مدینہ فاضلہ
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
اصناف
وهل يستطيع الفلاسفة أن يقولوا إن كل شيء خير في نظر الله، دون أن يقولوا أن لا شر مطلقا في عالم الطبيعة والإنسانية يقع عليه الحس؟ وكيف يمكن أن يقولوا أن لا شر مطلقا في هذا العالم؟ ألم يبلغهم نبأ الزلزلة التي دكت مدينة لشبونة العامرة الآهلة، وجعلتها أثرا بعد عين، ونبأ الباستيل وما يجري فيه،
56
ونبأ الحشود من بني الإنسان تشهد عذاب رجال تفكك عجلة العقاب أوصالهم وتميتهم موتا بطيئا متمهلا، فيطول كربهم إلى أن تزهق أرواحهم، والناس من حولهم حاشدون شاخصة أبصارهم، لكيلا تفوتهم فائتة مما هم به مستمتعون ؟ أبعد هذا يقال أن لا شر في الدنيا؟ إن من يقول بهذا يشهد على نفسه بأن لا ذرة لديه من الإدراك الفطري، وجملة القول أن لوك مهما كان فضله، لم يأت بحل مقبول لمشكلة وجود الشر في العالم، هذا إن لم يكن قد زادها إشكالا على إشكال، بالنسبة لغير الحذرين من قرائه.
ولم يفت هيوم أن يعالج تلك القضية القديمة قدم العالم نفسه، فعل هذا قبل منتصف القرن الثامن عشر، وقلبها على جميع وجوهها، ثم سلط عليها في «محاوراته في الدين الطبيعي»، جميع ما ملكته الفلسفة الجديدة من وسائل الجدل، وأنفذ فيها نظرا ثاقبا، تزينه الرجاحة وأدب المتحضرين، وانتهى إلى أن قرر في غير هوادة ولا لين عجز العقل عن إثبات وجود الله وإرادته الخير، قال: إن الأسئلة التي سألها أبيقور قديما ما زالت بعد بلا جواب، سأل أبيقور: أيريد الله أن يمنع حدوث الشر ولكنه لا يقدر؟ إذن هو غير قادر، أيقدر على منعه ولكنه لا يريد؟ إذن هو غير مريد للخير، وإن كان قادرا ومريدا، فمن أين جاء الشر؟
57
وحشر هيوم المتصوفة المسيحيين والملحدين في فرقة واحدة بناء على اتفاقهما التام على المسألة الأساسية، وهي عجز العقل عجزا كاملا عن تعليل المسائل الأساسية، وختم كلامه بكلمة جمعت كل ما أوتيه من تهكم: «لكي يصير الأديب مسيحيا متين الإيمان سليم العقيدة، يجب عليه أن يبدأ فيلسوفا شاكا.»
58
فلو انتقل الإنسان لمحاورات هيوم من قراءة فهم وتقدير لكتب الإلهيين المخلصين والفلاسفة المتفائلين الذين كتبوا في العقود الأولى من القرن الثامن عشر، فإنه ملاق عند هيوم ما تبرد به حميته، وما يبعث في نفسه القلق والذعر.
وكان مثل الناس في عصر الاستنارة، وقد هبوا مذعورين مثل قرية أوى أهلها للقيلولة آمنين مطمئنين، وفجأة أحسوا بدعائم مساكنهم تتخلخل، وبالرجفة قادمة من بعيد لتزلزل أقدامهم.
طلعت إذن على الناس من ثنايا المقدمات البديعة للفلسفة الجديدة مشكلة نكراء حاروا بين طرفيها، فإن هم قالوا: إن الطبيعة خير، اقتضى هذا ألا يكون في العالم شر ، وإن هم قالوا: إن العالم فيه شر، اقتضى هذا ألا تكون الطبيعة خيرة بقدر ما في العالم من شر، وماذا فعل أصحابنا المستنيرون والحال كذلك، وماذا كان من أمرهم بعد أن هبوا - والعقل رائدهم وهاديهم - واثقين بأنفسهم راضين عن ألمعيتهم ليسووا عالما غير متناسب القسمات طبقا لما رسمت الطبيعة، كانوا بين حالين، إما أن يغضوا بصرهم عن وجود الحقائق الغفل، فيزعموا أن لا شر في العالم، وعندئذ فلا معوج يقومونه، وإما أن ينظروا بأعينهم فيسلموا بوجود الشر في العالم، وعندئذ لا يجدون في الطبيعة معيارا للإصلاح، لقد تبعوا العقل حيث وجههم، أهم تابعوه حتى النهاية؟ والنهاية وجهتان لا ثالثة لهما، إحداهما العودة للإيمان المسيحي، والأخرى التقدم نحو الإلحاد، فأي الوجهتين يختارون؟ وسواء اختاروا هذه أو تلك، فإن العقل سوف يختفي عن أنظارهم، ويتركهم يواجهون الحياة بلا سند، سوى الرجاء أو عدم المبالاة أو اليأس.
نامعلوم صفحہ