بسم الله الرحمن الرحيم [وبه ثقتي] (أحمد الله) (1) على سابغ نعمه، وسائغ عطيته، كما أشكره على جليل هبته، وجميل هدايته حمد معترف بكمال قدرته، مقر بجلال عظمته، معتقد أنه لا (شبه) (2) له في أحديته ولا مضاهي له في إلهيته، مذعن بقصور الأذهان عن اكتناه هويته، وانسداد المخارج المفضية إلى الإحاطة بحقيقة معرفته، و أصلي على خير بريته وأكرم خاصته، وعلى الطاهرين من عترته.
وبعد ذلك، فإنه تكرر من جماعة من الأصحاب - أيدهم الله بعصمته، وشملهم بعام رحمته - التماس مختصر في الأصول، (مشتمل) (3) على المهم من مطالبه، غير بالغ في الإطالة إلى حد يصعب على طالبه فأجبتهم (إلى) (4) ذلك، مقتصرا على ما لابد من الاعتناء به، غير متطاول إلى إطالة مسائله، و تغليق مذاهبه، ومن الله أستمد التوفيق، انه على ذلك قادر، وباسدائه حقيق.
وهو يشتمل على أبواب عشرة:
صفحہ 43
الباب الأول في المقدمات وهي ثلاثة:
صفحہ 45
المقدمة الأولى لما كان البحث في هذا الكتاب انما هو بحث في أصول الفقه، لم يكن بد من معرفة [فائدة] هاتين اللفظتين:
(فالأصل) (1) في الأصل: هو ما يبتني عليه الشئ ويتفرع عليه.
والفقه: هو المعرفة بقصد [المتكلم]، وفي عرف الفقهاء: هو جملة من العلم بأحكام شرعية عملية مستدل على أعيانها.
ونعني بالشرعية: ما استفيدت بنقل الشريعة لها عن حكم الأصل، (أو) (2) باقرار الشريعة لها عليه.
وأصول الفقه في الاصطلاح هي: طرق الفقه على الاجمال.
فائدتان:
الأولى: الاحكام عندنا هي المنقسمة إلى كون الفعل حسنا - واجبا كان أو مندوبا أو مباحا أو مكروها - والى كونه قبيحا.
فالواجب: ما للاخلال به مدخل في استحقاق الذم.
صفحہ 47
والمندوب: ما بعث المكلف على فعله على وجه ليس لتركه تأثير في استحقاق الذم على حال.
والمباح: ما استوى (طرفا) (1) فعله وتركه في عدم استحقاق المدح والذم.
والمكروه: ما الأولى تركه، وليس لفعله تأثير في استحقاق الذم.
والقبيح: ما لفعله تأثير في استحقاق الذم، ولا يسمى القبيح حراما ولا محظورا حتى يزجر عنه زاجر.
الفائدة الثانية: إذا عرفت أن أصول الفقه [انما] هي طرق الفقه على الاجمال وكان المستفاد من تلك الطرق اما علم، أو ظن (من) (2) دلالة، أو امارة بواسطة النظر، لم يكن بد من بيان فائدة كل واحد من هذه الألفاظ:
فالنظر: [هو] ترتيب علوم، أو ظنون، أو علوم وظنون ترتيبا صحيحا ليتوصل به إلى علم أو ظن.
والعلم: هو الاعتقاد المقتضي سكون النفس [مع] أن معتقده على ما (تناوله) (3) والأقرب أنه غني عن التعريف لظهوره.
والظن: هو تغليب أحد مجوزين ظاهري (التجويز) (4) بالقلب.
والدلالة: هي ما النظر الصحيح فيها يفضي إلى العلم.
والامارة: هي ما النظر الصحيح فيها يفضي إلى الظن.
صفحہ 48
المقدمة الثانية الخطاب: هو الكلام الذي قصد به مواجهة الغير.
والكلام: هو ما انتظم من حرفين فصاعدا من الحروف المسموعة المتواضع عليها إذا صدرت من ناظم واحد، (ومنهم) (1) من شرط الإفادة، ومنهم من شرطه المواضعة، والثاني يبطل (بتقسيم) (2) أهل اللغة الكلام إلى المهمل والمستعمل، ومورد التقسيم مشترك.
وعلى ما قلناه، فالكلام اما مهمل، وهو ما لم يوضع في اللغة لشيئ واما مستعمل.
