96

The Keys to the Unseen

مفاتيح الغيب

ناشر

دار إحياء التراث العربي

ایڈیشن نمبر

الثالثة

اشاعت کا سال

١٤٢٠ هـ

پبلشر کا مقام

بيروت

اصناف

تفسیر
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَأَنْ أَكْسِرَ الْمَعَازِفَ وَالْأَصْنَامَ، وَأَقْسَمَ رَبِّي عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَشْرَبَ عَبْدٌ خَمْرًا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ إِلَّا سَقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» فَقَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طينة الخبال؟ قال: «صديد أهل جهنم» . نفس الشيء ذاته وحقيقته: وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفْسَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَاتِ الشَّيْءِ، وَحَقِيقَتِهِ، وَهُوِيَّتِهِ، وَلَيْسَ عِبَارَةً عَنِ الْجِسْمِ الْمُرَكَّبِ مِنَ الْأَجْزَاءِ، لِأَنَّ كُلَّ جِسْمٍ مُرَكَّبٌ، وَكُلَّ مُرَكَّبٍ مُمْكِنٌ، وَكُلَّ مُمْكِنٍ مُحْدَثٌ، وَذَلِكَ/ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ فَوَجَبَ حَمْلُ لَفْظِ النَّفْسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي لَفْظِ الشَّخْصِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَتِهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذَلِكَ بَعَثَ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ» . وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الشَّخْصِ الْجِسْمَ الَّذِي لَهُ تَشَخُّصٌ وَحَجْمِيَّةٌ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ وَالْحَقِيقَةُ الْمُعَيَّنَةُ فِي نَفْسِهَا تعينا باعتباره يمتاز عن غيره. هل يقال لله «النور»: الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ إِطْلَاقُ لَفْظِ النُّورِ عَلَى اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النُّورِ: ٣٥] وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَرُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: نُقِلَ عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُ الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فِي ظُلْمَةٍ، ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ شَيْءٌ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَ فَقَدْ ضَلَّ» فَلِذَلِكَ أَقُولُ: جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ هَذَا النُّورُ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ النُّورَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَوْ كَيْفِيَّةً فِي جِسْمٍ، وَالْجِسْمُ مُحْدَثٌ فَكَيْفِيَّاتُهُ أَيْضًا مُحْدَثَةٌ، وَجَلَّ الْإِلَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُحْدَثًا. الثَّانِي: أَنَّ النُّورَ تُضَادُّهُ الظُّلْمَةُ، وَالْإِلَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ضِدٌّ. الثَّالِثُ: أَنَّ النُّورَ يَزُولُ وَيَحْصُلُ لَهُ أُفُولٌ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْأُفُولِ وَالزَّوَالِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ عَقِيبَ هَذِهِ الْآيَةِ مَثَلُ نُورِهِ [النُّورِ: ٣٥] فَأَضَافَ النُّورَ إِلَى نَفْسِهِ إِضَافَةَ الْمِلْكِ إِلَى مَالِكِهِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ لَيْسَ بِنُورٍ، بَلْ هُوَ خَالِقُ النُّورِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: فَمَا الْمُقْتَضِي لِحُسْنِ إِطْلَاقِ لَفْظِ النُّورِ عَلَيْهِ؟ فَنَقُولُ فِيهِ وجوه: الأول: قرأ بعضهم «لله نور السموات وَالْأَرْضِ» وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَالشُّبْهَةُ زَائِلَةٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَوِّرُ الْأَنْوَارِ وَمُبْدِعُهَا وَخَالِقُهَا، فَلِهَذَا التَّأْوِيلِ حَسُنَ إِطْلَاقُ النُّورِ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ بِحِكْمَتِهِ حَصَلَتْ مَصَالِحُ الْعَالَمِ. وَانْتَظَمَتْ مُهِمَّاتُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ كَانَ نَاظِمًا لِلْمَصَالِحِ وَسَاعِيًا فِي الْخَيْرَاتِ فَقَدْ يُسَمَّى بِالنُّورِ، يُقَالُ: فُلَانٌ نُورُ هَذِهِ الْبَلَدِ، إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ بِالْإِيمَانِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مِنْ جِنْسِ الْأَنْوَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْأَخْبَارُ: أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: نُورٌ عَلى / نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ

1 / 116