قامت خلاص، وديني وما أعبد لبكرة تقوم، تستنى إيه هي الدنيا حتخسر أكتر من كده؟ دا إحنا بقينا في غابة، في بلاد نمنم.
الدكتور :
إيه بس فيه إيه؟
م. الثاني :
دي مراته هو يا دكتور، أخويا التالت مش متجوز، يقوم الأول عيني عينك كده، وفي عز الضهر يدعي إن مراته مرات أخوه! العوض على الله! عليك العوض يا رب!
الدكتور (للسيدة) :
إنتي مراته صحيح؟
نونو :
أيوه يا بيه والله مراته.
الدكتور :
مرات مين فيهم؟ (محمد الثاني يصوب المسدس بطريقة يائسة متهورة.)
م. الأول (مسارعا) :
مراتي يا بيه مراتي.
الدكتور :
أنا بسألها هي؛ إنتي مرات مين؟
نونو :
مراته يا بيه.
الدكتور :
يعني كنتي بتكدبي.
نونو :
أيوه، أيوه يا بيه؛ كنت بكدب.
الدكتور :
ليه؟
نونو :
أعمل إيه؟ قسمتي كده حظي كده (تنخرط في البكاء) .
الدكتور :
دي حكاية إيه الملخبطة دي؟
م. الثاني :
يا كافر يا عديم الضمير يا متوحش، كل ده علشان تلات فدادين وتلت يحولوك غول، أول ما ياكل ياكل إخواته؟ أعوذ بالله! أعوذ بالله !
الدكتور :
أنا برضه مكنتش مطمن، قلبي كان حاسس إن فيه حاجة مش مظبوطة، بس اللي خدعني موقف التالت ده، طب ده عايز الأرض وعمل كده فهمناها، ودي مراته واتفق معاها إنها تمثل الدور برضه ممكن نفهمها، إنما ده محمد التالت ده ازاي يوافق؟ ومش يوافق وبس، ده كان متحمس لدخول المستشفى أكتر منهم.
م. الثاني :
لازم ساقيينو حاجة وللا عاملين له عمل، ده حاكم مجرم قوي مستعد يعمل أي حاجة يحقق بيها غرضه.
الدكتور :
عمل إيه بس مع راجل متعلم زي ده ومثقف ثقافة عالية، إزاي يا دكتور توافقهم على إنك مجنون؟
م. الثالث :
وسيادتك بتلومني ليه إنت مش وافقتنا؟ أنا مثقف صحيح بس دي شغلتك، ومع كده وافقت.
الدكتور :
أنا وافقت بناء على كلامك.
م. الثالث :
دانت قبل كلامي كنت ماضي وخاتم، ولا زلت ماضي وخاتم.
الدكتور :
أعمل إيه ما هو كلامك وآراءك ملخبطة وتلخبط، أنا نفسي لسه متوغوش فيك.
م. الثالث :
يبقى اعذرني بقى إني أتوغوش في نفسي.
م. الثاني :
إنما بالنسبة له هوه ما فيش وغوشة، اللعبة بتاعته باينة زي الشمس.
الدكتور (وكأنما يتذكر شيئا) :
بس فيه حاجة ازاي حصلت، إنك توافق على إن مراته مراتك؟
م. الثالث :
وما اوافقش ليه؟ هو جاي معايه خدمة، وقدم مراته، ما اوافقش ليه؟
الدكتور :
إنما هي مراته صحيح مش مراتك؟
م. الثالث :
أفتكر إنه قال كده قدامنا.
الدكتور :
بس أنا عايز أعرف منك انت.
م. الثالث :
ما أظن اتضح لك بقى إن كلامي مافيش منه فايدة لا بيودي ولا بيجيب.
م. الثاني (ناظرا إلى الجميع في حسرة، ثم مضيفا في يأس) :
بيتهيألي ما عدشي له لزوم للمسدس، اتفضل أهه يا دكتور ده على فكرة مسدسه هوه، تبقى سيادتك بقى بعد ما تخلص تديهوله، وللا تسلمه للبوليس (م. الأول يمد يده محاولا أخذ المسدس، الدكتور يسارع باختطافه ويضعه في صدره أولا، وحين يضايقه يضعه في درج المكتب) .
الدكتور :
ودلوقتي بقى فز قوم يا صفر، نادي الباشكاتب خليه يعمل إشارة مستعجلة للقسم .
م. الأول :
بالظبط كده يا دكتور، ده نشف دمنا الله ينشف دمه، ده سيادتك تعمل فيه بلاغ بتلات تهم؛ أولا: التهجم على مكتب حكومي وإطلاق النار فيه، ثانيا: الاعتداء على موظف عمومي أثناء تأدية وظيفته، ثالثا بقى: الشروع في قتلى مع سبق الإصرار والترصد.
صفر :
وانا راخر بلاغ يا سعادة البيه، عايز بلاغ.
الدكتور :
عشان إيه؟
صفر :
بلاغ بقطع عرق الخلف يا بيه، دانا مايكفنيش ولا ميت ألف جنيه تعويض، والله بعد الخضة اللي اتخضيتها ما حأخلف أبدا، وانا غلبان وصاحب كوم عيال.
الدكتور :
بس أهم من البلاغات دي كلها إني أبلغ فيك إنت يا سيد مدير عام مساعد؛ لأن إنت السبب في ده كله، إزاي واحد باين عليه نضيف ومتربي، يغش ويدلس يدخل أخوه المستشفى وياخد أرضه؟
م. الأول :
الله! جرى إيه يا دكتور، إنت سيادتك صدقته وللا إيه؟
الدكتور :
إنت مش معترف قدامنا؟ ده كمان فيه جريمة رشوة يابو ساعة ماركة مينا مظبوتكس.
م. الأول :
معترف! وده اسمه اعتراف ده يا دكتور؟ بقى واحد ضرب في نار وبيهددني بالقتل، وانت نفسك قايل لي هاوده على كل حاجة، وبعدين دلوقتي جاي تحاسبني على اللي قلته ساعتها؟
الدكتور :
أصل كان باين من غير تهديد ولا مسدس إن كلامه مظبوط، وإنك فعلا عملت كده.
م. الأول :
لا حول ولا قوة إلا بالله! بقى المجني عليه يصبح جاني؟ المضروب فيه نار يبقى كداب، والمجرم أبو مسدس يبقى الصادق؟ بقى واحد زي ده دخل سيادتك تحت المكتب وهان كرامتك تصدقه، وانا عشان ما بكلم سيادتك بالذوق وبالإنسانية أبقى كداب؟
م. الثاني :
اتسلبط يا خويا اتسلبط، ده زي التعابين الناعمة يا دكتور. أهو مجننا بكده، إحنا يبقى معانا الحق، وهو بالكلام الناعم ده يطلعنا غلطانين ومحقوقين.
الدكتور :
من فضلك، أرجوك، ما حدش يكلم هنا إلا بإذني، أنا اللي بكلم دلوقت (ثم لميم الأول)
أفهم من كده إنك مصر على كلامك الأول، على إن أخوك التالت ده مجنون؟
م. الأول :
مصر جدا.
الدكتور :
وتثبت كلامك ده ازاي؟
م. الأول :
بمحاضر البوليس، وكلامه هوه قدام سيادتك، ويعرض عليك وعلى أي قومسيون طبي.
الدكتور :
يعني ما قلتش وكلام مراته، هي دلوقتي بقى لسه مراته وللا بقت مراتك؟
م. الأول :
والله اللي تشوفه سيادتك.
الدكتور (لميم الثاني) :
وانت بتقول إن أخوك الأول ده كداب، وإنه زور أدلة يثبت بها إن أخوك التالت ده مجنون عشان ياخد أرضه؟
م. الثاني :
كده بالضبط.
الدكتور :
تثبت كلامك ازاي؟
م. الثاني :
كل كلمة قالها لسيادتك حاثبت إنها كدب، وحتى بلاش أتعبك معانا كفاية إني أثبت لك إن الست اللي بيقول عليها مرات التالت دي مراته هوه، لو ثبت كده مش تكفي دي عشان يبان إنه كداب وإن كل اللي بيقوله غلط؟
الدكتور (لميم الأول) :
لو ثبت إنها مراتك يبقى كل كلامك كدب وتلفيق؟
م. الأول :
إذا ثبت، الجدع يثبت.
الدكتور :
تبقى المسألة أصبحت بسيطة جدا، اتفضلي يا ست نونو.
نونو :
نعم؟
الدكتور :
اتفضلي هنا، في النور هنا. (تتحرك حيث أشار الطبيب)
خلاص ما علينا إلا إننا نشوف بقى إنتي مرات مين فيهم؟ (م. الثالث يقهقه بصوت مرتفع)
الدكتور (ينظر ناحيته مشمئزا فتزداد قهقهاته) :
بتضحك على إيه يا أستاذ يا دكتور؟
م. الثالث (يضحك) :
دانا لازم أموت على نفسي م الضحك. (يقهقه)
دا حاجة تفطس م الضحك.
الدكتور :
هي إيه اللي تفطس من الضحك؟
م. الثالث :
اللي انتو عاملينه ده، بقى إذا كانت مراتي يبقى مخي ده عاقل، وإذا كانت مراته يبقى مخي ده مجنون؟ مش حاجة تهلك من الضحك؟ ده زي ما أقول إذا كان العسكري ده أبوه عاش يبقى الدكتور ده بيفهم في الطب، وإذا كان ميت يبقى مش دكتور خالص، يبقى محامي مثلا، مال مخي أنا ومالها؟ افرض واحد من الطرفين طلع أشطر م التاني، أتحمل أنا النتيجة ليه؟ افرض طلعت كدابة، افرض ما طلعتش متجوزانا خالص، افرض طلعت إنها متجوزانا إحنا الاتنين، ابقى أطلع عاقل ومجنون في وقت واحد؟
الدكتور :
بقى يعني حضرتك لا منك ولا كفاية شرك ، أسألك تلاوعني، أناقشك تقول لي فوازير وتكون النتيجة إني أستغنى عنك خالص وأحاول أعرف الحقيقة من غيرك، فتتريق ع الطريقة، في حين إنها الطريقة العلمية الوحيدة لمعرفة إذا كنت عاقل أو مجنون.
م. الثالث :
إزاي بقى الطريقة العلمية؟ العلم برضه بيقول إذا كانت مجوزاني أبقى مجنون.
الدكتور :
العلم بيقول إن الطبيب يعرف المجنون بمعلومات يا إما ياخدها من قرايبه والمحيطين، يا إما من المريض نفسه، فإذا كان المريض ملاوع زي حضرتك فنسأل قرايبه، وده اللي بعمله، فإذا اتضح إن قريبك بيزور في كلامه فيبقى المعلومات كدب، وبالتالي مفيش جنون ولا شذوذ، وإذا اتضح إنه صادق فيبقى فيه مبرر لحطك تحت الملاحظة، أظن واضح دلوقتي أهمية إننا نعرف نونو مرات مين، ثم بقى تسكت حضرتك خالص وتعتبر نفسك مش موجود.
م. الثالث :
حاضر؛ دي أكبر خدمة تعملها لي حضرتك، بصراحة مش عايز أتحمل مسئولية أي نتيجة توصلوا لها. أنا تعبان مش قادر أتحمل مسئولية حتى إني موجود، مجرد موجود.
الدكتور :
أيوه يا ست نونو؟ (ثم مراجعا نفسه)
بشرفي دي حاجة تلخبط، أنا خايف أنا نفسي اتلخبط، فعلا، نبتدي زي ما بيقولوا في القانون بالدليل، وبعدين إذا ما نفعش نجيب القرينة (ناظرا إلى ميم 3، ميم 2)
إنتوا إيه بقى يا سيدي حكايتكوا؟
م. الأول :
يا بيه دول أبوهم مات وانا في الحقوق، فسبتها واشتغلت عشان أعلمهم، حضرته اللي ضرب في نار ده صرفت عليه ست سنين، والتالت سبع سنين.
م. الثاني :
ويعني انت كنت بتصرف علينا من جيبك؟ ما انت نهبت الفلوس اللي سابها أبونا، وكنت بتاخد إيراد الأرض.
م. الأول :
الفلوس اللي سابها أبوكوا إنتوا عارفين كويس مين اللي نهبها؟ والأرض، أرض إيه وهباب إيه؟ دول عشر فدادين عمي إيرادهم الصافي 180 جنيه؛ يعني الواحد ما يحصلوش خمسة جنيه في الشهر، إنت كنت بتشرب سجاير بس بثلاثة جنيه، شوف بقى تلات سنين في توجيهي وتلاته في مدرسة البوليس يكلفوا كام؟ والتالت ده من ثقافة لغاية ماخد البكالوريوس، مين اللي كان حارق دم قلبه عليه ؟ اسأله إن كنت أخرت لواحد فيهم طلب.
م. الثالث :
الحقيقة عمرك ما أخرت لنا طلب، ولا التاني عمره عاز حاجة وما جبتلوش.
م. الأول :
طيب؛ اللي يعمل كده يدني نفسه على أرض أخوه، ويزور زي ما بيقولوا عشان يدخله ويلهفها؟
الدكتور :
أمال عايز تدخله ليه؟
م. الأول :
عشان عيان يا بيه، عشان شايفه في النازل باستمرار قلت ألحقه قبل ما يضيع.
الدكتور :
في النازل إزاي؟
م. الأول :
ده كان كويس قوي طول عمره بيطلع الأول، وكنت مستعد أبيع هدومي وأعلمه أعلى تعليم، كنا بنسميه النابغة، ولما خد توجيهي مارضيش يخش الطب زي الناس ما بتعمل، قال أنا عايز أخش الزراعة لأنه طول عمره يحلم إنه اكتشف دوا يموت دودة القطن ويوفر على البلد 70 مليون جنيه، دخل الزراعة وطلع الأول ع البكالوريوس والأول ع الدبلوم، وخد ماجستير ودكتوراه وخاص، جه يوم قعد يبوس فينا ويقول بعد شهر واحد حاعلن نجاح الطيبين، أصله كان مسميه على اسم المرحوم أبونا.
م. الثالث :
قلت لك مليون مرة مفيش طيب باللاتيني، فيه تايب بس.
م. الأول (هازا رأسه) :
ما تعرفش سيادتك حصل إيه؟ واحد متغاظ منه، مسألة حسد، غيرة، إيه الحكاية موش عارف، بصينا لقيناهم في يوم قابضين عليه بتهمة إنه شيوعي، والحكومة أيامها كانت بتمسك الشيوعيين، وعشان البلاغ كاذب يا دوبك قعد شهر وطلع، إنما طلع حاجة تانية خالص، ضحك بطل يضحك، نكت بطل ينكت، طول النهار قاعد يفكر ومع كده متلخبط مالوش حماس لأي حاجة، وابتدى يفكر في الكون قال، ويقول أهم من إننا نعيش إننا نعرف عايشين ليه؟ وأهم من إننا نقضي ع الدودة إننا نعرف حكمة وجود الدودة، باعتبارها الشر والقطن باعتباره الخير، ولو قضينا ع الشر وفضل الخير بس يمكن الإنسان يعرج.
صفر (مغمغما) :
يعرج، طب ما هو بده وبده بيعرج برضه، ده بيعرج عشان هم اتنين بس، يمكن لو اتحط له رجل تالتة يبطل.
م. الثالث (متحمسا) :
برافو عليك وجدتها، وجدتها، دانت مش صفر، دانت مليون صفر، بالظبط كده ، عارف الرجل التالتة تبقى إيه؟ الخير والشر والموت، وللا أقول لك؛ الخير والشر والمرأة.
صفر :
وانا وانت.
الدكتور :
بس؛ احنا فين؟ كمل يا أستاذ.
م. الثالث :
ساب بقى العلوم وابتدى يقرأ فلسفة، حتى الكتب الصفرا اللي كانت عند عمي الكاتب قراها كتاب كتاب، ورغم الفلسفة دي ابتدى - اللي عمره ما شرب سيجارة - يشرب حشيش ومخدرات وحبوب م اللي بتسهر، ويروح كباريهات، ومرة عمل علاقة مع طالبة في الكلية من تلامذته، فالعميد لفت نظره قال له أنا حر، وراح معاند ومجوزها وخد لها شقة، ما فيش بعد شهر اكتشف إنها لسه على علاقة بواحد طالب زميلها فطلقها، ونزل من ساعتها يهوي بقى لغاية ما في يوم جه بنفسه، وقال لي أنا خلاص عايز أخش المصحة، قلت له ليه؟ قال لازم، قلت له ماهيتك ما تسمحش، قال أخش مستشفى الحكومة، حاولت أكسر مقاديفه ما أمكنيش لغاية ما اعمل إيه؟ جبته.
م. الثاني :
بس تنكر إنك عرضت عليه يبيع لك أرضه؛ تنكر؟
م. الأول :
وأنكر ليه، هو أنا كنت حانهبها؟ أنا كنت حاشتريها.
م. الثاني :
زي ما اشتريت أرضي أظن.
م. الأول :
آديك بنفسك بتقول إني اشتريتها شرا (ثم للدكتور)
أنا عازره يا بيه، أصل عياه أثر عليه قوي، كنت الأول أزعل لما يتهمني وللا يشتمني، دلوقتي ما ازعلش.
الدكتور :
وانت كنت عييت بإيه يا تاني امال؟!
م. الثاني :
أبدا؛ أنا لاعييت ولا حاجة. ما تصدقوش! أنا أعصابي بس تعبت شوية.
الدكتور :
عشان ضربت الحرامي؟!
م. الثاني :
مش بالضبط عشان كده يا دكتور، هي المفاجأة بس، أنا كان قصدي إني أهوشه وأضرب في رجليه، لما لقيته بيكسر في قفل الدكان، قلت استنى عليه لما يكسره عشان تبقى حالة تلبس، كسره رفعت عليه المسدس وقلت له أقف عندك، وما وقفش، وجري، قلت هوشه يا واد واضرب تحت رجليه، ما تعرفشي اكمني كنت بجري ضربت بصيت لقيته راح نازل ساكت، افتكرته بيهوشني راخر رحت لغاية عنده أقلب فيه لقيته ميت والرصاصة جاية في قلبه تمام ، لو ظنيت لثانية إنها ممكن تصيبه يمكن ما كنتش اتفاجأت، إنما عمري ما تصورت إنها حتيجي فيه من أصله أقوم ألقاها في قلبه؟! حسيت إني قتلته قتل ودخت وقعدت جنبه للصبح، ورحت سلمت نفسي في القسم وقلت أنا قتلته، قالوا لي دا يستاهل دا له 19 سابقة منها 3 حوادث قتل ماسبتوش عليه، وادوني نيشان، إنما بعد كده ما كنتش أطيق أبص في حاجة اسمها بندقية أو مسدس، كنت أشوفها في إيد عسكري أو واحد زميلي فأدوخ. أشوف السلاحليك في القسم نفسي تغم علي. نقلوني م البوليس خالص ورحت حرس الوزارات وحولوني على قسم أمراض نفسية في الدمرداش، بقوا يعالجوني بالصدمات لغاية أما الحمد لله أحسن كتير دلوقت.
الدكتور :
ده أحسن كتير خالص، واضح قوي إنك مش بس ماعنتش بتدوخ، دا انت بتضرب نار أهه بدوخنا إحنا.
م. الثاني :
غصب عني يا دكتور، أصلي متغاظ غيظة، أصلي مش قادر أتصور إن كل ده بيحصل م الأول، أخويا اللي حبيته وحبيناه الحب ده كله يعمل فينا كده؟ فينتهز فرصة مرضي وياكل أرضي، وبعدين منتهز فرصة إن أخوه تعبان يدور عليه يبلع أرضه، ويا ريتها الأرض بس يا دكتور دا بقى غول. إحنا أبونا مات وسابنا تلات أخوات مفيش أحسن من كده إخوات، صرف علينا صحيح ما أنكرشي، إنما هو خلف من هنا وانسعر من هنا. إحنا عايشين في بيت أبونا ماسبناهوش كل واحد واخد أوضه، وهو عمل البدع عشان يخرجنا من البيت، واحنا كل ما نشوفه عايز يخرجنا، راسنا وألف سيف ما نخرجش، هو الكبير وبنحترمه وهو بيستغل احترامنا له أشنع استغلال، لدرجة وهو مدير عام مساعد أهه لما يحب يشرب شاي ما يهونشي عليه يشرب في أوضته ييجي للواحد فينا مهما كان مزعله أو شاتمه، ويقول: ما تعملولنا شاي.
صفر :
أمال لو كان رئيس مجلس إدارة، كان عمل إيه؟
م. الثاني :
الأكل؛ يمكن ما بيطبخش يوم ولا اتنين في الأسبوع، والباقي يا عند التالت يا عندي. ساعة الغدا بالظبط أبص الاقيه جاي وفاتح موضوع وييجي الأكل ياكل بعد شوية، تيجي مراته تسأل عليه يقعدها، شوية العيال يتسحبوا هم رخرين وييجوا، بالظبط اتحول تمام بقى زي عمه الطالب صورة طبق الأصل.
م. الأول :
عيب يا تاني اللي بتقوله ده، انت زي القطط تاكل وتنكر. يا دكتور أظن وريتك ازاي ضيعت عليهم شبابي، إزاي ضيعت مستقبلي وسبت الجامعة واشتغلت كاتب في محل ساعاتي عشان أعلمهم، يعني فضلتهم على نفسي وكان أحب حاجة على قلبي إنهم يبقوا أحسن مني ألف مرة، اللي حصل إني بعد كده بصيت لقيتهم اتخرجوا ده بقى مدرس في الجامعة، وده في البوليس، وده بياخد ماهية الشيء الفلاني، وده الشيء الفلاني، وانا الوحيد اللي طلعت م المولد بلا حمص، كنا اشتغلنا في تصنيع الساعات هنا بعد الثورة بسنة وكانت ماهيتي يوميها وصلت بالعافية عشرين جنيه، ولقيتني مجوز ومخلف تلات ولاد وبنتين، ما يغركش يا دكتور حكاية مدير عام مساعد دي، ده المصنع كله فيه بالظبط سبع ساعاتية منهم واحد خرج، وابن الحج بيدير المحل، وانا بساعده. كنت منتظر إنهم زي ولاد الحلال كل واحد فيهم ييجي آخر كل شهر، ويقول لي يا محمد يا خويا خد الخمسة جنيه دي وللا العشرة جنيه، إنت صاحب عيال يرد بيها جزء من الدين، ولا حد فيهم سأل، كل واحد بقى يقول ياللا نفسي.
