الشبهات وحكم الفطرة والشرعة والعقل المؤيد بنور الوحي عليها فنقدها نقد الصيارف ، فنفى زغلها ، وعلم أن الصحيح منها : إما أن يكون قد تولت النصوص بيانه ، وإما أن يكون فيها غنية عنه ، بما هو خير منه ، وأقرب طريقا ، وأسهل تناولا لا يستفيد المؤمن البصير ، بما جاء به الرسول العارف به ، من المتكلمين سوى مناقضة بعضهم بعضا ، ومعارضته وإبداء بعضهم عوار بعض ومحاربة بعضهم بعضا ، فيتولى بعضهم محاربة بعض ، ويسلم ما جاء به الرسول.
فإذا رأى المؤمن العالم الناصح لله ولرسوله أحدهم قد تعدى إلى ما جاء به الرسول ، يناقضه أو يعارضه. فليعلم أنهم لا طريق لهم إلى ذلك أبدا ، ولا يقع ردهم إلا على آراء أمثالهم وأشباههم. وأما ما جاء به الرسول فمحفوظ محروس مصون من تطرق المعارضة والمناقضة إليه. فإن وجدت شيئا من ذلك في كلامهم ، فبدار بدار إلى إبداء فضائحهم ، وكشف تلبيسهم ومحالهم وتناقضهم وتبين كذبهم على العقل والوحي فإنهم لا يردون شيئا مما جاء به الرسول إلا بزخرف من القول يغتر به ضعيف العقل والإيمان. فاكشفه ولا تهنه تجده ( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ) [النور : 39].
ولو لا أن كل مسائل القوم وشبههم ، التي خالفوا فيها النصوص ، بهذه المثابة لذكرنا من أمثلة ذلك ما تقر به عيون أهل الإيمان السائرين إلى الله على طريق الرسول وأصحابه. وإن وفق الله سبحانه جردنا لذلك كتابا مفردا. وقد كفانا شيخ الإسلام ابن تيمية هذا المقصد في عامة كتبه ، لا سيما كتابه الذي وسمه ببيان «موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح» ، فمزق فيه شملهم كل ممزق ، وكشف أسرارهم ، وهتك أستارهم ، فجزاه الله عن الإسلام وأهله من أفضل الجزاء.
واعلم أنه لا ترد شبهة صحيحة على ما جاء به الرسول ، بل الشبهة التي توردها أهل البدع والضلال على أهل السنة لا تخلو من قسمين :
إما أن يكون القول الذي أوردت عليه ليس من أقوال الرسول ، بل يكون نسبته إليه غلطا ، وهذا لا يكون متفقا عليه بين أهل السنة أبدا. بل يكون قد قاله بعضهم ، وغلط فيه ، فإن العصمة إنما هي لمجموع الأمة ، لا لطائفة معينة منها.
وإما أن يكون القول الذي أوردت عليه قولا صحيحا ، لكن لا ترد تلك الشبهة عليه ، وحينئذ فلا بد لها من أحد أمرين : إما أن تكون لازمة ، وإما أن لا تكون لازمة ، فإن كانت لازمة لما جاء به الرسول ، فهي حق لا شبهة ، إذ لازم الحق حق ، ولا ينبغي
صفحہ 220