وفلسفته الطبيعية ذرية، وهي استمرار لفلسفة ديمقريطس؛ فالعالم مركب من ذرات وخلاء، ولكن الذرات ليست خاضعة دائما لقوانين طبيعية صارمة؛ أي لفكرة الضرورة التي سادت الفلسفة اليونانية وجاءت من الدين.
والذرات عند إبيقور لها ثقل؛ ومن أجل ذلك تقع باستمرار، لا نحو مركز الأرض، بل إلى «تحت». وبين حين وآخر تنحرف بعض الذرات عن السقوط إلى تحت متأثرة بإرادة باطنة حرة. والنفس مادية ومركبة من ذرات تتخلل سائر أجزاء البدن. •••
ثم خلف إبيقور على الحديقة رؤساء يذكرهم ديوجينيس لايرتوس في تاريخه، ولكن لم يشتهر أي واحد منهم، اللهم إلا لوكريتيوس الذي عاش في روما، وكتب قصيدته المشهورة «في طبيعة الأشياء»، شرح فيها فلسفة إبيقور. ولم تعرف القصيدة في زمانه (عاش 99-55ق.م)، بل في عصر النهضة.
مدرسة الإسكندرية
لم تكد مدرسة الإسكندرية تظهر إلى الوجود حتى كسفت بنورها مدارس أثينا، وانتزعت منها راية العلم والفلسفة، واستمرت تتزعم الحركة الفكرية زهاء ثمانية قرون، من القرن الثالث قبل الميلاد عند إنشائها، إلى القرن الخامس بعد الميلاد.
تميزت المدرسة خلال هذه الفترة من الزمان بنزعتها العلمية وبخاصة العلم الرياضي، ولم يؤثر عنها في عصرها الأول قبل الميلاد الاشتغال بالفلسفة، ولكنها منذ القرن الأول بعد الميلاد أخذت تنظر في فلسفة الأديان بوجه خاص، بعد ظهور المسيحية والصراع الفكري بينها وبين وثنية اليونان والرومان وديانة قدماء المصريين، فضلا عن ديانات أخرى وافدة من الشرق؛ مثل اليهودية والزرادشتية والمانوية. وفي خضم هذه التيارات الفكرية والدينية، ظهر في الإسكندرية «الفيثاغورية الجديدة»، تحاول التوفيق بين الأديان، وهذه «الفيثاغورية الجديدة» هي الأصل الذي نبعث منه جماعة «إخوان الصفا وخلان الوفا» في القران الرابع الهجري عند المسلمين. وظهرت كذلك «الأفلاطونية المحدثة» تحاول التوفيق بين أفلاطون وأرسطو مع ميل إلى الأفلاطونية، وهذه النزعة هي التي رفع رايتها آخر كبار الفلاسفة في الزمن القديم، وهو أفلوطين الذي سنفرد لمدرسته حديثا خاصا فيما بعد.
لم يكن لثغر الإسكندرية وجود قبل أن ينشئ المدينة الإسكندر الأكبر عقب غزو مصر. توفي الإسكندر سنة 323ق.م. بعد أن وضع حدا للثقافة الإغريقية التي كانت تتميز بالتمسك بالفكر اليوناني، وقصره على نفسها، وبدأت الثقافة «الهلنستية»؛ أي تلك التي امتدت خارج بلاد اليونان في سائر العالم المعروف في ذلك الزمان، والذي أخضعه الإسكندر لسلطانه يبغي إنشاء «عالم واحد» وثقافة واحدة. ولكن المؤسس الحقيقي لهذه المدينة التي قدر لها أن تكون مركز العلم والفلسفة والثقافة في العالم الجديد، هو بطليموس الأول، الذي حكم مصر بعد موت الإسكندر، وكان صديقه ورفيق صباه، واشترك معه في حملات آسيا الصغرى، فلما أسس الإسكندرية، دفن فيها رفات الإسكندر، وأنشأ بها الفنارة إحدى عجائب الدنيا السبع، وأنشأ المتحف والمكتبة. استمر حكمه حتى سنة 285، فلما تولى ابنه (285-247) بطليموس فيلادلفوس كان حكمه امتدادا لحكم أبيه، ثم بلغت دولة البطالسة ذروة مجدها في ظل بطليموس الثالث (247-222).
كان بطليموس يعرف أن مجد الدول وارتفاع منزلتها وخلود ذكرها، يرجع في المحل الأول إلى ما يسودها من علم وعرفان، وأن دولا كثيرة كانت تمتاز بوفرة المال أو قوة السلطان، ومع ذلك زالت ولم يبق لها في التاريخ ذكر؛ لذلك اتجه بطليموس في منافسته لأثينا بوجه خاص إلى انتزاع زعامتها الفكرية عنها؛ وذلك بإنشاء مدرسة فلسفية على نسق الأكاديمية أو «اللوقيون»، فكانت مدرسة الإسكندرية أقرب إلى «اللوقيون» منها إلى الأكاديمية، بحكم أن ديمتريوس وسطراطون اللذين وضعا دعائم المدرسة كانا خليفتين على «اللوقيون». ولكن النظام الذي جرت عليه المدرسة لم يكن مشابها تماما لمدرسة أرسطو لأسباب كثيرة؛ على رأسها أن «اللوقيون» ارتبطت باسم مؤسسها وهو أرسطو، واستمرت تبث تعاليمه المشائية، ولم تتوقف مدرسة الإسكندرية على أي شخص، أو ترتبط بأي عالم أو فيلسوف، وإنما كانت مؤسسة ثقافية تهيئ للباحثين فرصة البحث، وللدارسين مهمة الدارسة. إنها أشبه بأكاديمية علوم أو معهد عال للأبحاث، مقره في ذلك الزمان «المتحف»، وباليونانية «موزايوم»، ومنه اسم المتحف حديثا كالمتحف المصري بالقاهرة
Museum ، غير أن المتاحف الحديثة أصبحت مقرا للآثار القديمة، فتغير بذلك معناها عن الزمن القديم.
والمتحف معبد أو هيكل لربات الفنون (موزايوس) التسع، وهن بنات زيوس ونيموسيني، وهذه التسع هي ربة التاريخ، والشعر الغنائي، والكوميديا، والتراجيديا، والترانيم، والرقص والموسيقى، وشعر الغزل، والفلك، والشعر الحماسي. وهذا يدل على أن اتجاه المتحف كان في الأغلب نحو الشعر بأنواعه المعروفة في اليونانية، ولكن شهرة المتحف قامت على العلوم أكثر منها على الآداب والشعر.
نامعلوم صفحہ