فيظهر لنا مما تقدم أن الكنيسة بناء على أساس تعاليمها ينبغي عليها أن تبحث عن أبنائها بحثا مدققا، وتفصل الأجرب من بين خراف قطيعها الصحيح السليم لئلا يعديه، والمجمع المقدس كرئيس عال للكنيسة الروسية المستقيمة الرأي قد فعل واجباته ضد هرطقة الكونت تولستوي، وأعلن قطعه بعدل تام دون غاية طبقا للمحبة المسيحية السامية.
عظيمة هي خطيئة الكونت تولستوي أمام أمنا الكنيسة الجامعة المقدسة، ولكن رحمة الله عظيمة لا تقاس ولا تحد، وروح قدسه الإلهي الذي يكمل كل شيء يرشد ويقود الخطاة إلى الخلاص، إنه مقتدر أن يخلص وينير بنور الحق نفس الكونت الساقطة؛ لأنه جبلته وصنع يديه.
إن مؤسس الكنيسة الرب يسوع المسيح جاء إلى الأرض لكي يخلص ما قد هلك، وكان يفرح فرحا عظيما بوجود الخروف الضال «متى ص18 عدد 11 و13»، وكذلك الآن، فإن الكنيسة الأرثوذكسية بشخص ممثليها ورؤسائها توجه كل اهتمامها لخلاص أبنائها، ولا تترك في ميدان الإهمال أولئك الذين بسبب إظلام فكرهم يتجنبون عن حياة الله بسبب الجهل الذي فيهم «إفسس ص4 عدد 18»، ويبتعدون عن أمهم الكنيسة التي غذتهم بتعاليمها، وعن رعاتها الساهرون على الخراف الناطقة.
لقد جاء في منشور المجمع المقدس أن الوسائل التي استعملتها الكنيسة لرد الكونت لم تتكلل بالنجاح؛ فلذلك اهتم المجمع أيضا هذه المرة اهتماما أبويا؛ ليدعوه للرجوع إلى أحضان الكنيسة الإلهية ينبوع الخلاص على أمل أنه في أيام حياته الأخيرة المضطربة يدرك حقيقة الله، ويحب مخلصنا وإلهنا الحقيقي، ويندب أمامه خطاياه. وبناء عليه أصدر المجمع ذلك المنشور الذي أعلن به بأن الكونت تولستوي ابتعد عن الكنيسة بإرادته واختياره، ومع ذلك فقد التمس من الرب الرحوم أن يرحمه ويرده إلى طريق الخلاص والحق.
ولقد ظهر كالشمس في رابعة النهار بأن منشور المجمع المقدس لا يشتم منه رائحة القساوة، كما يدعي بعض الناس الذين أسدلت الغباوة حجابا كثيفا على عيونهم فحكموا عفوا على أمور مسلمة دون ترو وإمعان، فكان حكمهم فاسدا لا يقبله العقل السليم، وإذا كان البعض لم يزالوا ممتعضين من المجمع لإصداره مثل ذلك المنشور فليكن معلوما لديهم أن المجمع لا يستطيع أن يتصرف بخلاف ذلك ؛ لأنه للحصول على غاية الكنيسة الموكول إليها المحافظة على وديعة تعليم الإيمان الخلاصي الثمين يطلب من المجمع المقدس أن يحافظ أيضا على تعاليمها حتى لا يطرأ عليها ضرر أو تغيير، بل يبقى ذلك التعليم صحيحا كاملا بعيدا عن التحريف، وإذا وجد أحد كالهراطقة والمعلمين الكاذبين الأقدمين «ومثل الكونت تولستوي الآن» ينكرون عقائد المسيحية، ويقدحون في جوهر الإيمان المسيحي، فهل يسوغ للمجمع أن يسكت عنهم؟ أوليس أنه محق بإعلانه سقوط تولستوي بإرادته من أحضان الكنيسة؛ ليدافع بذلك عن الإيمان، ويثبت التعليم الإلهي الحقيقي، ويوطد حسن العبادة في قلوب المؤمنين؟
