إن استهدافي للغضب الملوكي ليس بالأمر الحادث، ولكنه مستمر منذ أربع سنوات، وإذا وجب أن يميز من حل بهم ذاك الغضب سهل تعيين الفئة التي ينبغي أن أحشر في عدادها. غير أن حضوري مذاكرات هذا المؤتمر ليس تذرعا للشهرة؛ فهو إذن منزه عن كل غرض ذاتي.
يذكر مولاي الأعظم أنه قال ذات يوم للمرحوم خليل باشا شريف: «إني مغرم بكلمة الحق.» ولقد بشرني المرحوم بهذه البشارة الملكية، وتعاهدنا كلانا منذ ذلك ألا نحيد عن كلمة الحق.
قرأت ما ينشره هذا المؤتمر من زمن مديد، واطلعت على اللوائح التي رفعها إلى الأعتاب الشاهانية. ولما كانت هذه المنشورات بمثابة كلمة حق في وصف الدمار الذي بانت فيها الممالك المحروسة الشاهانية؛ رأيت أن أحضر مذاكرته عند نزولي بباريس.
فشهدت من الجميع منتهى الود والولاء للمقامي الملوكي وللوطن والأمة، ورأيت الجميع باكين لحال الوطن الذي بات على شفا الفناء، فهاجني ذلك وتذكرت أن مولاي كان مغرما بكلمة الحق، فظننت وا أسفاه أنه ربما تسلى عن ذاك الغرام. ولكن هز فؤادي ما عاهدت الله عليه وأيقنت أن العشق يزول والعهد يبقى.
لما زرت الآستانة منذ أربع سنوات أوصاني بعض المقربين بأن أرفع إلى مولاي عريضة أستقيل بها من هفواتي. ولما لم يكن لي علم بهفوة تكون سبقت لي لم أقدم على هذا الأمر؛ فقد تغيرت سياسة مولاي مع الإنكليز وذهب الرضاء الذي كان توسط لي في نيله المرحوم السير هانري لاير. وإني لأتلقى بكل ارتياح توسط الإنكليز لي في إحراز رضاء مليكي. بلى، أشكر اليوم ما أصابني من الغضب الملوكي، وإن في بعدي عن مشاهدة ما وقع بالآستانة من الزلازل وما نزل بالرعية من الفقر وما جرى من دماء المظلومين الذي ذبحوا كما تذبح الأضحية وعن سماع استغاثات المظلومين وتأوهاتهم ما يسليني وما أحمد الله على بعدي عنه. وسأستمر لذا على العمل بنص الأمر الملوكي الذي أبلغتنيه الحكومة المصرية غير رسمي ما دامت لي الحياة.
على أني لا أبرح داعية بطول عمر مولاي وبقاء دولته، ولا أبرح داعية بأن يعود له سالف غرامه بكلمة الحق. فإذا قدر الإله ليزولن بؤس اليوم كما تزول الرؤيا المفزعة، فيصبح سعيدا مهنأ، ويلفي رعيته في رغد بالاتحاد والحرية؛ فإن رعيته لا تريد منه إلا أن يكون أبا مشفقا. لعلي تجاوزت الحد وأسأت البيان، فلست أدري مبلغ وقع ما أتشرف بعرضه. فليثق مولاي أن كلام أصدق عبيده في زماننا هذا لا يختلف عما جرى به قلمي، وليوقن مولاي أن ورقتي لم تسطر إلا بخالص النية وصادق الولاء.
بنت المرحوم مصطفى فاضل باشا المصري
خادمتك
نازلي
أميرة ورثت فضل أبيها كما ورثت مجده، تقيم أمثالها بظل شاهقات القصور، يسحبن ذيل الإمارة مختالات في حلل التيه، تسفر في سماء معاليها على الوطن فتكسوه نورا! لعمرك لهي واحدة الشرق وسيدة السيدات المتحجبات.
نامعلوم صفحہ