وما زال الخطر يعصف من بلد إلى بلد حتى شارف مراكش العاصمة؛ فدافع عنها الملثمون مستبسلين مستميتين، فتمكنوا من إنقاذها، وارتد عنها الموحدون خاسرين، بعد أن قتل قائدهم أبو محمد البشير 1125م.
على أن انتصار المرابطين في مراكش لم يكن بوسعه أن يستر انخذالهم في الوقت نفسه أمام ألفنس المحارب ملك أرغون؛ فقد أغار هذا الأمير المقدام على الولايات الأندلسية متكلا على مساعدة «الفرقة الخامسة» من المعاهدين (Mozarabes) ، وهم النصارى المستعربون الذين يعيشون في الأراضي الإسلامية.
واستطاع أن يجتاب الأندلس من الشمال إلى الجنوب عائثا مخربا ينسف الزرع والعمران، ويزداد جيشه تضخما كلما تقدم بما ينضم إليه من المعاهدين حتى بلغ البحر المتوسط، ثم عاد برجاله سالما غانما منتصرا، أفلا يكفي هذا وحده أن يؤكد للأندلسيين ضعف القوى المرابطية؛ فيستهينوا بها، ويذهب ما عندهم لها من الحرمة، وهم إلى ذلك يعلمون أن ثورة المغرب في إبان اشتعالها، والملثمون - كما يبدو - عاجزون عن إطفاء نارها؟
فإن هزيمة الموحدين في مراكش لم توهن عزيمة المهدي ولا صرفته عن دعوته الجريئة؛ فعهد في قيادة عساكره إلى عبد المؤمن بن علي موضع ثقته العظمى، وأحب صحابته إليه، فتمكن هذا من الإيقاع بجيش عظيم من المرابطين يقوده الأمير أبو بكر بن علي 1130م، وعقب هذا الانتصار موت المهدي، فبويع عبد المؤمن بالخلافة بعده، فتم على يده فتح مراكش وانهار عرش أبناء تاشفين 1146م.
ومن الطبيعي أن تساهم الأندلس في إرهاق المرابطين - خلال هذه السنوات - مساهمة فعالة، على أمل أن تخلع نير المغتصب، ويعود إليها استقلالها القديم، فإذا هي تخدم مصلحة الموحدين من حيث أرادت أن تخدم مصلحتها؛ فقد شبت الثورة في البقاع الغربية، يؤرثها أحمد بن الحسين بن قسي؛ فاندلعت سريعة ممتدة إلى إشبيلية وقرطبة، تتلقف المرابطين من كل صوب، ويعجز عن كبحها قائدهم يحيى بن غانية.
بيد أنها تحتاج إلى نجدة تأتيها من الخارج فتضمن نجاحها، والموحدون في عدوة المغرب يثخنون في المرابطين، فلماذا لا يدعوهم أحمد بن الحسين ويقدم لهم الطاعة، حتى إذا أبطئوا عن تلبيته بشاغل حروبهم لا زهدا في الأندلس، تتلفت أنظاره إلى ألفنس بن هنري البورغوني ملك البرتغال، فيمده بتجريدة باسلة، تنفذ في الولايات المرابطية مفسدة ثقيلة الوطأة.
وكان عبد المؤمن أمير الموحدين يحاصر يومئذ مراكش 1146م، وعيناه ناظرتان إلى الجزيرة ، يرى الملك البرتغالي يناصر الثوار، ويملأ يديه من الغنائم، ويرى ألفنس السابع ملك قشتالة
1
يعضد المرابطين طمعا فيهم، ومعاكسة لصاحب البرتغال.
أفما يجدر به أن يخف إلى نجدة ابن قسي، فيسحق قوات الملثمين ويقصي خطر المسيحيين عن الأندلس المسلمة؛ فهو بها أولى، وإليه قبل غيره فزعتها ونداؤها، وهذه مراكش توشك أن تفتح له الأبواب؟
نامعلوم صفحہ