والمستعمل: اما أن لا يستقل بالمفهومية وهو الحرف، واما أن يستقل:
فان دل على الزمان المعين فهو الفعل، وان لم يدل فهو الاسم.
ثم الاسم: اما أن يكون تصور معناه مانعا من وقوع الشركة فيه (فهو) (3) الجزئي، أولا يمنع [فهو الكلي] وحينئذ ان دل على الماهية فهو اسم الجنس عند النحاة وان دل على موصوفيتها فهو المشتق.
تقسيم اللفظ ومعناه:
ان اتحدا: فاما جزئي واما كلي، فان كان كليا وكان معناه في موارده بالسوية فهو متواطئ، أو متفاوتا فهو مشكك.
صفحہ 49
وان تكثرا فالألفاظ متباينة سواء كانت المعاني متصلة أو منفصلة.
وان تكثرت الألفاظ واتحد المعنى فهي مترادفة.
وان تكثرت المعاني واتحد اللفظ من وضع واحد، فان كانت دلالتها على المعاني بالسوية فهي مشتركة، أو متفاوتة فالراجح حقيقة والمرجوح مجاز.
المقدمة الثالثة في الحقيقة والمجاز: وهي ثلاثة فصول:
الفصل [الأول] يشتمل على مسائل:
المسألة الأولى: في تعريفهما:
أظهر ما قيل في الحقيقة هي كل لفظة أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به.
والمجاز: (هو) (1) كل لفظة أفيد بها غير ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به لعلاقة بينهما.
المسألة الثانية: فيما يفصل [به] بينهما وهو اما (بنص) (2) أهل اللغة، بأن (يقولوا) (3) هذا حقيقة، وذاك مجاز، أو بالاستدلال بعوائدهم كان يسبق إلى أذهانهم عند سماع اللفظ المعنى من دون قرينة.
وههنا فروق أخر:
صفحہ 50
الأول: الاطراد في فائدتها دلالة على كون اللفظ حقيقة في تلك الفائدة.
الثاني: صحة التصرف - كالتثنية والجمع - دلالة على الحقيقة.
الثالث: استعمال أهل اللغة دلالة عليها أيضا.
الرابع: تعليق (اللفظة) (1) بما يستحيل تعلقها به دلالة على المجاز كقوله تعالى " واسأل القرية " (2) وفى الكل نظر.
المسألة الثالثة: اللفظ اما أن يستفاد وضعه للمعنى بالشرع أو بالوضع، والأول هو الحقيقة الشرعية، والثاني: اما أن ينقل عن موضوعه لمواضعة طارئة، وهو العرفية، أو لا ينقل، وهو اللغوية، وكل واحدة من هذه الألفاظ اما أن تكون موضوعة لمعنى واحد، وهي المفردة، أو لمعنيين فصاعدا، وهي المشتركة فوائد ثلاث الأولى: لا شبهة في وجود الحقيقة الوضعية، وأما العرفية فكذلك، أما الامكان فظاهر، وأما الوقوع فبالاستقراء (اما) (3) من عرف عام كالغائط للفضلة وقد كان للمطمئن، والدابة للفرس وقد كان لمادب، واما من عرف خاص فكما للنحاة من الرفع والنصب، ولأهل الكلام من الجوهر والكون.
تقسيم العرف اما أن يجعل الاسم مستعملا في غير ما كان مستعملا فيه أو في بعضه
صفحہ 51
والثاني تخصيص كلفظ الدابة، والأول، اما أن يرجح العرف الطارئ ويرفض السابق وهو نقل كالغائط و (الراوية) (1) أو لا يرجح فيكون مشتركا كقولنا:
كلام زيد، فإنه يقع على لفظه، وعلى حكاية كلامه، كقولنا: هذا كلام أمير - المؤمنين، عند ايراد خطبه.
الفائدة الثانية: الحقيقة الشرعية موجودة، وصار جماعة من الأشعرية إلى نفيها، ونعني بالشرعية: ما استفيد وضعها للمعنى بالشرع.
لنا: وجودها في ألفاظ الشارع، فان الصوم في اللغة: الامساك وفى الشرع امساك خاص، والزكاة: الطهارة، وفى الشرع طهارة خاصة، والصلاة:
الدعاء وفى الشرع لمعان مختلفة أو متواطئة، تارة تعرى عن الدعاء كصلاة الأخرس وتارة يكون الدعاء منضما كصلاة الصحيح.