م. الثاني :
بقى احنا اللي بنقول يالله نفسي يا أول؟ يا أخي إن ماكنتش مكسوف من الناس، انكسف من ربنا يا أخي.
م. الأول (مواصلا كلامه وكأنه لم يسمع) :
أنا مش نفسي بس، أنا خمس عيال في رقبتي وأمهم عايزين ياكلوا ويشربوا ويتعلموا وأضمن لهم مستقبلهم، الواحد منهم اتخرج وبياخد ماهية، وأكيد مش لازم له قرشين الأرض بتوعه إنما يلزموني أنا، يعينوني، يريحوا مخي ده اللي كان حيطق من كتر التفكير. غلط بقى إني اشتريت من التاني أرضه، اشتريتها مش شحتها ولا نهبتها؟ غلط أحاول أشتري أرض التالت وهو كيف كان حيبيعها؟ يعني كويس إنها كانت تطلع بره، كان دلوقتي حضرته بقى مستريح ومبسوط؟ أنا صرفت عليهم دم قلبي وطالع لي خمسة، أجيب منين شبابي ثاني عشان أصرف عليهم وأعلمهم، وانا عجزت واللي راح مني عمره ما حيرجع.
م. الثاني :
الكلام حلو وجميل. حد يقدر يقول فيه حاجة؟ راجل بيدافع عن مصالح أولاده، ومعظم الناس في الدنيا يبقى لها دايما هدف نبيل قوي زي ده، ضمان مستقبل ولاده في الحالة دي لو طمعت الناس مش حتلومني، لو سرقت حتى ما حدش حيلومني، لو نصبت، لو زورت لو جبت أخويا بالعافية عشان أدخله المستشفى، وآخد أرضه محدش يلومني، ده صحيح يا دكتور، هو عمه الطالب تمام، الجدود بتفضل مستخبية فينا لغاية غصب عنا ما تطلع، الشاب في مطلع شبابه يثور على بخل أبوه ويفضحه ويشنع عليه في كل حتة، وبعدين يكبر شوية يبتدي يقرب من سن أبوه تبص تلاقيه بخيل زيه بالظبط، ويمكن أبخل منه. العشر فدادين بتوعنا دول مش أصلهم عشرة، دول عزبة كبيرة بيقولوا إنها كانت تلتميت فدان سابهم جدنا الكبير قارون، ودبقهم م المليم والصلدى ... بيقولوا كان هدومه كلها جلابية واحدة يلبسها صيف وشتا، ومن غير ملابس تحتها خالص، وكان يربي الفراخ لغاية ما تكبر فما يهونشي عليه ويبيعها، وسبب موته إن جت كوليرا للفراخ فمات منها عشرة في يوم ماهانوش عليه، كلهم كلهم. وكان بيطلع الفلوس بالفايظ وعمره ما رحم حد.
م. الثالث :
تسمح لي يا دكتور، أفتكر من حقي إني أسأل سيادتك؛ بصفة إن أنا الوحيد هنا اللي مصيره بيعتمد على قرارك. حضرتك بعدما عرفت وجهة النظر دي ووجهة النظر دي، وصلت بقى لأنهي قرار؟
الدكتور :
قرار؟ وصلت لقرار؟ دانا من شوية كنت أقرب للحقيقة من دلوقتي، دا كل أما بيقولوا أكتر كل أما بتوه الحقيقة أكتر، ده كان يوم مهبب إيه ده اللي اتكتبتوا علي فيه؟ اسمعوا بقى؟ أنا مشاكلكم العائلية دي ماليش دعوة بيها، المسألة ببساطة إني عايز أعرف إذا كان الأول ده زور ودلس عشان يضللني وللا لأ. دا كلامكم مش بيجبني لقدام ده بيرجعني لورا. أنا بصراحة مش قادر أعرف مين فيكو الغلطان. بيتهيألي إن كلامكم إنتوا الاتنين مظبوط لدرجة إني مش قادر أحدد الحقيقة فين. بصراحة إنتوا الاتنين زي أخوكو ما عنتوش تنفعوني إنتو رخرين. أنا عايز دليل مادي، دليل ملموس ما يقبلش الشك. والحمد لله الدليل موجود؛ أنا قدامي نونو دي إذا ثبت إنها مرات الأول يبقى نتخذ ضده الإجراءات، وإذا ثبت إنها مرات التالت يبقى الإجراءات حتتاخذ ضدك إنت يا سي تاني وضد التالت كمان. هاتوا نونو.
صفر :
هاتوا نونو.
الدكتور :
هما مين اللي حيجيبوها يا صفر الأذى، إنت اللي تجيبها.
م. الثاني :
يجيب مين يا دكتور؟
الدكتور :
نونو وللا نوال وللا ما عرفش بتسموها إيه.
م. الأول :
حيجيبها م البيت بقى وللا إيه؟
الدكتور :
م البيت ليه؟ دي هنا، دي كانت قدامي دلوقتي، شوفها يا صفر ورا البرافان.
م. الثاني :
بس أنا ما شفتهاش هنا.
الدكتور :
ماشفتهاش؟ أمال الست اللي صرخت ساعة ما شفتها، وقلت دي مش مراتي دي مرات الأول كانت مين؟
م. الثاني :
ست؟ أنا ما شفتش هنا ستات خالص.
الدكتور :
هو الدور جاله وللا إيه؟ يحق لك ما انت لازم خايف لا تثبت إنك إنت الكداب.
م. الثاني :
أنا ما بيجينيش أدوار يا دكتور، ما كانش فيه ستات هنا خالص، إنت شفت ستات هنا يا شاويش (للعسكري) ؟
العسكري :
من ساعة ما حطيت رجلي هنيه، ما شفتش حريم واصل.
الدكتور :
ولا انت كنت معانا واصل، إنت من ساعتها وانت في الصورة، وللا العسكري اللي في الصورة حتى كان معانا أكتر منك. نونو كانت هيا وللا لأ يا محمد يا أول.
م. الأول :
نونو؟ وإيه اللي يجيبها هنا يا دكتور؟
الدكتور :
دانا الظاهر وقعت في عيلة كلها نصابين، روح شوفها انت يا صفر، جايز راحت التواليت وللا في الصالة.
صفر :
أشوف مين يا سعادة البيه؟
الدكتور :
الست اللي كانت هنا يا وله، اللي جاية مع الناس دول.
صفر :
يا سعادة البيه ما كانش فيه هنا ستات.
الدكتور :
يا بني يا حبيبي يا روحي مش كانت فيه هنا ست، قال عليها محمد الأول ده إنها مرات التالت وإنه كان من جنانه عايز يدبحها، وجت هي وقعدت تعيط وتقول أيوه حصل؟ وبعدين جه محمد التاني ولما شافها قعد يشتم في الأول، ويقول له يا نصاب يا كداب دي مراتك انت ازاي تقول إنها مرات أخويا التالت، حصل ده كله وللا ما حصلش؟
صفر :
حصل.
الدكتور :
الحمد لله؛ يبقى كان فيه هنا ست وللا لا.
صفر :
أعدم حبابي عينيه ما شفت ستات في اللمة دي أبدا؛ هم التلات رجاله دول والعسكري ده ما في غيرهم.
الدكتور :
اللهم طولك يا روح، اللهم طولك يا روح. دول باينهم اجننوا كلهم. إنت يا دكتور محمد يا للي مفروض إنك المجنون فينا كلنا، تسمح تقول لهم.
م. الثالث :
أقول لهم إيه؟
الدكتور :
تقول لهم ع الست اللي قلت عليها مراتك، واللي كنت عايز تدبحها عشان مصاب بعقدة الفرخة.
م. الثالث :
أيوه صحيح كنت عايز أدبحها.
الدكتور :
كانت هنا وللا لأ؟
م. الثالث :
لا ما كانتش هنا.
الدكتور :
دي مش طريقة دي. إنتو بتتكلموا جد؟ واد يا صفر؛ إنت بتتكلم جد يا وله؟
صفر :
إي والله يا سعادة البيه، إن شالله ما اوعى أروح لولادي ما كان فيه ستات، هم التلاتة دول ما فيش غيرهم والعسكري ده.
الدكتور :
يا ناس يا هوه! أنا في عرض النبي، أبوس رجليكو ما تجننونيش، بقى الست تبقى قدامنا كلنا وأبقى مكلمها وانتو مكلمينها، وسامعها وانتو سامعينها، وشايفها وانتو شايفينها، وبعدين تنكروا إنها كانت هنا خالص؟ هدفكو إيه من كده؟ افرضوا انتو كل واحد خايف لا يطلع كداب، ومن مصلحته إنها ما تظهرش، إنما صفر اللي معايا أنا مش معاكو، والعسكري ده اللي ع الحياد، مصلحتهم إيه إنهم ينكروا؟ إنتو حد مسلطكم علي؟ أنا عملت فيكو حاجة؟ كان فيه ست هنا، مرات مين ما أعرفش، إنما المثل عندكو مش بيقول خدوا الحكمة من أفواه عيسى وموسى ومحمد؟ كان هنا ست ، علي الطلاق بالتلاتة كان هنا ست، إنشا الله انشل وللا يجيني دبحة كان فيه هنا ست، ست ست نونو ... نونو ست ... ست نونو ... ست نونو. (ستار)
الفصل الثاني
(نفس المنظر) (قبل رفع الستار، والأصوات الصادرة من محطة سكة حديد تكون أيضا الافتتاحية الموسيقية، قبل الرفع وأثناء الرفع وحين تنحسر الستارة تماما.)
الدكتور :
ست ... نونو ... ست ... ست ... نونو.
نونو ... نونو ... نونو ... نونو. (ثم ينهار على المكتب ممسكا رأسه بيديه، وكأنما يمنعه من الانفجار.) (صمت.)
صفر (مقتربا منه في تردد وإشفاق) :
سعادة البيه، سعادة البيه. (الدكتور يرفع بصره إليه، محدقا فيه، ولا يرد.)
صفر :
معلش! خدها من راجل جاهل زي حالاتي، إنما المثل عندكو مش بيقول خدوا الحكمة من أفواه المجانين، كده تتعب قوي، وسعادتك زي حالاتي صاحب كوم، والبني آدم ما يستحملش، ده زي الساعة أقلها هفوة «تك» يقف، بس الساعات ليها ساعاتية بيمسحوها، إنما إحنا إذا وقفنا، خلاص «تك» هي الوقفة.
الدكتور :
أمال عايزني أعمل إيه يا صفر؟
صفر :
إضربها لا مؤاخذة صرمة، شوحها من ورا ضهرك، أجلها، ما كانش فيه ست ما كانش، حيجرى إيه؟
الدكتور :
وأكدب عيني؟ أكدب وداني؟ أكدب مخي؟ أكدب الشمس طالعة في عز الضهر، وأقول لا مش طالعة؟
صفر :
بيحصل يا سعادة البيه، بيحصل، أنا امبارح شفت أبويا زي مانا شايف سعادتك كده، وكلمته وبست على إيده وحضني وباسني، وأبويا لا مؤاخذة ميت بقاله عشرين سنة وأكتر.
الدكتور :
بس انت كنت نايم، أنا صاحي.
صفر :
نايم مين يا سعادة البيه؟ ده شوفان عيني عينك، حقيقي وأكتر م الحقيقي، إن كان فيه حاجة أكتر م الحقيقي، لو حد ساعتها قال لي إني نايم باحلم كنت لا مؤاخذة حطيت صباعي طلعت عينه من جوه. إنما آه صحتك يا بيه، ولادك إحنا في رقابنا أكوام معلقة، لو وقعنا تتفرفط وتتبعتر وتضيع.
الدكتور :
يا صفر إنت مش معايا خالص، المسألة مش إنها كانت موجودة وللا مش موجودة، ما عنها ما اتوجدت ولا اتهببت من أصله. المسألة أنا، أنا عايز أرسى على بر، لو اتضح إنها ما كانتش موجودة يبقى أنا مخي لازم فيه حاجة وأبقى أكيد حصل لي خلل، ولو لقيتها واتضح إنها كانت موجودة يبقى انتو كلكو مجانين، كل الناس دي مجنونة، وانا بس الوحيد العاقل المتمتع بكافة قواه العقلية. المسألة مش هزار ده يا كده وانا مجنون والدنيا عاقلة، يا كده والناس كلها مجنونة وانا العاقل الوحيد. هي دي بسيطة؟ أنا مش بدور عليها أنا بدور على نفسي، أنا اتلخبطت خلاص وعايز حاجة واحدة بس أركز عليها علشان أعرف راسي من رجليه، حاجة واحدة بس أبتدي منها. علشان كده لازم ألقاها لو قعدت ألف سنة حأفضل وراها ما حاسيبهاش.
صفر :
ولما ما تلاقيهاش تنكد على نفسك وتنحر في روحك، لما مخ البعيد البعيد يطق. سيبك منها خالص يا سعادة البيه وكأنها ما حصلت، إعمل أي حاجة تانية، قوم سعادتك روح، وللا خش السينما لا مؤاخذة وللا استحمى.
الدكتور :
ما اقدرش؛ ما فياش مخ أعمل أي حاجة تانية، بس والنبي يا صفر، والنبي، وحياة شرفك وشرف أبوك، وحياة الكوم اللي في رقبتك، إنت مش شايفها بعينك هنا؟ معلش، جايز حد منهم غمزك في السر علشان تنكر، إنما أنا والله مسامحك لو قلت الحقيقة. ومش أسامحك وبس، إذا كانوا غمزوك بخمسين قرش مني أنا جنيه أهه علشان خاطر تقول لي الحقيقة.
صفر :
ومن غير جنيه ولا حاجة يا بيه، إذا كانت المسألة حتتعب سيادتك كده أقول الحقيقة.
الدكتور :
صحيح؟
صفر :
كلام شرف والله أقول الحق.
الدكتور :
شفتها؟
صفر :
شفتها يا بيه، شفتها.
الدكتور :
طيب كانت لابسة إيه؟
صفر :
كانت لابسة لا مؤاخذة، ملاية وفستان أحمر.
الدكتور :
بس بس بس، مش عيب تضحك علي؟ هو أنا عيل يا صفر؟
صفر :
أعمل إيه يا بيه؟ أنا قلبي عليك.
الدكتور :
هو أنا عيل يا صفر؟ هي حصلت؟ بس! اقف عندك، ما تتحركش.
صفر :
خير يا بيه! فيه إيه؟
الدكتور :
من غير ما تتحرك لف بدماغك بس، اعمل زي ما بقولك.
صفر (مستديرا برأسه ) :
أهوه يا بيه.
الدكتور :
مين اللي قدامك دي؟
صفر :
واحدة ست يا بيه. دي متلقحة هنا م الصبح مع الخلق اللي ماليين المكتب.
الدكتور :
دي نونو يا وله (يندفع ناحيتها)
نونو.
صفر :
مظبوط يا سعادة البيه، مظبوط، هي دي مظبوط.
الدكتور (متوقفا) :
طب اتلهي انت واسكت، دي لو كانت راجل برضه كنت قلت عليها مظبوط، (مقتربا منها)
إنتي فين يا ست نونو م الصبح. (السيدة صورة طبق الأصل من نونو، ولكن ملامحها تبدو أكبر بعشرين عاما على الأقل.)
السيدة (باستغراب حقيقي) :
نونو مين يا حضرة؟
الدكتور :
إنتي كمان حتنكري؟ هي الناس جرى لها إيه؟ يمكن فيه موجة غبار ذري فايته علينا. إنتي يا ست مش كنتي أصغر من كده يجي عشرين سنة من ربع ساعة.
السيدة :
من ربع ساعة كنت أصغر عشرين سنة! انت البعيد تعبان من حاجة؟
الدكتور :
يا ناس! يا أول يا تاني يا تالت يا عسكري تعالوا شوفوا، دي مش نونو؟ (يقبلون فتظهر على وجوههم، حين يقتربون، علامة دهشة كبرى.)
م. الأول :
نونو إيه يا دكتور؟ دي أمنا؛ نينا (يناديها) .
م. الثالث :
ماما.
م. الثاني :
دي ماما فعلا. (يقتربون منها أكثر وأكثر بمزيج متباين من الانفعالات.)
السيدة :
يعني لسه فاكريني؟ والله فيكو الخير.
الدكتور (مندفعا ومفرقا دائرتهم) :
يا جماعة ما تجننونيش؛ إنتو مش قلتوا إن أمكم ماتت؟
م. الأول :
إحنا قلنا إنها ماتت؟!
السيدة :
إذا كانوا قالوا كده أنا برضه مسامحاهم.
الدكتور :
مش قلتوا أبوكو مات؟
م. الأول :
أيوه؛ أبونا مات صحيح، بس ما قلناش إن أمنا ماتت.
الدكتور :
يا سيدة زينب، يا سانتا تريز، خليكوا معانا.
م. الثاني :
إحنا مش قلنا لك إنك حتلفي وترجعي لنا؟
الأم :
أنا مش رجعالكم، أنا جايه بس أطمن على التالت أنا، اللي عملتوه فيه إنت واخوك ده عمره ما حينمحي.
م. الثاني :
بقى إحنا ننسى اللي عملتيه فينا، وانتي ما تنسيش؟
الأم :
إنتو تنسو عشان أنا ما عملتش فيكو حاجة، إنما أنا، أنا ودماغي اللي م الضرب لسه واجعاني أنسى ازاي؟
م. الأول :
إحنا ما طردناكيش، إحنا خيرناكي فاخترتي إنك ما تبانيش.
الأم :
إحنا حنرجع تاني؟ أنا مش جاية عشان أقلب المواجع، أنا جاية عشان خاطرك انت يا حبيبي، مالك يا تالت؟ مالك يا حبيبي؟
م. الثالث :
سؤالك ده مش متأخر شوية يا ماما؟ كنت محتاجه قوي زمان، دلوقتي بعد ما بقتش محتاجه جاية تسأليه.
الأم :
إنت اتعديت منهم؟
م. الثالث :
يا ريتني اتعديت، على الأقل هم حاسين رغم كل اللي عملتيه إنك أمهم، أنا مش حاسس إن لي أم، سبتينا في وقت أنا عايزك وعايز أمومتك فيه، ودلوقتي آدي انت أهه، قدامي بمخي شايفك وعارف إنك أمي، بعيني شايف شبهي فيكي، إنما بقلبي هنا مش حاسس، ده أفظع م اليتم، ياريتك متي، إنما تبقي عايشة وموجودة ومش حاسس إنك أمي، دا الفظيع.
الأم (متلفتة بيأس في وجوه أبنائها) :
يعني غلطت إني جيت؟
م. الثالث :
لا؛ غلطتي إنك مشيتي.
الأم :
وانا مشيت بخطري، إخواتك طردوني.
م. الأول :
إحنا ما طردناكيش، إحنا خيرناكي إنك تتمتعي بشبابك زي ما كنتي بتقولي بجوزك وسبتينا.
الأم :
وانا اجوزت الا من عمايلكو في؟ هو الجواز حرام؟
م. الأول :
لما يبقى جواز تصرفي فيه مال أبونا على واحد غريب يبقى حرام، الفلوس اللي ضيع حياته وشرفه وكرامته عشانها، حرام تصرف على جوز غريب. دا أبونا عمل ده كله عشانا إحنا، فتحرمينا منه وتديه للأغراب، أظن ما حدش يرضى بكده.
الأم :
برضه لسه بتقول إن كان فيه فلوس.
م. الأول :
أمال راحت فين؟ دانا بعيني دول بقيت أشوفه لما يقفل عليكو الباب ويطلع الرزمة من جيبه يديهالك، وتروحي انت مخبياها في درج الدولاب بتاعك وقافلة بالمفتاح، ولما مات وفتحنا الدرج ما لاقيناش فيه حاجة، أتبنك كنت بتنقليهم وما اعرفش تخبيهم فين، وآخرتها جايبالنا تلتميت جنيه تقولي ده كل اللي حوشناه.
الأم :
ولما اقعد احلف لكم من هنا ليوم القيامة مش حتصدقوا، إنما دي الحقيقة.
م. الأول :
وإحنا كان هاممنا فلوس، إحنا في أبونا اللي مات، انقتل ، فيكي لما قتلتيه.
الأم :
أنا يابني قلتله؟ أمال إن ما كانش مات بالذبحة على إيديكم كنتو عملتوا إيه؟
م. الثاني :
وجت له الذبحة ليه؟ مش لما ظبطوه؟
الأم :
عيب يا بني ماتقولش كده على أبوك، ظبطوه يعني إيه؟ كان سارق؟
م. الأول :
يا ريته كان سارق، وعيب ليه؟ وإذا كان ع الدكتور، الدكتور ما بقاش غريب. يا دكتور أمنا دي فضلت تزن على ودان أبونا، وتقول له الولاد ومستقبلهم وحتة أرضك اللي ما تنفعش لازم نعمل لهم حاجة، يقول لها طب أعمل إيه؟ الماهية يدوبها بتكفينا. تقول له ما اعرفش، أنا ما ليش دعوة، أنا ولادي ما يتسابوش كده لايصين. يعمل إيه أبونا والفلوس محدودة والزن كتر؟ بقى يبيع أسئلة الامتحانات ويجيب لأمي الفلوس. تسألوش منين؟ ما حصلش. ولما قال لها وعرفت قالتلوش لا دا حرام، لا دا عيب، لا دي جريمة؟ أبدا، العكس حصل، بعد شهرين تلاتة ابتدت تستشوى اللي يجيبه، وتقول له ده على كده عايزين لنا خمسين سنة عقبال ما نحوش تمن بيت وللا حتة أرض. اضطر يبيع لطلبة أكتر، لغاية ما الحكاية اتعرفت وشكوا فيه. وتاني يوم كان حيقبضوا عليه، يومها رجع البيت نام ما قامشي، تبقى موتته وللا لا يا دكتور؟
الدكتور :
وانا مالي يا سيدي في موته، هو أنا وكيل نيابة ححقق القضية من أول وجديد؟ أنا فيها هي، طب كون إنها تيجي هنا ممكن تفسيره؟! راحت لكم البيت تسأل عليكو لقتكو هنا جت. أما كون إنها صورة طبق الأصل من نونو، وكون إنها تتوجد مطرحها كأنها جنية ده اللي حيجنني.
