سيواس هي إحدى المدن التي كرت عليها العصور الخوالي وتعاقبت فيها الدول المختلفات، كل دولة قامت فيها أو أقبلت عليها خلفت لنفسها آثارا، فلما أتت دولتنا أخذت تمحو آثار سابقاتها غير مستحدثة شيئا تبقيه للأجيال المنتظرة، قام آباؤنا وأسيافهم وأعنة خيلهم بأيديهم يثلون العروش ويقلبون الممالك، فما ورثونا مما يورث الآباء أبناءهم إلا أخبار وقائع خفقت بالنصر راياتها. وهذه مفاخرنا التي نساجل بها أمم الأرض.
ولقد مرت بسيواس حوادث من الأيام، فأقوت معالمها ودرست آياتها. تلك إغارات المتغلبين من أمم الأرض ما زالت تأتكل حتى أكلها الأبد.
وكان من حق سيواس أن يبقى بين أنقاضها بعض النفائس من الدمى والحجارة المنقوشة والأدوات والآلات وما استعان به أهلها الأولون على مصانعة الحياة. ولكنها اليوم صفر من ذاك كله، وربما عثر المحتفرون في الأرض وقطاع الصخور على تماثيل صغار من الرخام أو النحاس، فيكسرونها ويفنونها؛ زعما منهم أن تلك النفائس آلهة الكافرين عبدوها من دون الله، فهم يحطمونها انتقاما منها إذ لم يتمكنوا أن ينتقموا من أربابها. وهنالك بقايا أطلال من أيام الرومانيين مثل الجسر الروماني الكائن على مسيرة ساعة ونصف من شمالي سيواس الشرقي، وكالقبة التي في خارج المدينة على طريق صامسون، وأنا أحسبها بنيت بعد السيد المسيح عليه السلام، ومثلها الكنيسة المسماة «خوي كسان» وهي تبعد نحو الأربعة أميال عن تلك القبة. هذه آثار لم أهتد إلى تاريخ أعول عليه في نقل أخبارها، شاهدتها مرارا في إقوائها ودثورها، فطأطأت الرأس عندها إجلالا وأنشدت ما قال صريع الغواني:
هاجت وساوسه برومة دور
دثر عفون كأنهن سطور
ولو كانت هذه الآثار في غير بلادنا لجدد دارسها ولأعيد لها رونقها. غير أننا رجال حرب ولسنا رجال عمران. ولما نظرت إلى المساجد والجوامع رأيتها أقل خرابا وأبقى على حدثان الدهر، فعلمت أن الذين عنوا بها جعلوا عنايتهم للدين دون التاريخ، وها أنا ذاكر هنا بعض ما عرفت من أمر تلك المعاهد.
المدرسة الشفائية
أنشأها كيكاوس الأول بن كيخسرو أحد الملوك السلاجقة. وقد جعلها مستشفى ومدرسة طبية، كما تدل عليه النقوش والكتابات التاريخية التي على بابها. والمدرسة بناء مستطيل الشكل في وسطه رحبة واسعة، قامت على جوانبها عمد من الصفاح تعلوها حنايا من الرخام المزين بأنواع النقوش جعلت تحتها الحجرات. وقد نقش على باب المدرسة هذا الكلام بالعربية: «أمر بعمارة هذه الدار الصحية السلطان ظل الله في العالم، أدام الله أيامه، عز الدنيا والدين، ركن الإسلام والمسلمين، سلطان البر والبحر، تاج آل سلجق، أبو الفتح كيكاوس بن كيخسرو برهان أمير المؤمنين، في تاريخ سنة أربع عشرة وستمائة.» وفي أعالي تلك العمد وأسافلها نقوش كأبدع ما رأته العيون، وعلى أبواب الحجرات نقوش وكتابات بأحرف بارزة تتضمن آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وفي إحدى تلك الحجرات ضريح كيكاوس بن كيخسرو باني المدرسة، قبتها ذات شكل مخروط يعلوها شيء كثير من النقوش الصينية والكتابات الكوفية، وعلى باب الضريح لوح من قطع الآجر طوله خمسة أمتار وتسعون سنتيمترا وعرضه خمسة وأربعون سنتيمترا، نقش عليه الكلام الآتي بالفسيفساء:
المدرسة المسماة شفائية. «لقد أخرجنا من سعة القصور إلى ضيق القبور، يا حسرتاه! ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه. تحقق الانتقال، وتبين الرحال، عن كل ما أوشك الزوال، في الرابع من شهر شوال، سنة سبع عشرة وستمائة.»
المدرسة الشفائية.
نامعلوم صفحہ