معقول و لا معقول
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
اصناف
وفي الليلة الثالثة عشرة [هكذا أوردها ناشرا الكتاب: أحمد أمين وأحمد الزين، ثم تتابع الخطأ إلى آخر الكتاب، وكان الصواب أن يجعلوها الليلة الثانية عشرة] قرئ بحث فلسفي عن النفس، فهي تعمل بغير عضو خاص من أعضاء البدن؛ ولذلك فهي لا تفسد بفساد البدن؛ هي جوهر لا مادي، وغير قابل للمقاييس الكمية، ثم ينتقل الحديث إلى الحركة، فهي إما من داخل، وعندئذ تكون إما حركة داخلية متواصلة، وإما حركة داخلية تسكن أحيانا، أو من خارج، وعندئذ تكون إما حركة بالدفع من خلف أو بالجر من أمام، وحركة الجسم الإنساني إنما تكون بفعل نفسي، وإذن فالنفس حية، وهي جوهر قابل لأن تطرأ عليه الأضداد دون أن يتغير هو في جوهريته، وقوام النفس بذاتها لا بكونها حالة في بدن، ومن الفوارق بين الجسم والنفس أن الجسم لا يقبل صورة إلا إذا زالت عنه الصورة التي كانت حالة فيه؛ لأن الضدين لا يجتمعان فيه، أما النفس فتقبل الصور الأضداد دفعة واحدة.
أما الليلة الرابعة عشرة فتبدأ بمعنى السكينة وأنواعها، فهناك سكينة طبيعية وأخرى نفسية وثالثة عقلية ورابعة إلهية، أما الطبيعة فهي اعتدال المزاج في العناصر الطبيعية، وأما النفسية فهي ما نسميه بالروية حين تأتي مماثلة لحكم البديهة، والسكينة العقلية هي في التئام الخواطر والأفكار، وأما السكينة الإلهية «فلا عبارة عنها على التحديد؛ لأنها كالحلم في الانتباه، وكالإشارة في الحلم، وليست حلما ولا انتباها في الحقيقة» أي إنها سكينة روحانية.
وبعد ذلك ينتقل الحديث إلى ما تشترك فيه الأمم وما تختلف فيه من صفات وخصائص، فكلها مشترك في الفطرة الواحدة، وتأتي بعد ذلك أوجه الاختلاف، فاليونان يميزهم الفكر، والهند يميزهم الوهم (أي الخيال) والعرب ميزتهم الفصاحة، والفرس السياسة، والترك الشجاعة.
وفي الليلة الخامسة عشرة حديث فلسفي عن «الممكن» و«الواجب» و«الممتنع» (وهي درجات من الصدق، فالممكن حالة يحتمل فيها القول أن يكون صادقا أو أن يكون كاذبا، والواجب حالة يتحتم فيها أن يكون القول صادقا بالضرورة التي لا تقبل احتمالا، والممتنع حالة يكون فيها صدق القول مستحيلا).
ثم ينتقل الحديث بعد ذلك إلى نقطة فلسفية أخرى، هي التفرقة بين العقل والحس؛ فالأول ثابت، والثاني متغير، ومما قاله في ذلك أن العقل يوصف بشهادة الحس، وكذلك الحس يوصف بشهادة العقل، «إلا أن شهادة الحس للعقل شهادة العبد للمولى، وشهادة العقل للحس شهادة المولى للعبد»، و«العقل يحكم في الأشياء الروحانية البسيطة الشريفة من جهة الصور الرفيعة» بالقياس إلى الحواس التي تتعلق بالفاسدات البائدات المتغيرات ... وبعد ذلك انتقل الحديث إلى مسائل لغوية.
وفي الليلة السادسة عشرة حديث عن الجبر والقدر، تعليقا على كتاب العامري المعنون «إنقاذ البشر من الجبر والقدر».
وبهذه الليلة ينتهي الجزء الأول من كتاب الإمتاع والمؤانسة، ويبدأ الجزء الثاني بالليلة السابعة عشرة، وهي الليلة التي ورد فيها ذكر إخوان الصفا ، ويقال إن هذا هو النص الوحيد الذي كشف لنا عن أفراد هذه الجماعة التي ألفت «رسائل إخوان الصفا» المشهورة، والتي عرضناها في الفقرات السابقة من هذا الفصل، ثم نقل عنه القفطي، وعن القفطي نقل سائر من كتبوا عن «الإخوان»؛ يقول التوحيدي عنهم: «وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهبا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله والمصير إلى جنته؛ وذلك أنهم قالوا: الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة ... وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال، وصنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة، علميها وعمليها، وأفردوا لها فهرستا وسموها رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء، وكتموا أسماءهم ...»
وعقب التوحيدي على ذلك بذكر بعض الآراء في تلك الرسائل، ومنها ما يدحض قولهم في أن الشريعة من الفلسفة؛ لأن الشريعة وحي إلهي، نسلم بها ولا نعللها، وهي لا تخضع للمقادير، ولا تشبه العلم الطبيعي ولا علم الهندسة، ولا تحتاج إلى المنطق، وعند اختلاف على شيء في العقيدة لا نلجأ إلى العلم، فأين الدين من الفلسفة؟ وأين الشيء المأخوذ بالوحي النازل، من الشيء المأخوذ بالرأي الزائل؟ والعقل وحده لا يكفي ولا بد معه من وحي ينزل على نبي، والنبي فوق الفيلسوف.
ثم يورد أبو حيان رد المقدسي على هذا كله؛ «فالشريعة طب المرضى والفلسفة طب الأصحاء»، ثم رد الحريري على المقدسي في مقارنة الشريعة بالفلسفة، ويورد كذلك رأي أبي سليمان المنطقي القائل بأن الشريعة والفلسفة كلتيهما حق، دون أن تكون إحداهما مأخوذة من الأخرى، وقد تجتمع الشريعة والفلسفة في رجل واحد، وقد تظهر كل منهما على حدة ...
ونقفز من الليلة السابعة عشرة، التي أجملنا حديثها، إلى الليلة الثانية والعشرين، التي دار الحديث فيها حول موضوع فلسفي عويص، هو موضوع الجزئي والكلي وإدراكهما والعلاقة بينهما، ومن أبرع ما قاله أبو حيان في ذلك - نقلا عن أبي الحسن العامري - «الكل مفتقر إلى الجزئي، لا لأن يصير بديمومته محفوظا، بل لأن يصير بتوسطه موجودا، والجزئي مفتقر إلى الكلي، لا لأن يصير بتوسطه موجودا، بل لأن يصير بديمومته محفوظا (أي إن الكلي بحاجة إلى الجزئي ليتجسد فيه وجودا فعليا، والجزئي بحاجة إلى الكلي ليدوم).
نامعلوم صفحہ