م. الثاني :
اللي جننا أكتر إنها كتمت ع الفلوس. يبقى أبونا استشهد عشانها وعشان مستقبلنا، فتاخدهم هي وتستولى عليهم ويتحولوا من ضمان لمستقبلنا لطعم يخلي الرجالة تجري وراها. شايف ضمان المستقبل ازاي؟
الأم :
انتو اللي انسعرتوا ونسيتوا أبوكو ونسيتوا إني أمكم، وبقى همكم كله الفلوس، كل يوم تحقيق واستجواب ينتهي بضرب. يا تاني فاكر الكراسي والقباقيب، فاكر الخنق، ناسيين لما فضحتوني وخلتوني متهومة بالفلوس ؟ إنتو بعمايلكم خليتو الناس تطمع في ويلفوا عليه عايزين يجوزوني.
م. الأول :
إحنا وللا انتي اللي قبل ست أشهر ما تفوت كنتي ابتدى يجيلك العرسان. لانتي جميلة ولا صغيرة ويجيلك العرسان ليه؟ كنتي عايزانا نقف نتفرج عليكي وانتي بتتزفي، شبان زينا بشنبات يشوفوا الرجالة عايزة تجوز أمهم وعايزاهم يعملوا إيه؟ يزغرتولها؟ واللي حصل إيه؟ آدي إنت اجوزتي، دخل عليكي إنه عنده عمارة واجوزتيه، ومفيش سنة ابتدى يسحب منك فلوس أبونا ويصرفها على مزاجه أبو حشيشة، فلوس مستقبلنا يبعترها على كيفه واحنا محرومين منها.
الأم :
كداب، والله العظيم كداب، وحياة الطيب في نومته ما وصله من فلوس أبوكم ولا مليم.
م. الأول :
أمال راحوا فين؟
الأم :
ما خدتوهم.
م. الأول :
التلتميت جنيه؟ أنا بكلم على اللي ما ظهروش.
الأم :
ولاحيظهروا أبدا، ده كله من تخاريف مخك، إيه اللي حط في دماغك إنهم آلافات؟ ما اعرفش. الراجل نفسه اللي اتجوزته كان راخر فاكر كده، وعذبني خمس سنين ووراني الويل عشان أظهرهم، ولما في الآخر ما لقاش فيه فايدة طلقني. وبقى ولادي مش قابليني وأمي ماتت وما عادليش حد على ضهر الدنيا، وما كانش قدامي إلا إني اقعد لوحدي، وجريت بصيت لقيت بعد أسبوع نط علي حرامي فاكر عندي الكنز، اضطريت أجوز تاني، جوز برضه فاهم إن عندي فلوس ... ده جحيم يا ناس اللي عشت فيه ... ده جهنم أرحم ... دانا اتعذبت عذاب لو كنت عملت السبع معاصي ما كنتش اتعذبت قده، بقى أخلف وأربي وأتعب وأخدم واسهر، واصحى م الفجر واقفة على رجلي ويتحرق دمي عشان يبقى جزائي ده كله؟ ويعني أذنبت في إيه؟ إني قلت لأبوكو عايزين نضمن مستقبكلم؟ لأني بحبكم وبخاف عليكو قلت كده. أمال كنتو عايزيني اسكت؟ ده أنا لو رجع الزمن تاني حعمل كده وما اقدرش اعمل إلا كده. أنا أم والأم دايما خايفة على ولادها. وانتو معذورين، تعرفوا منين أيامها شعوري، تفهموا منين إحساسي؟ يمكن دلوقتي، بعد ما خلفتوا تفهموني وتعذروني.
م. الثاني :
مظبوط كلامك، ابنك الأول بسم الله ما شاء الله خلف وفهمك تمام.
الأم :
وانا تعبت وجيت، واللي عايزين تعملوه في اعملوه. اعتبروني خدامة، دادة لعيالكم، اعتبروني كلبة مربينها في البيت إنما خلوني معاكو. أنا الدنيا ضاقت في وشي وانتو قلوبكم باينها اتحجرت ما عادش قادرة ترحم، (ثم بيأس قاتل)
يرضيك يا طيب اللي وصلت له؟ يرجعليش يوم واحد بس من أيامك؟ (يبلغ التأثر إلى حد أن يدمع الثلاثة بينما تنخرط الأم في نهنهة، يأخذها م. الأول على صدره ويهدهد عليها.)
م. الأول :
مين قال لك إن قلبنا اتحجر؟ دا إحنا اللي فاكرينك بعتينا واشتريتي الدنيا تعيشيها زي مانتي عايزة.
م. الثالث :
يا ريت باعتنا ... الحقيقة إنتي خنتينا يا ماما أفظع خيانة مش إن ست تخون جوزها، أفظع خيانة إن الأم تخون ولادها، إنها وهم محتاجينها تفضل عليهم حد تاني. الزوج يمكن يغفر خيانة مراته، إنما الولاد غصب عنهم ما يقدروش، ده بيبقى عرق انقطع.
م. الأول :
يتوصل تاني يا تالت معلش.
م. الثالث :
جايز بالعقل، بالشفقة يتوصل، إنما كله لحام صناعي، أنا لا يمكن أنسى إنها سابت البيت وانا عيان وحرارتي أربعين وراقد في السرير أنادي: يا ماما، وهي سامعاني ولامه هدومها، وجوزها يقول لها شوفيه عايز إيه؟ فتقول أهو عنده أخواته هو مش صغير؛ لحام صناعي.
م. الأول :
مهما كان أحسن م البتر، أحسن من ما فيش.
الأم :
أنا ما كنتش أعرف إنك قاسي يا تالت كده.
م. الثالث :
أنا مش قاسي؛ أنا بتألم، أنا بعمل كده من ألمي. أنا الأول كنت أشوفك فأحس إني شايف نفسي اللي بحبها أكتر من نفسي، شايف الإنسانة الوحيدة في العالم اللي ما اعرفش هي بتنتهي فين وانا بابدأ منين؟ الاتصال اللي بقيت أحس إنه أقوى وأعظم وأروع حاجة في الدنيا، إن الدنيا من غيره عالم كئيب غريب ماليش دعوة بيه، أشوف في عينيكي عيني أنا لما بتشوف، وفي وشك ملامح من كتر مانا عارفها وحاببها مانيش شايفها ما اقدرش أشوفها، ما اعرفشي أشوفها لأنها ملامحي أنا ، وملامحك وملامح الحياة وسر الحياة كلها مع بعض. إنما راح دا كله، انقطع، بوحشية اتبتر، مين المسئول إن أهم جزء من روحي ينشف ويموت؟ مين المسئول إني مرة واحدة أفقد الونس وابقى وحيد في عالم ماليش به أي اتصال؟ انكسر الكوبري اللي بيوصلني به، وانتهى الحنان اللي كان بيربطني ويحميني منه ويحميه مني. مين المسئول عن شعور التوحش اللي انتابني؟ مين المسئول عن إني باستمرار حاسس إني مجروح وإني مطعون وإني فقدت الأمان؟ عمري كله مستعد أضيعه عشان استريح مرة واحدة بس، وأبص لك فيها فأحس إنك أمي.
الأم :
يا حبيبي، مهما قلت فمش حاقدر أرد عليك، كل اللي أقدر أقوله إن العذاب اللي اتعذبته يغفر لي أي حاجة في رأيكم عملتها أنا وعملها ألف زيي.
م. الثالث :
أنا بقول مين المسئول؟ لأن المسئولية كبيرة. مش انتي بس، كلكم مسئولين. أنا كمان مسئول، بس بيتهيألي أكتر حد مسئول هو الطريقة اللي بنعيش بيها، لازم طريقتنا غلط، لازم فيه طريقة أحسن للحياة، لازم فيه طريقة تخلي الإخوات إخوات على طول، وماالإخوات إخوات على طول،تخليش أم تغدر بولادها ولا ولاد يتنكروا لأهليهم، طريقة تنمي العواطف الحلوة دي مش تخربها وتحطمها وتخلينا نعيش. إنت سايبانا إخوات، وفاكرة إنك راجعالنا زي ماالإخوات إخوات على طول،سبتينا! إنت راجعالنا وإحنا خلاص، ماسكين لبعض السكاكين، دي مش عيشة أبدا، مستحيل. (يتعالى صوت صفر كالمنبه المفاجئ لتتركز الأبصار عليه، وتترك الركن الذي كانت فيه الأم، لا نعرف إن كان صفر قادما من الخارج، أو أنه انتصب فجأة في مكانه زاعقا.)
صفر :
يا سعادة البيه، يا سعادة البيه.
الدكتور :
مالك يا غراب البين فيه إيه؟
صفر :
فيه واحدة ست برة بتقول إنها مدام محمد الأول.
م. الأول :
مراتي؟!
الدكتور :
إيه؟ بتقول إيه؟ مدام الأول؟ طب ما دي نونو اللي بندور عليها، ياما انت كريم يا رب. أخيرا ظهرت نونو. ياما انت كريم يا رب. ده بس عشان ما اجننش. أشكرك أشكرك يا سانت تريز، أشكرك يا سيدة زينب . (تدخل الأم وقد صغرت عشرين عاما على الأقل.)
الدكتور :
يا ستي حرام عليكي، إحنا عينينا اتقلعت يا نونو هانم، دا كان ناقص أمشي في الشارع أزعق عليكي زي الهبل والمجانين، رحتي فين؟
م. الأول :
لا مؤاخذة يا دكتور؛ دي مراتي نوال ... (ثم للسيدة)
إيه اللي خلاكي تسيبي البيت؟ أنا مش قايلك ما تتنقليش من جنب الولد، دا سخن ممكن ياخد التهاب رئوي على طول. (حين تجيل السيدة نظراتها في الحاضرين، تتوقف عند م. الثالث الذي يفاجأ بدخولها، ولكنه يتصرف وكأنه لا يعرفها وغير ملق لها أي اهتمام.)
الدكتور :
نوال مين يا أستاذ؟ دي نونو بعنيها، إنت حتوهني عنها.
م. الأول :
يا دكتور عيب حد حيتوه عن مراته؟ دي ما تحصلش أبدا.
الدكتور :
إنتي نونو، مش كده؟
السيدة :
نونو؟ أنا؟ (تتبادل هي ومحمد الثالث النظرات) .
الدكتور :
لا، أرجوكي، والنبي بلاش، أنا في عرضك (تسمع الموسيقى التصويرية لصوت خشب ينكسر ويطقطق)
مهما كان السبب اللي حتنكري عشانه فأنا أبدى، مخي أبدى، حاسس به بيطقطق، أهو حيتهد أهه، دانا غلبان وصاحب كوم (يكاد يختنق بالبكاء)
أنا حاسس به حيطربق، أنا في عرضكم يا ست، الحقيه قبل ما يدشدش حتت. إنتي نونو، مش كده؟ طب، على الأقل، أمهم، آه اللي كنت هنا، أمهم والنبي؛ يا نونو يا أمهم.
السيدة :
أنا متأسفة قوي، أنا لا دي ولا دي. (ناظرة ناحية محمد الثالث) .
م. الأول :
بقول لك دي نوال مراتي يا دكتور.
السيدة :
برضه آسفة أنا مش نوال.
الدكتور :
أمال مين؟ أرجوكي، المرة اللي فاتت وقلنا الأم، يمكن تبقى الأم شبه مرات ابنها باعتبار الابن في أحيان كتيرة بيحب البنت اللي شبه أمه، ويجوزها يمكن من غير ما يحس. إنما المرة دي، أرجوكي، إنتي نونو، آه والنبي نونو.
م. الأول :
ما تنطقي يا زفت يا نوال، وتقولي للدكتور إنك مراتي وتخلصينا.
السيدة :
قلت لك أنا مش نوال ولا مراتك خالص، ثم حتى لو كنت بتكلم اللي اسمها نوال دي، فما حدش بيكلم الستات بالطريقة قليلة الذوق دي.
م. الأول :
معلش، أنا لي تصريف معاكي أما نرجع البيت.
السيدة :
بيت إيه؟ هي تلاقيح، قلت لك مانيش مراتك يا أخينا، بالعافية وللا إيه؟
الدكتور :
أمال قلتي إنك مرات محمد الأول ليه؟
السيدة :
أيوه أنا جوزي اسمه محمد الأول (تنظر ناحية محمد الثالث بنظرات ذات معنى) .
الدكتور :
طب ما ده محمد الأول.
السيدة :
لا؛ دكها واحد تاني خالص، راخر اسمه محمد الأول، تبقى المسألة بسيطة قوي، مجرد تشابه في الأسماء.
الدكتور :
هو فيه محمد الأول تاني؟ يا مخي، بقى إذا خلصنا من محمد الأول ييجي التاني، إذا خلصنا م الثاني ييجي محمد الأول تاني. ومين عارف، يمكن لسه فيه محمد الأول تالت، ومحمد الخامس سادس، ولويس العاشر الحادي عشر، يا ألطاف الله! يا مخي يا كبير، والنبي انت الكبير، أمال حضرتك عايزاني ليه إن شاء الله؟
السيدة :
أنا اللي عايزة؟ الدكتور هو اللي عايزني.
الدكتور :
دكتور مين؟
السيدة :
دكتور الصحة، الله، هو راح فين، دا من ربع ساعة مديني الحقنة، وقال لي أجيله بعد الساعة اتناشر علشان آخذ الشهادة.
الدكتور :
مين اللي عمل ده كله؟
السيدة :
الدكتور مفتش الصحة.
الدكتور :
عمله فين؟
السيدة :
هنا.
الدكتور :
يا ستي حرام عليكي، أنا شفتك من ربع ساعة وللا أربع ساعات؟ أنا من الصبح هنا مع الجماعة دول لا شفتك، ولا شفت غيرك.
السيدة :
ما هو مش سيادتك، ده الدكتور.
الدكتور :
طب مانا الدكتور.
السيدة :
لا، دكها دكتور تاني صغير في السن، ومن غير نظارات.
الدكتور :
يعني انتي جيتي هنا ولقيتي دكتور تاني أدالك حقنة، وقال لك تعالي بعد ربع ساعة أديلك الشهادة، هنا في المكتب ده؟
السيدة :
هنا يا دكتور أيوه، دانا حتى ماسبتش المكتب، فضلت قاعدة بره في أوضة الانتظار.
الدكتور (وقد انتابته حالة عصبية شديدة) :
دي مؤامرة. حد بيتآمر على مخي. دي عصابة منظمة. ده جهاز سري، مجرمين مخربين جواسيس لصوص قطاع طرق؛ أنا مخي خلاص. الحقوه. نار. ريحة شياط. طفوه. أنا خلاص، خلاص، خلاص. (ينهار على المكتب منكفيا بوجهه .)
صفر (وهو يجري ناحيته هو ومحمد الثاني) :
هدي نفسك يا دكتور، هدي نفسك الله يجازي ولاد الحرام. حد حافض آية الكرسي يا جدعان يقراها على دماغه، ما قلت لك حتتعب يا سعادة البيه، وانت غلبان زي حالاتي صاحب كوم.
م. الثاني :
سيبه يستريح شوية وهو حيفوق على طول.
صفر (للسيدة) :
إنما مقلتليش أوعي تكوني شفتي تمرجي تاني كمان.
م. الأول (مسرعا إلى حيث السيدة) :
بقى حصلت إنك تتنكريلي.
السيدة :
يا أستاذ أرجوك، إنت غلطان خالص (تحادثه وهي تتبع م. الثالث بعينها، ثم ترفع صوتها مخاطبة إياه)
ما تقول له يا دكتور تالت، قول له أنا مين.
م. الثالث (بغير حماس) :
دي طليقتي يا أول، الطالبة اللي في بكالوريوس زراعة، زهرة، مش فاكرها وللا إيه؟
م. الأول :
زهرة إيه بس؟ حد يتوه عن مراته يا ناس؟ هي نوال بعينها دي حاجة تلخفن العقل، يا نوال عيب.
زهرة (وقد اقتربت من م. الثالث مخاطبة نفسها) :
دا باينه مجنون الجدع ده. (ثم ل م3)
أشكرك.
م. الثالث :
على إيه؟
زهرة :
على إنك لسة مانسيتنيش.
م. الثالث :
العفو (ثم بعد نظرة إليها)
أمال إيه حكاية مدام محمد الأول دي؟
زهرة :
جوزي اسمه كده.
م. الثالث :
جوزك! إنتي اجوزتي؟
زهرة :
أمال يعني كنت فاكر لما طلقتني حابور؟ دا الجواز بعد الطلاق ألذ بكتير.
م. الثالث :
واتجوزتي مين بقى؟
زهرة :
محمد الأول.
م. الثالث :
زميلك بتاع الكراسة؟
زهرة :
أيوه زميلي بتاع الكراسة.
م. الثالث :
شفتي بقى؟ يبقى أكيد كان بينكم حاجة.
زهرة :
بالعكس الحاجة اللي بينا كنت انت السبب فيها.
م. الثالث :
وحقنة إيه وشهادة إيه اللي جاية عشانهم؟
زهرة :
تطعيم ضد الحمى الصفرا والجدري.
م. الثالث :
ليه؟
زهرة :
مانا مسافرة.
م. الثالث :
فين؟
زهرة :
غانا، رايحة المؤتمر الآسيوي الأفريقي.
م. الثالث :
عضوة وللا إيه؟
زهرة :
لا في السكرتارية، الناس اللي كانوا بيشتغلوا هنا عايزينهم هناك عشان يساعدوهم.
م. الثالث :
كويس والله، يعني عايشة؟
زهرة :
أمال كنت عايزني انتحر.
م. الثالث :
تنتحري؟ عشان اطلقنا؟
زهرة :
أنا فعلا فكرت مرة انتحر، بس مش عشان طلقتني.
م. الثالث :
أمال عشان إيه؟
زهرة :
عشان كنت مجنونة، كنت بحبك.
م. الثالث :
كده؟
زهرة :
كده.
م. الثالث :
إنتو عندكو الحب إيه؟ لب بتقزقزوه.
زهرة :
على كل حال مش أنا اللي كنت بتسلى.
م. الثالث :
أمال محمد الأول ده إيه؟
زهرة :
ما ميت مرة قلت لك كان جاي يجيب كراسة العملي، أنا لو فيه حاجة ما كنت اقابله بره، عمرك ما فهمتني أبدا.
م. الثالث :
أنا كنت غبي فعلا.
زهرة :
عمرك ما حسيت أبدا إني بحبك. إنت كنت أول راجل في حياتي، عبدتك عبادة ولما اطلقنا ضعت تهت، لولا جاني محمد الأول وطول عمري أحس إنه أخويا. إنت عارف ماليش أخوات صبيان، وعرف إني اطلقت بسببه وعرض علي الجواز، كنت في حاجة لأخ جنبي، أخ بأي ثمن، ولو بتمن إني أعمل له زوجة، ورضيت، إنما انت لسة انت، الراجل اللي بصته بتخليني أنثى قد كدهه، أنثى ضعيفة خايفة مستعدة أبوس التراب اللي يمشي عليه. إنت مش عارف إنت عملت في إيه؟ أنا كنت بنت مراهقة عامية، في شهر صحيتني وفتحت لي باب عالم واسع جميل، وكان أملي وسعادتي إني حأتفرج على كل حاجة فيه معاك، إنما اتلفت لقيتك إختفيت من حياتي، هربت.
م. الثالث :
أنا ما هربتش ولا المسألة مسألة الكراس، الحقيقة أنا بعد ما عشت معاكي إكتشفت إنك مش نوعي، أنا عايز ست ناضجة تريحني وتحبني وتمتعني، نفس اللي إنتي عايزاه. إحنا الاتنين عايزين ناخد، عايزين حد يدي.
زهرة :
أنا عايزاك زي ما انت، وكنت مستعدة أعمل معجزات عشان أغير نفسي وابقى الست اللي إنت عايزها.
م. الثالث :
ما جراش حاجة، لسه المستقبل طويل عريض قدامك، ودي مجرد تجربة فاشلة.
زهرة :
أنا عايزاك زي ما انت، وكنت مستعدة أعمل معجزات بعدها حألقى للدنيا طعم.
م. الثالث :
بتهيألك.
زهرة :
أرجوك، إديني فرصة تانية، أنا ما اجوزتوش لسه ولا حاتجوزه، أنا بقول كده بس لأني حاسة إن كرامتي مجروحة، إني منبوذة. أنا لسه كلي لك، مستنياك، عايزاك.
م. الثالث :
أنا ما انفعكيش، الحياة بالنسبة لك بتبتدي، أنا بشطب.
زهرة :
وانت 29 سنة؟
م. الثالث :
إضربيهم في عدد المرات اللي كان عندي أمل فيها، وخاب أملي. أنا شيخ في التسعة وعشرين، لما إجوزتك كانت آخر محاولة إني أعيش سني وعواطفي وجسمي، محاولة نتيجتها إني اكتشفت إني مسجون وإني عشان أعيش ده كله لازم أحس إني حر قبل ما أحس إني شاب عايز حبيبة وأوضة نوم، طول ما ماليش في الحياة طول مانا حاسس بالسجن، فمالياش في الحياة ولا في الأكل، ولا في أي متعة في الدنيا.