تفريع الأصل عدم النقل، لان احتمال النقل لو ساوى احتمال البقاء على الأصل لما حصل التفاهم عند التخاطب مع الاطلاق، لان الذهن يعود مترددا بين المعنيين، لكن التفاهم حاصل مع الاطلاق فكان الاحتمال منفيا.
الفائدة الثالثة: لا شبهة في وجود الحقيقة المفردة، واختلف في المشتركة فمن الناس من أوجب وجودها نظرا إلى كثرة المعاني وقلة الألفاظ، ومنهم من أحالها صونا للفهم عن الخلل، والأول باطل، لأنا لا نسلم كثرة المعاني عن الألفاظ والثاني باطل لان الغرض قد يتعلق بالابهام كما يتعلق بالإبانة. وأما وجودها فاستقراء اللغة يحققه.
صفحہ 52
فرعان الأول: الأصل عدم الاشتراك، لأنه لولا ذلك لما حصل الفهم الا عند العلم بعدمه، وهو باطل، لأنه (يلزم) (1) بطلان الاستدلال بالنصوص، لجواز أن تكون ألفاظه موضوعة لغير ذلك المعنى.
الفرع الثاني: يجوز أن يراد باللفظ الواحد كلا معنييه - حقيقة كان فيهما أو مجازا أو في أحدهما - نظرا إلى الامكان لا إلى اللغة.
وأحال أبو هاشم وأبو عبد الله ذلك، وشرط أبو عبد الله في المنع شروطا أربعة: اتحاد المتكلم، والعبارة، والوقت، وكون المعنيين لا (تضمهما) (2) فائدة واحدة، وقال القاضي: ذلك جائز ما لم يتنافيا كاستعمال لفظة (افعل) في الامر والتهديد، (و) (3) الوجوب والندب.
لنا: أنه ليس بين إرادة اعتداد المرأة بالحيض واعتدادها بالطهر منافاة، ولا بين إرادة الحقيقة وإرادة المجاز معا منافاة، و (إذ) (4) لم يكن ثمة منافاة لم يمتنع اجتماع الإرادتين عند (المتكلم) (5) باللفظ.
حجة المانع: لو استعمل المتكلم اللفظة في حقيقتها ومجازها لكان جامعا بين المتنافيين وانما قلنا ذلك لوجهين:
أحدهما: أنه يكون مريدا لاستعمالها فيما وضعت له والعدول بها عنه.
صفحہ 53
والثاني: أن المتجوز يضمر كاف التشبيه، ومستعمل الحقيقة لا يضمر، فلو استعملها في المعنيين لأراد الا ضمار وعدمه.
الجواب: لا نسلم كونه جامعا بين المتنافيين. قوله: " يكون مريدا لموضوعها والعدول عنه ". قلنا: يعني بالعدول كونه مريدا لاستعمالها في غير ما وضعت [له] كما أراد استعمالها فيما وضعت له؟ أم يريد استعمالها فيما وضعت له (ولا) (1) يستعملها فيه [و] الأول مسلم ولا ينفعك والثاني ممنوع.
قوله في الوجه الثاني: " يريد الاضمار وعدمه " قلنا: لا بالنسبة إلى شئ واحد بل بالنسبة إلى شيئين، وذلك ليس بمتناف.
وأما بالنظر إلى اللغة، فتنزيل المشترك على معنييه باطل، لأنه لو نزل على ذلك لكان استعمالا له في غير ما وضع له، لان اللغوي لم يضعه للمجموع، بل لهذا وحده، (و) (2) لذاك وحده، فلو نزل عليهما معا لكان ذلك عدولا عن وضع اللغة.
حجة المخالف وجهان:
الأول: قوله تعالى " ان الله وملائكته يصلون على النبي " (3).
الثاني: قول سيبويه: (الويل): دعاء وخبر.
جواب الأول: ان في الآية اضمارا، أما على قراءة النصب فلان ذلك أدخل في باب التعظيم، وأما على قراءة الرفع فلان العطف على اسم (ان) لا يصح الا بعد تمام الخبر عند البصريين، فكان التقدير: ان الله يصلي وملائكته يصلون.
صفحہ 54
وعن الثاني: ان ذلك اخبار عن كون اللفظة موضوعة لهما معا، وذلك غير موضع النزاع.
