مدینہ فاضلہ
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
اصناف
34
ويقول أيضا: وبماذا يتأسى في ساعة الموت أولئك الفلاسفة أصحاب الاستقامة الذين وقع عليهم ما وقع من اضطهاد الحمقى والقسيسين الشنيعين والطغاة المسعورين إلا بأن تحامل خصومهم عليهم سيمحوه مر الأيام، وأن الخلف سيقضي لهم فيجزي أعداءهم بقدر ما جنى هؤلاء عليهم.
35
ومما له دلالته أن ديدرو يستخدم دائما في كلامه في هذه المسألة العبارتين: عاطفة الخلود الاعتداد بالخلف، فمن ذلك أن عاطفة الخلود والاعتداد بالخلف يحركان القلب ويسموان بالنفس: هما أصل كل شيء عظيم، هما الوعد الحق ليس دون غيره صدقا. وهكذا تجد أفكاره وعباراته دينية في روحها أو قل - مسيحية - وينبغي ألا يحملنا ما جرى به قلمه من الكلام على الاعتداد بالخلف بدلا من عبادة الله، وعلى رجاء خلود الذكر بدلا من رجاء الخلود في الآخرة، على أن نغفل الروح الدينية الكامنة في تفكيره وعباراته، وإليك هذا الابتهال: «أيها الخلف المطهر المقدس، غوث المضطر والبائس، أنت العادل، أنت الطاهر أبدا، أنت الذي تقتص للأخيار وتفضح المنافقين، أيها المعنى الحق المواسي، لا تذرني وحدي!»
ألا يصح أن يكون هذا ابتهال قسيس لربه؟ فقد جمع ديدرو المسألة كلها في قول سائر: إن الخلف للفيلسوف كالدار الآخرة لرجل الدين.
36
ولو قدر لديدرو أن يشهد الثورة الفرنسية لفهم نداء روبسبير للخلف، ولفهم أيضا لم سلم لوفيه أمره لقضاء الخلف، ولفهم كذلك الجيرونديين واليعاقبة، أولئك الرجال الذين توهموا أنفسهم مواطنين في لاتيوم والبلوبونيز فتحلوا بالفضائل الرومانية، وتكلفوا غير طبعهم لعلهم بذلك ينالون من تقدير الخلف ما لم يظنوا أنفسهم بالغيه لو بقوا على أصلهم،
37
ولفهم كوندرسيه خصوصا، ولفهم لم ظل وفيا لإيمانه وأعداؤه يقتفون أثره إلى حيث لقي حتفه، وصرح الآمال الواسعة التي رجاها من الثورة قد دك دكا، ولم اختطف لحظات قبل أن يدركه أعداؤه ليكتب رسالته الذائعة الصيت في معالم تقدم العقل الإنساني، إننا نعجب لهذا، ولكن ديدرو لو شاهد ذلك لما استغربه، ولو شاهده ديدرو في الأيام الأخيرة الرهيبة لقدر أن الرجل لم يكن يوما ما من حياته أكثر حاجة لسلوان الإيمان بقابلية الإنسان للكمال منه حينما واجه الموت، وحين رأى مع صورة الموت مشهدا آخر، مشهد الخلف والمستقبل، فزالت الرهبة وكان الأمن بعد الخوف. «إن مشهد الإنسانية، وقد أفلتت من عقالها، تسير قدما في طريق الحق والعدل والسعادة، يتأسى به الفيلسوف عما هو حاضر من ضلال وجرائم ومظالم تدنس العالم، وتصيبه شخصيا بأذى كبير، وإن في تأمل هذا المشهد لنعم ثواب الفضيلة، وهو الملجأ الذي ينسى فيه رجل الفضيلة ما أنزل به مضطهدوه - الملجأ الذي يعيش فيه مع بشرية استردت حقوقها وخلصت لها في طبيعتها، وينسى فيه البشرية الفاسدة تعذبها شهوات الجشع والخوف والحسد.» «وفي هذا الملجأ يحيا وأبناء جنسه الحياة الحقة، يحيا وهم في جنة أنشأها عقله وزينها حبه الإنسانية بأصفى المتاع وأخلص السرور.»
38
نامعلوم صفحہ