إن بولص الرسول معلم المسكونة العظيم يعلم تلميذه هكذا: احفظ الوديعة معرضا عن الكلام الباطل الدنس، ومخالفات العلم الكاذب الاسم الذي إذا تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان «تي ص6 عدد 20 و21»، وأيضا أوصاه بما يأتي: تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة في المسيح يسوع: احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا «2 تي ص1 عدد 12 و14». ورعاة الكنيسة المعينون حراسا لهذه الوديعة الروحية المنتشرون في سائر أقطار الأرض بأمر مخلصنا يسوع المسيح فهم خلفاء للرسل الذين سلموهم التعليم الحقيقي، ومطلوب منهم أن يعظوا رعيتهم بمواضيع توافق ظروف المكان والزمان والأحوال لأجل منفعتهم، وجلب الكل إلى طريق الحق والخلاص، ولكننا نقول، والأسف يملأ منا الجوارح، إن أناسا كثيرين لقلة إدراكهم، أو لضلالهم، أو لعدم فهمهم ومعرفتهم واجبات رؤساء الكنيسة، قد رشقوا المجمع المقدس بعبارات السفه لقطعه الكونت تولستوي، ولو علم هؤلاء قول الرسول لكفونا وكفوا أنفسهم مئونة البحث في هذا الموضوع: «أطيعوا مرشديكم، واخضعوا لهم؛ لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابا لكي يفعلوا ذلك بفرح لا آنين؛ لأن هذا غير نافع لكم.» «عب ص12 عدد 17». فكان واجب عليهم أن يتذكروا كلام الرسول القائل أيضا: «أن تعتبروهم جدا في المحبة من أجل عملهم.» «أ. تي ص5 عدد 12». ولقد ظهرت عدالة المجمع المقدس القانونية المبنية على تعاليم المسيح والرسل في حادثة تولستوي الذي اعترف بإنكاره الإيمان بالمسيح، وعقائد الكنيسة المقدسة التي لا تعتبره ابنا لها ما لم يرتد إليها من نفسه. ا.ه.
وهاك ما أجاب المطران أنطوني في 30 حزيران «يونيو» سنة 1901 رادا على كتاب تولستوي الذي أجاب به المجمع المقدس بداعي قطعه من الكنيسة.
نشر في شهر أفريل الكونت تولستوي بين الناس رسالة رد بها على ما قرره بشأنه المجمع المقدس، فرأيت من الضرورة أن أجيب عنها بكل إيجاز:
إن الكونت يؤيد برسالته صحة وعدالة ما نسبه إليه المجمع المقدس، غير أنه علق على ذلك المنشور بعض ملاحظات كان بودي أن أفندها واحدة فواحدة لو لم تكن مجلة الإرسالات الدينية كفتنا مئونة الرد عليها بما نشرته من المقالات الضافية بخصوص ذلك.
إن الكونت تولستوي ينكر برسالته، بجسارة زائدة، أن الكنيسة لم تستعمل أدنى وسيلة لرده إليها؛ بل إن المجمع المقدس بعد أن اطلع على أفكاره الدينية قطعه من الكنيسة، وأصدر بحقه حكما جائرا، وقد كذب هذا الادعاء عدة من كتابنا فلم يدعوا مجالا لقائل، وإنني في عجالتي هذه أورد بهذا الشأن شهادة رجل من أعاظم الروسيين الأتقياء هو الكونت فلاديمير بوبرنيسكي الذي ليس لي به سابق معرفة، ولكنه أرسل لي كتابا مدبجا بيراع الأسف الذي خامر فؤاده لدى اطلاعه على رسالة الكونت تولستوي التي يرد بها على المجمع المقدس، وبالأمس أرسلت كتابا ألتمس به منه إذنا بنشر كتابه؛ لأنه يتضمن شهادة واضحة لا تحتاج إلى إثبات على أن الكنيسة استعملت الوسائل الواجبة لإرشاد تولستوي وإرجاعه عن أفكاره، فأجابني الكونت بوبرنيسكي بكتاب ثان جاء فيه بعد الديباجة:
نامعلوم صفحہ