معرفة السنن والآثار
معرفة السنن والآثار
تحقیق کنندہ
عبد المعطي أمين قلعجي
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤١٢هـ - ١٩٩١م
٤٢٥ - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ حَسَّانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهَ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ لِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: أَبْشِرْ أَيُّهَا الْقَاضِي، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعَثَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ، وَمَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِهِ، فَأَظْهَرَ كُلَّ سُنَّةٍ، وَأَمَاتَ كُلَّ بِدْعَةٍ وَمَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ بِالشَّافِعِيِّ حَتَّى أَظْهَرَ السُّنَّةَ وَأَمَاتَ الْبِدْعَةَ، وَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِمِائَةِ بِكَ حَتَّى قَوَّيْتَ كُلَّ سُنَّةٍ وَضَعَّفْتَ كُلَّ بِدْعَةٍ،
٤٢٦ - وَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ:
[البحر الكامل]
اثْنَانِ قَدْ مَضَيَا فَبُورِكَ فِيهِمَا ... عُمَرُ الْخَلِيفَةُ ثُمَّ حِلْفُ السُّؤْدَدِ
الشَّافِعِيُّ الْأَلْمَعِيُّ الْمُرْتَضَى ... إِرْثُ النُّبُوَّةِ وَابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ
٤٢٧ - قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وَابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ.
٤٢٨ - أَرْجُو أَبَا الْعَبَّاسِ أَنَّكَ ثَالِثٌ ... مِنْ بَعْدِهِمْ سُقْيًا لِتُرْبَةِ أَحْمَدِ
٤٢٩ - قَالَ: فَبَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ حَتَّى عَلَا بُكَاؤُهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ نَعَى إِلَيَّ نَفْسِي. قَالَ: فَمَاتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ⦗٢١٠⦘.
٤٣٠ - قَالَ: وَقَرَأْتُهُ بِخَطِّ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ﵀ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
الشَّافِعِيُّ الْأَلْمَعِيُّ مُحَمَّدٌ ... إِرْثُ النُّبُوَّةِ وَابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ
٤٣١ - وَقَالَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ: «أَبْشِرْ» بَدَلَ: «أَرْجُو» ⦗٢١٢⦘.
٤٣٢ - قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ: هَذِهِ فُصُولٌ قَدَّمْتُهَا فِيمَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ ﵀ فِي الْأُصُولِ، وَمَا انْتَشَرَ مِنْ شَرَفِ أَصْلِهِ، وَكِبَرِ مَحَلِّهِ فِي أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَلِكُلِّ فَصْلٍ مِنْهَا كِتَابٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا قَالَ وَقِيلَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَشَرْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهُ مُرَادِي، وَيَتَّضِحُ بِهِ مَقْصُودِي، وَهُوَ
٤٣٣ - أَنِّي مُنْذُ نَشَأْتُ وَابْتَدَأْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَكْتُبُ أَخْبَارَ سَيِّدِنَا الْمُصْطَفَى ﷺ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَأَجْمَعُ آثَارَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا أَعْلَامَ الدِّينِ، وَأَسْمَعُهَا مِمَّنْ حَمَلَهَا، وَأَتَعَرَّفُ أَحْوَالَ رُوَاتِهَا مِنْ حُفَّاظِهَا، وَأَجْتَهِدُ فِي تَمْيِيزِ صَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا، وَمَرْفُوعِهَا مِنْ مَوْقُوفِهَا، وَمَوْصُولِهَا مِنْ مُرْسَلِهَا،
٤٣٤ - ثُمَّ أَنْظُرُ فِي كُتُبِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ قَامُوا بِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَبَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَذْهَبَهُ عَلَى مَبْلَغِ عِلْمِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَأَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ﵃ جَمِعِيهِمْ قَصَدَ قَصْدَ الْحَقِّ فِيمَا تَكَلَّفَ وَاجْتَهَدَ فِي أَدَاءِ مَا كُلِّفَ، وَقَدْ وَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْهُ لِمَنِ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَجْرَيْنِ وَلِمَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ أَجْرًا وَاحِدًا، وَلَا يَكُونُ الْأَجْرُ عَلَى الْخَطَأِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَا تَكَلَّفَ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَيُرْفَعُ عَنْهُ إِثْمُ الْخَطَأِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا كُلِّفَ الِاجْتِهَادَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﷿، ⦗٢١٣⦘
٤٣٥ - وَقَدْ نَظَرَ فِي الْقِيَاسِ فَأَدَّاهُ الْقِيَاسُ إِلَى غَيْرِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ صَاحِبَهُ كَمَا يُؤَدِّيهِ الِاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ إِلَى غَيْرِ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ صَاحِبُهُ، فَلَا يَكُونُ الْمُخْطِئُ مِنْهُمَا عَيْنَ الْمَطْلُوبِ بِالِاجْتِهَادِ مَأْخُوذًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْخَطَأِ، وَيَكُونُ مَأْجُورًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَا تَكَلَّفَ مِنَ الِاجْتِهَادِ.
٤٣٦ - وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ كِتَابًا نَصًّا وَلَا سُنَّةً قَائِمَةً وَلَا جَمَاعَةً وَلَا قِيَاسًا صَحِيحًا عِنْدَهُ، وَلَكِنْ قَدْ يَجْهَلُ الرَّجُلُ السُّنَّةَ فَيَكُونُ لَهُ قَوْلٌ يُخَالِفُهَا لَا أَنَّهُ عَمَدَ خِلَافَهَا. وَقَدْ يَغْفُلُ الْمَرْءُ وَيُخْطِئُ فِي التَّأْوِيلِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ﵀ وَمَعْنَاهُ.