المسألة الرابعة: لا يجوز أن يخاطب الله عباده بما لا طريق لهم إلى العلم بمعناه خلافا للحشوية.
لنا: أن ذلك عبث، فيكون [لله] قبيحا.
احتجوا: بقوله تعالى: " كأنه رؤوس الشياطين " (1) وبقوله تعالى " حم " (2) و " ألم " وما أشبهها.
والجواب: لا نسلم خلو ذلك عن الفائدة، لان الأول كناية عن (القبيح) (4) واستعارة فيه، والثاني اسم للسورة.
الفصل [الثاني]:
في المجاز وأحكامه، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أكثر الناس على امكانه ووجوده، ومنعه قوم امكانا، وآخرون وقوعا.
لنا: [ان] اسم (الحمار) يستعمل في البليد، وليس حقيقة فيه، فهو مجاز.
احتجوا: بان المجاز ان دل بدون القرينة فهو حقيقة، ومعها لا يحتمل الا ذاك، فهو حقيقة أيضا.
صفحہ 55
جوابه: ان القرينة خارجة عن دلالة اللفظ، وكلامنا في دلالته مفردا.
على: ان القرينة قد لا تكون لفظية، وكلامنا في الدال بالوضع.
المسألة الثانية: المجاز ممكن الوجود في (خطاب) (1) الله تعالى، و موجود، خلافا لأهل الظاهر.
لنا: قوله تعالى: " جدارا يريد أن ينقض " (2) و " جاء ربك " (3) وقوله:
" لما خلقت بيدي " (4) وليست هذه موضوعة في اللغة لما أراده الله تعالى بها قطعا، ولا الشارع نقلها، لعدم سبق أذهان أهل الشرع عند اطلاقها إلى المراد بها، فتعين أن يكون مجازا.
احتجوا: بأنه لو تجوز لكان ملغزا معميا.
وجوابه: أنه لا ألغاز مع القرينة.
المسألة الثالثة: اختلفوا في جواز تعدية المجاز [عن] (موضع) (5) الاستعمال فأجازه قوم، ومنعه الأكثر.
[و] احتج المانع: بأنه لو كفت العلاقة لصح تسمية الحبل الطويل نخلة، كما سمي به الرجل الطويل، ويسمى الأبخر أسدا.
المسألة الرابعة: تشتمل على فوائد:
الأولى: لا يجوز خلو اللفظ - بعد الاستعمال - من كونه حقيقة أو مجازا لأنه: ان استعمل فيما وضع له فهو حقيقة، والا فهو مجاز.
صفحہ 56
الثانية: الحقيقة والمجاز لا يدخلان أسماء الألقاب، لأنها لم تقع على مسمياتها المعينة بوضع من أهل اللغة ولا من الشرع، وإذا لم تكن كذلك لم يكن مستعملها في الأشخاص تابعا لأهل اللغة، لا بالحقيقة ولا بالمجاز.
الثالثة: إذا تجرد اللفظ عن القرائن (نزل) (1) على حقيقته، لان واضع اللغة وضعه للدلالة على معناه فكأنه قال: عند الاطلاق أريد به ذلك المعنى، فلو لم يفد به عند الاطلاق كان (ناقضا) (2).
قال جماعة من الأصوليين: يجب اطراد الحقيقة في فائدتها دون المجاز لأنا إذا علمنا أن أهل اللغة سموا الجسم طويلا عند اختصاصه (بالطول) (3) ولولا ذلك لما سموه طويلا، وجب تسمية كل جسم (فيه) (4) طول بذلك، قضية للعلة.
الفصل الثالث في جملة من احكام الحروف:
الواو: للجمع المطلق، (لاجماع) (5) أهل اللغة على ذلك، وأيضا: فإنه يستعمل فيما يمتنع فيه الترتيب، كقولنا: تقاتل زيد وعمرو.
واحتج: بانكار رسول الله صلى الله عليه وآله على قائل: من أطاع الله ورسوله فقد هدي، ومن عصاهما فقد غوى، بقوله: " قل: ومن عصى الله ورسوله ".
والجواب: ان الافراد أدخل في باب التعظيم من الجمع، فلعله عليه السلام قصد
صفحہ 57
ذلك دون الترتيب.