زهرة :
إنت اللي ساجن نفسك، وأنانيتك بتمنعك حتى إنك تفتح صدرك لحد تاني معاك. خدني معاك، ومع بعض لازم حنكسر السجن وللا على الأقل نحوله لعيش وجنة.
م. الثالث :
ماتقدريش، ماتستحمليش، دا سجن فظيع.
زهرة :
بكرة تشوف بس خلينا نجرب. إدي نفسك واديني فرصة أخيرة.
م. الثالث :
ما اقدرش أغامر وآخدك، ويمكن أحبك وارتبط بيكي، فلما ييجي اليوم اللي تزهقي فيه وتسبيني أطعن طعنة تخلص علي، أتذل، وكل ما اتزللك أو أترجاكي حتنفري أكتر وأتلوي أنا م الألم. أرجوكي خليني حر في سجن، كتير علي سجنين.
زهرة :
يعني ما فيش فايدة خلاص؟
م. الثالث :
ما تعيشيش نفسك في مأساة، أنا برضه أقدر أقول إني حبيتك، إنما قسيت على نفسي، وركزت إرادتي كلها في إني أقفل أي طاقة أمل، خليت الفشل أمر واقع لا يمكن تغييره. إعملي انت رخرة كده، يمكن تتعبي شوية إنما حتستريحي على طول. (تنظر إليه طويلا، ثم إلى الدكتور، ثم إلى الجميع وتعود تلقي عليه نظرة خاطفة، وتقول جبان وتندفع خارجة في غضب.)
الدكتور (وكأنما يفوق لنفسه) :
هي راحت فين؟
صفر :
مشيت يا بيه.
الدكتور :
وبتقولوا طلعت مين المرة دي؟
م. الثالث :
دي زهرة اللي كنت متجوزها يا دكتور.
الدكتور :
هيه؛ تطلع زي ما تطلع، المسألة حرية. كل واحد يطلع زي ما هو عايز، حتى أنا راخر أطلع زي مانا عايز. أمال أمكم راحت فين هي رخرة ؟ وللا إياك تطلع في دماغكو كالعادة وتقولوا إنكو ما شوفتوهاش. (الثلاثة يتبادلون النظرات، وهم يرمقون الطبيب في شك.)
م. الثاني :
شفناها ازاي بس يا دكتور، مش ممكن نكون شفناها، دي تبقى معجزة بقى.
الدكتور :
اسمع انت وهو، معجزة، ليلة قدر، علم، حلم، شفتوها، والله العظيم شفتوها، علي الطلاق بالتلاتة شفتوها، وانا شفتها معاكو وكلمتوها وكلمتكم، وإن ما اتعدلتوا بقى لمرتكب جناية. (يمد يده ويخرج بالمسدس من درج المكتب، ويضعه أمامه على المكتب.)
م. الأول :
يا دكتور سيادتك لازم تستريح، إنت مرهق شوية.
الدكتور :
أنا وللا انتم؟ دا انتم باينكم هربانين من مستشفى العباسية، حتى أساميكم أسامي مجانين؛ إيه اللي محمد الأول ومحمد التاني ومحمد التالت، وشركة مظبوتكس ومينا ماركة مينا، والرصاصة اللي في المليان جابت انهيار عصبي، ودوا يوفر سبعين مليون، وأبوكو حرامي الامتحانات، وأمكم اللي اتجوزت عشان متهومة بالفلوس، والسكينة وعقدة الفرخة، وانتم نهاركم مش فايت النهارده. هات التليفون. (يجذب التليفون من الحاجز بين الغرفتين.)
م. الأول :
يا دكتور أرجوك هدي نفسك شوية، أيوه شفناها شفناها.
الدكتور :
شفتوها ما شفتهاش، أنا اللي علي لازم أعمله.
م. الثاني :
وشرفي وشرف سيادتك شفناها، وبالأمارة حضنتنا وباستنا.
الدكتور :
عشان تعرف بس إنك أكبر كداب، أهو ده ماحصلش.
م. الثالث :
قصده إن إحنا حضناها وبسناها.
الدكتور :
وانت بالذات اللي بتقول كده؟ نسيت انتي خنتينا يا ماما وانا يتيم أمه عايشة؟ (يتبادلون النظرات.)
م. الأول :
معلش؛ أصله، ما انت سيادتك عارف.
م. الثالث (عن عمد) :
الشمس، الشمس تعباني قوي.
الدكتور :
ولو؛ والله لو قلت القمر راخر والمريخ والمشترى لمبلغ. آلو ... (يضغط على آلة التليفون ليستحضر الخط، ثم يدير رقما من ثلاثة.)
م. الثاني :
يا دكتور إحنا غلطنا في إيه؟ ما قلنا لسيادتك إننا شفناها.
الدكتور :
شفتوها وللا بتقولوا كده وكده.
م. الأول :
حقيقي يا بيه حقيقي.
الدكتور :
طب قالت لكم إيه على جوزها الأولاني.
م. الثاني :
قالت إنه كان باسطها خالص، وخلاها تنسانا.
الدكتور :
حلاوتك، آلو ... اسمع من فضلك، إحنا عايزين تيجو لنا هنا حالا، في مكتب الصحة ومعاكو قوة كافية.
م. الثاني :
يا دكتور.
الدكتور (يشير له إشارة حاسمة أن يغلق فمه) :
أنا مفتش الصحة. الحنفية؟ حنفية إيه؟ دا أنا ببلغ عن جناية، إنت مش بوليس النجدة! حتى انت راخر، طلع مطافي (يضغط على ريشة التليفون ليلغي الخط)
متأسف (ويدير رقما ثلاثيا آخر) .
م. الأول :
بس مستحيل يا دكتور، أمنا تعيش من تلات سنين. (متقدما ناحية الدكتور)
طب دقيقة واحدة يا دكتور، دقيقة واحدة، الطريقة دي مش حتنفعنا، إنت سيادتك بتقول شفت أمنا هنا، وإننا شفناها معاك.
الدكتور :
ده ما فيش، من خمس دقائق بس.
م. الأول :
هنا في المكتب؟
الدكتور :
أمال يعني في المتحف.
م. الأول :
بس أمنا ماتت.
الدكتور :
ماتت؟
م. الأول :
بقول لسيادتك من تلات سنين.
الدكتور :
أمال مين اللي كنتوا بتتكلموا معاها دي، أمي؟
صفر :
وللا يمكن أمي أنا.
م. الثاني :
وإذا كانت أمنا ماتت بقى من تلات سنين، يبقى إيه الحل؟
الدكتور :
إنت كداب، يا صفر، يا صفر الزفت. كانوا بيكلموا مع واحدة وللا لا.
صفر :
واحدة بس؛ دول ييجوا تلاتة يا سعادة البيه.
الدكتور :
يا جدع التانية دي، مش كانت أمهم؟
صفر :
أيوه أمهم يا سعادة البيه.
الدكتور :
طب كانت لابسة إيه؟
صفر :
لابسة خاتم يا سعادة البيه.
الدكتور (لميم 2) :
يا بني يا حبيبي دي كانت جاية حتى، عشان تعيش معاكم.
م. الثاني :
يا ريتها جت يا دكتور، دا جوزها الأخراني فضل وراها لما ماتت.
الدكتور :
ماتت؟! ماتت ودفنتوها يعني؟!
م. الثاني :
إلا دي! دا إحنا بالأمارة مطلعين لها تصريح الدفن من هنا.
الدكتور :
كده، طيب، تبقى وقعت يا بطل؛ المسألة بسيطة، هي ماتت بتاريخ إيه؟
م. الثاني :
يوم وفاة النيل سنة 1962، قصدي وفاء النيل.
الدكتور :
هات لي يا صفر دفتر الوفيات بتاع 1962.
صفر :
دو بيبقوا الإحصا في الإدارة يا بيه، ما عندناش إلا بتاع السنة اللي فاتت بس.
الدكتور :
برضه بسيطة. آدي قسم الإحصا. (يدير القرص خمسة أرقام)
آلو ... الإحصا، صباح الخير، أيوه، إيه الذكاء ده كله؟ برافو عليك ... طب اسمع بقى ... شوف لي دفتر وفيات 1962 بتاعنا هنا ... قدامك عالمكتب؟ دا ربنا مسهلها خالص ... طيب هات لنا يوم وفاء النيل اللي في 18 أغسطس ... مش وفاء النيل في 18 أغسطس برضه؟ عظيم ... اقرا لي أسامي المتوفين ... غيره، غيره، لا ... واحدة ست، ست، اسمها إيه ... (ناظرا لمحمد الأول) .
م. الأول :
كنانة محمد عيسى.
الدكتور :
لا؛ مش هي، اللي بعده ... مافيش؟ إزاي الكلام ده. (لمحمد الثاني)
إنت مش بتقول إنها ماتت يوم 18 أغسطس؟!
م. الثاني :
أنا بقول يوم وفاء النيل.
الدكتور :
بقى تفتكر وفاء النيل ولا تفتكرشي التاريخ؟
م. الثاني :
أصل كان عطلة، وقالوا لنا الدكتور بتاع هنا النهارده أجازة وفاء النيل، فرحنا مضينا التصريح من مكتب الصحة اللي جنبكم.
الدكتور (في التليفون) :
خليك معايا، هو مش وفاء النيل يبقى يوم 18 أغسطس، إنت متأكد امال ازاي مش موجودة؟ طب شوف لنا اليوم اللي قبله واللي بعده وخد الاسم أهه؛ كنانة محمد عيسى، أيوه يا أخي كده امال، الدفتر خلص إنما اليوم ما خلصشي، والدفتر الثاني فين؟ وحياتك؟ معلش ... معاك أهو ... (ثم مخاطبا م. الثاني)
تعرف لو طلعت إنها مش متقيدة في دفتر الوفيات وما ماتتش؛ أقسم بشرفي لضاربكم بالنار انتو التلاتة، دا انتم تبقوا مش بني آدميين خالص. لا يمكن تكونوا بني آدميين، دا أنا كل ما آجي أمسك حاجة أو أوصل لحاجة أبص ألاقيكم بتتزفلطوا. وشرفي لأضربكم بالنار على طول. (يمسك المسدس وبسرعة يصوبه في وجه م. الأول)
اتأخروا ورا لغاية ما تحصلوا الحيطة، ياللا بسرعة انت وهو. (وحين يصلون الحائط)
وشك في الحيطة منك له، إيديك فوق دماغك بسرعة.
م. الأول :
يا دكتور مش طريقة دي، إحنا أذنبنا في إيه؟ هي جريمة إن أمنا ماتت؟!
الدكتور :
لما تكون ماتت زي ما بتقولوا، وما تكنش متقيدة في دفتر الوفيات، مع إنكم مطلعين التصريح من هنا تبقى مش جريمة؛ تبقى مأساة، فاجعة مصيبة كبيرة، تبقى لازم حيحصل للدنيا حاجة. يا الكون يخرب، يا القيامة تقوم (ثم للتليفون)
أيوه ؛ كنانة محمد عيسى، الساعة خمسة بعد الظهر، سبب الوفاة شيخوخة بدون جنون، متشكرين جدا. مع السلامة (يضع السماعة ويضع المسدس جانبا) .
م. الأول :
اتأكدت بقى سيادتك إنها ماتت؟!
الدكتور :
اتأكدت، ويارتني ما اتأكدت، هو أنا مشكلتي إنها ماتت وللا ما ماتتش، مصيبتي السودة إنها كانت هنا من ربع ساعة، منين ماتت من اربع سنين، ومنين شايفها بعينيه هنا من ربع ساعة؟
م. الثاني :
يمكن مش هي يا دكتور، ممكن سيادتك توصفها لنا كده.
الدكتور :
أوصف إيه بس؟ ما هي صورة طبق الأصل من نونو وزهرة اللي بتقولوا عليها، كل اللي أنا فاكره إني لمحت حسنة كبيرة في رقبتها. (يتبادل م. الثاني وم. الثالث النظرات في دهشة شديدة.)
م. الثالث :
هي ماما كانت عندها حاجة زي كده، أنا فاكر برضه.
م. الأول :
أمال، قد القرش صاغ بالضبط، في رقبتها فين يا دكتور؟
الدكتور (مشيرا إلى جانب العنق الأيمن) :
هنا هه (بانزعاج شديد متزايد) .
م. الأول :
تمام، تمام، يا نهار منيل! ازاي ده يحصل؟ دا يبقى الدكتور شافها فعلا، دا شغل أرواح بقى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! مسألة لا يمكن نسكت عليها.
الدكتور (يدق جرس التليفون) :
آلو ... يا قسم الإحصا ... خير ... أيوه ... أيوه ... إيه ... بتقول إيه؟ كنت بتقرا من دفتر غلط؟ دفتر 65 يعني متقيدة الساعة 5 يوم 18 أغسطس 1965 السنة اللي فاتت يعني ... طب استنى دقيقة من فضلك، (مخاطبا الأول)
هي أمكم ماتت السنة اللي فاتت وللا سنة 1962؟
م. الأول :
اللي فاتت ازاي يا دكتور؟ ماتت سنة 62 من تلات سنين.
الدكتور :
متأكد؟
م. الأول :
إلا متأكد! ما تقولوا له، يا جماعة ساكتين ليه؟
م. الثاني :
دانا بنفسي اللي مبلغ عنها يا دكتور من تلات أربع سنين.
م. الثالث :
دي اتوفت قبل ما ينقبض علي يا دكتور، وانا ممسوك سنة 63.
الدكتور :
متأكدين يعني؟
م1، م2، م3 :
تمام التأكد، زي ما إحنا شايفين سيادتك كده. دي ما فيهاش أي كلام.
الدكتور (مخاطبا التليفون) :
إنت متأكد يا درش إنك بتقرأ من دفتر 65؟ راجع تاني ... مرة تانية كمان ... كمان مرة تالتة عشان خاطري، كده؟ طيب. (يضع السماعة) .
الدكتور :
بقى الأول تكون هنا وتقولوا أبدا ما كنتش دي ميتة، وبعدين تقولوا إنها ماتت سنة 62، وبعدين تلاقيها متقيدة في نفس اليوم اللي قلتوا عليه بس سنة 65 (ثم فجأة بزعيق هائل)
النجدة. دا شيء أكتر من طاقتي. النجدة لغاية هنا وما اقدرشي. الحقونا، انجدونا يا بوليس النجدة، يا ناس (يرفع السماعة ويطلب بوليس النجدة)
آلو ... ادوني القائد ... القائد بنفسه ... أيوه ... أنا مفتش الصحة ... إلحقونا ... تعالوا لنا بسرعة ومعاكو قوة ... دا مش بلاغ واحد ... دا كوم بلاغات وجنايات. أنا في عرضكم. (فاصل موسيقي صوتي)
الحقونا (يضع السماعة) .
صفر :
المدام يا سعادة البيه.
الدكتور :
مالها؟
صفر :
أدخلها لسيادتك؟
الدكتور :
مدام مين؟
صفر :
المدام بتاعة سيادتك؟
الدكتور :
المدام بتاعة سيادتي أنا؟ إيه اللي يجيبها هنا يا أخينا؟ دانا بقالي عشر سنين في المكتب ده، عمرها ما دخلته ولا حتى كلمتني بالتليفون فيه. اسألها كويس، هي مين؟ وعايزة إيه؟ واصحى كده وفوق جتك البلى.
صفر (مغمض العينين) :
اللهم فوقك يا روح، أنا اللي أفوق.
السيدة (من على الباب) :
استنى عشان أدخل، لازم كنت بتعمل حاجة وعايز تخبيها.
الدكتور :
حنيفة؟ (يبدو عليه ذعر مفاجئ شديد وذهول، ويبتلع ريقه من حلق جاف) .
السيدة :
الله، مالك؟! لازم فيه حاجة، أنا قلبي بيقول لي إن فيه حاجة حصلت، كان مين هنا يا باش تمرجي؟
صفر :
ما حدش يا سعادة ... يا مدام. (الدكتور لا يزال في ذهوله يحدق في حنيفة بطريقة غريبة، ومن زوايا متعددة ويهز رأسه بشدة.)
السيدة :
الله، مالك؟ لازم فيه حاجة، أنا قلبي بيقول لي إيه؟ إيه اللي حصل؟ في إيه غريب؟ بتبصلي كده ليه؟
الدكتور :
أنا أصلي اتقرصت كام مرة، وبيتهيألي قرصة كمان حتخلص علي، إنتي حنيفة صحيح؟
حنيفة (تندفع ناحيته) :
يا نهار اسود يا حكيم! دا انت خارج الصبح كويس! إيه اللي جرالك؟ مفاجأة كويسة تقوم تنكبس كده، ولا كأنك شفت.
الدكتور :
بس أرجوكي؛ خليكي كده، إستني، اقفي عندك كده عشان أشوفك كويس.
حنيفة :
إيه الهزار البايخ بتاعك ده ؟ بقى أنا جاية أعملك عزرائيل.
الدكتور :
عزرائيل أهون.
حنيفة :
أهون مني يا حكيم؟ مش حاسيبهالك دي.
الدكتور :
أهون م اللي بيحصل النهارده.
حنيفة :
وإيه اللي حصل النهارده؟
الدكتور :
خلينا فيكي الأول، شكلها صوتها، دبتها على صدرها، الورم اللي في شدقها، مطرح قرصة الدبور، هي ما فيش كلام (وكأنما يرد على نفسه)
مادكهم كانوا برضه هم هم ما فيش كلام.
حنيفة :
يا داهية دقي! يا مصيبتي! يا خيبتك خيبة قوية يا حنيفة، حتشمتي فيكي العدو والحبيب.
الدكتور :
مالك؟
حنيفة :
مالك انت؟ قاعد تكلم في روحك كده ليه؟ عينيك زايغة زي اللي قتل قتيل وللا ظبطوه سارق غسيل كده ليه؟ حصل إيه قول لي، في تلات اربع ساعات ألقاك كده؟ سايبني وانت فاطر وشارب شايك وقاري جرايدك وبعقلك تمام أربعة وعشرين، آجي ألاقيك كده.
الدكتور :
هو أنا باين علي إني مش طبيعي؟
حنيفة :
مش طبيعي وبس؟ دا انت باين عليك إنك خلاص، وصلت.
الدكتور :
لا؛ اطمني أنا كويس، بس حصلت حاجات كده حابقى أقولها لك بعدين.
حنيفة :
أمال بتسألني وكأنك شاكك إني حنيفة ليه؟
الدكتور :
والحقيقة لسه شاكك.
حنيفة :
الحقوني بكباية ميه (في شبه ولولة) . (صفر يسرع ليحضر الماء.)
الدكتور :
أرجوكي يا حنيفة، اركزي امال، عمايلك دي بتلخبطني أكتر. أنا عايزك تساعديني مش تلخبطيني.
حنيفة :
حاضر؛ أساعدك قوي، (لنفسها)
هو أنا حخلص من أمه واخواته؟ حيقولوا فضلت وراه لما جننته. أساعدك يا خويا يا حبيبي، أساعدك (تقترب منه) .
الدكتور :
خليكي عندك.
حنيفة :
حاضر؛ وعيب يعني إني جيت؟ عيب إني أعمل لك سربريز؛ مفاجأة؟
الدكتور :
أبدا لا عيب ولا حرام ولا حاجة، بس أصلي كويس واعرف إنك لا بتاعة هزار ولا سربريزات فلازم فيه سبب جد!
حنيفة :
بقول لك ما فيش، أنا كنت هنا عند واحد بتاع سجاجيد قالولي إنه عنده حاجات لقط تجنن، لما جيت ولقيته قافل، ولقيت نفسي قريبة قلت أفوت عليك.
الدكتور :
تفوتي فوتان؟ من غير سبب؟
حنيفة :
سربريز بقول لك.
الدكتور :
يعني ما نتيش عايزة فلوس؟
حنيفة :
لا.
الدكتور :
ما فيش حد م العيال تعبان؟
حنيفة :
كلهم في المدرسة زي البمب.
الدكتور :
ما افتكرتيش عملة نسيتي تأنبيني عليها امبارح فجابة تحاسبيني زي عوايدك، قبل ما يفوت عليها 24 ساعة وتنسيها؟
حنيفة :
لا.
الدكتور :
يعني بجد وحق وحقيق جاية كده لله في لله.
حنيفة :
يمكن مش لله في لله قوي، يمكن اشتقت لك يا سيدي وجاية أشوفك.
الدكتور :
أنا بكلم جد، تحلفيلي بأغلى يمين عندك وشرف باباكي إنك مانتي جاية لسبب محدد؟
حنيفة :
وشرف بابايا مانا جاية لأي سبب خالص.
الدكتور (بزعيق) :
تبقي مش حنيفة مراتي، تبقي منهم.
حنيفة :
منهم مين يا حبيبي؟ اسم الله عليك.
الدكتور :
م اللي بيروحوا ويتغيروا ويجوا دول، ماللي حيجنني إني مش عارف إن كانوا جننوني فعلا وللا لسة حيجننوني.
حنيفة :
إخص عليك انت عايز تخضني وللا إيه؟ بلاش الهزار ده وحياتك أنا ما احبش كده.
الدكتور :
هزار إيه؟ أنا ما بهزرش، أنا جد خالص، أنا ستين جد، أنا مفيش بعد كده جد.
حنيفة :
بقى ده جزائي إني جاية أبسطك؟
الدكتور :
وانا ذنبي إيه انه يطلع النهارده بالذات إنك تعملي عملة عمرك ما عملتيها؟ (يعطس بشدة فتخرج حنيفة منديلها الصغير، وتمسح له وجهه وعينيه.)
حنيفة :
كله من الهباب الشغل، عمرك ما بترحم نفسك.
الدكتور :
بلاش نخرج برة الموضوع، خلينا فيكي، أرجوكي ساعديني.
