275

** القول في تأويل قوله تعالى :

( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ) (26)

( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) أي : يذكر مثلا ما. يقال : ضرب مثلا ، ذكره ، فيتعدى لمفعول واحد. أو صير ، فلمفعولين.

قال أبو إسحاق في قوله تعالى : ( واضرب لهم مثلا ) [الكهف : 32] أي : اذكر لهم. وعبارة الجوهري : ضرب الله مثلا أي وصف وبين. وفي شرح نظم الفصيح : ضرب المثل : إيراده ليمتثل به ، ويتصور ما أراد المتكلم بيانه للمخاطب. يقال : ضرب الشيء مثلا ، وضرب به ، وتمثله ، وتمثل به. ثم قال : وهذا معنى قول بعضهم : ضرب المثل اعتبار الشيء بغيره ، وتمثيله به. و «ما» هذه اسمية إبهامية ، وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاما ، وزادته شياعا وعموما كقولك : أعطني كتابا ما ، تريد أي كتاب كان كأنه قيل : مثلا ما من الأمثال أي مثل كان. فهي صفة لما قبلها. أو حرفية مزيدة لتقوية النسبة وتوكيدها كما في قوله تعالى : ( فبما نقضهم ميثاقهم ) [النساء : 155] كأنه قيل : لا يستحيي أن يضرب مثلا حقا ، أو البتة.

و ( بعوضة ) بدل من ( مثلا ). أو هما مفعولا «يضرب» لتضمنه معنى الجعل والتصيير. ومعنى الآية : إنه تعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ، ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها. أي لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة كما لا يستنكف عن خلقها ، كذلك لا يستنكف عن ضرب المثل بها ، كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله : ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ، إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ، ضعف الطالب والمطلوب ) [الحج : 73] ، وقال : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت ، اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ، لو كانوا يعلمون ) [العنكبوت : 41] ، وغير ذلك من أمثال الكتاب العزيز. فما استنكره السفهاء وأهل العناد والمراء ، واستغربوه من أن

صفحہ 278