طبيعة الجزيرة العربية اضطرت جمهرة أهلها إلى التبدي؛ فهم ينتجعون المراعي، ويتتبعون مواقع القطر، فلا تستقر بهم معيشة، وهم يتزاحمون أحيانا على منابت العشب وموارد المياه، فيتقاتلون عليها، وربما غلبت قبيلة على ديار أخرى، فهم كثيرو الرحيل والمهاجرة، ولكن معظم القبائل لها منازل تنتقل فيها ولا تعدوها. ولما عني الرواة والمؤرخون بقبائل العرب وديارها، عرفوا لكل قبيلة بقاعا عاشت فيها واختصت بها.
وربما تغير قبيلة على أخرى طمعا في أموالها، لا طمعا في مراعيها، وكم شنت لذلك الغارات، واستبيحت الحرمات.
ومن أجل هذا وذاك احتاج البدوي إلى قرابة يعتز بها، وعصبية ينضوي إليها، وقبيلة يمتنع ببأسها، فالتحمت القرابات، واشتدت العصبيات، وحفظت الأنساب.
وكما اختلفت طبيعة الجزيرة بين الجنوب والشمال، اختلفت معايش القبائل في الشمال والجنوب، وامتاز أهل اليمن وما يتصل بها بضروب من الحضارة والمعيشة، حتى ذهب بعض الباحثين إلى أن عرب الجنوب أمة وحدهم، لا يمتون إلى عرب الشمال بقرابة الأصل.
ومهما يكن فقد هاجر كثير من عرب الجنوب إلى الشمال واختلطوا بقبائله، واستوطنوا مواطن بينها في نجد والحجاز والبلقاء وغيرها.
وأذكر هنا قبائل الجزيرة كما عرفت في أواخر الجاهلية، وأوائل العصور الإسلامية، وأكثر القبائل هاجر منها مهاجرون، ولكنها بقيت في ديارها، وكثير من القبائل حفظت أسماءها الأولى، وكثير منها تغيرت أسماؤها بانقسامها، وغلبة بطون منها تبسط سيطرتها وأسماءها على القبيلة كلها، ومهما يكن فلا بد من اتخاذ أسماء القبائل القديمة وديارها وسيلة إلى معرفة القبائل الحاضرة وأنسابها.
وقد قال رواتنا ومؤرخونا في العرب البائدة، وهي التي لم يكن في الجزيرة إلا أخبارها حينما جاء الإسلام، وبعض هؤلاء عرف التاريخ أخبارهم ودلت عليهم آثارهم، مثل عرب اليمن وثمود في شمالي الحجاز.
1
وأخبار القبائل البادية وأساطيرها جديرة بعناية المؤرخ والأديب، وبعضها موضوع لقصص ممتع.
وأعظم البائدة شأنا في الروايات: عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وعبيل، وعبد ضخم، وجرهم.
نامعلوم صفحہ