مدینہ فاضلہ عبر تاریخ
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
اصناف
لقد انتزع بيديه أحشاء القسيس؛
لأنه لم يجد حبلا يشنق به الملوك. (الأليتورومان أو عزل ملك عن عرشه)
على أن ديدرو قد حاول، بصورة أكثر جدية، أن يقدم وصفا لمجتمع بدائي حر لا يعرف الحكومات ولا القوانين. و«ملحق رحلة بوجانفيي» وصف خيالي للعادات التي اكتشفها بوجانفيي ورفاقه عندما وطئت أقدامهم الجزيرة لأول مرة. وكان «لوي أنطوان بوجانفيي» قد اكتشف مجموعة جزر في المحيط الهادي من بينها جزيرة تاهيتي ، وذلك أثناء رحلته الكبرى التي استمرت من عام 1766م حتى عام 1769م. ولما رجع إلى بلاده نشر تقريرا عن رحلاته (1771م)، وأقبل الناس على قراءته على نطاق واسع. وبعد ذلك بعام كتب ديدرو تقريره الخيالي عن زيارة بوجانفيي لتاهيتي، وهو تقرير وجه فيه الاتهام الشديد «للحضارة» التي تقوم على القوة المسلحة والدين، ولكنه أعطاه فرصة وصف مجتمع بدائي، لا على حالته التي كان عليها، بل كما ينبغي في رأيه أن يكون. ويحتوي «الملحق»، كما يدل على ذلك عنوانه الفرعي، على هجوم عنيف على مجموعة القوانين الأخلاقية السائدة «ومساوئ ربط الأفكار الأخلاقية ببعض الأفعال المادية التي تتعارض معها». وقد حالت صراحة وعنف الانتقادات التي تضمنها الملحق دون نشره، وتم تداول المخطوطة أثناء حياة ديدرو. ولم يتم طبعه إلا بعد الثورة الفرنسية في عام 1796م.
كتب الملحق في شكل حوار، وقد عدلنا عن محاولة تلخيصه أو اقتباس فقرات من هنا وهناك، وفضلنا تقديم «وداع الرجل العجوز» بأكمله لأنه يعطي فكرة وافية عن عادات سكان تاهيتي ... (3) وداع الرجل العجوز
كان أبا لعائلة كبيرة. ولما وصل الأوروبيون نظر إليهم بازدراء، ولم تظهر عليه الدهشة ولا الخوف ولا حب الاستطلاع. حاولوا الاقتراب منه، ولكنه أدار لهم ظهره وانسحب إلى كوخه. وكشف صمته وقلقه عن الأفكار الحقيقية التي دارت في ذهنه، راح ينعى أيام المجد التي عاشتها بلاده بعد أن أفلت شمسها، ولما تهيأ بوجانفيي للرحيل وأخذت حشود الأهالي تهرول إلى الشاطئ وهم يتعلقون بثيابه ويعانقون رفاقه ويبكون، تقدم الرجل العجوز في كبرياء وتحد وقال: «ابك يا شعب تاهيتي المسكين! ابك. ليت هذه كانت ساعة وصول هؤلاء الطموحين الأشرار لا ساعة رحيلهم. سيأتي يوم تعرفون فيه بصورة أفضل. سيعودون يوما ما، وفي إحدى يديهم قطعة الخشب التي ترونها الآن معلقة بحزام هذا، وفي اليد الأخرى السيف المتدلي من حزام ذاك. بهذين سيستعبدونكم ويقتلونكم أو يذلونكم بنزواتهم ورذائلهم. ويوما من الأيام ستضعون أنفسكم في خدمتهم، وستصبحون مثلهم فاسدين، حقراء، مقززين.» «ولكنني أواسي نفسي قائلا: لقد بلغت نهاية رحلتي، ولن أعيش حتى أرى الكارثة التي أتنبأ بها. آه يا شعب تاهيتي! آه يا أصدقائي! إن لديكم وسيلة للنجاة من هذا المستقبل الفاجع، ولكني أفضل الموت على أن أنصحكم بها. ولهذا أقول لنفسي: دعهم يمضون في طريقهم دعهم يعيشون.»
