فتلقب الخليفة المهدي بهذا اللقب لهذا الغرض، أما الشيعة فقد اعتنقوا أيضا هذه الفكرة وقصروها على البيت العلوي.
وكانت هذه العقيدة أساسا من أسس الشيعة لا يتم التشيع إلا بها. أما عند أهل السنة فقد آمنوا بها أيضا، ولكن لا بهذه القوة التي عند الشيعة. ووضع كل الأحاديث في تأييد المهدي المنتظر. ومما يشهد بالفخار للبخاري ومسلم أنهما لم تتسرب إليهما هذه الأحاديث. وإن تسربت إلى غيرهما من الكتب التي لم تبلغ صحتهما. وذلك مثل ما وضع تملقا للدولة العباسية أن الهدي يخرج هو وأصحابه من خراسان حاملين الرايات السود، وهذا ينطبق على العباسيين دون غيرهم، وفي كل زمان يظهر مهدي تظهر أحاديث جديدة تنطبق على هؤلاء الثائرين. وقد أحصى ابن حجر الأحاديث المروية في المهدي، فوجدها نحو الخمسين وقال: إنها لم تثبت صحتها عنده.
وكما لعبت فكرة المهدي والتشيع في الغرب لعبت كذلك مثلها أو أكثر منها في الشرق. فكل حين نرى ثورة عظيمة شبت ودامت سنين، ومن ذلك ثورة الزنج في العراق. نشأت من ظلم الحكام والطموح إلى العدل. وقد ظهرت هذه الثورة على يد العبيد في البصرة، وأصلهم من زنوج أفريقيا. كانوا يعملون لمتعهد بالسباخ قرب البصرة وكان هذا السباخ أكواما عظيمة. فظهر رجل فارسي اسمه علي وقد نجح في بيان الظلم الواقع على هؤلاء العمال، وأبان لهم أن مصيبتهم ناشئة من الولاة العباسيين، فوعدهم بتحسين حالهم وضمان حريتهم، وترف عيشهم. فثاروا واستولوا على البصرة وضواحيها وبنى بلدة جديدة باللبن وسماها المختارة ... ولعله اختار هذا الاسم إيماء إلى المختار الثقفي، الذي اخترع فكرة المهدي الجديدة، وانضم البدو الذين كانوا مجاورين للزنوج إليهم، وقد نهبوا البصرة وهجموا على المسلمين أثناء صلاة الجمعة، وقتلوا ممن في المسجد ومن أهل البصرة نحو ثلاثمائة ألف، وانتدب الخليفة العباسي أخاه لتهدئة هذه الثورة التي دامت سنين، وجعلت البلاد في خطر.
القرامطة
ولم تكن ثورة القرامطة بأهل من هذه شأنا. وهي أيضا فتنة شيعية مهدوية. فقد رأينا على حين غفلة أن قد شاع في الناس أن العالم الإسلامي غارق في الجهل والظلم، وأن لا سبيل إلى الخلاص من هذه المظالم إلا بمهدي يملأ الأرض عدلا ورحمة. فظهرت فرقة القرامطة في العراق وعلى رأسها رجل يسمى حمدان قرمط، ويقال: إن معنى قرمط باللسان الآرامي «المعلم السري» والعرب يقولون: إنها مشتقة من القرمط بمعنى القصير. وإليه تنسب الفرقة وقد ظهرت في العراق أول الأمر. وبنى حمدان هذا دارا تسمى دار الهجرة تمثلا بالنبي
صلى الله عليه وسلم . وكان يدعو إلى الاشتراكية أعني المساواة في الأموال، ويقيم أصحابه بعضهم لبعض موائد تسمى «البلغة»؛ ولذلك يطلق عليهم الفرنج شيعي العرب، ووضعوا كتبا في معتقدهم الديني لتعليم المريد. وكان للقرامطة تعاليم دينية مؤسسة على الاتصال بالله والوحي الخفي إلى زعمائهم، وكان من أفخمهم شخصيتان كبيرتان كان لهما أثر كبير في الإسلام. «الأول الحسين بن منصور الحلاج»، وهو فارسي الأصل وقد نشأ بواسط وصحب أبا القاسم الجنيد وغيره، وقال: بوحدة الوجود ومن الشعر المنسوب إليه على اصطلاح الصوفية وإشاراتهم.
أرسلت تسأل عني كيف كنت وما
لاقيت بعدك من هم ومن حزن؟
لا كنت إن كنت أدري كيف كنت
كنت إن كنت أدري كيف لم أكن
نامعلوم صفحہ