فطلب عند وضع المعاهدة أن تحسن معاملة الغرناطيين، وأن يجعل التساهل أساسا لشروطها على أمل أن يقبلوا الديانة المسيحية في المستقبل، وقال في ذلك كلمته المأثورة: «هؤلاء أولاد ينبغي أن نغذيهم باللبن.»
وقد كان من الطبيعي أن يترك أمر تنصيرهم على عهدة الأيام والليالي، إلا أن الخوف من الثورات التي طفقت تهدد إسبانية، والحملات التي ينتظر أن تأتيها من إفريقية -حمل فردينان على اتخاذ تدابير قاسية في حد ذاتها، فأصدر أمره سنة 1499م/904ه، بتنصير المسلمين جميعا، وإرجاع من أسلم من النصارى إلى دينه القديم، وكل من رفض التنصير يجبر على مهاجرة البلاد.
فأحدث هذا القرار اضطرابا عظيما في غرناطة والبشرات، وهب أهل البيازين في وجه الحكام فقتلوهم، وكتبوا إلى الملك الظاهر قنسو الثاني سلطان مصر مستغيثين، فبعث هذا إلى الملكين الإسبانيين يهددهما بالانتقام من المسيحيين الذين في أرضه، فاضطرا إلى أن يوفدا مرشد كاتدرائية غرناطة بطرس مارتير، ليوضح له حقيقة الأمر ويطلعه على الرسائل التي تلقتها حكومة قشتالة من سلطات المدن البحرية في إفريقية، تؤكد فيها أن المبعدين لاقوا من الإسبانيين أحسن معاملة.
واستطاع العاهلان في الوقت نفسه أن يخمدا ثورة الجبليين، ويكرها المسلمين على التنصر، ولا سيما الفتيان والفتيات؛ فإن التنصر كان شاملا فيهم، وآثر جماعة أن لا ينزلوا عن دينهم، فرحلوا إلى المغرب في مدة ثلاثة أشهر تاركين أملاكهم للدولة.
قال صاحب نفح الطيب: «وبالجملة فإنهم تنصروا عن آخرهم، بادية وحاضرة، وامتنع قوم من التنصر ورغبوا في الثورة؛ فاستأصلهم الإسبان سبيا وقتلا، ومنهم من خرجوا على الأمان إلى العدوة المغربية.»
ولكن فاجعة المسلمين المتنصرين (Morisques)
لم تقف عند هذا الحد؛ ذلك بأن العدد الأكبر منهم ظل يبطن الإسلام ويحافظ سرا على شعائره وتقاليده، قال المقري: «كان من أظهر التنصر من المسلمين، وبقي على دينه خفية، فشدد عليهم النصارى في البحث حتى أنهم أحرقوا كثيرا بسبب ذلك، ومنعوهم من حمل السكين الصغير فضلا عن غيرها من الحديد، وقامت لهم ثورات في بعض الجبال على غير طائل.»
فقد فهم الإسبانيون أخيرا أن تحويل شعب عن دينه جملة - بطريق الإكراه - عمل عقيم لا يؤدي إلى النتيجة المنشودة، ولم يجد نفعا ديوان التنقيب (Inquisition)
ما قام به من الفحص البليغ عن هؤلاء المتنصرين في الظاهر، ومن ضروب العقوبات البربرية كالتعذيب والتحريق، حتى كان عهد فيليب الثاني فأصدر قرارا 1565م بإخراج العرب المتنصرة من إسبانية كلها إلا من حسن إيمانه ولم يلحقه شك في نصرانيته، وفصل الأولاد الصغار عن آبائهم وأمهاتهم؛ فوضعوا في المدارس تحت رقابة الحكومة، ليتربوا تربية مسيحية خالصة.
غير أنه لم يتم الجلاء إلا في زمن فيليب الثالث، فأخرجوا إخراجا عاما سنة 1609م/1017ه، فخلت منهم ربوع الأندلس بعدما عمروها بحضارتهم زهاء ثمانية قرون، وآضت إسبانية للإسبانيين.
نامعلوم صفحہ