حنيفة :
أساعدك يا حبيبي، أساعدك يا ضنايا يا روح قلبي (تقبله قبلة خاطفة على جانب فمه) .
الدكتور :
مش دي المساعدة اللي أنا عايزها؛ اللي أسألك عليه جاوبيني ودغري، إنت حنيفة مراتي مش كده؟
حنيفة :
مراتك وحبيبتك وخدامتك، حنيفة اللي انت جوزها وراجلها واللي من غيرك ما تسواش بصلة.
الدكتور :
أهو ده الكلام اللي يرعب. ما نتيش لاقية غير اليوم المهبب ده تبوسيني وتدلعيني فيه؟ دانتي ما بستنيش من أيام حرب السويس، دي حاجة تمخول يا ناس. إسمعي؛ إذا كنتي حنيفة مراتي فقوليلي النهارده الصبح حصل إيه قبل ما أخرج على طول؟
حنيفة :
ما حصلش حاجة والحمد لله، إيه؟
الدكتور :
يوهوه، وانا بزرر زرار الجاكتة حصل إيه؟
حنيفة :
اتقطع وركبتهولك.
الدكتور :
وانتي بتركبيه حصل إيه؟
حنيفة :
يا ناس حتجنن، حصل إيه بأه؟ الأولاد وقعوا سلم المطبخ؟
الدكتور :
لا لا لا؛ حصل بيني وبينك إيه؟
حنيفة :
حيكون حصل إيه يعني؟ دانا على قرافيصي بركب لك الزرار وانت واقف، يعني لا تطولني ولا أطولك.
الدكتور :
أمال كنا ساعتها بنعمل إيه؟
حنيفة :
كنا بنعمل إيه؟ كنا بنكلم.
الدكتور (متنهدا بارتياح) :
الحمد لله، كنا بنكلم، دي مش حاجة حصلت دي؟ فاكرة كنا بنكلم في إيه؟
حنيفة :
إلا فاكرة؟ طبعا فاكرة، ودي حاجة تتنسي؟ كنت بطلب منك فلوس الشهر.
الدكتور :
ما حصلش، مش ده الموضوع اللي كنا بنتكلم فيه.
حنيفة :
آه، افتكرت، كنا بنتكلم ع البهدلة اللي بهدلتهالك مرات أخوك ليلة العزومة.
الدكتور :
حنيفة، مش ده الموضوع، حنيفة؛ الحكاية مش هزار، حنيفة افتكري كويس.
حنيفة (مرتبكة ارتباكا شديدا) :
يمكن، يمكن، كنا بنتكلم في ... في إيه بس يا ربي؟ آه؛ هو ده معقول نكلم كلام فارغ زي ده ع الصبح، أيوه يا أخي افتكرت؛ في اللي عملته البت الشغالة، لا؛ مش كده، إسمها إيه دي.
الدكتور (بصوت غريب) :
اسمها إيه دي مين؟
حنيفة (بيأس) :
اسمها إيه دي.
الدكتور :
إنتي تعرفي نونو؟
حنيفة :
نونو إيه يا حكيم؟ اسم الله على مخك، نونو دي إيه، إنت بتخرف؟
الدكتور :
وللا تكونيش انتي رخرة جاية عايزة دكتور غيري. تكونيش رايحة باندونج، تقربيش لزهرة؟ تعرفيش أمهم كتمت ع الفلوس فين؟ إنتي بعتي أسئلة الامتحانات؟
حنيفة (ترقع بالصوت) :
الحقوني! حكيم إجنن.
الدكتور (بهدوء مشحون) :
يا صفر، طلع الولية دي برة، ما عادش ناقص إلا مراتي، إنت يا صفر إحدفها م الشباك، حطها مع الحقن واغليها في الغلاية، بخرها في المبخرة. مش عارفة كنا بتكلم في إيه وعايزة تبقى مراتي؟ على مين الكلام ده؟ على حكيم؟ ده ما تخلقش اللي يضحك عليه، برة.
حنيفة :
حكيم.
الدكتور :
لا انت حنيفة ولا أنا حكيم ولا حد حاجة، إمسكوها؛ دي منهم، دليل مادي أهه، اقبضوا عليها كمموها لحسن تعض. (ستار)
الفصل الثالث
الدكتور :
حنيفة قال، حتى إنتي يا حنيفة؟ اللعنة توصل لي أنا راخر في عقر داري.
صفر (قادما من الخارج) :
بوليس النجدة وصل يا سعادة البيه.
الدكتور :
بوليس النجدة! أنا في عرض النجدة. الحقوني يا ناس، انجدوني، أنا غلبان صاحب كوم.
صفر (منتحيا جانبا ومنحنيا في ترحاب عدة مرات) :
اتفضلوا، اتفضلوا. أهلا وسهلا. (يدخل شخصان أحدهما يبدو في الخمسين من عمره طويل القامة على ملامحه، وهيئته طابع موظفي الحكومة الذي تستطيع تمييزه لأول وهلة، والآخر رجل قميء جدا قصير جدا نحيف جدا يبدو كصبي في الخامسة عشرة، بل من الممكن أن يقوم بالدور ودون ماكياج صبي في الخامسة عشرة يرتدي جلبابا غير نظيف به رقعة، وطاقية صوف، ويبدو كالفنانين أو كأصحاب الرسالات، شديد العبط شديد الذكاء، له شخصية متميزة.)
الدكتور :
إيه دول يا صفر، أمال فيه بوليس النجدة؟
الرجل الطويل :
ما احنا النجدة يا دكتور.
الدكتور :
إنتو النجدة؟! إنتو بوليس النجدة؟! يا ناس في عرضكم بلاش هزار بقى، الحكاية باخت قوي. أنا عايز النجدة تنقذني، تخلصني، أنا روحي بتطلع قدامي، أنا بفلفص. النجدة!
العجوز :
إحنا النجدة يا دكتور، إحنا اللي حا ننجدك، إحنا جهة الاختصاص.
الدكتور :
إنتو جهة الاختصاص؟ إنتوا يعني اللي أستنجد بيكو بوليس النجدة علشان تنجدوني؟ يا ناس موش كده، وحياة الشمس والأرض والقمر الصناعي. وحياة فستك وتيتان ولايكا، ده حرام حرام قوي، أحرم حرام. إنجدوني يا ناس!
العجوز :
يا دكتور إحنا بالضبط اللي حننجدك.
الدكتور :
ليه بقى؟ حا تكونوا مين يعني؟ أولياء أمور الجماعة دول؟ حتكون أبوهم حضرتك؟
العجوز :
لا، أنا جدهم قارون، وأبوهم محمد الطيب دهه.
الدكتور :
كده؟ إنت جدهم، وده أبوهم، هايل قوي! وبوليس النجدة لازم حول لكم الإشارة على جبانة الإمام.
قارون :
على حوشنا في باب الوزير وانت الصادق، نعمل إيه؟ جبنا بعض وتننا جايين.
الدكتور :
ألف حمد الله ع السلامة. برافو عليكم! أهو كده الشهامة والا بلاش، هو ناقص إيه غير كده؟ ما عادش ناقص إلا التخريف بقى . ما عادش إلا إن الدنيا تسيح على الآخرة وبوليس النجدة يستنجد بالأموات لإنقاذ الأحياء، ومين عارف؟ يمكن أنا راخر أقدر أخطف رجلي دلوقتي وأزور خالتي ملاك، وللا نعزم المرحوم أبو شيحا على أكلة فسيخ، آخر حلاوة!
قارون :
لما حا تفكر بالطريقة دي حتتعب يا دكتور.
الدكتور :
أمال عايزني أفكر حضرتك ازاي؟ وحياة اللي عاشوا لك تقول لي وانا مستعد انفذ بالحرف الواحد.
قارون (ببساطة) :
يا أخي، بشوية خيال لا أكثر ولا أقل، أمال ربنا ادالنا القدرة على التخيل ليه؟ علشان المواقف اللي بالشكل ده. الإنسان عنده قدرة على الخيال ما لهاش حدود، ما بيستعملهاش ليه؟ ليه تصر على إن كل حاجة لازم تكون خاضعة لمواصفات الواقع الضيق بتاعكو، بحيث إنكم لازم تشموها وتلمسوها علشان تصدقوها؟ بشوية خيال ممكن نعمل أي حاجة؛ تقيم الجنة على الأرض، وتصحي الموتى وتموت الأحياء، وتعمل أي حاجة إنت عايزها. جالنا الخبر إن الأولاد تعبانين وإنك لايص معاهم، غريبة إننا نتطوع ونيجي علشان نريحك ونريحهم؟ لا غريبة ولا حاجة، بس المسألة إيه؟ شوية خيال؛ صعبة دي؟
الدكتور :
أبدا، أبدا أبدا. غبي مين اللي يقول إنها صعبة؟ حمار مين اللي ما يقبلهاش؟ صحيح، ليه لأ؟ دي حاجة جميلة جدا. حلوة خالص. وليه لأ صحيح؟ واشمعنى يعني أنا اللي حا أفضل حابس روحي جوة المنطق وكل حاجة عماله بتحصل براه؟ إذا كانت الدنيا كلها بقت ماشية كده أعصلج أنا ليه؟ الله! أما جحش صحيح، حا يخس علي إيه؟ ما امشي معاهم واللي يحصل يحصل؟ حا اتجنن؟ أجنن أحسن ما افضل أنا اللي تعبان من العقل لوحدي. يا ألف أهلا وسهلا، دا انتو شرفتونا خالص، خطوة عزيزة. تعال يا أول وتاني وتالت، تعالوا سلموا على أبوكم والمحترم الفاضل جدكم.
م. الأول :
إنت بتقول فيها يا دكتور؟ على الأقل أنا متأكد إن ده أبونا. هي بالظبط صورته اللي في أوضة الصالون يوم ما اترقى مفتش.
م. الثاني :
موش باين عليهم النصب. لا؛ ده حتى الواحد دمه حن.
م. الثالث :
طيب ده يا ريت يكونوا همه ، ده يبقى فرصة، دا احنا بينا حساب طويل لازم نصفيه.
الطيب :
بس مهما تقولوا أنا ميت غضبان عليكم، إزاي يا واد يا أول انت يقولولك أبوك بيموت فمايهونش عليك تسيب البنت السنكوحة اللي كانت معاك في الدكان؟ وانت يا تاني تروح تلعب باسكت يا وله ازاي من تاني يوم؟ إزاي ده يحصل ده؟ لهو انتو كنتو أولاد حرام؟
الدكتور :
بقى دي النجدة اللي جايين تنجدوها لي؟
قارون :
عندك حق يا دكتور، ده موش وقته يا واد يا طيب. لا مؤاخذة يا دكتور إحنا تحت أمرك، إحنا جايين ننفذ كل اللي انت عايزه. تحب نعمل لك إيه؟
الدكتور :
ما هي الحكاية يا حضرة الفاضل إني موش عارف أنا عايزكو تعملوا إيه؟ ده النجدة اللي أنا عايزها؛ عايزها علشان مجرد إنكم تقولولي أعمل إيه؟
قارون :
قبل ما نقول لك موش تقول لنا بس الموضوع إيه؟ تاعبك إيه، مضايقك إيه؟ هدي نفسك خالص وخد راحتك وقولنا، إيه بالضبط مضايقك؟
الدكتور :
ما هو يا ريتني عارف اللي مضايقني، يا ريت أعرف الحكاية إيه؟
الطيب :
ما الحكاية باينة يا دكتور، الولاد بتوعنا يعني باين مضايقينك، أصل عيلتنا دي.
الدكتور :
عيلتكم دي؟ هي دي عيلة؟ دي موش عيلة؟ دي عالم، عالم كده زي عالمنا مالوش لا صاحب ولا نظام ولا منطق. أقول إيه بس؟ يا ريتها حقيقة تايهة اللي بادور عليها، يا ريته جاني في ناحية ومجني عليه في ناحية تانية، يا ريت أعرف أنا فين، وعايز أوصل لإيه؟ ده انا حتى موش واقف، دا انا واقع، واقع في جب مسكون، دا انتم باينكم موش من جنس البشر خالص، إنتو فيكو حاجة كده ما بتنتميش للكرة الأرضية، حاجة إبليسية شيطانية، كإننا اتنقلنا لعالم سفلي، علوي ما اعرفش. موش دي الدنيا اللي باعرفها، ولا دول الناس اللي عايشين فيها أبدا، أنا بصراحة كده ما ليش دعوة بيكم خالص، أنا كل اللي عايزه دلوقت إني أنقذ نفسي قبل ما أضيع، أنا خايف أكون ضعت. أنا في عرضكم، إنقذوني .
قارون :
ننقذك بس ازاي؟ تحب نخرجك برة الموضوع خالص؟
الدكتور :
تبقى عايز تجنني، تبقى عايز أنسعر وأجري أعض الناس. ما لو كانت المسألة على الموظف اللي في ما كان زمانه خد إجراؤه واستريح من زمان. إنما المصيبة الكبرى في البني آدم، في الطبيعة البشرية المهببة المتركبة فينا، اللي عمرها ما بتبتدي حاجة إلا لازم تنهيها، اللي عمرها ما بتعرف جزء إلا لما يموت - وأحيانا بتموت فعلا - علشان تعرف الكل. إنقاذي إني موش اخرج برة الموضوع، إنقاذي الوحيد إنكم تغرقوني فيه أكتر وأكتر لغاية ما أعرف الحقيقة فين.
قارون :
وهو انت بس اللي عايز تعرف الحقيقة؟ ما احنا روخرين عايزين، دي الدنيا كلها بيتهيأ لي عايزة.
الطيب :
والحقيقة موش حا تخرج عن الأوضة دي أبدا، الحقيقة هنا.
الدكتور :
هنا ازاي؟ أنا في عرضك دلني عليها.
الطيب :
هنا فينا، إحنا المشكلة وإحنا اللي خلقناها، والحقيقة يا فينا يا في حد فينا. والحمد لله كلنا موجودين.
الدكتور :
وإيه فايدة وجودنا؟ إيه فايدة الحقيقة تبقى جوانا؟ دي كأنها جوة محيط نطلعها ازاي؟ نعثر عليها في وسط الغابات والصحاري والأحراش. هي جوانا مشكلة، المشكلة نطلعها ازاي؟ المشكلة إزاي يتحول الناس من صناديق متسنكر عليها بأقفال لفتارين قزاز ما تخبيش حاجة أبدا؟ نعملها ازاي دي، بشوية خيال زي ما بتقول؟
قارون :
لا، بالعقل، بالذكاء.
الدكتور :
استعملناه، والنتيجة إنها كانت بتتوه أكتر.
قارون :
بالصدق.
الدكتور :
طيب خيال وقلنا نقدر عليه، عقل وذكاء قادرين، إنما الصدق ده ترغم عليه الناس إزاي.
قارون :
موش بالإرغام، بالرضا.
الدكتور :
والناس ترضى تصدق ازاي؟ عايزهم أنبياء وأولياء؟ الناس موش كده، الناس بني آدمين طول ما هم في الدنيا، آخر حاجة يعترفوا بيها الحقيقة، يمكن في الآخرة بس يقولوا الصدق.
قارون :
خلاص، نوديهم الآخرة.
الدكتور :
نموتهم يعني؟ والله حل معقول.
قارون :
لا، نعمل نفس اللي بيحصل في الآخرة.
الدكتور :
تحاسبهم؟ هو انت استغفر الله العظيم ربنا؟
قارون :
لا؛ نخليهم هم يحاسبوا نفسيهم، يحاكموا أرواحهم.
الدكتور :
ما تقول كده وتخلصنا، نحاكمهم يعني. وعايزهم يقولوا الصدق في المحاكمة؟ دي المحاكم هي المقر الرسمي للكذب.
قارون :
ده علشان المحاكمة بتنتهي بعقاب، إحنا محاكمتنا ما فيهاش عقاب.
الدكتور :
يعني محاكمة ما نعاقبش حد بعديها؟ تبقى محاكمة إيه دي؟ يبقى فايدتها إيه؟
قارون :
فايدتها كبيرة أكبر من فايدة أي محاكمة عادية، إنت في المحاكم العادية بتحاكم علشان تمسك لك في الآخر واحد وللا اثنين وتعاقبهم سواء وصلت للحقيقة الأكيدة أو ما وصلتهاش، أنهو أحسن، إنك تعمل كده، وللا تضحي بعقاب واحد ولا اثنين وتوصل للحقيقة كاملة؟
الدكتور :
يعني انت متأكد إننا لو خليناها من غير عقاب حا يقولوا الصدق؟
قارون :
وهو الناس بيمنعها من قول الصدق إلا الخوف من العقاب؟ نشيله؛ يصدقوا على طول. يا للا بلاش تضييع وقت نشكل المحكمة.
الدكتور :
بس انا لسه ما اقتنعتش.
قارون :
التجربة حا تقنعك. إنت موش عايزنا ننجدك؟ خلينا نجرب.
الدكتور :
أمري إلى الله، ما هو يا ريت قدامي حل تاني.
قارون :
خلاص؛ إحنا كلنا حاضرين، كل الأطراف موجودة.
الطيب :
كلنا موجودين.
الدكتور :
بس للأسف ناقص أهم طرف في الموضوع.
قارون :
مين؟
الدكتور :
نونو.
قارون :
نونو دي مين؟
الدكتور :
الدليل المادي الوحيد في القضية كلها، دليل للأسف كان هنا هه في إيدي، وكنت خلاص بكلمة منها عرفت الحقيقة دغري، إنما اختفت، دابت، تلاشت، عمالة تتجسد لي في ألف مليون شكل وشكل، إلا نونو.
قارون :
خلاص، نستدعيها.
الدكتور :
ببساطة كده؟ طيب ده لو قدرتوا تستدعوها لا حيبقى فيه داعي لمحاكمة ولا صدق ولا دياولو، كلمة منها الحقيقة تبان على طول.
قارون :
ده ما اتخلقش لسه البني آدم اللي كلمة منه تخلي الحقيقة تبان. تطلع مين نونو دي؟
الدكتور :
ما لو عرفناها اتحل الإشكال.
قارون :
خلاص، لما نحتاجها نستدعيها.
الدكتور :
يبقى اعمل معروف هاتها! ولو إني متأكد إن ما فيش قوة في الدنيا تقدر تجيبها.
قارون :
إذا كان على الجيبان نقدر، بس نعمل اللي علينا الأول وبعدين إذا عجزنا نستدعيها، دي زي ما بتقول معجزة، والواحد قبل ما يطلب المعجزة يعمل الأول كل اللي في استطاعته، وبعدين يطلب. يبقى في الحالة دي يستاهلها، إنما احنا دلوقت ما عملناش اللي يستاهل معجزات.
الدكتور :
ما عملنا لما طلعت حبابي عنينا، نتعب نفسينا تاني ليه؟ ما تجيبوها ونخلص.
قارون :
إفرض يا سيدي ما قدرناش نجيبها يبقى خلاص نفلس ونسكت؟ إفرض يا سيدي إنها اختفت خالص، ماتت، انتهت، يبقى الحقيقة تموت رخره؟ إحنا نشتغل على إنها موش موجودة نهائيا، وما فيش حتى أي أمل في وجودها.
الدكتور :
أمال أنا من الصبح كنت باهبب إيه؟
قارون :
إنت من الصبح كنت لوحدك فغرقت، دلوقت احنا نتعاون واحنا كثير. ما حانغرقش، حانقب، وتقب الحقيقة معانا.
الدكتور :
إيدي على كتفك يا سيدي، إيدي على كتفك.
قارون :
خلاص نشكل المحكمة. أنا بصفتي أكبركم سنا حابقى القاضي، وانت يا دكتور لك صفة الضبطية القضائية فتبقى المدعي العام. وعايزين حاجب، نخلي الجدع ده؛ إسمك صفر، موش كده؟ نخليك الحاجب. موافق يا دكتور؟
الدكتور :
موافق.
قارون :
موافق يا صفر؟
صفر :
لا، موش موافق.
قارون :
حانديلك شلن.
صفر :
وليه الإسراف ده كله يا كابتن.
قارون :
معلهش، أصلي في حالة كرم شديد، موافق؟
صفر :
لا؛ موش موافق.
قارون :
الله! ليه؟
صفر :
قاعدين تقولوا محكمة تانية وحساب تاني، بالطريقة دي تبقوا عملتوا إيه؟ طيب ما طول عمر الكبير قاضي، وطول عمر المفتش مدعي عام، وطول عمر الساعي حاجب، يبقى ما عملناش حاجة أبدا، تبقى المحكمة العادية ما فيش أي فرق. إذا كنتوا عايزين تقلبوها صحيح، إذا كنتوا عايزينها جد بقى، أبقى أنا القاضي.
قارون :
إنت القاضي! إنت اتهبلت؟
صفر :
ليه؟ وعيبها إيه أكون القاضي؟ إنتو موش عايزين تقلبوها.
قارون :
واحد جاهل زيك يبقى القاضي؟ مستحيل!
صفر :
ما هو يا تقلبوها وتبقى محكمة تانية، يا تحولوها لمحكمة باب الخلق وتخلصوا.
الدكتور :
فعلا، إذا كنا عايزين نقلبها صحيح، يبقى صفر يعمل القاضي، أنا موافق.
قارون :
طيب والمدعي العام. مين يبقى المدعي العام؟
صفر :
أنا برضه.
قارون :
تبقى القاضي والمدعي العام؟
صفر :
وعلشان خاطرك، والحاجب كمان من عندي.
قارون :
عايز تبقى الكل في الكل؟
صفر :
وماله؟ ما انتو رخرين كنتوا الكل في الكل.
الدكتور :
تبقى احلوت قوي قوي، وبقت تستاهل الفرجة. أنا موافق. (صفر يصعد إلى حيث مكتب الدكتور ليجلس عليه.)