الفاء: للتعقيب، باجماع أهل اللغة. (ومنهم) (1) من جعلها للتراخي أيضا لقوله تعالى: " لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم " (2) والاسحات (متراخ) (3) عن (الافتراء) (4)، ولأن الفاء تدخل على التعقيب.
وجوابه: ان الأول تجوز، والثاني تأكيد.
ثم: للمهلة، وقال آخرون: الا في عطف الجمل كقوله تعالى: " لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " (5).
في: للظرفية خاصة، وقيل: للسببية كقوله: عليه السلام " في خمس من الإبل شاة "، ولا يعرفه أهل اللغة.
قيل: الباء إذا دخلت على المتعدي تبعيضية، وأنكر ذلك ابن جني.
انما: للحصر، لان (ان) للاثبات، و (ما) للنفي، فيجب أن يكون لنفي ما لم يذكر واثبات ما ذكر، لاستحالة غيره من الأقسام، ويؤيده قول الشاعر:
... * وانما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي وقوله:.... وانما العزة للكاثر [ثم] احتج المخالف: بقوله: انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " (6).
[و] جوابه: انه للمبالغة.
صفحہ 58
الباب الثاني في الأوامر والنواهي وفيه فصول
صفحہ 59
الفصل الأول فيما يتعلق بصيغة الامر، وفيه مسائل:
[المسألة] الأولى: لا شبهة في وقوع لفظة الامر بالحقيقة على القول المخصوص، واختلف في وقوعه على الفعل، فأنكر ذلك قوم، واعتمده آخرون وتوسط أبو الحسين فقال: هو مشترك بين القول المخصوص وبين الشئ و الصفة والشأن والطريق، وهو المختار.
لنا: ان القائل إذا قال: هذا أمر بالفعل علم القول، وان قال: مستقيم علم الشأن، وان قال لأجله جاء زيد علم الشئ والغرض، وان اطلقه حصل التوقف وهو دلالة الاشتراك، ولا يجوز أن يكون لفظ الامر حقيقة في مطلق الفعل، والا لسمي الشرب اليسير أمرا.
احتج من خصه بالقول: بان الأصل عدم الاشتراك.
وجوابه: ان الأصل ظاهر لا قاطع، وقد (ترك) (1) الظاهر لقيام الدلالة.
واحتج من جعله حقيقة في الفعل بوجوه:
أحدها: قوله تعالى: " فاتبعوا أمر فرعون " (2).
صفحہ 61
الثاني: قوله تعالى: " وما أمرنا الا واحدة " (1).
الثالث: ان (أمرا) في الفعل جمعه (أمور)، والجمع دلالة الحقيقة.
الرابع: (انه) (2) مستعمل في الفعل، والاستعمال دلالة الحقيقة.
والجواب عن الأول: انه محمول على القول، [و] يؤيده قوله: " فاتبعوا ".
وعن الثاني: لا نسلم أن المراد بذلك الفعل، والا لكانت أفعاله كلها واحدة بل الشأن، أي: شأننا ذلك.
وعن الثالث : لا نسلم أن التصرف دلالة الحقيقة.
سلمنا، لكن لا نسلم أن (أمورا) جمع (أمر)، فإنه لافرق بين قولهم: أمر فلان مستقيم، وبين قولهم: (أمور فلان مستقيمة) (3).
سلمنا [ه]، لكن اطلاق ذلك (لخصوص) (4) كونه شأنا، لا (لعموم) (5) كونه فعلا.
وعن الرابع: لا نسلم أن الأصل في الاستعمال الحقيقة.
سلمنا [ه] (لكن) (6) معارض بأن الأصل عدم الاشتراك.
المسألة الثانية: الامر القولي: هو استدعاء الفعل بصيغة (افعل) أو ما جرى مجراها على طريق الاستعلاء، إذا صدرت (من مريد لايقاع الفعل) (7).
صفحہ 62
شرطنا الصيغة المخصوصة احترازا من الخبر والتمني وشبهه إذا تضمن الاستدعاء.
وشرطنا الاستعلاء احترازا ممن طلب متذللا ملتمسا.
وشرطنا الإرادة - على ما اختاره المرتضى رحمه الله - خلافا للأشعرية وجماعة من الفقهاء.
