رفيع، لا يصل إليه عادة إلا النابهون بعد أن تمهد لهم الطرق ويسبقهم الرواد، فإذا ما وصل المؤلف إلى ما وصل إليه بعد أن شق طريقه في الصخر وكان الرائد لنفسه ولغيره، فتلك هي العبقرية الفذة، أو هو فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ولقد ساعد المؤلف على الوصول إلى ما وصل إليه، أنه رجل ذو هدف في الحياة، وأنه من أصحاب المثل العليا الذين يعملون ويقولون لوجه الله، فأمده الله جل شأنه بعونه، ورزقه الفهم لدينه وشريعته.
ويلوح أن المؤلف قد عانى من مرارة الاطلاع على كتب الفقه ما عانى، فأخذ على نفسه أن يوطىء الفقه لطلابه. ثم رأى الفقه الإسلامي في ترتيبه وتبويبه وربط فروعه بأصوله متأخرأ قرونا عن الفقه الحديث، فأخذ على نفسه أن ينقل الفقه الإسلامي عبر هذه القرون الطويلة نقلة واحدة يلحقه بالفقه الحديث، فوفقه الله إلى ما أراد، فوطأ الفقه الإسلامي لكل طالب، ونقله بخطوة واحدة جبارة من العصر العباسي إلى عصرنا الحديث فإذا هذا الفقه الغني القوي الذي كان ملتفا في ثوبه العتيق القديم يخرج على الناس في ثوبه الجديد فتيا مشرقا يزاحم الفقه كله بمنكبيه، ويعلن لناس أن فقه الإسلام هو الفقه وأن شريعته هي الشريعة وأن ما اختاره الله لناس هو الخير كل الخير للناس لو كانوا يعلمون والمؤلف الجليل يعلم وهو يقدم على هذا العمل الجليل أنه يقدم على عمل أجل وأعظم من أن يقوم به فرد، وأن هذا العمل يقتضي أن تعاون عليه جهود جماعة من الأساتذة العلماء المطلعين على الفقه الاسلامي والحقوق الحديثة في مصادرها وأساليبها الأجنبية . ولكن الحاجة الملحة إلى السرعة ومسابقة الزمن قضت بأن يقدم على حمل هذا العب الثقيل الذي ينوء بالعصبة أولي القوة مستمدا من الله العون .
ولقد أمده الله بعونه فوفقه إلى أن يخرج كتابأ جامعا لأصول الفقه الإسلامي والنظريات العامة التي تبنى عليها الأحكام في لغة قوية تسيل
صفحہ 6