قارون :
استنى يا أخينا، إحنا لسه وافقنا؟
الدكتور :
ما هو ضروري توافقوا، إنتو موش جايين تنجدوني وتعملوا اللي انا عايزه؟ أنا عايز كده.
قارون :
بس ترضى إن صفر يبقى الكل في الكل؟
الدكتور :
موش علشان أوصل للحقيقة؟ أرضى قوي. من أجل الحقيقة فلتحكم بيننا الأصفار.
قارون :
يا دكتور.
الطيب :
معلهش بقى يا ... يا قارون ... نجربه، وإذا ما نفعش نغيره.
قارون :
آه يا عبيط؟ هو لو اتلايم على الكرسي ده وقعد عليه فيه قوة في الأرض حا تقدر تقلقله؟ أمرنا لله. أحكم وحاكم يا صفر.
صفر :
أيوه، دلوقتي حا تشوفوا العدل اللي عمركم ما شفتوه، حا تشوفوا الحقيقة اللي قاعدين تدوروا عليها وهي قدامكم خايفين تبصوا لها، حاتشوفوا صفر اللي طول عمركم مستصغرينه حا يعمل إيه. محكمة (يقولها بصوت الحاجب) ، (يقف الجميع أو يعتدلون احتراما، فيتقدم صفر في وقار شديد، ويجلس إلى المكتب واضعا في كبرياء ساقا فوق ساق)
جلوس. اقعدوا. (ثم مقلدا صوت القاضي)
نادي على المتهم الأول (ثم مقلدا صوت الحاجب)
المتهم الأول (ثم للمجموعة بارتباك)
إلا بالمناسبة هو مين المتهم الأول؟
قارون :
بتسألنا احنا؟ إنت موش الكل في الكل، إعرفه بقى يا سي كل في الكل.
صفر :
تبقى انت المتهم الأول.
قارون :
أنا؟
صفر :
أيوه؛ إنت أنسب واحد يبقى المتهم الأول.
قارون :
علشان إيه؟ دا أنا جاي انجد أبقى متهم؟
صفر :
إنت موش جاي تنجد، إنت جاي تحوم حوالين الجريمة اللي ارتكبتها.
قارون :
أنا ارتكبت جريمة؟
صفر :
أكبر جريمة، أكبر من جريمة سيدنا آدم يا سيدنا قارون.
قارون :
ليه، عملت إيه؟
صفر :
إنت اللي ابتديت المصيبة دي كلها.
قارون :
أنا؟ ابتديتها ازاي؟ إنت بتخرف تقول إيه.
صفر :
من فضلك ما تطولش لسانك على عدالة المحكمة، ماذا وإلا أهفك حكم بأربعة وعشرين ساعة حبس على طول، إتعدل بقى واتوزن واحترم نفسك.
قارون :
الله! أمال إيه اللي قاعد تقوله ده؟ مصيبة إيه اللي ابتديتها.
صفر :
إنت اللي ورثتهم الأرض. حصل وللا ما حصلش؟
قارون :
وانا بانكر؟ أيوه حصل، ورثتهم الأرض صحيح، بس مالي أنا ومال المأساة اللي عاشوا فيها؟ أنا قلت لهم اتخانقوا عليها؟
صفر :
أنا ما قلتش، إنما الأرض قالت.
قارون :
هي الأرض بتقول اتخانقوا علي؟
صفر :
أيوه، الأرض ما عندهاش إلا كلمة واحدة بس طول عمرها قاعدة تقولها للناس، إتخانقوا علي، زي ريحة الكباب ما بتحرك فينا الجوع، الأرض بتحرك فينا الطمع.
م. الثاني :
إسمح لي يا عم صفر.
صفر :
أنا لا عمك ولا انا صفر، قلنا احنا عدالة المحكمة. ما هو كل واحد يحترم نفسه يا ما فيش محكمة ولا قضية ولا حل، نفضها بقى وكل واحد يروح بيتهم.
م. الأول :
أنا عندي نفضها أحسن.
الدكتور :
تفضوها؟ اسمعوا، إحنا موش بنلعب، إحنا اتفقنا على صفر القاضي يعني خلاص اتفقنا، وإوعو تكونوا فاهمين إننا اتفقنا على كده هزار ولا علشان سواد عيونه؛ دا إحنا عملنا كده غصب عننا، دا انتم جايين وجايبين لي قضية قعدتم تتطاحنوا عليها سنين ما انتوش قادرين تحلوها، ولا ابوكم قدر يحلها ولا جدكم ده ولا حد من عيلتكم، وجيت انا أحلها فغرقت معاكم. يعني بصراحة كده ما عادش قدامنا كلنا إلا صفر ده، فعايزين تطفولنا آخر شمعة أمل؟ ده اللي حا يتجرأ ويعمل كده حا اطفي أنا حياته. حا اضربه بالنار، في المليان، وموش باهوش، ده أنا يا اعمل كده يا حا اضيع بقى، حضراتكم جايين تجننوني بحكايتكم المقندلة دي، وبعدين لما نيجي نرسى ليها على بر نبقى نفضها أحسن؟ يا أخي ده إيه ده، ده بعدك انت وهو. أنا قبل ما مخي يروح هدر وديني أضيعكم كلكم ويايا. صفر القاضي والمدعي العام والكل في الكل، وحنسيبه يسأل ويبحث زي ما هو عايز، واللي عنده كلمة يقولها، واللي ما عندوش يخرس، وانا واقف هنا (متناولا المسدس)
أضمن تنفيذ ده كله، دي موش استغماية بنلعبها مع بعض، دي أرواح ناس وشقى ناس وعقول ناس ومصير ناس. كفاية بقى اللي عملتوه، سيبونا نفك اللي عقدتوه. مفهوم كلامي، حد له اعتراض؟ (صمت تام)
خلاص، كمل يا سيادة القاضي.
صفر (مستجمعا نفسه) :
أيوه، إحم، هيه (ثم لميم الثاني)
كنت بتقول إيه يا شاطر؟
م. الثاني (متطلعا إلى وجوههم، ثم كأنه قد وافق الدكتور على رأيه) :
عندك حق يا دكتور، ما قدمناش إلا كده. (ثم مغيرا لهجته)
وعمي - قصدي عدالة المحكمة - والله والله عندها حق، جدنا قارون ده هو السبب. دول موش 300 فدان اللي سايبهم، دول 300 مصيبة ورثها ولادك وولاد ولادك، المحكمة والله عندها حق، إنت عارف يوم موتك عملوا إيه؟ من قبل ما يدفنوك والله، في الصوان ضربوا بعض على تقسيمها. ومن ليلتها اتقسمت العيلة أحزاب وابتدوا يشتروا سلاح ونزلوا في بعض حرب. ليه؟ هي عمي الطاهر موش مات قتيل بسببها؟ عمي الطانب أبو مهرة وخدم وحشم موش خد سنة في السجن على الأسفلت علشان شهد زور؟ إحنا موش نشأنا لقينا لينا ولاد عمام عمرنا ما سمعنا عنهم؛ لأن من صغرنا وهم بيحذرونا من عمامنا وولادهم وكأنهم صهاينة؟ أبونا الطيب ده اللي كان هو وأخواته بيضربوا بيهم المثل في الحب، موش مات مخاصمهم ومخاصمينه وما حدش فيهم مشي في جنازته؟ إنت تعرف أرضك دي عليها كام قضية؟ لغاية دلوقتي 75 كلها مرفوعة وحياتك من أخ على أخوه، ومن ابن على أبوه، ومن أب على أولاده، ولسه احنا في جرايرها. ده موش مال قارون اللي ورثناه ولا أرضه، دي لعنة قارون. روح يا شيخ إلهي ينتقم منك.
قارون :
اسمعوا، سفالة موش عايز. أنا ذنبي إيه؟ إنتم فاكرين إني كنت باعمل الأرض علشانكم؟
صفر :
أمال علشان مين كنت بتعملها؟
قارون :
دول ما كانوش في بالي خالص إني أورثهم أو أسيب لهم الأرض، ده انا حتى كنت متغاظ إنهم حا ياخدوها من بعدي، أنا كنت باعملها علشان مزاجي.
صفر :
علشان مزاجك؟
قارون :
أيوه مزاجي، أمال إيه ، هوايتي، موهبتي؟ أنا واحد من الناس اللي بيقولوا عليهم عندهم موهبة جمع الثروة، موش علشان تئول لده أو ده، إنما علشانها هي نفسها. كانت متعتي مزاجي إني أحط القرش على القرش والسهم على السهم يعملوا ربع قيراط، ما استريحشي إلا أما يصحح وما ارضاش بيه أبدا واحد، ولا ارضى بالجنيه جنيه واحد، ما ارضاش بأي واحد أبدا، ما استريحش إلا أما أشوفه قدام عيني بقى اثنين. أنا كده، فني كده، موهبتي كده، الفلوس موش زي ما هي عندكم وسيلة، الفلوس غاية. الجنيه قيمته إنه جنيه وإنه إذا أضيف له تسعة وتسعين يبقى 100 جنيه. تصور 100 جنيه. الله! حتى نطقها حلو 100 جنيه. المتعة الكبرى موش اني آكل واشرب واتفسح، المتعة إني أشوف الفلوس وهي بتكتر، والأرض وهي بتوسع، المتعة إني ماشي ماشي وانا حاسس إني ماشي في أرضي، المتعة إني أفضل أعد في جنيهات، جنيهات 100 و200 و300 و900 و1000 جنيه، جربها مرة إنك تعد ألف ورقة وتحس إن كل ورقة بجنيه وإنها كلها بتاعتك! دي متعة الدنيا الحقيقية، متعة تخليك ماشي حافي جعان عريان موش هامك؛ لأنك زي أي عالم كبير واهب نفسك لمتعة أكبر.
م. الثاني :
وأظن ده بقى اللي خلاك تطلع بالفايظ، وتشوي الناس الغلابة اللي كانوا بيروحوا يستلفوا منك؟
قارون :
ما حصلش، ده تشنيع المنافسين بتوعي زي تشنيعهم على أي راجل محترم أو ملو هدومه، ده ما حصلش، مع إن شغلتنا دي زي أي شغلة تانية فيها الكويس وفيها الوحش، إنما أنا شخصيا عمري ما دخلت على فلوسي جنيه واحد حرام، موش لأني كريم الخلق، إنما لأني ما كنتش اقدر أضم لفلوسي جنيه واحد ما ربيتوش، وتعبت فيه من أيام ما كان قرش.
م. الثاني :
خلينا معاك إنك كنت بتتمتع بس، ذنب أولادك وأحفادك إيه إنهم يدفعوا ثمن المتعة دي؟
قارون :
هم الغلطانين، أنا موش غلطان، ده الواحد بيتلقف إن أبوه يسيب له فدان، أنا سبت لهم 300 فدان، جريمة دي؟
صفر :
من جهة جريمة، فهي جريمة.
قارون :
ليه؟ ليه ، ليه بس؟
صفر :
لأني لما ابص ألاقي نفسي وارث فلوس وأرض ما تعبتش فيها، باخذ على طعم المال الحرام، باخد على الحلاوة من غير نار. ببعزق فيها واصرفها بهوس لأني ما تعبتش فيها، وتكون النتيجة إنها تخلص، والداهية بقا بعد ما تخلص باكون أنا راخر خلصت، خدت على الفلوس اللي من غير شقا وعرق وبقى كل تفكيري علشان أجيبها إني أجيبها من طريق سهل، من على ترابيزة قمار وللا اختلاس وتزوير وللا حتى قطع الطريق والسطو.
قارون :
جايز مظبوط اللي بتقوله، بس برضه أنا مالي؟ أنا ما كنتش اقدر اعمل إلا كده. وللا كنت عايزني أعمل إيه؟ أوهبها لغيرهم؟ موش هم أولى من الغريب؟
صفر :
لا؛ كنا عايزينك بدل ما كنت قاعد تربي في فلوسك وتكترهم، تربي بالمرة ولادك.
قارون :
وإذا كان ربنا خلقني أعرف أربي الفلوس، إنما ما اعرفش أربي الولاد، أعمل إيه؟
صفر :
كنت ما تخلفش، ما دام موش قادر تربيهم تخلف ليه؟ مين بقى أولى منك بتربيتهم، بقى تربي الأرض وتسيبها لأولاد موش متربيين؟
قارون :
أمال كنتم عايزين ده كله ما يحصلش، لا أنا أعمل الأرض ولا هم يتخانقوا عليها؟ ما الدنيا كده.
صفر :
لا؛ عايزين نعملها دنيا برضه، بس عايش عليها بني آدمين، بني إيه؟ بني آدمين. فهمت دي رخرة وللا ما فهمتهاش؟
قارون :
ما فهمتهاش.
صفر :
يا أخي عنك ما فهمتها. المتهم الثاني (ثم مقلدا صوت الحاجب)
المتهم الثاني؛ محمد الطيب محمد قارون.
الطيب :
موجود.
صفر :
إنت يا حاج، إنت موش حاجج برضه؟
الطيب :
الحمد لله، عقبالك.
صفر :
يبقى عندك تلات تهم، آخرها إنك حجيت.
الطيب :
إنت حا تكفر وللا إيه؟ هو الحج تهمة؟
صفر :
في حالتك تهمة، غش، تزوير، 5 سنتي عسل من فوق وش البرميل، والباقي زفت.
الطيب :
وانا عملت كده؟
صفر :
وأزفت من كده. بقى يا راجل 50 سنة عشتهم على ضهر الدنيا تقضي منهم 30 سنة تحارب في اخواتك؟ وانت برضه ماسك لي سبحة ونازل تسبيح؟ 5 فدادين جم غلط في نايبك تتمسك بيهم لدرجة الكفاح المسلح بالنبابيت والبنادق، لدرجة إنك تبيع معظم أرضك علشان تصرف على القضايا والمعارك ليه؟
الطيب :
ما تظلمنيش أرجوك. أنا كنت طول المدة بادافع عن نفسي، فأنا مجني عليه.
صفر :
ومين يا سيدي الجاني؟
الطيب :
إخواتي.
صفر :
تبقى برضه إنت الجاني.
الطيب :
بقى أنا يا اللي بادافع عن نفسي تساويني مع واحد عايز ينهبني، المسألة موش حتة أرض بتخانق عليها، المسألة حقي اللي ما اشوف أي حد بيعتدي عليه لازم أوقفه عند حده.
صفر :
المسألة عايزة الدخول في الغويط شوية. رد علي يا دكتور تالت، يا ابنه.
الطيب :
أمال أبقى راجل ملو هدومي واسيب حد ياخد أرضي؟ أي حد، عمي وللا خالي وللا أخويا ابن أمي وأبويا؟ دي أرضي يا ناس هي حقي، وحقي هو انا، هو كياني وكرامتي وشرفي، أي تفريط فيه كأني بافرط فيهم.
م. الثالث :
بس إيه رأيك يا بابا إن أحيانا بتكون الرجولة بين الأخوات إنك تفوت؟ إنك تسيب أخوك اللي عاميه الغضب والطمع يعتدي عليك وياخد ساعتها اللي هو عايزه، بدل ما تقف له وتغضب انت راخر وترد على الطمع بجشع يزود غضبه. أصله موش غريمك، ده أخوك. ما تسكتش ليه وتسيبه يعمل اللي هو عايزه؟ تأكد تمام إنك بعد شوية حا تلقاه فاق وحس إنك عاملته ساعة غضبه وعماه كأخ، فتتيقظ الأخوة فيه، وبيجي لك عينه مرغرغة بالدموع وندمان. بيتهيألي يا بابا إن الأخ هو الشخص اللي تعامله كأخ تحت أي ظرف، بالذات في الظروف اللي هو ما يكونش طبيعي فيها؛ لأنك إذا ساعتها عاملته كخصم حا ينقلب عليك خصم على طول. بيتهيألي يا بابا، بيتهيألي كده، إن الأخوة موش دم ولا قرابة، الأخوة معاملة، لو عاملت أي حد في الدنيا كأنك بتعامل أخوك على طول حيصبح أخوك، ولو عاملت أخوك زي الغريب على طول حينقلب خصم وغريب.
الطيب :
وليه أبقى انا البادي على طول؟ ليه ما يكونش هو البادي.
م. الثالث :
لإنك أخوه.
الطيب :
طيب ما هو راخر اخويا.
م. الثالث :
ما هي الجدعنة في الأخوة اللي يسبق ويبتديها.
صفر :
خدوا الحكمة من أفواه المجانين صحيح، آدي التهمة الأولى.
الطيب :
والتهمة التانية؟
صفر :
معلهش، المحكمة نسيتها. (لمفتش الصحة)
لا مؤاخذة يا سعادة البيه، قول له عليها.
الدكتور :
أقول إيه؟ دي موش تهمة، دي نكتة، دي مهزلة، دي كارثة. بقى يا راجل بعد ما تقعد 30 سنة فاشل كأخ ما تستفيدش من الدرس اللي حصل بينك وبين إخواتك على الإطلاق؟ تعيش طول عمرك محروم من اخواتك؟ وبعدين تيجي تكرر نفس الغلطة مع اولادك، نفس الغلطة.
الطيب :
نفس الغلطة ازاي يا دكتور؟
الدكتور :
هو اللي حصل بينك وبين إخواتك سببه إيه؟
الطيب :
سببه ضلالهم وخراب ذمتهم.
الدكتور (مقاطعا) :
سببه إيه؟ على إيه الخناقة دارت؟
الطيب :
على الأرض اللي سابها أبونا، بس دول ...
الدكتور (مقاطعا) :
وانت سبت لاولادك إيه؟
الطيب :
قصدك الفلوس يعني؟
الدكتور :
بالضبط قصدي الفلوس، بدال ما يتخانقوا على الأرض، بقت الخناقة على إيه؟ على الفلوس.
الطيب :
كلام إيه اللي بتقوله ده؟ هو أنا عملت إلا اللي بيعمله الأبهات في كل زمان ومكان، أيوه سبت لهم فلوس وكان لازم اسيب لهم حاجة. الله! ما الدنيا ماشيه كده. الناس دي كلها بتشتغل ليه ومكهربة ليه وبتحوش ليه وبتأمن على حياتها ليه؟ موش علشان خاطر يسيبوا لاولادهم حاجة؟ تبقى الدنيا دي كلها غلطانة يعني؟ وانتم بقى مش تحاكموني انا لوحدي، ده في العالم على الأقل 500 مليون أب لازم تحاكموهم معايا، دي موش تهمة ولا نكتة؛ ده قانون.
صفر :
إلحقنا يا تالت رد على أبوك.
م. الثالث :
هو قطعا عنده حق. لا هو أول واحد عمل كده ولا آخر واحد، وله زي ما بيقول 500 مليون شريك في الجريمة، إنما نقول إيه نقول الحياة ماشية غلط يقولوا علينا مجانين، نقول الدنيا كلها عايزة تتغير يقولوا ده لازم يروح المورستان، برضه موش عارف أرد عليك، وأقول لك وأقول للخمسميت مليون اللي معاك إيه يا بابا؟ أقول بدال ما تسيبولنا فلوس نتخانق عليها ونبهدل بعض سيبولنا كلمة حلوة نتعلمها ونقدمها للناس ، سيبولنا خبرة تنفعنا، تجربة، درس، سيبولنا قيمة زرعتوها فينا أبسط قيمة، حتى الأخوة، ضرورة إن الواحد لازم يكون له أخ، القيمة اللي اتحرمت منها يا بابا كنت علمهالنا.
الطيب :
وانا كنت نبي يا ابني علشان دونا عن بقية الناس أعمل حاجة ما بيعملهاش حد أبدا؟ إنما أقول لك إيه بس؟ يمكن ما تصدقش إنما ورحمة أبويا قارون ده حصل، قبل ما اموت بيجي خمس دقائق، لما انكتم نفسي وحسيت إني حالا حموت وانا يا دوبك باتشاهد على روحي، في ثانية ما اعرفش من إيه يمكن من الرعب، مرت حياتي كلها قدام عيني، وانتو بالذات مريتوا، من يوم ما تولدتوا لغاية ما كبرتوا. وحسيت وانا شايفكو فايتين إني حزين؛ حزن جامد قوي لوحده يموت ويطلع الروح، موش حزين على نفسي إني حموت حزين عليكم انتو، حزن ما عرفتلوش سبب ساعتها، إنما بيتهيألي إني دلوقت بس عرفت، دلوقت وانا شايفك يا تالت يا ابني بتتكلم وبتقول حاجات وأفكار عمرها ما خطرت لي على بال، دلوقت بس حسيت إني كنت باعاملكم كأنكم حاجة أنا صاحبها، كأنكم ملكي، كنت مالككم موش ابوكم. فرق كبير بين إني أبقى أبو ولادي وبين إني أبقى مالكهم وللا صاحبهم، الأبوة موش حق مقدس، ده واجب، مظبوط واجب، الأبوة باللي بيعمله الأب ويستحق عليه لقب أب، أنا كنت كأني صاحب حق خايف لضيع منه، خايف لتروحوا مني والناس تنهبكم، فكنت عايز أعمل لكم سور أرض وللا سور فلوس علشان تفضلوا حتى بعد ما اموت ولادي أنا، عايز ملكيتي إنها تمتد حتى بعد موتي، أنانية. أبشع أنواع الأنانية اللي بتسموها أبوة دي، أنانية بقت قانون علشان نغيره لازم زي ما بتقول يا تالت يا ابني نغير نظام الكون، فمين بقا اللي يقدر يغير نظام الكون؟ البركة فيكو بقى وللا في ولادكم لإن باين إن انتو روخرين طالعين لنا وزيكو زينا ضحية أوضاع ما حد خد رأيكم فيها.
صفر :
قربنا شوية يا دكتور.
الدكتور :
قربنا؟ وانا حاسس اننا بنبعد. الظاهر على قد ما بنقرب بنبعد.
