فلما كان أيام الردة بعث أبو بكر، رحمة الله عليه، خالد بن الوليد إليه، فلما انتهى إلى عسكره وجده قد ضربت له قبة من أُدم وأصحابه حوله، فقال: ليخرج إلي طليحة! فقالوا: لا تصغر نبيًا هو طلحة، فخرج إليه فقال خالد: إن من عهد خليفتنا أن يدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، فقال: يا خالد اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فلما سمع خالد ذلك انصرف عنه وعسكره بالقرب منه على ميل، فقال عيينة بن حصن لطليحة: لا أبا لك! هل أنت مرينا بعض نبوتك؟ قال: نعم. وكان قد بعث عيونًا له حين سار خالد من المدينة مقبلًا إليهم فعرّفوه خبر خالد، فقال: لئن بعثتم فارسين على فرسين أغرّين محجّلين من بني نصر بن قُعين أتوكم من القوم بعين. فهيأوا فارسين فبعثوهما فخرجا يركضان فلقيا عينًا لخالد مقبلًا إليهم فقالا: ما خبر خالد؟ أو قالا: ما وراءك؟ قال: هذا خالد بن الوليد في المسلمين قد أقبل فزادهم فتنة، وقال: ألم أقل لكم؟ فلما كان في السحر نهض خالد إلى طليحة فيمن معه من أصحاب رسول الله، ﷺ، فلما التقى الصفان تزمل طليحة في كساء له ينتظر زعم الوحي، فلما طال ذاك على أصحابه وألح عليهم المسلمون بالسيف، قال عيينة بن حصن: هل أتاك بعد؟ قال طليحة من تحت الكساء: لا والله ما جاء بعد! فقال عيينة: تبًا لك آخر الدهر! ثم جذبه جذبة جاش منها وقال: قبح الله هذه من نبوة! فجلس طليحة، فقال له عيينة: ما قيل لك؟ قال: قيل لي إن لك رحًا كرحاه، وأمرًا لا تنساه! فقال عيينة: قد علم الله ﷿ أن سيكون لك أمر لا تنساه هذا كذاب ما بورك لنا ولا له فيما يطالب. ثم هرب عيينة وأخوه فأدركوه وأسروه وأفلت أخوه وخرج طليحة منهزمًا وأسلمه شيطانه حتى قدم الشام فأقام عند بني جفنة الغسانيين حتى فتح الله ﷿ أجنادين وتوفي أبو بكر وأسلم طليحة إسلامًا صحيحًا وقال:
وإني من بعد الضلالة شاهد ... شهادة حقٍ لست فيها بملحد
ومنهم من تنبّى بعد في أيام الرشيد رجل زعم أنه نوح، فقيل له: آنت نوح الذي كان أم نوح آخر؟ قال: أنا نوح الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا وقد بعثت إليكم لأفي الخمسين عامًا تمام الألف سنة، فأمر الرشيد بضربه وصلبه، فمر به بعض المخنثين وهو مصلوب فقال: صلى الله عليك يا أبانا، ما حصل في يدك من سفينتك إلا دقلها! وهو الذي يكون في وسط السفينة كجذع طويل.
ومنهم رجل تنبّى في أيام المأمون فقال للحاجب: أبلغ أمير المؤمنين أن نبي الله بالباب. فأذن له، فقال ثمامة: ما دليل نبوتك؟ قال: تحضر لي أمك فأواقعها فتحمل من ساعتها وتأتي بغلام مثلك. فقال ثمامة: صلى الله عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته أهون علي من إحضارك أمي ومواقعتها!
محاسن أبي بكر
رضوان الله ورحمته عليه
روي عن ابن عمر، ﵄، قال: دخل رسول الله، ﷺ، المسجد وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله فقال: هكذا نبعث يوم القيامة.
وقال، ﷺ: إن الله ﵎ أيدني من أهل السماء بجبريل وميكائيل ومن أهل الأرض بأبي بكر وعمر، ورآهما مقبلين فقال: هذان السمع والبصر.
وروي عن ابن عمر، ﵄، أنه قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم.
وروي عن عمر، ﵁، أنه قال: أمر رسول الله، ﷺ، بالصدقة ووافق ذلك مالًا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئته بنصف مالي، فقال رسول الله، ﷺ: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: النصف، وجاء أبو بكر بكل ماله، فقال له النبي ﷺ: ما أبقيت لأهلك؟ قال: الله حقًا ورسوله، فقلت: والله لا أسبقك إلى شيء أبدًا.
وعن عمر، ﵁، أنه قال: وددت أني شعرة في صدر أبي بكر، ﵁.
وعن عطاء عن أبي الدرداء أنه مشى بين يدي أبي بكر، ﵁، فقال له رسول الله، ﷺ: المشي بين يدي من هو خير منك، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر.
وعن علي بن أبي طالب، رضوان الله ورحمته عليه، قال: قال النبي، ﷺ: يا علي هل تحب الشيخين؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: لا يجتمع حبك وحبهما إلا في قلب مؤمن.
1 / 15