٤٣٧ - قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ: وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنِّي رَأَيْتُ كُلَّ مَنْ لَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ ﵏ قَوْلٌ يُخَالِفُ سُنَّةً أَوْ أَثَرًا فَلَهُ أَقْوَالٌ تُوَافِقُ سُنَنًا وَآثَارًا، فَلَوْلَا أَنَّهُ غَفَلَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي خَالَفَهُ أَوْ عَنْ مَوْضِعِ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَوْ مِنَ الْكِتَابِ لَقَالَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قَالَ بِأَمْثَالِهِ.
٤٣٨ - وَقَدْ قَابَلْتُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْوَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَبْلَغِ عِلْمِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﷿، ثُمَّ بِمَا جَمَعْتُ مِنَ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، فَوَجَدْتُ الشَّافِعِيَّ ﵀ أَكْثَرَهُمُ اتِّبَاعًا وَأَقْوَاهُمُ احْتِجَاجًا وَأَصَحَّهُمْ قِيَاسًا وَأَوْضَحَهُمْ إِرْشَادًا. وَذَلِكَ فِيمَا صَنَّفَ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَبِأَبْيَنِ بَيَانٍ وَأَفْصَحِ لِسَانٍ.
٤٣٩ - وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ تَبَحَّرَ أَوَّلًا فِي لِسَانِ مَنْ خَتَمَ اللَّهُ النُّبُوَّةَ بِهِ وَأَنْزَلَ بِهِ الْقُرْآنَ مَعَ كَوْنِهِ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ قُرَشِيَّ الدَّارِ وَالنَّسَبِ مِنْ خَيْرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مِنْ نَسْلِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ.
٤٤٠ - ثُمَّ اجْتَهَدَ فِي حِفْظِ كِتَابِ اللَّهِ ﷿ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ ﷿ حَتَّى عَرَفَ ⦗٢١٤⦘ الْخَاصَّ مِنَ الْعَامِ، وَالْمُفَسَّرَ مِنَ الْمُجْمَلِ، وَالْفَرْضَ مِنَ الْأَدَبِ، وَالْحَتْمَ مِنَ النَّدْبِ، وَاللَّازِمَ مِنَ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ، وَالْقَوِيَّ مِنَ الْأَخْبَارِ مِنَ الضَّعِيفِ، وَالشَّاذَّ مِنْهَا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَالْإِجْمَاعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ
٤٤١ - ثُمَّ شَبَّهَ الْفَرْعَ الْمُخْتَلِفَ فِيهِ بِالْأَصْلِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُنَاقَضَةٍ مِنْهُ لِلْبِنَاءِ الَّذِي أَسَّسَهُ وَلَا مُخَالَفَةٍ مِنْهُ لِلْأَصْلِ الَّذِي أَصَّلَهُ، فَخَرَجَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَقْوَالُهُ مُسْتَقِيمَةً وَفَتَاوِيهِ صَحِيحَةً،
٤٤٢ - وَكُنْتُ قَدْ سَمِعْتُ مِنَ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَجَمَعْتُ مِنْ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ مَا وَقَعَ إِلَى نَاحِيَتِنَا،
٤٤٣ - فَنَظَرْتُ فِيهَا وَخَرَّجْتُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تعالى مَبْسُوطَ كَلَامِهِ فِي كُتُبِهِ بِدَلَائِلِهِ وَحُجَجِهِ. عَلَى تَرْتِيبٍ مُخْتَصَرَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ ﵀ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى مَبْسُوطِ مَا اخْتَصَرَهُ، وَذَلِكَ فِي تِسْعِ مُجَلَّدَاتٍ
٤٤٤ - سِوَى مَا صَنَّفْتُ فِي الْأُصُولِ بِالْبَسْطِ وَالتَّفْصِيلِ.
٤٤٥ - ثُمَّ خَرَّجْتُ بِعَوْنِ اللَّهِ ﷿ سُنَنَ الْمُصْطَفَى ﷺ وَمَا احْتَجْنَا إِلَيْهِ مِنْ آثَارِ أَصْحَابِهِ ﵃ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ بِأَجْزَاءَ خُفَافٍ ⦗٢١٥⦘.
٤٤٦ - وَجَعَلْتُ لَهُ مَدْخَلًا فِي اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا لِيَنْظُرَ إِنْ شَاءَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ مَا عَرَفْتُهُ مِنْ صِحَّةِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ﵀ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
٤٤٧ - وَقَدْ وَقَعَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ إِلَى أُسْتَاذِي فِي الْفِقْهِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الشَّرِيفِ أَبِي الْفَتْحِ نَاصِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعُمَرِيِّ ﵁ فَرَضِيَهُ وَحَمِدَ أَثَرِي فِيهِ.
٤٤٨ - وَوَقَعَ الْكِتَابُ الثَّانِي وَهُوَ كِتَابُ السُّنَنِ إِلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيِّ ﵁ بَعْدَ مَا أَنْفَقَ عَلَى تَحْصِيلِهِ شَيْئًا كَثِيرًا. فَارْتَضَاهُ وَشَكَرَ سَعْيِي فِيهِ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ حَمْدًا يُوَازِيهَا وَعَلَى سَائِرِ نِعْمَتِهِ حَمْدًا يُكَافِيهَا.
٤٤٩ - وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ مَعَ هَذَا تَصْنِيفَ كُتُبٍ فِيمَا يُسْتَعَانُ بِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ، وَمَا ظَهَرَ عَلَى نَبِيِّنَا ﷺ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَاللَّهُ يَنْفَعُنَا وَالنَّاظِرِينَ فِيهَا بِمَا أَوْدَعْتُهَا بِفَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ
سَبَبُ تَأْلِيفِ كِتَابِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ
1 / 209