طارد الفرح والخوف،
وابتعد عن الأمل
يبتعد عنك الألم؛
فالنفس تتعكر،
وتغل في القيود
إن تحكما فيها.
وصمت السجين قليلا، فاستطردت تقول: إن كنت قد أدركت علة مرضك، فلا بد أنك تتحرك شوقا إلى حظك الماضي، وتقنع نفسك بأن التغيير الذي أصابه قد غير الكثير من روحك وعقلك. ولكنني أعرف هذا الكائن الخرافي، وأعرف نفاقه وألعابه الساخرة، ولو تذكرت حقيقته معك؛ لتبينت أنك لم تستفد منه ولا خسرت بفقده شيئا، ولست في حاجة إلى تذكيرك بهذا، فقد طالما هاجمته بكلمات وأفكار استقيتها من مملكتي المقدسة. وكل تغيير مفاجئ لا بد أن يترك أثره على النفس، وينتزعها من راحتها ولو إلى حين. وعلي الآن أن أبصرك بحقيقة ما يدور في باطنك.
ما هذا الذي رماك بالحزن والألم؟ أنت تحسب أن الحظ أدار ظهره لك ولكنك مخطئ، فتلك هي طبيعته وذلك دأبه، ولقد كان مخلصا لطبيعته حين راح يتملقك ويغريك بالسعادة. لقد تبينت النظرة الزائفة التي أطلت من هذا الكائن الإلهي الأعمى، كانت تتخفى عن سواك فإذا بها تكشف لك عن نفسها، هل تحزنك خيانتها؟ إذن فتذكر عبثها بك، واحتقر لعبتها الباطلة. إن ما يسبب الآن لك الغم كان خليقا بأن يجلب لك السلام؛ فلقد تخلى عنك شيء لا يأمن له أحد، ولا يشك في أنه سيتخلى عنه ذات يوم، أم تحسب أن للحظ قيمة، وأنت لا تجهل أنه زائل؟ وهل تعز عليك سعادة تعلم أن بقاءها موضع شك، وأن اختفاءها يجلب الحزن؟ إن العاقل لا يحكم على ما يراه بل يعتبر بالخواتيم، وتقلب الحظ يعلم من يريد التعلم أن خطره لا يخيف وإغراءه لا يخدع، إنك إن أسلمت الشراع للريح فلن تبلغ الشاطئ الذي تريد، بل ستصل إلى حيث تدفعك. وما دمت قد خضعت للحظ فعليك أن تسلم بأحكامه، أم هل تريد أن توقف عجلته الدائرة؟ يا أشد الفانين حمقا! إنها إن بدأت تستقر، فلن تكون إذن هي عجلة القدر! ستقول لك آلهة البخت والنصيب: لماذا تتهمني فتبالغ في الاتهام؟ أي ظلم ألحقته بك؟ أتقول: إنك كنت تملك الثروة والجاه؟ ولكن متى بقيت ملكا للبشر الفانين؟ حين خرجت عاريا من بطن أمك رعيتك وتعهدتك بعنايتي، ولكنني يحلو لي الآن أن أكف يدي عنك، فبأي حق تشكو من ضياع شيء لم تكن تملكه؟ إن الثروة والجاه خاضعان لي، يأتيان معي ويذهبان متى ذهبت، بأي حق يكرهني البشر على ما ليس في طبعي، إن عجلتي تدور إلى أعلى وإلى أسفل، فاصعد معها إن شئت، ولكن لا ترمها بالظلم إن هبطت بك. وما الذي تقوم عليه الفجيعة في المأساة، إن لم يكن هو القدر الذي يخرب الممالك ويخبط بضرباته خبط عشواء؟ ألم تتعلم وأنت صبي أن هناك وعائين عند عتبة زيوس: أحدهما مليء بالعذاب والألم، والآخر بالهناء والفرح؟
8
ألم تغرف من الوعاء الأخير ما يزيد عن غيرك؟ وهل تخليت عنك يوما كل التخلي؟ أتريد أن تخضع لقانون وضعته لنفسك دون القانون الذي يطيعه الجميع؟
نامعلوم صفحہ