ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ناشر
مكتبة الإيمان
پبلشر کا مقام
المنصورة - مصر
اصناف
إلا هذا العالم» ولا بالنظرية المسيحية التي تزدري الحياة وتقول «ليس هذا العالم مملكتي» وطريق الإسلام طريق وسط بينهما، القرآن يرشدنا أن ندعو: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ فالتقدير لهذا العالم وأشيائه ليس حجر عثرة في سبيل جهودنا الروحية الخصبة، والرقي المادي مرغوب فيه مع أنه ليس غاية في نفسه. إن غاية جهودنا ينبغي أن تكون إيجاد أحوال وظروف شخصية واجتماعية - والمحافظة عليها إن وجدت - تساعد في ارتقاء القوة الخلقية في الإنسان، مطابقة لهذا المبدأ. الإسلام يهدي الناس إلى الشعور بالمسئولية الخلقية في كل عمل يعمله كبيرًا كان أو صغيرًا إن نظام الإسلام الديني لا يسمح أبدًا بمثل ما أمر به الإنجيل قائلًا " أعطوا ما لقيصر لقيصر وأعطوا ما لله لله "، لأن الإسلام لا يسمح بتقسيم حاجات حياتنا إلى خلقية وعملية، ليس هناك إلا خيرة فقط، خيرة بين الحق والباطل، وليس شيء وسطًا بينهما، لذلك هو يلح على العمل لأنه جزء لازم للأخلاق لا غنى عنه، ينبغي لكل فرد مسلم أن يعيد نفسه مسئولًا شخصيًا عن المحيط الذي يحيط به وكل ما يقع حوله، ومأمورًا بالجهاد لإقامة الحق ومحق الباطل في كل وقت وفي كل جهة، فإن القرآن يقول ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾، هذا هو المبرر الخلقي للحركة الإسلامي الجهادية والفتوح الإسلامية الأولى والاستعمار الإسلامي، فالإسلام استعماري إن كان لا بد من هذا التعبير، ولكن هذا النوع من الاستعمار ليس مدفوعًا بحب الحكومة والاستيلاء، وليس من الأثرة الاقتصادية للقومية في شيء، ولم يكن يحفز المجاهدين الأولين إلى الجهاد طمع في خفض من العيش ورخائه على حساب الناس الآخرين، ولم يقصد منه إلا بناء إطار عالمي لأحسن ما يمكن للإنسان من ارتقاء روحي، كما أن العلم بالفضيلة حسب تعليم الإسلام يفرض على الإنسان تبعة العمل بالفضائل. الإسلام لا يوافق أبدًا على الفصل الأفلاطوني والتفريق النظري البحت بين الفضيلة والرذيلة، بل يرى أنه من الوقاحة والرذيلة أن يميز الإنسان نظريًا بين الحق والباطل، ولا
يجاهد لارتقاء الحق وإزاحة الباطل، فإن الفضيلة- كما يقول الإسلام- تحيا إذا جاهد الإنسان لبسط سلطانها على الأرض وتموت إذا خذلها وتقاعد عن نصرتها (١» .
(١) Mohammad Asad "Leopold Weiss "، Islam At The Cross Roads Fifth Edition p. ٢٩.
1 / 112