المسألة التاسعة: [في بيان التلاوة والرأي] اعلم أن المصنف أيد دوام الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيئين: أحدهما: مدة دوام تلاوة الشرع. وثانيهما: مدة دوام هداية العقل إلى الرأي الجلي، وفي ذلك من المناسبة للمقام، ورعاية الحال، وبراعة الاستهلال، ما لا يخفى على من كان له أدنى إلمام بالبلاغة، فإنه أسند التلاوة إلى الشرع، وأضاف هداية العقل إلى الرأي، ثم جعل ذلك كله تأييدا لإنشاء الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - .
فأما التلاوة: فهي قراءة القرآن متتابعة كالدراسة والأوراد المواظبة.
وأما الرأي: فهو اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة الظن، وعليه: {يرونهم مثليهم رأي العين} أي يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم . وقال بعضهم: الرأي هو إجالة الخاطر في المقدمات التي رجى منها إنتاج المطلوب، وقد يقال للقضية المستنتجة من الرأي رأي، /29/ ويقال لكل قضية فرضها فارض رأي أيضا.
وقال القطب: والرأي: ما اعتقدته وذهبت إليه مخترعا له، ومعناه المرئي: مأخوذ من رأى يرى فهو راء، وزيد مرئي رؤية ورأيا.
أقول: ولا بد للرأي أن يكون مستندا على أصل يرجع إليه، وأصله في باب الشرع إنما هو الكتاب والسنة والإجماع، فلا رأي إلا إذا استند على شيء من هذه الأصول الثلاثة، وإن كان استناده ظنيا، إذ ما عدا الثلاثة ليس بشرع، وليس لأحد من البشر أن يأتي بشرع من قبل نفسه. فأما إذا استند الرأي على شيء من هذه الأصول فهو ثابت صحيح عندنا، خلافا لمن منع مطلقا.
صفحہ 57