الأطفال الخاملون من الناحية العقلية الذين
يعجزون عن التعلم والرؤية؛ فينتهون إلى الصنعة (التكنيك) والحرفة اليدوية.
ولا ينبغي أن يفهم من هذا أن أفلوطين ينكر قيمة الفعل أو يقلل من شأنها؛ ذلك أنه لا يقصد إلا أن يبين أن الفعل وجه من وجوه الرؤية، أو هو رؤية ضعيفة ناقصة، فالفعل عنده إما أن يكون نتيجة ضعف في الرؤية، يحاول به المرء أن يشغل نفسه بشيء مصنوع ماثل الوجود، لكي يستعيض به عن نقص الرؤية الباطنية لديه، ويملأ الفراغ الذي يحس به في نفسه، وإما أن يكون ظاهرة مصاحبة لرؤية النفس، ناجمة عن فساد أو قصور فيها، ولعل هذا هو السبب فيما ذكرناه في أول هذا الحديث من أن أفلوطين لم يكن يكترث كثيرا بتدوين مؤلفاته، ولم يحتمل، بعد أن سطره فيما يشبه الإلهام المحموم، أن يعيد قراءتها مرة واحدة.
والدرجة التالية للطبيعة هي النفس، فكما أن الطبيعة الخارجية
36
تعد رؤية ضعيفة للقوة الطبيعية الباطنة أو الطبيعة الطابعة،
37
فإن هذه القوة الطبيعية تعد كذلك رؤية ضعيفة للنفس الكلية، كما أن هذه النفس الكلية بدورها رؤية ضعيفة للعقل الذي يمثل أكمل درجات الرؤية.
رؤية النفس أوفر حظا في «الباطنية» من الطبيعة، والتي تتبدد رؤيتها في المادة الخارجية، وكلما ازدادت النفس رؤية ازدادت ميلا إلى الهدوء والسكون، أي قل نصيبها من الفاعلية؛ لأنها لا تعود تبحث عن شيء خارجها، بل تستريح في ذاتها؛ حيث تجد هناك كل ما تتوق إليه.
ولكن لما كانت النفس لا تملك المرئي ملكا باطنيا كاملا؛ فإنها تسعى إلى درجة أعلى من الرؤية، وتلك هي درجة العقل المفكر في نفسه؛ فالنفس إذن تشغل من هذا السلم الصاعد مكان الوسط، بين اتجاه الطبيعة إلى الخارج اتجاها كاملا وبين الاتجاه إلى الباطن اتجاها تاما عند العقل، فإذا كانت قوة الطبيعة تتبدد عند الرؤية في عالم المادة الخارجية، فإن العقل يظل مع نفسه فحسب، خالصا للتفكير الخالص في نفسه، هنا يتحد الرائي والمرئي، ويتعانق الفكر والوجود. إن العقل الذي يفكر في نفسه، أو - إن شئنا الدقة - الذي يفكر نفسه هو الحياة الأولى، أو هو الحياة التي تهب نفسها الحياة، أو هو الرؤية الحية.
نامعلوم صفحہ