ثم اتجه إلى بوجانفيي واستطرد قائلا: أما أنت، يا قائد هذه العصابة التي تطيع أوامرك، فخذ سفينتك وأسرع بالابتعاد عن شواطئنا. إننا أبرياء، سعداء، وليس بإمكانكم إلا أن تفسدوا سعادتنا. ونحن نتبع غرائز الطبيعة النقية، وقد حاولتم محو الأثر الذي طبعته على أرواحنا. كل شيء هنا ملك لكل إنسان. وقد ملأتم أسماعنا بما لا نعلمه من الفروق التي تميز بين «ملكي» «ملكك». بناتنا وزوجاتنا من حقنا جميعا. وقد شاركتمونا هذا الحق، وأشعلتم فيهن نيران العواطف التي لم يعرفنها من قبل. أصبحن مجانين بين أحضانكم، وصرتم متوحشين بين أحضانهن، بدأن يكرهن بعضهن بعضا، وقتلتم بعضكم بعضا من أجلهن ورجعن إلينا ملطخات بدمائكم. نحن شعب حر، وها أنتم قد زرعتم في بلدنا صكوك عبوديتنا في المستقبل. لستم آلهة ولا شياطين، فمن أنتم إذن، لتجعلوا منا عبيدا؟ أو رؤساء! أنت تفهم لغة هؤلاء الناس، قل لنا جميعا، كما قلت لي، ماذا كتبوا على هذا اللوح المعدني: «هذا البلد ملكنا». هذا البلد ملككم؟ ولماذا؟ ألأن أقدامكم وطئت أرضها؟ وإذا هبط تاهيتي يوما على شواطئكم، وحفر على صخوركم أو على لحاء أشجاركم: «هذا البلد ملك شعب تاهيتي» فماذا ستظنون به عندئذ؟
أنتم الأقوى! وماذا في ذلك؟ عندما كان أحدنا يأخذ شيئا تافها من أشيائكم الحقيرة التي تمتلئ بها سفينتكم، كنتم تصرخون وراءه وتنتقمون منه. ومع ذلك كنتم في أعماق قلوبكم تدبرون المكائد لسرقة بلد بأكمله. لستم عبيدا. بل تتحملون الموت ولا يتحمل أحد منكم أن يكون عبدا، وبالرغم من هذا تريدون أن تستعبدونا. أو تحسبون أن التاهيتي لا يعرف كيف يدافع عن حريته ويموت في سبيلها؟ إن التاهيتي الذي تريدون أن تضعوا تحت قبضتكم كأنه وحش كاسر هو أخ لكم. كلاكما أطفال الطبيعة، فأي حق لكم عليه كذلك من حقه عليكم؟ هل هاجمناكم عندما جئتم إلينا، هل نهبنا سفينتكم؟ هل قبضنا عليكم وعرضناكم لسهام أعدائنا؟ وهل قيدناكم مع الحيوانات لتكدحوا في حقولنا؟ لا. لقد احترمنا إنسانيتنا التي لا تختلف عن إنسانيتكم. اتركونا لعاداتنا التي نشأنا عليها، فهي أحكم وأشرف من عاداتكم. لا نريد أن نقايض ما تسمونه جهلنا بحضارتكم العقيمة. فنحن نملك ما هو ضروري وصالح لنا. هل نستحق الاحتقار لأننا لم نتطلع للحاجات السطحية الزائدة؟ إن لدينا ما يكفي طعامنا إذا جعنا، وما يكسونا إذا شعرنا بالبرد.
لقد دخلتم أكواخنا، فما الذي ينقصها في رأيكم؟ ابحثوا ما شئتم عما تسمونه الرفاهية، ولكن اسمحوا للعقلاء أن يكفوا عن ذلك إذا قنعوا بالخيرات التي يحصلونها بجهودهم المضنية. وإذا أقنعتمونا بتجاوز حاجاتنا المحدودة، فمتى سننتهي من كدحنا؟ ومتى نستمتع بحياتنا؟ لقد خفضنا أعمالنا السنوية واليومية الشاقة إلى أدنى حد ممكن؛ لأننا لم نجد شيئا أفضل من الراحة.
اذهبوا إلى بلادكم لتعذبوا أنفسكم كما تريدون، ولكن اتركونا في سلام. لا ترهقونا بحاجاتكم المصطنعة ولا بفضائلكم الوهمية. انظر إلى هؤلاء الرجال، أترى كم هم منتصبو القامة، أصحاء، وأقوياء البنية؟ وانظر إلى هؤلاء النساء، أترى قوامهن المعتدل، وصحتهن. ونضارتهن وجمالهن؟ خذ هذا القوس، إنه قوسي، استدع واحدا أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة من رفاقك ليساعدوك ويحاولوا ليه. إنني أستطيع ذلك بمفردي. وأنا أحرث الأرض، وأتسلق الجبال، وأخترق الغابات. بإمكاني أن أجري وأقطع فرسخا فوق السهول في أقل من ساعة وسيصعب على رفاقك الشبان أن يلحقوا بي، برغم أني تجاوزت التسعين. «الويل لهذه الجزيرة، الويل لشعب تاهيتي ولأجياله القادمة، والويل لذلك اليوم الذي زرتمونا فيه لأول مرة. إننا نعترف بمرض واحد يصيب كل البشر والحيوان والإنسان والنبات، وهو الشيخوخة، لكنكم جئتمونا بمرض آخر ولوثتم دماءنا.» «ربما تحتم علينا أن نقضي بأيدينا على بناتنا، وزوجاتنا، وأطفالنا، على كل أولئك الذين اقتربوا من نسائكم، وكل اللائي اقتربن من رجالكم.» «سوف تتشرب حقولنا دماءكم الفاسدة التي تسربت من عروقكم إلى عروقنا، وإلا فإن أطفالنا، الذين حكم عليهم أن يرضعوا الشر الذي نفثتموه في آبائهم وأمهاتهم، سينقلونه للأبد إلى ذريتهم.»
أيها الأوغاد! ستتحملون ذنب المرض المدمر الذي ستجلبه علينا قبلكم وعناقكم المشئوم أو ذنب جرائم القتل التي سنرتكبها لوقف انتشار السم.
نامعلوم صفحہ