م. الأول :
قربنا إيه وبعدنا إيه؟ وإيه الحكمة اللي نازلة ترف عليكم دي؟ إنت يا بابا لا مؤاخذة بتخرف بتقول إيه؟ إيه اللي ولادي وانا مالكهم موش أبوهم؟ إيه اللي أبشع أنواع الأنانية قال ويسموها أبوة؟ إحنا فين؟ في جلسة تحضير ملايكة وأرواح؟ تكونوش نسيتوا إننا بني آدم؟ تكونوا نسيتو احنا مين وعايشين فين؟ إحنا هنا يا ناس على الأرض مخلوقين من طين وعايشين على التراب، وبناكل ونشرب ونكرع. الكلام اللي بتقولوه ده ينفع لكتب الإنشا والتربية والأخلاق، إنما علشان البني آدمين يعيشوا به، يفتح الله!
صفر :
مين أذن لك تكلم يا أخينا؟
م. الأول :
أذن لي الكلام الفارغ اللي قاعدين تقولوه، ما اقدرش اسمعه واسكت.
صفر :
ما اقدرش لما ييجي دورك اكلم، ودورك جاي حالا، إنت المتهم الثالث.
م. الأول :
متهم ثالث أو محكوم عليه أنا يهمني؟ المهم اني أرد لكم عقلكم، إني أفوقكم من الدوشة اللي سايحين فيها دي.
صفر :
قلنا ممنوع الكلام من غير إذن، امنعه يا دكتور من الكلام.
الدكتور :
من فضلك، إحترم النظام واسكت.
م. الأول :
ما انا ساكت بقالي سنين وسايبكم تتكلموا، كفاياكم بقى، سيبوني بقا أقول اللي في نفسي.
صفر :
امنعه بالقوة يا دكتور. لازم النظام يحترم.
الدكتور (ملوحا بالمسدس) :
قلنا تسكت يعني تسكت.
م. الأول :
اضرب، يا ريتك تضرب وتريحني، أنا مستبيع، الجدع ياخد أجلي.
الدكتور :
خلاص، نسيبه بقى يتكلم.
صفر :
إنت عايز متهم زي ده يفرض على المحكمة إرادته؟ ده مستحيل.
الدكتور :
أنا رأيي نسيبه يتكلم.
صفر :
رأيك؟ هو حد هنا له رأي غيري؟
الدكتور :
وله يا صفر، إنت حتعمل علي أنا كمان محكمة؟
صفر :
عليك وعلى اللي أتخن منك، كل واحد يحترم نفسه ويعرف مركزه كويس.
الدكتور :
ده أنا اللي معينك يا واد.
صفر :
إنت رشحتني، وما دام كلهم وافقوا يبقى انا هنا باسم الأغلبية، باسم الشعب، أنا السلطة العليا، وانا معايا الحق ورزقي على الله.
الدكتور :
ولا تسأل فيه يا أول، إتكلم.
صفر :
بتتمرد على هيئة المحكمة؟ اعتبر نفسك مرفود. أما انت يا أول فإذا أصريت على الكلام غصب عن المحكمة، فانت حر، اكلم إنما كلامك حيعتبر خارج الرول، كأنه ما حصلش.
م. الأول :
وانا يهمني؟ أنا حاكلم ولو حتى ما حدش سمعني خالص، أنا بقالي سنين عمال بالاطف واسايس وافوت وآجي على نفسي وأقول بكرة يفهموني، لا حد فهمني ولا حد عذرني، بالعكس لاقي نفسي المتهم في نظر الكل، الجاني اللي فاتح ضبه في المعارضة في الأرض، من غير ما تقولوا أنا عارف إنها في الآخر حترسى إني ابقى المجرم والمسئول. إنتو عايزين تقولوا إيه؟ بتتهمني بإيه يا تاني؟
م. الثاني :
هي تهمة؟ دي حقيقة. طمعت في أرض وخدتها وجاي بكل ندالة تدخل أخوك المستشفى علشان تنهب أرضه؟
م. الأول :
إيه رأيك بقى إني معترف إن ده حصل، معترف إني استغليت فرصة عياك وخدت أرضك، وإني جايب الثالث النهارده علشان أغدر به وآخذ أرضه، استريحت دلوقت؟
م. الثاني :
أيوه كده إظهر وبان على حقيقتك. إظهر وبان، أمال ساكت من الصبح ليه؟ وقاعد عمال تلاوع وتكدب وتكابر وتنكر.
م. الأول :
علشان من غير ألم تفوت، قاعد أدي في حقن بنج علشان تمر، إنما خلاص بقى، خليها بألمها وقرفها، خليها بعبلها، خلي كل المستخبي يبان. كنت عايز أخدره قبل ما اعمل له العملية، عارف إنها مؤلمة وبايخة وسخيفة، إنما لازم أعملها. وعلشان كده، علشان باحبه، علشان موش عايزه يتألم لأنه من طينة غير طينتنا؛ طينة ما تخلقتش للألم، قلت أدخله المستشفى، وآخد منه الأرض من غير ما يحس.
م. الثاني :
أنا موش مصدق وداني ولا عنيه، ده لازم الدنيا جرى لها وللا حا يجرى لها حالا حاجة، بقى عشت لليوم اللي اشوف فيه محمد الأول بلسانه بيعترف على نفسه يا ناس! معقول؟ ده انا من كتر ما كان بيسبك كلامه ويبرر تصرفاته، كنت في مرات بشك في نفسي وأقول يمكن انت يا واد الغلطان، ما يمكن انت ظالمه. أقسم بالله معجزة، والله حاجة تهوس، أنا لازم أكيد باحلم.
م. الأول :
أبدا، لا بتحلم ولا بتفقر ، إنت صاحي، ونا صاحي، وكلنا صاحيين، أيوه يا تاني ويا تالت، أيوه يابا ويا جد، أنا باعترف أهه إني لجأت لأخس الطرق علشان آخد بيها أرض إخواتي، كانوا يقدروا ما يحوجونيش للف والدوران والخداع ده كله ومن نفسهم يدوهالي، إنما هم رخرين من الناس اللي فاكرين إن الأرض للشخص المكتوبة باسمه، أنا الأرض عندي للي محتاجها، وانا كنت ولا أزال محتاجها، ده موش بس أدخله المستشفى، ده أنا مستعد أسجنه، أسلط عليه، أعمل ما لا يعمل علشان أوصل لغرضي. ما حد يسألني أنا باعمل كده ليه؟ أنا لا مجرم ولا نصاب ولا زي جدي غاوي فلوس، أنا بس بافترض فرض بسيط قوي، بافترض إني بكرة صحيح جات لي ذبحة زي اللي جات للمرحوم أبويا الطيب ده ومت، أنا مراتي ست بيت عادية زي أي بيت، ما تعرفش تشتغل حاجة أبدا، وأولادي أكبر ما فيهم عنده تسع سنين، فيعملوا إيه؟ يعملوا إيه في الدنيا اللي احنا عايشين فيها دي موش اللي بتكلموا عليها؟ لا؛ الدنيا الحقيقة اللي ما لوش بيت فيها بينام على الرصيف، واللي ما معهش تعريفة ما يقدرش يشتري رغيف، يعملوا إيه إلا إنهم ينزلوا الشارع؟ عارفين الغول اللي بياكل الشرف والكرامة والأعراض والأرواح؟ عارفين الشارع اللي القانون فيه هو الدراع والدراع ماسك سكين والوحوش فيه بيسموها بني آدمين؟ ولادي ومراتي يعملوا إيه فيه؟ حتى لو عازوا يشحتوا الشحاتين نفسهم حيبهدلوهم. وما دام الحرب حتحصل حتحصل، فيبقى بدل ما يحاربوا هم بعدي وهم ضعفا وعاجزين، أحارب لهم أنا وانا عايش، وما دام حسرق حسرق فمين أولى من إخواتي إني أسرق منهم؟ وما دام حا نصب حا نصب فمين أولى من إخواتي أنصب عليهم؟
م. الثاني :
ويرضي راجل طويل عريض زيك يأكل مراته وعياله مال حرام جايبه بطرق خسيسة؟
م. الأول :
ما هو يا كده يا يموتوا من الجوع، يموتوا؟
م. الثاني :
أنا عندي الموت من الجوع ألف مرة أحسن.
م . الأول :
لو مخلف ما تقولش كده أبدا، لو تصحى من النوم تلاقي قدامك خمس عيال وللا حتى عيل واحد صغير، ومسكين، ويادوبك بيعرف ينطق الكلمة وتمام شبهك، وطالع من عينيه حاجات تكهرب حاجات جواك، لو تصحى وتشوفه وتتصور ازاي ممكن يجوع بعدك وما يلقاش غطا ولا هدوم ويعيا ويكح ويموت وما يلقاش دوا، فساعتها موش تهون عليك نفسك، يهون عليك إنك تعمل بنفسك دي أي حاجة علشان ما يحصلوش كده، أنا موش كنت ابوكم، أنا كنت حيا الله أخوكم، وانتو ما كنتوش صغيرين ولا جعانين، كنتوا كبار وعايزين فلوس موش تاكلوا بيها، إنما تتعلموا بيها، ومع كده كنت مستعد انقلب مجرم ونصاب علشان أعيشكم وأكمل لكم تعليمكم، دلوقت آدي إنتم شايفني فعلا اتقلبت نصاب ومجرم، وعلى مين؟ عليكم انتم يا أغلى الناس عندي، موش لحسابي والله، لحساب الصغيرين دول. لحسابكم انتم لما كنتم صغيرين، لحساب أي صغيرين. واحنا قدهم خلينا أبونا باع الامتحانات، وهم دلوقت مخليني أجر أخويا حبيبي علشان أغدر بيه، وكل ده من غير ما ينطقوا ويقولوا عايزين، لو بس يعرفوا ينطقوا ويقولوا عايزين؛ نروح منهم فين؟
م. الثاني :
يا أخي طيب اتعظ شوية، ده حتى لو عذرناك ما نتاش شايف إن الطريقة دي ما بتضمنش مستقبل حد، ما ابوك جه يضمن مستقبلنا بطريقتك دي ضيعه. ده يكفيك تاريخ عيلتنا علشان يوريك إن المصايب ما بتحصلش إلا لما الأب اللي زيك بيحاول يحافظ على ولاده، ويجمع لهم أرض وللا فلوس. اتعظ يا أخي من اللي انت شايفه.
صفر :
اعذره، يمكن راخر ما فهمش.
م. الأول :
بالعكس، أنا شايف وفاهم كويس. وأكتر من كده متأكد إنه كلام صحيح، مظبوط. إحنا ما ضيعناش إلا كده. وعارف إن لما حاسيب لأولادي الأرض حيحصل لهم تقريبا نفس اللي حصل لنا، إنما ما اقدرش اسكت أو اتراجع عن اللي بعمله.
صفر :
أما غريبة! بقى تبقى عارف إن اللي بتعمله غلط وبرضه تعمله؟
م. الأول :
ما هو ما دام مستحيل أسيب ولادي للشارع، ولازم أعمل لهم حاجة حتى لو عارف إنها غلط حعملها ، ده واجبي، ما يهمش نتيجته إيه؟ إنما لازم اعمله.
صفر :
طيب يا أخي ما تدور على حاجة صح تعملها.
م. الأول :
منين الحاجة الصح دي؟ دلني عليها.
صفر :
وإذا دليناك، تعملها؟
م. الأول :
برضه ما اعملهاش إلا إذا جربها ناس غيري وعملوها ونجحت معاهم. وموش بس غيري ده لازم ناس قبلي، لا بد يكون أبويا عملها وصحت معاه، ما انا لازم أعمل حاجة مية مية مضمونة، ماذا وإلا أفضل اعمل اللي بتسموه غلط ده على طول.
صفر :
حد يا ابني يفضل يعمل الغلط لمجرد إن الناس بتعمله؟ لمجرد إن الصح ما حدش قبله جربه؟ في شرع مين يحصل كده؟
م. الأول :
في شرع البني آدمين، البني آدمين كده، الناس عارفة إن السجاير مضرة ومع كده بتشربها ليه؛ لأنهم بيشوفوا الناس بتشربها. هات لي حاجة واحدة الناس ما بتعملهاش لأنها في حد ذاتها مضرة، أي حاجة مضرة موش مضرة الواحد بيفضل يعملها مهما اتقال عليها لغاية ما الناس تبطل تعملها فيبطل يعملها. أنا عارف إن اللي باعمله غلط، دلوقت بالذات اتأكدت تمام إنه غلط، متأكد إن الكام فدان اللي حا اسيبهم لأولادي حيكرروا نفس المأساة، وفي يوم لا بد واحد فيهم حا يبقى مكتف التاني وعايز يزيحه من طريقه علشان ياخد نايبه، إنما صدقوني لما بقول لكم إني موش قادر أمنع نفسي، موش قادر أبطل اللي باعمله، حفضل ورا التالت لما بالرضا أو بالجريمة آخد أرضه، وحفضل ورا العشر فدادين لما حخليهم بأي طريقة عشرين. إذا كنتم عايزين تحاكموني فحاكموني بقى على كده، على عجزي ده، على البني آدم اللي فيه واللي في كل الناس، اللي يبقى عارف الغلط وموش قادر يمنع نفسه عن ارتكابه. أرجوكم أنا باكلم جد، حاكموني واحكموا علي، عاقبوني، اعملوا أي حاجة أحس بيها إني بكفر، إن الألم اللي جواي اللي طابق على زوري وخانقني بيقل ويخف، أي حاجة أرجوكم.
صفر :
إحنا من الصبح اتفقنا إن ما فيش عقاب، واحنا عند كلمتنا، عقابك إن ملكش عقاب.
م . الثالث :
ده في الحالات دي يبقى أشنع عقاب، فإيه الجريمة اللي ارتكبها علشان يعاقب بالشكل ده؟
م. الثاني :
وانت كمان اللي بتقول كده؟ ده كفاية يا أخي اللي عامله فيك النهارده.
الدكتور :
يا صفر أنا معايا المسدس.
م. الثالث :
بس هو في حالتي انا بالذات ما خدعنيش ولا ضللني، ولا عمل حاجة من دي خالص.
م. الثاني :
إزاي بقى الكلام ده.
م. الثالث :
دا الحقيقة أنا اللي خدعته وخليته إنه ممكن يدخلني المستشفى.
صفر :
إنت خدعته وللا هو اللي خدعك؟
م. الثالث :
أنا، أنا نفسي كنت عايز أروح المستشفى واستعملته كوسيلة.
صفر :
إنت؟
م. الثالث :
أيوه انا.
صفر :
طب وتعمل كده ليه؟ حد يعمل كده؟ على رأيك حد يحب يخش مستشفى أمراض عقلية هنا؟
م. الثالث :
أنا؟
صفر :
ليه، علشان إيه؟
م. الثالث :
لأني أنا الجاني الحقيقي. إنتو موش بتدوروا على الجاني، أنا الجاني.
صفر :
جاني، جنايتك إيه؟ يا ترى انت راخر عملت إيه؟ الظاهر ياما لسه حا نشوف من ولاد قارون.
م. الثالث :
أنا جنايتي كبيرة قوي، شاملة، بعدد كل حرف اتعلمته، وكل قانون من قوانين الكون عرفته، وكل سطر من كل كتاب اطلعت عليه.
صفر :
إيه ده كله، ليه؟ إنت عملت إيه؟
م. الثالث :
هربت. ساعة الجد هربت من دوري ومنكم، في وسط المعركة بدل ما اضرب فريت واستخبيت جوة نفسي.
صفر :
بس لو ما كنتوش تستعملوا الكلام اللي ما بيفهموش حد ده؟ وحتى إذا الناس فهمته عبال ما توصل لمعناه يكون المعنى طار. استخبيت جوة نفسي لما ذاتي حوصرت وانعزلت عن الذوات الأخرى. يا أولاد الذوات اللغوية إنتو، ما تقول لنا ببساطة يا أخي قضيتك، على رأيكو، إيه؟
م. الثالث :
ما هي المصيبة إن ما لياش قضية حتى ولو خسرانة، حتى لو قضية باطل. أنا من غير. أنا جريمتي كبيرة قوي، أنا العين اللي الحياة قعدت عشرة مليون سنة علشان تعملها، فلما عملتها اختارت إنها تغمض، وإذا فتحت تدعي إنها موش شايفة، وإذا شافت تدعي إنها موش عارفة، وإذا عرفت تشكك في اللي بتعرفه. أنا اللي حاطط الكلمة فوق الإنسان، والقانون فوق الحياة، والقيمة المثالي بمعنى إني عايز كل الناس تبقى مثلي. أنا اللي موش عاجبه حد والنتيجة إنه مش عاجب جد.
أنا اللي من كتر لومي لنفسي أدمنت الغلط، ومن كتر ما انا عايز اعمل حاجات ما بعملش حاجة خالص، ومن شدة تصميمي عايش متردد.
صفر :
أيوه، بس إيه اللي حصل وخلاك تفر وتستخبى زي ما بتقول؟
م. الثالث :
الحريقة زادت.
صفر :
حريقة إيه؟
م. الثالث :
اللي انا دخانها.
صفر :
برضه ما فهمتش.
م. الثالث :
الحريقة بين الأرض الكبيرة والناس الصغار. بين الحاكم والمحكوم والمحكومين والحكام، بين الظالمين لأنهم مظاليم، والخايفين من ناس خايفين، بين العلم والدجل، بين الحقيقة والكدب. الكدب عيني عينك وفي وشك وبالبنط العريض، ويا ويلك لو قلت تلت التلاتة كام.
صفر :
برضه وحياتك انت ما فهمت.
م. الثالث :
المهزلة الأرضية! كنت عايز أبقى المتفرج الوحيد على المهزلة الأرضية بس اندمجت قوي، وولعت النار، أنا مأساتي.
صفر :
مأساتك إيه بقى؟ ما انت لسه مسميها مهزلة.
م. الثالث :
ما هي مهزلة الناس، إنما مأساتي أنا.
صفر :
إيه هي الحكاية اللي بوشين دي؟
م. الثالث :
حياتنا.
صفر :
بيعجبني والله لعبكم بالكلام ده، حريفة كلام بشكل! الواحد منكم ما يسبش المعنى إلا وهو ماسكه في خانة اليك. تقدر تقول لي من غير حرفنة كده إيه اللي قومها في دماغك، وخلاك تعمل العملة دي؟
م. الثالث :
ما قدرتش اصمد. أعمل إيه؟ لا قادر أعملها زي ما أنا عايز ولا عارف أعيش فيها زي ما هي، لا أنا البطل علشان أغيرها ولا أنا أرضى إنها تغيرني.
صفر :
والنبي تسهلها علينا وعلى نفسك يا شيخ.
م. الثالث :
أقول لكم إيه بس؟ أقول لكم كنت عايش مغمض فتحت مرة، وسألت لقيت طريق السؤال صعب، إنما في نفس الوقت لقيتني موش عارف ارجع وأغمض تاني، لا انا عارف أرضى ضميري ولا قادر أسكته وارشيه، ما عادليش مكان بينكم ومكاني الحقيقي عالي . عايز صفر، لا أنا شجاع علشان أقدر أنتحر ولا جبان علشان أقدر أعيش، لا جريء علشان أسأل ولا عبيط علشان ما اسألش، فكل اللي قدرت أعمله إني أروح مع اللي ما بيسألوش. موش عن خوف أو جبن إنما عن مرض، مع المحرومين، مع القدرة على العقل والسؤال، أروح من غير شماتة، لا انا شمتان فيكم ولا عايزكم تشمتوا في، لا انا باعيركم بخيبتكم ولا انتم تعايروني بقصر ديلي. ليكم حياتكم السعيدة المزعومة، ولي ديني.
صفر :
تعرفش تقول لي يعني باختصار كده وانت محيرنا كلنا؟ حتى الدكتور الغلبان محيره معاك. إنت عاقل وللا مجنون؟
م. الثالث :
بعد كل ده ما عرفتش؟
صفر :
يمين بالله ما عرفت.
م. الثالث :
يبقى بقى تقدر تسميني العاقل جدا إلى درجة إن الناس فاهمة إنه مجنون، أو المجنون جدا إلى درجة إنه فاهم إنه عاقل.
صفر :
سلمت لك مارس خشب الله وكيل. أعمل إيه بقى؟ أصل الخيبة القوية إن المحكمة موش متنورة، قليلة الوعي لا مؤاخذة، إنما المحكمة برضه حاسة إن كلامك يترد عليه، يمين بالله لازم له رد، ما تشد حيلك يا سعادة البيه وتعمل مثقف مرة وآدي إنت أهه لابس نضارة وترد عليه. قول له والنبي كل الكلام اللي المحكمة عايزة تقوله وموش عارفة.
الدكتور :
إشمعنى دلوقت سعادة البيه؟ نسيت إنك السلطة العليا واسم الأغلبية والشعب.
صفر :
معلهش، أصل العتب على الكرسي، امسحها في دقن صفرك الغلبان اللي مالوش إلا ربنا وانت.
الدكتور :
أصل عيبي إني طيب. والحقيقة عايز فعلا أرد وأكلم. حاكم أسهل حاجة عند الثوالث دول إن الواحد منهم يتهم نفسه، أسهل حاجة إنه في صمت وكبرياء ينعزل ويحتج حتى في حياته الخاصة، يشوف اخوه عيني عينك بيتآمر عليه وعايز ياخد أرضه، فبرضه في صمت وكبرياء ينطوي ويحتج، بل أكتر من كده يجاري أخوه في كل اللي عايز يعمله، لدرجة توصله إنه يدعي إنه مجنون علشان يسهل له المأمورية، إحنا للأسف كل واحد فينا عبقري في الدفاع عن نفسه ولوم الآخرين، هو العكس على طول الخط.