لنا: ان الصيغة ترد أمرا كقوله تعالى: " أقم الصلاة " (1) وغير أمر كقوله: افعلوا ما شئتم، ولا مخصص [له] الا الإرادة، لبطلان ما عداه من الأقسام احتج المخالف بوجهين:
أحدهما: لو لم يكن الامر أمرا الا بالإرادة، لما صح الاستدلال بالامر على الإرادة.
الثاني: ان أهل اللغة قالوا: الامر هو قول القائل لغيره: (افعل) [كذا] مع الرتبة، ولم يشترطوا الإرادة، فجرى ذلك مجرى استعمال لفظ الانسان في (موضوعه) (2) فإنه لا يفتقر إلى الإرادة.
وجواب الأول: انا لا نستدل على الإرادة بالامر من حيث كان أمرا، بل من حيث هو على صيغة (افعل) وقد تجرد، لان هذه الصيغة موضوعة لطلب المراد حقيقة، فإذا (تجردت) (3) وجب حملها على موضوعها.
وجواب الثاني: سلمنا (عدم) (4) اشتراطها (لفظا) (5) لظهورها، ولكن
صفحہ 63
لا نسلم عدم اشتراطها في نفس الامر، كما لم يشترطوا انتفاء القرائن، وليس تمثيل تسمية الانسان مما نحن فيه، (لأنا لا نخالف) (1) عند اطلاق هذه اللفظة انها تحمل على الامر، بل الخلاف: هل يسمى أمرا وان لم يرد الفعل؟.
المسألة الثالثة: لفظة (افعل) حقيقة في الطلب بلا خلاف، وهل هي حقيقة في التهديد أم لا؟ الأظهر عدمه، والا لتوقف الذهن في فهم أحد الامرين عند الاطلاق وهو باطل.
وأيضا: فإنها حقيقة في الطلب، فليكن مجازا في غيره دفعا للاشتراك.
المسألة الرابعة: لفظة (افعل) حقيقة في الوجوب، وقال آخرون: الايجاب [و] هو اختيار الشيخ أبي جعفر رحمه الله.
وقال أبو هاشم: هي للندب، إذا صدرت من الحكيم، وكان (المقول) (2) له في دار التكليف.
وتوقف آخرون.
وقال المرتضى: هي مشتركة (بينهما)، (3) نظرا إلى اللغة قال: [و] أو امر الشارع المطلقة تحمل على الوجوب، مدعيا في ذلك الاجماع. حجتنا:
ان العقلاء يذمون العبد الممتنع عند قول سيده: (افعل) مع اطلاق الامر، و يعللون حسن ذمه بمجرد ترك الامتثال، ولا معنى للوجوب الا هذا. وما يشيرون إليه من القرائن تفرض ارتفاعه، واستحقاق الذم باق بحاله قطعا.
احتج المرتضى رحمه الله: بأنها وردت للايجاب والندب، والأصل في الاستعمال الحقيقة.
صفحہ 64
وجوابه: كما أن الأصل [في الاستعمال] عدم التجوز، فالأصل عدم الاشتراك.
المسألة الخامسة، صيغة الامر الواردة بعد الحظر كحالها قبله، وقال قوم:
تفيد بعد الحظر: الإباحة.
لنا: أن صيغة الامر تفيد طلب الفعل، والإباحة تفيد التخيير فيه، فلم يكن مستفادا منها، وغير ممتنع انتقال الشئ من الحظر إلى الوجوب.
احتج الخصم: بقوله تعالى: " وإذا حللتم فاصطادوا " (1).
وجوابه: معارض بقوله: " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين " (2).
المسألة السادسة: ذهب الجبائيان إلى أن الامر المطلق لا يقتضي التعجيل وجوزا التأخير عن [أول] أوقات الامكان. وصار آخرون إلى تحريم التأخير واختاره الشيخ. وقال المرتضى رحمه الله بالاشتراك.
والظاهر: أنه لا اشعار [فيه] بفور ولا تراخ.
لنا: انه [ورد] مع الفور تارة، ومع التراخي أخرى، فيجعل حقيقة في القدر المشترك بينهما، صونا للكلام عن الاشتراك والتجوز.
وأيضا: فان قول القائل (افعل) هو طلب (الفعل) (3) في المستقبل (وجرى) (4) مجرى (تفعل) في كونه اخبارا عن الفعل في المستقبل، وكما يجوز وقوعه بعد مدة، فكذلك الامر.
صفحہ 65