مدینہ فاضلہ
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
اصناف
وما الكفر إلا الاعتراف بالجهل! وإن شئت برهانا على هذا، فإنك لواجده فيما أخفاه هيوم في خزانته، وها هو ذا المتصوف النصراني ديميا، والشاك فيلو،
16
آثرا أن يسير في ركب العقل مهما كان المآل، وماذا كان المآل؟ إن العقل عاجز عن أن يجيب عن أي مسألة أساسية تتعلق بالله أو بالأخلاق أو بكنه الحياة، وهل يخلق بالفلاسفة أن يسلموا بهذا؟ أخليق بهم أن يفعلوا هذا بعد أن مضى عليهم ما يزيد على خمسين سنة، وهم يرشقون بسهام العقل والإدراك السليم معاقل الجهل والخرافة، ويملئون الدنيا ضجيجا لكي ينبهوا الغافلين، ولكي يقيموا المجتمع الإنساني على أسس أثبت بنيانا، ولكي يجعلوا الأخلاق والفضيلة في حصن أمين؟ ألا يكون فشلهم ذريعا إذا ما جاءوا بعد عجيج هذه الحرب كله، فألزموا أنفسهم بأن ينفضوا عنها تفاؤلهم، وأن ينبذوا دعواهم، وأن يبطلوا صخب الشكوى والطلب، وأن يعلنوا لعالم مترقب بصوت خافت: «أيها الناس، إن العقل ينبئنا بعد كل ما كان بأن لا إله، وأن الكون ما هو إلا مادة تتحرك من تلقاء نفسها، وبأننا - معشر الفلاسفة - لا ندري شيئا، ومثلنا مثل القسيسين الذين فضحنا جهلهم.»
على أنني لا أود أن أجعلكم تظنون أن الفلاسفة قد فتر ولاؤهم للعقل المحض؛ لأنهم اصطدموا بإشكال منطقي حال دون متابعة السير، فلم يكن هذا الاصطدام السبب الوحيد لفتورهم، بل لم يكن أهم الأسباب، كذلك لا أود أن تظنوا أن ولاءهم للفضيلة زاد اتقادا؛ لأن العقل لم يدلهم على علة مبدئية لوجود شيء اسمه الفضيلة، لا أود أن تظنوا هذا، لا لأن هذه الأسباب لم يكن لها تأثير فيهم، فالواقع في رأيي أنها كان لها تأثير، ولكنني لا أريد أن أغلو في قدرها، ويكفيني في شأنها أن أقول: إن الفلاسفة أحسوا بلا شك حاجتهم إلى سند عقلي إضافي يدعم وعود البشرى التي وعدوها للناس، ويحفظ لصناعة الفلسفة سمعتها، فلا يقولن عنها أحد إنها أفلست، فإذا ما سلمنا بهذا القدر من التعليل، وجب علينا أن نتجه اتجاها آخر لفهم موقفهم، وهذا نستطيع أن نتبينه إذا عرفنا أن التيارات الاجتماعية التي كانت تدفع الناس في ذلك العصر نحو أهدافها دفعت الفلاسفة أيضا.
وإنا لنجد في ترك هيوم للنظر الفلسفي وإقباله على دراسة التاريخ والاقتصاد والسياسة ما يدل على حدوث تغيير في الجو الفكري، وعلى ازدياد انصراف العناية نحو شئون الأمم العملية اجتماعية كانت أو سياسية، هذا بشرط أن تعالج تلك الشئون على نحو يجمع بين الجد وتدفق العاطفة، ويمثل روسو هذه الحالة الفكرية الجديدة، وإن لم يكن هو الخالق لها، وإن شئنا برهانا على هذا فلنا أن نلتمسه في صحيفة الأخبار الأدبية التي كان يشرف على نشرها فيما بين 1753 و1768 - ملشيور جريم، فلنقف هنيهة خلف هذا الرجل الكاد الجلد الشديد العزم، وهو يقلب ما ظهر من الكتب بعد منتصف القرن بقليل، لنقرأ ما يدونه عن بوالو
17
في سنة 1755، يقول: إن قراءه قليلون، فالناس قد أصبحوا قليلي الإقبال على مطالعة الهجاء، وأهم من تقرير هذه المشاهدة تعليق جريم عليها؛ قال: إن الهجاء يتطلب استخدام أخس ملكات الذهن، وهو في نفس الوقت لا يؤدي إلا إلى الهدم؛ ولذا كان في حقيقته قليل الفائدة،
18
ودون في نفس السنة أن كتاب كوندياك «في الإحساسات»
19
نامعلوم صفحہ