صفر :
يعني خلاص؟ وصلت للحقيقة دلوقت واتأكدت إنه موش مجنون زي ما كنت عايز؟
الدكتور :
مين قال إني اتأكدت؟ أنا كنت باتكلم عن شخصيته، الشخصية اللي العلم رقى إحساسها لدرجة تقارب ضمير المتدينين المتصوفين والقديسين، شخصية زي دي صعب عليها قوي إنها تعيش في مجتمع النجاح فيه للفهلوة والحداقة والفتونة وشغل البرمجية والعصابات. مين عارف جرى لها إيه؟ مين عارف مدى التخريب اللي حصله؟
م. الثاني :
أنا عارف يا دكتور أنا عارف، ده أعقل مننا كلنا، ده قبل ما يجنن يكون واحد زيي اجنن ألف مرة.
صفر :
طيب بقى انت بالمناسبة اجننت وللا لسه؟
م. الثاني :
والله اللي تشوفه.
صفر :
أنا رأيي انت لا اجننت ولا حتجنن، إنت بس مهفوف.
م. الثاني :
الله يسامحك.
صفر :
دي موش شتيمة.
م. الثاني :
وإن كانت، الله يسامحك برضه، أنا في رأي الأول جبان، وفي رأي البوليس منفعش، وفي رأيك مهفوف. الله يسامحكم.
صفر :
دا انت موش مهفوف وبس، ده وعليك البشارة إنت المتهم الرابع كمان.
م. الثاني :
أنا؟ متهم؟ بإيه لا قدر الله؟
صفر :
بلسته طويلة أولها قطع الخلف عند عدالة المحكمة، وآخرها إنك وقفت في طريق الشر عايز تمنعه.
م. الثاني :
ومنع الشر تهمة؟
صفر :
دلوقت يا ابني بقت تهمة. الدنيا تطورت خالص وشهامتك دي بقت رجعية؟ أخوك ده راضي وأخوك ده راضي، مالك انت بقى ومالهم يا أبو الرعاش؟
م. الثاني :
أمال كنت عايزني أسيبه يوديه المستشفى؟
صفر :
وماله حيجرى إيه؟ (ستار)
الفصل الرابع
صفر :
الحكم، الحكم، استنوا، لسه ما قلناش الحكم، ما تبوظوش.
م. الثاني :
أسيب واحد عالم زي ده يروح الخانكة بالتزوير؟
صفر :
موش أحسن ما يروحها بالأصول؟
م. الثاني :
ويروحها أصلا ليه؟ هو عمل إيه علشان نمرمطه كده؟
صفر :
عمل أخطر حاجة، عايز يغير الدنيا.
م. الثاني :
وده عمل خطر؟
صفر :
يوهوه! خطر قوي؛ دا انا أسمع إن مرة زمان واحد حب يعمل عملة زي عملته دي فحرقوه بالحيا. وواحد تاني حدفوه من فوق مادنة، إحنا إيه؟ لبسناه القميص؟ ده منتهي التحضر، منتهى الإنسانية والمفهومية. الحمد لله أنا عايش في عصر القمصان موش في عصر الخوازيق.
م. الثاني :
وليه القمصان والخوازيق؟ يعملوا فيهم كده ليه؟ ما يسيبوا الناس في حالها.
صفر :
علشان هم موش عايزين يسيبوا الناس في حالها، عايزين يغيروهم، فالناس بيحرقوهم.
م. الثاني :
يعني كنت عايز اسيب الشر ياخد مجراه؟
صفر :
طبعا تسيبه. وإذا كان أخوك حيثبت إنه (يلتفت للدكتور)
اسمه إيه ده يا دكتور؟
الدكتور :
متنبي، نبي، صاحب رسالة.
صفر :
حيبان، وإذا كان لا متنبي ولا حاجة، إذا كان زي (ملتفتا للدكتور)
زي اسمه إيه ده؟
الدكتور (بعد فترة يرفض الدكتور فيها أن يجيب مباشرة معذبا صفر) :
مسيلمة الكذاب.
صفر :
مسيلمة الكذاب برضه حيبان. حيث انت خسرت الطبخة يا أبو طحينة وشهامة وتلات فدادين وتلت.
م. الثاني :
إنت بتتكلم جد؟!
صفر :
أمال شايفني ماسك جوزة وبتكلم؟ الناس اللي زيك التواني المتوسطين دول هم اللي بيخسروا الدنيا، عاوزين كل حاجة تمشي بالأصول، أصول إيه؟ أصولهم هم، على قد عقلهم يعني، عقلهم الفارغ المقفول، عقلهم اللي من أيام ما اتبنت مصر ما اتغيرش. ما تقدروش انتم تشوفوا حاجة تانية غير اللي انتم عايزين تشوفوه وواخدين عليه، لا تبصوا لفوق قوي ولا لتحت قوي، لا يمين قوي ولا شمال قوي، حتى لما بتشغلوا مخكم وتتصوروا ما بتتصوروش إلا حاجات زي اللي انتم شايفينها فعلا، وإيه فايدته التصور بقى إذا كان ما حيوريناش إلا اللي احنا شايفينه وللا اللي قادرين نشوفه؟ إنتم عاملين كده بصراحة زي الفرامل المزرجنة اللي لا توقف العربية ولا بتسيبها تاخد سرعتها.
م. الثاني :
أما حاجة تجنن صحيح! ده انت باينك اتجننت، إنت اتجننت يا أخينا؟
صفر :
أدب.
م. الثاني :
أدب إيه؟ يا أخي قول عقل.
صفر :
العقل يعني بتاع صنفكم ده، ده اسمح لي قلة عقل بس للأسف هو اللي حظه ضارب وسايد، إنما وحياتك إنت لا في يوم الدنيا هايجة عليكم ومطربقاها على نافوخكم يا بتوع السايد انتم والعادي والصح واللي ما يصحش. الناس زهقت خلاص ما عادتش عايزة الأعقل بتاعكم. عايزة الأسرع، الأنفع، الأنقح، إنما القوانين اللي انتم حاطينها لعقولنا دي كلبشت عقولنا وعقلت عقولنا، مع إنه اتخلق علشان يعمل كل الحاجات اللي بتبان لكم موش معقولة. الله! - طيب ما براوة عليك يا واد يا صفر ما انت بتعرف تتكلم أهوه، تعرف باكلم كويس ليه؟ لأني باتكلم بعقل موش خايف حد يتهمه بقلة العقل، سايب لا مؤاخذة عقلي هو اللي يتكلم موش معقول. والله الواحد لا يفضل يتكلم كده على طول - إنما انتم حاتتطربق على نافوخكم قريب إن شاء الله، ولغاية ما يحصل كده خليك انت قاعد تترعش. تخطي خطوة كده لقدام وعلى بال ما تعقل زي ما بتقولوا وتفكر إن كانت معقولة وللا لأ، يكون غيرك سبقك بعشرة. خليك كده لا انت أرضي زي الأول ولا سماوي زي الثالث، إنما قاعد تألق وتترعش بينهم، حاطط حكاية الحرامي قدامك زي خيال المآتة للغلط قاعد تخوف به نفسك وتمنعها إنك تتحرك أحسن تغلط، والنتيجة إنك غلبان غلب. أنا لو منك ما ابطلش عياط على نفسي.
م. الثاني :
إنت بتقول فيها؟ طيب ما انا من غير ما اتفلسف زيك كده قاعد أعيط طول النهار على نفسي (يتأثر إلى درجة البكاء الفعلي)
روح يا شيخ الله يجازيك؛ أي والله صحيح، دا انا غلبان غلب.
صفر :
اللي بعده (بلهجة الحاجب)
المتهم (يتوقف فجأة)
الله! دا ما عادش متهمين (ثم ناظرا فجأة للعسكري)
أمال إنت إيه؟
العسكري :
أنا العسكري يا افندم بتاع الأمن.
صفر :
طيب ما تيجي أما نحاكمك بالمرة.
العسكري :
علشان إيه يا افندم؟ أنا عملت حاجة؟
صفر :
يتهيألي إنك لازم عملت حاجة، لازم متهم في حاجة، باين عليك كده، أقطع دراعي يمكن لو قرصنا عليك شوية حتعترف.
الدكتور :
خلينا في الجد شوية يا صفر.
صفر :
ما إحنا من الصبح في الجد، جد علينا إيه؟
الدكتور :
يعني يا سيد قارون المحاكمة انتهت ونونو ما ظهرتش.
قارون :
وإحنا احتجنالها في إيه علشان تظهر ؟
الدكتور :
إذا كان على الحاجة إحنا محتاجين لها قوي قوي.
قارون :
في إيه؟
الدكتور :
علشان نعرف الحقيقة فين؟
قارون :
أمال كنا بنعمل محكمة ليه، موش علشان نعرف؟
الدكتور :
واحنا عرفنا؟
قارون :
لازم المحكمة عرفت.
صفر :
عرفت إيه؟
قارون :
الحقيقة.
صفر :
حقيقة إيه؟
قارون :
مين المسئول؟
صفر :
مسئول عن إيه؟
قارون :
الله؟ عن اللي احنا فيه ده.
صفر :
واحنا في إيه؟
قارون :
في المأساة دي. مين المسئول عنها؟
صفر :
إن شا الله انسخط قرد ما اعرف. ده جايز قوي كلهم مجني عليهم، وجايز قوي يكون كلهم جانيين، وجايز لا كده ولا كده من أصله، جايز المظلوم هو الجاني والظالم هو المجني عليه، جايز أي حاجة، جايز قوي إنه يطلع في الآخر أنا المسئول.
قارون :
آدي جزاة إننا خليناك قاضي، لو عملنا حد بيفهم كان زمانه عرف، إنما انت بس شاطر تقول لي القانون وعدالة المحكمة.
الدكتور :
عرفت بقى إننا لسه عايزين نونو؟
قارون :
خلاص، المحكمة تناديها.
صفر :
وعلى إيه بس؟ هي حتقدر تعمل أكتر من اللي عملناه.
قارون :
من فضلك بقى سيبنا نشتغل. نادي عليها وانت ساكت.
صفر :
حاضر، احضري يا ست نونو. (انتظار. ولا يحدث شيء.)
الدكتور :
قلنا دي مستحيل تظهر، دي تبقى معجزة، دي حتوصلنا للحقيقة، ومين الصادق ومين الكذاب. معقول ده كله يحصل قدام عنينا؟
قارون :
لا؛ إزاي؟ دي لازم تظهر، أمرنا لله، نلجأ للسلاح الأخير بقى، أنا دي علي انا (يكتسي وجهه طابعا جادا خطيرا)
باسم موتى باب الوزير والإمام الشافعي والغفير، احضري يا نونو.
الدكتور :
ما فيش فايدة بقولك.
قارون :
يبقى لازم فيه غلط في حاجة. حد فينا كدب أو مخبي حاجة، لو كان كده عمرها ما حتظهر (يفتشون في وجوه بعضهم البعض)
يا اخوانا بلاش إحراج، اللي غلطان في حاجة يطلع بيها.
صفر (يتنحنح) :
العوض على الله بقى. لا مؤاخذة يا جماعة، لا مؤاخذة يا سعادة البيه، الظاهر إن أنا اللي عملت العملية، العوض على الله بقى الأستاذ محمد الأول ده غمزني بربع جنيه قبل ما يخش علشان أسهل له المأمورية، خد يا سيدي فلوسك دي باينها حقيقي فلوس حرام، من بتوع جدك.
الدكتور :
ما دام اعترفت يبقى سماح.
صفر :
وإيه الفايدة وانا غلبان وصاحب كوم؟
قارون :
معلهش، تتعوض، يا ما لسه جايلك مجانين، نادي عليها بقى.
صفر :
الأمر لله من قبل ومن بعد؛ يا ست نونو، يا ست نونو (وهو يكاد يبكي ومع صوت عريض أجوف، وبين دهشة الحاضرين وذهولهم تدخل نونو، نفس نونو الأولى مع مسحة من النقاء والبراءة مضفاة عليها، ما إن يراها الدكتور حتى يلف حول نفسه فيبادر محمد الأول والثاني لإسناده قبل السقوط، بينما ينتفض صفر في مكانه العالي واقفا؛ لكنه لا يلبث أن يعود للجلوس حين يجد الدكتور لا يستسلم إلا للحظة، وسرعان ما يتخلص من الأول ويندفع ناحيتها) . القضية استنوا. اسمعوا الحكم. الحكم. محكمة. أربعة ثلاثة اتنين واحد. قدامي يا عسكري.
الدكتور :
أرجوكم، أنا لازم أتأكد منها. (يقترب منها متفحصا لدرجة أن يمد يده أكثر من مرة ليتأكد أنها حية وموجودة) . خايف أسألك تقول لي لأ، أطب ميت على طول.
قارون :
اسأل يا دكتور ما تخافش؟
قارون :
إنتي ... نونو ...؟
نونو :
أيوه يا دكتور.
الدكتور :
يا سلام. (يتمطى ويتثاءب وشعور بأعظم سعادة يشع منه، ولكنه ينتفض فجأة منزعجا)
بس اوعي تقولي إنك ما كنتيش هنا.
نونو :
إزاي ما كنتش هنا؟ كنت هنا يا دكتور، وبالأمارة كنت حضرتك بتسألني أنا مرات مين فيهم.
الدكتور :
يا سيدة زينب. يا سانت تريز. أنا ما عنتش عايز حاجة من الدنيا خالص، دا ولا مين يعملها، طيب ما تجرب كده وحياتك، آه، تجرب يعني؛ وتجيب لي الدرجة الرابعة أصلها عاملة معايا زي نونو تمام.
قارون :
إنت نسيت وللا إيه يا دكتور؟ ما تسألها. إنت موش عايز تعرف منها الحقيقة.
الدكتور :
مين قال كده؟
قارون :
الله! أمال كنت قاعد تعمل ده كله علشانها ليه؟ وخليتنا نلجأ للسلاح الأخير ونستعين بالسر الباتع بتاع الميتين كلهم علشان إيه ؟ موش علشان تعرف منها الحقيقة؟
الدكتور :
أبدا أبدا، أنا كنت حموت على إني أشوفها لمسألة لا تتعلق بالحقيقة أو بعيلة قارون خالص، مسألة تتعلق بي شخصيا، لو ما ظهرتش كنت حفضل السنين اللي أنا عايشها شاكك في عقلي، دلوقت أنا اتأكدت، أنا عاقل. (ثم بلهجة لا عقل فيها)
فاهم يعني إيه؟ فاهمين؟ أيوه ... أنا ... أنا الدكتور حكيم ... عاقل. ثبت إني أنا العاقل وإنكو كلكو مجانين، نونو أهي يا صفر، نونو أهي يا عسكري، يا أول وتاني وثالث نونو اللي قلتو ما شفتوهاش أهه، اقتنعتم بقى دلوقت إنكم كلكم مجانين؟
صفر :
ارمي، أهو المرة دي مخه بيطقطق بجد.
قارون :
ما تسألها يا دكتور، اسألها على الأقل كانت مختفية فين؟
نونو :
مختفية إيه؟ أنا اختفيت؟ أنا طول النهار قاعدة في الصالة برة، مستنية جوزي.
الدكتور :
جوزك! (ثم بشغف غير عاد)
جوزك مين؟ (ثم مستدركا بصرخة)
وللا بلاش. إوعى وحياتك تجاوبي، موش عايز أعرف بالمرة، كفاية إنك ظهرتي (بلهجة هائمة حالمة)
كفاية إنها ظهرت.
قارون :
طيب على الأقل اعرف هي إيه؟ هي مين؟
الدكتور (كالمنوم مغناطيسيا) :
أيوه صحيح، إنت مين؟
نونو :
أنا؟
الدكتور :
أيوه.
نونو :
عايز تعرف أنا مين؟
الدكتور :
أيوه.
قارون :
ده موش هو بس، دا احنا كلنا عايزين نعرف إنت مين؟
نونو (للدكتور بدلال) :
عايز تعرف أنا مين صحيح؟
الدكتور :
بجد صحيح.
نونو :
طيب قول لي إنت مين الأول وانا أقول لك أنا مين.
الدكتور :
أنا، أنا الدكتور. موش عارفة وللا إيه؟
نونو :
الدكتور! (ترفض بأصوات من شفتيها)
ده برواز ده، ده مجرد برواز، دي شغلتك، إنما أنا عايزة أعرف اللي جوة البرواز إيه؟ إنت الحقيقي مين؟
الدكتور :
جوة البرواز، أنا راجل عندي شهادة ومجوز ومخلف تلات ولاد، وجاني من سنة بنت رابعة.
نونو (رافضة بشفتيها) :
برضه برواز، أنا عايزة أعرف إنه من جوة جوة إيه؟ إنت إيه من غير البراويز دي كلها؟
الدكتور :
من غير براويز، أما حاجة تحير صحيح، سني 45 سنة، إيه رأيك؟
نونو :
برضه برواز، أنا عايزة أعرف إنت إيه، إيه الصورة اللي جوة البراويز دي كلها ؟
الدكتور :
الله! أما حاجة تجنن. الله! دانا باين شوية براويز جوة بعض، أنا صحيح مين من غير براويز، أنا مين؟
نونو :
أهو أنا الصورة اللي من غير برواز خالص، أنا الصورة اللي كل واحد يقدر يحط لها البرواز اللي عايزه.
الدكتور :
صورة إيه، صورة مين؟
نونو :
صورة حاجات سهلة قوي تتخيلها صعب قوي تلقاها وتلمسها، صورة معاني عايشين طول عمركم تتكلموا عنها كأنها موجودة؛ زي العدالة كأنها ممكنة، زي السعادة كأنها حقيقية، زي الحق كأنه باين. صورة بكرة اللي بتستنوه كأنه تمام غير النهارده، وييجي بكرة زي النهارده تقولوا بكرة، صورة أحلام كثيرة بتخلوها واقع وتبنوا عليه الحياة مع إنه موش موجود ولا حتى في الأحلام، صورة الأم أم، والحبيبة حبيبة موش مريضة بالحب، والإخلاص حقيقي إخلاص، صورة ابتسامة مية المية طالعة من قلب كله بيبتسم، صورة الصدق نرد بيه حتى على الكدابين، صورة انتصار خير على شر، عمر حد شاف بعينه خير حقيقي بينتصر على شر؟ صورة أمل كل الأدلة ضده وكل اللي حوالينا بينفيه، وشيء غامض زيي، شيء مالهش أبدا ضمان ما تعرفش إمتى بيحضر وإمتى بيغيب، مالكش أي سيطرة عليه، هو الوحيد اللي بيأكد ويقول: أيوه الأمل موجود، صورة فيها كل اللي موش موجود في حياتكم. إنما علشان تعيشوا لازم يكون موجود. عرفت بأه أنا مين؟
الدكتور :
الكلام زي نونو كل لما الواحد يفكر فيه بقوة، فلسه برضه ما عرفتش بالضبط إنت مين. إنت مين؟ (صوت حنيفة من الخلف)
أنا حنيفة يا حكيم. (ملتفتا بذعر)
حنيفة. الحقوني، دول ظهروا تاني.
حنيفة :
ويلحقوك ليه؟ ما تخافش، أنا مراتك بقول لك. أنا افتكرت دلوقت إحنا كنا بنتكلم في إيه؟ افتكرت علشان تصدق بس إني مراتك، علشان ما تتجننش يا حبيبي.
الدكتور :
إفتكرتي صحيح؟
حنيفة :
أي واعدم شبابي صحيح افتكرت.
الدكتور :
شبابك؟ طيب كنا بنتكلم في إيه.
حنيفة :
ده موضوع مهم جدا أنا باستغرب نسيته إزاي؟ ده أهم موضوع، ده أنا حفضل أكلمك فيه لغاية ما تشوف لك طريقة.
الدكتور :
فقعتي مرارتي بقى، إيه هو الموضوع اللي كلمتيني عليه؟
حنيفة :
موضوع صهينتك اللي موش فاهماها.
الدكتور :
صهينتي عن إيه؟
حنيفة :
عن إننا نعمل حاجة للولاد.
الدكتور :
نعمل إيه لإيه؟
حنيفة :
بقول نعمل حاجة للولاد. إنت عارف، ما حدش ضامن عمره، والكل حيشاوروا عليهم بعد عمر طويل وهم متبهدلين، ويقولوا أهم دول يا عيني ولاد حكيم، وشرف بابا أشرب ساعتها صبغة يود على طول، واعمل حسابك إحنا يا مولاي كما خلقتني ما لناش غير ماهيتنا، وبنصرفها على داير المليم.
الدكتور :
جميل يا حنفنف، أمال حنعمل لهم إيه بقى؟
حنيفة :
أنا ما ليش دعوة، ده شغلك وانت حر فيه. إنما لازم أضمن مستقبل ولادي.
الدكتور (يبدأ يتحرك في الحجرة، وكأنه يفتش عن شيء) :
فعلا، بالضبط كده لازم نضمن مستقبلهم.
حنيفة :
أيوه لازم يعيشوا كويس علشان يحبوا بعض، الفقر بيموت الحب يا حكيم.
الدكتور :
فعلا، فعلا يا حنيفة، علشان يحبوا بعض. فين القميص يا صفر؟
صفر :
أهوه يا سعادة البيه، مع العسكري أهو. عايزه ليه إن شاء الله؟
حنيفة :
أنا قلت لك وانت حر (وتخرج) .
الدكتور (وقد تناول القميص من العسكري، وراح يرتديه بمنتهى الهدوء) :
أنا حر؛ فعلا أنا حر. أنا حر. إني حر. أنا حضمن مستقبل قلت لك حر للأولاد. حنيفة الأولاد ما حدش ضامن قلبهم على بعض.
صفر :
إيه اللي عملته ده يا سعادة البيه؟
الدكتور :
عملت إيه؟ يا ضمن مستقبلهم، حضمنه قوي يا صفر، اربط لي القميص، وجمد قوي علشان نضمنه خالص. اربط وقرط يا صفر. لازم الضمان يكون جامد، ضمان حنيفة ومستقبل نونو، النجدة يا حنفنونو. أبجد هوز حطي كلمن خمسة.
صفر :
يا سعادة البيه أنا ماليش دعوة، أنا صاحب كوم. (ستار الختام.)
نامعلوم صفحہ